نصوص أدبية

سعد الدغمان: أيام الورد

صعد على منصة قاعة الدرس، وضع حقيبته على الطاولة التي في منتصف المسافة بين حدي المنصة، ألقى التحية على الطلبة وأخذ يتلفت على الجانبين بنظرة استطلاع، وكأنه يبحث عن أجابة، كانت القاعة تعج برائحة (اللافندر)، استدار نحو النافذة وأستنشق الهواء بعمق بعد أن لفحت وجهه نسمة هواء باردة مشبعة بعطر (الكاردينيا).

قال يالله على هذا الجمال في سره، أستدار بنظراته نحو الشباك وأخذ يمعن النظر في غابة (الورد) التي على جانبي مدخل رئاسة الجامعة، شرد بذهنه حين أعاده المشهد المطرز بألوان الزهور إلى أيام أن أصطحبه المختار (أبو خالد) ليقابل معالي رئيس الجامعة إثر اتصال سابق جرى بينهما أنتهى بالموافقة على أن يعمل (علي) في وظيفة (جنايني) مزارع يعتني بالحديقة التي على مدخل الرئاسة فقط، ولاعلاقة له بالزروع والحدائق الأخرى، فقد كان رئيس الجامعة شغوفاً بالزهور ومن يعتني بها.

بعد وفاة والده كان (علي) قد ترك الدراسة وهو في المرحلة النهائية من الثانوية، ليتفرغ للعمل وإعالة والدته وأخواته الأربع، تقلب بين مهن عدة في السوق، إنتهى به المطاف عامل في (سوبر ماركت) وفي يوم عاصف تصاعدت حدة الخلاف بينه وصاحب المحل الذي اتهمه بالسرقة، ليتضح بعد الرجوع للكاميرا أن أبنه هو الذي سرق، وأن علياً كان يوبخه على فعلته تلك، والحمد لله كانت الكاميرات هي الشاهد الحي، ترك على العمل في ذلك المحل رغم توسلات صاحبه واعتذاره، أحس بالإهانة من تصرف صاحب المحل وقال (ليس كل مرة تسلم الجرة) الله الغني، الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

حمد الله على كل حال وعاد إلى البيت وآثار ما جرى طبعت على قسمات وجهه، في طريق عودته لابد أن يمر على  أبي خالد (مختار الحي)، وهو رجل سبعيني يحب الخير للجميع ويسعى لمتابعة علي وأخوته باستمرار لما يربطه من ود والمرحوم أبي علي، فقد كانا أصدقاء  طيلة حياتهم، و تربطهم وشائج القرابة عن طريق النساء، ناهيك عن كونهما من نفس القرية التي نزحوا منها إلى المدينة وعاشا فيها طولا بعرض حتى بات أبو خالد (مختار المنطقة) و توفي أبو علي الذي كان يعمل في الميناء القريب من الحي بعدها.

استعاد علي شريط الذكريات هذا كله  من خلال النظرة الفاحصة الطويلة التي تأمل بها المكان وتلك الأزهار التي رعاها طيلة سنين وهو يعمل في تلك الحديقة ويواصل دراسته حتى أكمل تعليمه الجامعي بتفوق وتعاقدت معه الجامعة ليكون استاذاً فيها.

مشهد الذكريات ذاك قطعه نداء إحدى الطالبات حين تجاوز صوتها مسمع الدكتور علي، قائلة دكتور لم أجد سوى مصدر واحد يتناول موضوع البحث الذي كلفتني به، وأعادت الكلام مرتين، حينها أنتبه الدكتور علي للطالبة فأستدار نحوها وقال عفواً لم أفهم سؤالك، قالت الطالبة سلامتك دكتور (إلى أي مدى أخذتك الذكرى).

فرد عليها "الدكتورعلي" بحنين وود (إلى أيام الورد يابنتي).

***

سعد الدغمان

12-05-2023

في نصوص اليوم