نصوص أدبية

العيدية

ناجي ظاهر* بيئة القصة: مهجرون

* زمن القصة: بعد التهجير بسنوات.

* الشخصيات: طفل في الخامسة. امه في الخامسة والثلاثين. رجل في حوالي الاربعين تربطه آصرة نسب بالعائلة.

يدخل الطفل البراكية القديمة، يرى امه وقريبًا له يجلسان يتبادلان الكلمات والابتسامات. انه يُحب هذا الرجل، ويستلطفه، فهو متحدث لبق وقد تعلّم منه الكثير. كلماته موزونة ونبراته موقّعة. يستغل الطفل الفرصة يقول:

-  قرّب العيد.

ترسل الام نظرة ذات معنى إلى ضيفها:

- ياالله شو بحب هذا الولد الفرح.. صار له ايام وهو يقول قرّب العيد.

- بعرف. يقول الرجل. ويرسل نظرة اشتهاء نحو المرأة. يستغل الطفل الموقف:

- هاي السنة عيديتي رايحة تكون كبيرة.. الله ما احلى العيد. مصاري.. قروش وليرات.. ملبس ولحم..

بعد سكتة قصيرة يتابع:

- من امي نص ليرة. من ابوي ليرة. من اخوي الكبير خمسة وعشرين قرش ومن اختى خمسة وعشرين قرش.. هيك بصير معي ليرتين.. بتنتلي جيبتي بالمصاري.

يتحرك الرجل في مقعده الخشبي الواطي:

- شو بدك تعمل بهاي المصاري؟

يرد عليه الطفل بدون تردّد:

- بدي اشتري اشي كثير غالي.

يسأله الرجل:

- قلي.. ايش هو؟

يغمض الطفل عينيه، ويغوص في بحر من الصمت. يبتسم الرجل:

- بعرف انك ولد شاطر.. انا متأكد من انك بتفكر باشي كبير ومهم. يرسل الطفل إلى الرجل نظرة شكر وامتنان، يتفاعل معها الرجل مُرسلًا نظرة نحو ام الطفل:

- عيديتك هاي السنة رايحة تزيد نص ليرة..

يتهلّل وجه الطفل. انه يفهم كل ما يقال. الرجل قرّر ان يعايده بنصف ليرة. الله ما احسن هالعيد، ليرتين ونص بصير معي، بشتري لأمي منديل بليرتين وبنيّظ (بدلل) روحي بنص ليرة.. يتغضّن وجه الطفل.. واذا ما اعطاني نصف ليرة؟ بتخرب كل حساباتي... يتوجه الى الرجل:

- كيف يعني بدها تزيد عيديتي نص ليرة؟

يرسل الرجل نظرة باسمة إلى أم الطفل، ويتوجّه إليه:

- انا باكدلك انها رايحة العيدية تزيد نص ليرة.

يتصدّى له الطفل:

- كيف يعني.. قُلّي..

يرمق الرجل الأم بنظرة ساخنة من طرف عينه:

- عيّن خير.. انا ضمرت على اشي اذا ضبط.. رايح اعايدك بليرة.. مش نص ليرة. روح العب برة اسه.

يخرج الطفل من البراكية، تاركًا امه وذلك الرجل وحدهما.. هناك.. شيء ما يشدّه الى الداخل، قلبه يدق بسرعة. ما قاله ذلك الرجل اغرقه في حالة من القلق.. فما هو الذي ضَمَره؟ ولماذا هو رمق امه بأكثر من نظرة ساخنة؟.. هكذا وجد نفسه بدون وعي منه يبحث عن ثقب في البراكية حيث تجلس امه وذلك الرجل.. وبيد كل منهما فنجان قهوة. ويتلصص إلى الداخل. قلبه يدق.. يدق يدق.. بسرعة يدق.. انه يرى الرجل يمد يده إلى صدر امه.. انه يضرع الى الله طالبًا منه ان يلهمها القوة فتبعد اليد الممدودة إلى صدرها عنه. يا ربّ تبعد يده عن صدرها.. لا تدعيه ينال مأربه منك.. يغمض الطفل عينيه.. يفتحهما.. في متاهة من الحيرة.. انه يقف الآن بين.. بين.. فاذا ما استسلمت امه لليد الممدودة إلى صدرها.. حصل على العيدية العتيدة، واذا رفضت فانه لن يحصل عليها.. اغمض الطفل عينيه وفتحهما ليرى أمه ترد اليد الممدودة إلى صدرها.. يخرج الطفل عن سيطرته على نفسه.. يصفّق لأمه.. برافو امي.. هيك بدي اياك جدعة ومخلصة.. كرامتك هي احلى عيدية. يبدو ان صوت الطفل يصل إلى داخل البراكية. يسحب الرجل يده رادًا اياها إلى الخلف. ويندفع خارجا من البراكية.. مبتعدا عنها.. ليغيب في اجمة الاشجار الواطية.. و.. لتختفي اثاره.. نهائيا.

 

قصة: ناجي ظاهر

 

في نصوص اليوم