نصوص أدبية

السارقون.. السارقون

فراس ميهوبالشيخ مؤنس، رجل ستيني أرمل، بلا أولاد، يقيمُ وحيدا في منزل ينتصفُ الطريق بين مدينة الفضل والجبل الأخضر، غدا مقصد عابري السبيل.

توقف أمامه رتل من سيارات ال تويوتا، يقودها شباب في مقتبل العمر، حيوه بحرارة، سألهم إلى أين العزم؟

أجابوه بصوت موحد:

- "إلى صيد الخنازير يا عم".

اعترض الرجل الكريم:

- "صيدها، أكلها، بيعها، شعرها، لحمها، كلها حرام".

- لا يا عم، نحن نصطادها وندفنها في ذات المكان، لنخلص سكان الجبل من شرورها، ونحمي المدينة من هجوم محتمل لقطعانها.

- أحسنتم، سابقوا إلى الخيرات، يغفر الله لكم ذنوبكم.

عاد الصيادون عند المساء، توقفوا هنيهة قبالة بيت الحاج مؤنس، سمعوه يقرأ القرآن:

" والسَّابقون السَّابقون، أولئك المُقرَّبون ".

أتمَّ تلاوته، دعاهم إلى العشاء، والشاي، ثمَّ ودَّعوه، وقفلوا عائدين إلى المدينة.

أمس، عاد الشباب من رحلتهم مبكرين، حملوا أحدهم جريحا، خرج الدم متفجرا من يده اليمنى.

لجأوا إلى الشيخ، شدَّ العجوز الطيب وثاقا فوق الجرح، استدعى طبيبا، لم يسألهم عمَّا حدث، بقيت الأسئلة محبوسة تحت الحنجرة.

اختفى صائدو الخنازير ليومين، ثمَّ ظهروا.

أخبروه أنَّ يد الجريح قد قطعت، حزن العمُّ الطيب، سألهم عمَّا حدث، قالوا كعادتهم بصوت واحد:

"انفجرت البندقية بيده، قضاء و قدر".

تسرَّب الشك إلى قلبه، رأى الاضطراب في أعينهم، شمَّ رائحة كذبة، قرَّر التحقُّقَ.

ذهب إلى الجبل الأخضر، شاهد راعيا، سأله عن صائدي الخنازير، أجابه الراعي:

- لا صيادين ولاهم يحزنون، بل لصوص أشقياء، كانوا يبيعون ما سرقوه لأهل الجبل، فلما عرفنا، طردناهم، هددونا بالسلاح، بالسلاح ضربناهم، أصبنا منهم واحدا، هربوا.

عاد الشيخ، دفع الحيرة أمامه، فتح باب الدار، وجده فارغا، لم يبق له إلا الحيطان، سرقوا الحنطة والمؤونة والحمار، خرج مذهولا إلى القارعة، صاح: "السارقون...السارقون".

تجمَّع أهل القرية في البهو، كان القرويون قد أبصروا سيارات، تدخل كالعادة إلى ساحة البيت، لم يستنكروا!

بكا الشيخ من هول الخيبة، ابتعد السارقون، قصدوا جبلا آخر.

 

فراس ميهوب

 

 

في نصوص اليوم