نصوص أدبية

موعدٌ في سامراء!!

صادق السامرائيالصباح مشرق جميل، وأمواج الدجلة تترقرق متهادية، والأطيار تتبارى فوق المياه، وقد جلس التاجر  المُترف على مائدة الإفطار التي أعدّها له خادمه، وفيها ما لذ وطاب من الأكلات البغدادية الشهية، ومن حوله جواري القصر الفاتنات.

تنهد التاجر وتساءل عن طعام غير موجود وقد إشتهته نفسه، لأن إحدى جواريه تتلذذ به، فتزداد بشاشة وروعة وبهجة.

فقال لخادمه: ألا تذهب إلى السوق وتُحضر لنا ذلك الطعام؟

قال الخادم: حسنا ياسيدي!!

ركب الخادم الحصان وتوجه إلى سوق المدينة لإحضار الطعام المطلوب، وما هي إلا برهة وقت حتى عاد مذعورا مرعوبا شاحبا يتصبب عرقا، وقد إرتجفت أوصاله وشخصت عيناه، وما عاد يستطيع الكلام بسهولة!!

فتعجب التاجر من أمره وسأله: ماذا حصل؟

فأجابه: سيدي لقد رأيت الموتَ!!

ماذا تقول: رأيت الموت يحدّق بوجهي ويريدني هذه الليلة، رأيت الموت بهيأة إمرأة عجوز شمطاء، تقدح عيونها بالغضب والإفناء، وأخذ يصفها لسيده!!

فردّ عليه سيده: عن أي موت تتحدث، هل جننت؟!!

قال الخادم: الكلام لا ينفع، سيدي دعني أمتطي حصناك القوي وأذهب إلى سامراء، لأهرب من الموت الذي أرعبني!!

قال التاجر: إلى أين؟!!

فأجابه الخادم: إلى سامراء حتى لا ينالني الموت، إنه يتجول في أسواق بغداد!!

ومضى الخادم مخروعا مرتجفا نحو الحصان وامتطاه وركزه بقوة وهو يقول: إلى سامراء هربا من الموت، يا سيدي!!

ومضى بأقصى ما يستطيع من السرعة والجريان!!

تحيّر التاجر، وحملق بوجوه جواريه، وعلامات الإستفهام تدور في خلده، فرأى أن يذهب إلى السوق ويتبين ما أخبره به خادمه، الذي يعرفه أمينا صادقا ويثق به.

وفي السوق شاهد الموت بهيأة تلك المرأة التي وصفها له فسأله: لماذا هددت خادمي وأرعبته هذا الصباح؟!

فقال الموت: كنت متعجبا من وجوده في بغداد، وعندي موعد معه الليلة في سامراء!!

نظر التاجر إلى الموت بدهشة وألم، وهو يقول لنفسه، لا مفر من قبضتك، فكل مخلوق رهن يديك!!

وعاد متوجعا إلى قصره والأحزان ترفرف حوله، وجلس مهموما وسط إستغراب جواريه وقلقهن عليه.

ولا يزال خادمه يغذ السير مسرعا نحو سامراء، وقد تبلدت أحاسيسه وطغى عليه الشعور بالموت، فكان على ظهر الحصان، وكأنه آلة ذات طاقة مطلقة تريد الوصول إلى المدينة قبل الغروب.

وتمكن من دخولها وقد أوشكت الشمس أن تغيب، بعد أن أنهك حصانه وأرهقه أيما إرهاق، وكانت المفاجأة الكبرى، أن وجد نفسه قبالة الموت الذي حاول الهرب منه في بغداد، فتجمد بمكانه وتسمرّ متصملا، وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتهاوى من على ظهر الحصان الذي شرد من هول منظر الموت المتنامى أمامه، وراح يصهل في طرقاتها متفجعا متوجعا، والناس من حوله حيرى بما يبوح به الحصان التائه الأسيان!!

وتقدم الموت لينشب براثنه في قلبه ويزهق روحه، وهو يقول: أوفيت بعهدي، وقمت بواجبي، نعم،  إنّ موعدنا في سامراء!!

***

د.صادق السامرائي

 

 

في نصوص اليوم