نصوص أدبية

على أطراف الغابة، وقرب البيت

صالح الرزوقديبورا آن توني

ترجمة صالح الرزوق


 

بالعادة يحضران لوالدتهما صفصاف الهرة أو أعواد البردي من الحقل غير البعيد عن ببتهم، المكان الذي ينتهي عنده الشارع السكني وتبدأ منه أرض موبوءة بغطاء من الأعشاب. كان ذاك في أواخر الخمسينات، حينما كانا أولادا، أخا وأخته. وغالبا ما كانا يتنزهان في الحقول، وتخدش ساقيهما الأعشاب القوية البرية وهما في طريقهما إلى الجدول. وهناك يبحثان عن صغار الضفادع وحيوانات الماء، وخلال الانحناء على الجدول يشاهدان جدائل الشمس اللطيفة على سطح الماء. كان هذا آخر موسم من مواسم الصداقة، بين الأخت وأخته، حفرا فيها الوحل جنبا إلى جنب، وامتطيا الدراجة وتجولا بها في الحي، وتنزها في الحقول. ثم تباعدت اهتماماتهما، والتقيا بأصدقاء حلا محل هذه الشراكة المتينة التي تقاسماها. وفي العقود التالية، فكرت الأخت بهذا المسوم حينما كانت العائلة على أتم انسجام. كان صوت دمدمة لوالدة ينبعث دائما في المطبخ، وغالبا تلقي الطرائف على الولدين وتناديهما بأسماء الدلع، وهي تحني ظهرها لتحضن كليهما. أما أبوهما، فهو رجل هادئ ورزين، لا يعلو صوته إلا نادرا، ويلزم غرفة المعيشة دون صوت أو يجلس على طرف المائدة في غرفة الطعام، وهناك يفرض نفسه ويبدو متفهما وصاحب رأي ثاقب، وله مهابة. على الأقل هكذا ستتذكره البنت. وفي أحد الأيام  في بواكير ذلك للصيف، حينما كانت تبلغ الثامنة وأخوها في العاشرة، وهما عائدان إلى البيت من الجدول، مر أخوها بكتلة من صفصاف الهرة فقال:"أمي سيعجبها هذا". وجر الأغصان للأمام والخلف حتى انكسرت. قالت أخته جولاي:"ألا تعتقد يا ستيف، أن هذا يكفي". رد بقوله:"غصن آخر فقط". وتابع ثني الأغصان، وهو يتقدم إلى الأمام، وسارت وهي تلمس عشبة طويلة بغصن في يدها. وابتعدا عن الممر الذي يسيران فيه عادة. وخلف الأرض المعشبة، حيث كانا يقفان وحدهما وينعمان بحرارة الشمس، شاهدا حقلا أوسع فيه أشجار كبيرة تموت، وهناك كان الممر يضيع في التراب. وقفت في الحرارة اللاهبة تنظر للدروب المتشعبة والبعيدة عنهما، وانتظرت أخاها، وتخيلت أنها تسمع نهيق حيوان. قال ستيف وهي تبتعد عنه باتجاه الصوت:"تمهلي". كان الممر جافا ومنحدرا بزاوية حادة. ويتخلل مساحة مهملة يغطيها العشب والحشائش، وكانت أشجار السنديان والبتولا والحور تعلو فوق شجيرات الجميز وغيرها من النباتات الأقصر وضمنها قوس من الشجيرات والورود البرية. وعندما بلغا المكان الذي يقود منه الممر إلى السور، شاهدا مبنى منخفضا في نهاية الحقل. ومع أنهما كانا بعيدين عنه، أمكنهما رؤية حظيرة يأتي منها نواح مؤلم لعشرين رأسا من الماشية تقريبا. وقف الأخ والأخت بنفس اللحظة، ودون كلام، وانخفضا قرب السور الذي يفصل الممر من الحقل المفتوح والمبنى البعيد. كان الرجال يتسكعون هناك، بعضهم عند طاولة للتحميل، وبعضهم بين الماشية، وكلهم بثياب داكنة، مع أن الملابس الثقيلة لا تناسب حرارة الظهيرة. كانوا يتحركون بين الحظائر المزدحمة، والفضاء مشبع برائحة السماد والعرق، وبصوت الرجال والآليات. قال الأخ:"هيا بنا إلى البيت. هذا الجو لا يريحني". وكان يحمل باقة من صفصاف الهرة، وينقلها من يد إلى يد، ليمسح العرق بسرواله. وللوصول إلى بيتهما، كان أمامهما مسيرة تستغرق خمس عشرة دقيقة عبر حقول من الأدغال البرية. تبعا ممرا غير مألوف يتعرج في منطقة من الغابات المبعثرة، وهناك كان الجو مظلما، وباردا، ورطبا بسبب مسقط مياه سمعا صوته ولم يرياه. ومرا من بقايا نار محترقة، مما يدل على بشر سبقوهما بالتقابل هنا خلال الليل. ودخلا إلى الحي السكني من باحة خلفية مسورة يوجد فتحة في سورها سمحت لهما بالمرور، ووصلا إلى شرفة البيت، حيث كانت أمهما تنتظر. وكانت بثوب مطرز بالزهور الملونة، وشعرها الأسود مضموم إلى للأعلى بشريط. قالت:"أين كنتما، لقد انتابني القلق". قال الصبي:"انظري يا أمي. صفصاف الهرة، النوع الذي يعجبك". كان أبوهما في غرفة المعيشة، يقرأ، وهي عادته قبل تناول العشاء، وحينما وصلا إلى المدخل، نظر لهما من فوق الصحيفة وقال:"أين كنتما يا أولاد؟". قال ستيف:"ذهبنا إلى الجدول". قالت:"مؤخرا كررتما زيارته كثيرا". فك ستيف رباط حذاء للرياضة وهو يقول:"نعم". وبعد أن ابتعدت الأم عن غرفة المعيشة لتذهب إلى المطبخ، أضاف:"وشاهدنا اليوم مبنى هناك أمامه أبقار، لكن لا توجد مزرعة. لا أعتقد أنها مزرعة في كل الأحوال". ألقى الأب الصحيفة في حجره وقال:"أين؟". وادلهمت ملامح وجهه. كان الوالد يرتدي حذاء التمساح. وبعد سنوات كتبت جولاي قصيدة عن الحذاء، وعن ما يراقبها من إيحاء بالتسلط، وبخاصة أنها تغلف القدم الرقيقة. وكذلك كتبت قصة عن امرأة تختبئ تحت السرير لتهرب من مخاطر متطفل يرتدي حذاء من هذا النوع وتسبب لها بالخوف الشديد الذي حرمها من القدرة على التتفس. تابع الأخ يقول:"ليس بعيدا عن الجدول، وقرابة النهر". قال الأب وهو ينحني نحوهما:"عليكما أن لا تذهبا إلى هناك، هل تفهمان؟". وترك هذا الاهتمام أثره عليهما، وملأ الغرفة بجو يضغط على الأعصاب، أو هذا ما خيل لجولاي، مع زيادة في مستوى الغضب. وتوقف الطفلان وعيونهما عليه، وكان بنبرته شيء يهدد و يتوعد. وأضاف:"عليكما أن لا تذهبا هناك. هل تفهمان؟". "و لكن لم لا؟". "لأنني لا أريد أن تذهبا إلى هناك". كان كلام الوالد رادعا، وبنتيجته تراجعت جولاي إلى الخلف خطوة. كانت نبرته غير مألوفة، فهو رجل لطيف المعشر، ومتعاطف، ولم تسمعه جولاي يشتم، وكان يشجع ابنيه على الكلام والنقاش ويكتفي هو بالاستماع لهما. وصاحت الأم من المطبخ وهي تسمع صوت زوجها يعلو:"ما الخطب؟". قال دون أن يرفع نظرته عنهما:"ذهبا إلى الحقل قرب ويفرلي". جاءت الأم إلى الباب وقالت:" كلا يا أولاد، كلا. لا يمكنكما فعل ذلك". ورقت نبرة الوالد وهو يراقبهما، كما يحصل دائما، فهو يتأثر بولديه فعلا، لضعفهما، ولوقفتهما المهذبة والمستكينة. وقف وذرع الغرفة بخطواته وقال:"انظرا يا صغار، المكان ليس آمنا. اذهبا إلى الجدول، ولكن لا تذهبا إلى هناك، اتفقنا؟". ونظر إلى كل منهما نظرة مباشرة وهو ينصب رقبته. قال الأخ:"حسنا يا أبي". ألح بقوله:"عداني، لا مزيد من تلك الزيارات". قال الأخ:"أعدك". "و أنت يا آنستي". لم تنطق جولاي وشعرت كأنها موشكة على البكاء، ثم نظرت إلى الأسفل ودمدمت:"حسنا". ومع أن جولاي وافقت كانت تعلم أنها ستقوم بالزيارة. ناقشت الموضوع برأسها وقررت أن تعاود الكرة بمفردها لمرة إضافية على الأقل. وهذه الرغبة نشأت بسبب العناد الذي يماثل إحساسها الغريب بذاتها وهي في العالم أو مثل تطفل البقرة عليها وبعثرة شعرها زعدم قدرتها على تصفيفه بقوس أو دبوس. قالت جولاي:"ماذا يفعلون هناك برأيك؟". كان يوما حارا، حرارته لاهبة ومعلقة فوق الحقل، ولم يمر على الوعد الذي قطعته للوالد بعدم العودة إليه غير أسبوع. قال:"لا أعلم، ولكن أخبرنا الوالد أننا لن نعاود الكرة". كانا وراء سلاسل السور، وينظران للمبنى المنخفض المشيد من القرميد الرمادي، وبسقفه المستوي، والمحاصر بشجيرات سرو وأشجار صغيرة يجللها الغبار. كانت الحظيرة فارغة، وفي الباحة بدا المبنى باهتا، ولدى الاقتراب منه شعرا أنهما اكتشفا مكانا وهميا. وهما ينظران، جاء رجل إلى منطقة التحميل، وتمطط، وتلفت حوله. اختبأ الولدان خلف الشجيرات البرية عند السور، ولذلك لم يمكنه ملاحظتهما. جلس على صندوق شحن كبير عند منصة التحميل، وأخرج سيجارة، أشعلها، وحدق بالحقل والسماء الصيفية العريضة التي فوقه. وسريعا انضم إليه رجل آخر، واستطاع الولدان سماع صوت كلامهما وضحكاتهما البعيدة. كان كلاهما ضخمين. وبالتدريج تباطأ إيقاع حوارهما وانغمسا بالتدخين بصمت، وهما يراقبان الأرض المعشبة والسماء الزرقاء الصافية. قال الأخ:"سأذهب إلى الجدول". ولكن الأخت كانت تدرك أنه لا يوجد شيء عند الجدول يمكنه أن يجذبها مثل هذين الرجلين الجالسين على منصة التحميل. خلال الشهور القليلة السابقة تعرض الجدول  للتقلص وأصبح أضيق من حفرة، وفيه تيار رقيق من المياه الذي يشق مجراه في درب موحل ومعشب ليصب في النهر غير بعيد عن الساحة التي وقف عليها المبنى، وكان الأخ يحمل معه علبا زجاجية كبيرة تستعمل للاحتفاظ بالمخللات أو محفوظات منزلية ومربيات، متمنيا إلقاء القبض على شرغوف أو ضفدع. ومرة نجح في القبض على شرغوف كبير، وراقباه كلاهما وهو يحاول تسلق زجاج الإناء. وكانت محاولته ضعيفة، وهكذا  ودون كلام سمح الولد للمخلوق بالفرار. ولكن كلما حضر إلى الجدول كان يحمل معه إناء، وأحيانا يغمره في التيار. ولكنه لم يكن يقبض إلا على الغضار والسلت والمياه الطينية المترسبة في مهد الجدول. قالت:"لا أريد أن أذهب إلى هناك. الجو حار جدا". "حسنا أنا سأذهب. المكان هنا ممل". "اذهب هيا اذهب". واستقام بوقفته وابتعد بصمتم، وتابع في الممر الذي كان وراءها، وهي لبثت قابعة حتى عاد الرجلان إلى المبنى. وحين ذاك أصابها البلادة والنعاس بسبب الحرارة، حرارة رافقها خمود ليس في الهواء فقط ولكن بإيقاع الزمن. وبعد رحيل الرجلين وتخييم الصمت، همدت في مكانها وارتكزت على الصخرة، ومدت ساقيها نحو الأعشاب الطويلة، ونظرت للأعلى نحو سماء فوقها كانت مصمتة وبعيدة. وانهارت على الصخرة، بتهالك وثبات، واستسلمت لإيقاع النهار الرتيب، وحرارته التي حاصرتها. في الأسبوع الثاني من آب جاءت إلى حي جولاي وستيف عائلة أخرى. وفي ذلك اليوم من نافذة غرفة المعيشة، شاهدت جولاي الشاحنة القادمة تتوقف أمام البيت حيث ستعيش العائلة الجديدة وتبادر لذهنها أن لها مظهر شيء أجنبي غريب، مثل سفينة فضاء حطت على الأرض في الليل في وقت نوم الجيران. وتراكضت جماعة من الأولاد في الأرجاء، وكان يبدو أن لأحدهم عمر شقيق جولاي. كان له شعر بني باهت ويرتدي جينزا باليا وقميصا بلا ياقة. وكان يميل على إحدى ساقيه بوقفته، ويهز رأسه كأنه لا يصدق ما يسمع، وهذه الحالة  ستدفع أم جولاي لتقول عنه: "الأحمق الذكي". كان اسمه روري، واقتنعت جولاي أنه اسم مناسب، لأن هذا الولد صاخب و له هدير. وفي نهاية الصيف أصبح هو وستيف متلاصقين. وكانت جولاي تسمع أصوات لعبهما وضحكهما في غرفة ستيف، وحينما ذهبت إلى الجدول الذي تزوره دائما، وتجولت في المروج، اكتشفت آثار تجوال جديد في الأرض المهملة. أحيانا كانت تسير بمحاذاة الحقل قرب المبنى الرمادي، ولكنها لم تصادف الحيوانات في الحظيرة الخارجية، والرجال الذين رأتهم يجلسون عند أبواب العنابر كانوا بنظرها حزانى. ولم يكن الحزن يرشح فقط من أولئك الرجال، وإنما شاهدت الحزن على وجوه قاطني الحي بعد العودة من العمل، وهم يسيرون من موقف الحافلة، وينظرون إلى أحذيتهم الثقيلة. وشاهدته في زوجاتهم، حينما جلسن على سلالم الشرفة في المساء، تشربن الشاي وعلامات الإرهاق تجللهن. في أحد الأيام قرابة نهاية الصيف، تابعت جولاي وحدها باتجاه الحقل غير المنظور، حيث انتصب المبنى. وكانت تفكر باقتراب أيام أيلول، وتعتقد أنها عما قريب لن يمكنها القدوم إلى هنا. كان يوما حارا بشكل غير اعتيادي، أحد الأيام شديدة الحرارة من العام، جلست على الصخرة، مكانها المفضل لمراقبة المبنى، والهواء مشحون بالأصوات اللاهبة والرياح الرطبة تهز أغصان الأشجار والشجيرات القريبة. وتآلفت مع البطء الجنوني لفترة ما بعد العصر، وشعرت بالنعاس الذي لم يخف إلا بعد صوت ناجم عن خطوات شخص يدنو. فتحت عينيها وكأنها لم ترقد إلا لحظات، وشعرت بحكة في ساقها وانتبهت لأعشاب تخدش فخذها، فربتت عليه تلقائيا. كانت الأعشاب والبساط الأخضر من حولها بلون جاف أبيض، وأدركت ببطء أن أحدا يقف بالجوار، فصوت هذا الشخص الذي يقترب ويدوس على الأعشاب دخل إلى إيقاع نومها الهادئ، وتسبب لها بالاضطراب واليقظة. ومع زيادة يقظتها، تذكرت كيف أصابها النعاس، وانزلقت على الصخرة، ورمت ظهرها عليها، ثم لاحظت أن رجلا يقف بجانبها على مبعدة أربعة أقدام. ولم تتمكن من تمييز وجهه لأنه وقف بينها وبين الشمس، وصنع ذلك هالة حول رأسه. انحنى باتجاهها. كان يرتدي واحدا من المريولات التي يرتديها عمال المبنى. قال:"اعتقدت أنني رأيت شيئا في الغابة". ارتكزت على أحد ذراعيها، ورفعت الثاني لتظليل عينيها، وحاولت أن ترى المتكلم بوضوح أكبر. وفورا راعها التعرف على الرجل فقد كان أباها. وتوقفت عن الحركة وفغرت فمها. ولكن كيف أمكنه أن يكون هنا، وبهذا الرداء، مثل الرجال الذين كانوا جالسين يراقبون المشهد الغريب عند منصة التحميل، أو المغموسين حتى خصورهم بين الحيوانات، ليعنوا بها؟. ولكن عندما اقترب الرجل وأمكن جولاي أن تشاهد كل وجهه، راعها أيضا أنه ليس أباها. أصبح تقريبا فوقها وهو يبتسم من خلال ابتسامة كشفت أسنانه الموحلة. قال:"ماذا تفعلين هنا؟". كيف تخيلت أنه أبوها، كان وجه الرجل ناعما، وأكبر بالعمر وأقصر بالقامة من أبيها. وخيم على عينيه حاجبان كثان. وأضاف:"هل وافاك النوم هنا أيتها الصغيرة؟". تراجعت للخلف لتبتعد عنه ولكن سدت الصخرة طريقها، فاقترب أكثر وأمكنها أن تشم رائحته، رائحة فجة ممزوجة بدخان السجائر والقهوة وعبير الأماكن المغلقة. ومرت لحظة جمود وهما يتبادلان النظر بطريقة حيوانين مترقبين، لحظة زادت من توترهما، ولم يكن أحدهما يعلم ماذا سيقول بعد ذلك. ثم قبض على ذراعها، وثناها، فقفزت، ووازنت نفسها على الصخرة. قال لها:"اأيتها الصغيرة، لا تتسرعي". وخافت من لمساته، وخشونة قبضته، فشدت ذراعها منه. وتعثرت، وهي تبحث عن موطء قدم في الممر، وأخيرا دفعته عنها وهربت. قال لها مجددا:"أنت، انتظري". لكن ضاع صوته في الريح. وتابعت الجري، وهي تتنفس بصعوبة حتى بلغت حيها. وهناك قابلت ستيف وروري يمتطيان الدراجات. كانا يدوران حول نفسيهما، ويقدران حجم أصغر دائرة ممكنة قبل سقوط الدراجة. قال ستيف:"أين كنت؟". ردت: "اتنزه". قال:"أتمنى أنك لم تقتربي من ذلك المبنى. وإلا قتلك الوالد". قال روري:"أي مبنى؟". قال ستيف:"هناك مبنى، على بعد عشرين دقيقة من هنا. في الحقل". قال روري:"المسلخ؟". قالت جولاي:"أي مسلخ؟" . رد:”حيث يذبحون الحيوانات". قالت جولاي:"أوه، كلا". أضاف:"نعم. هناك يقتلون الحيوانات، ثم نحن نلتهمها. هكذا نحصل على اللحوم".  تأوهت بقولها:"كل،د هذا غير صحيح". أكد بقوله:"بل هذه هي الحقيقة". وبعدما أخبرها روري بحقيقة معنى المسلخ، فهمت الموضوع. وكرهت روري بسببه.

يقال إن النار التي خربت المسلخ كانت متعمدة، ولكن لم يجد أحد الدليل. كانت جولاي بعمر عشرة سنوات ليلة الحريق. كانت في الباحة، تجلس في الأرجوحة، وظهر روري وأخوها وأخبراها عن النار. وكانت قد امتنعت عن الذهاب إلى الحقل المجاور للمسلخ منذ تلك الأمسية التي وجدها فيها الرجل. كان الولدان محمرين ومستثارين. قالا:"يجب أن تشاهدبها، يا جولاي، اللهيب وصل لعنان السماء". وقادوا جميعا دراجاتهم عائدين إلى المشهد. تركوا الدراجات بين الأعشاب الطويلة قبل الانضمام لحلقة من الناس المتسكعين قرب المبنى. كانت الحرارة بالغة. وقد ألهبت وجه ويدي جولاي. ثم اقتربت من السور، بعيدا عن التجمعات، وراقبت اندلاع اللهب من النوافذ نحو السماء. ولاحظت البريق الأحمر فوق الأرض عند قدميها. وفوقها، كانت الأشجار تتمايل بطاقة مرعبة ومرتفعة. وعند المبنى كان الرماد يتطاير مع النسمات. صاح ستيف:"جولاي، يا جولاي، تعالي إلى هنا". التفتت لتراه هو وروري يتبادلان التصفيق والصفير بروح مرحة. وبدل التوهج كل المرئيات- الشجيرات على طول الخندق، حوامل السور والأسلاك، وووجها أخيها وصديقه الضاحكان والمستغربان - كان كل شيء أحمر ويلتهب بنار عميقة.

 

...................

ديبورا آن توني Deborah-Anne Tunney مولودة في أوتاوا. تكتب الشعر والقصة والرواية.

 

في نصوص اليوم