نصوص أدبية

عاطف درابسة: نص خارج الحظر

عاطف الدرابسةهذا النَّصُّ خارجَ الحظرِ، والعزلِ، والحَجْرِ ..

قالَ لها:

لا تخرجي من الصَّدَفَة

السَّماءُ في الشَّرقِ

واضحةٌ

والبيوت ُفي آخرِ آذار

مفتوحةٌ للألمِ

كأنَّها القلوب ..

 

لا تخرجي من الصَّدَفَة

فأنا في آخرِ الشَّيبِ

لا أُجيدُ لُغةَ العشقِ

ولا أفهمُ ما تقولهُ لي

الأحلام ..

 

لا تخرجي من الصَّدَفَة

فأنا منفيٌّ في صحراءِ العُمر

قلبي كأنَّهُ شرفةٌ عتيقةٌ

في بيتٍ شرقيٍّ

لم يعُدْ صالحاً

لنشربَ القهوةَ معاً

أو نسرقَ من عينينا

الشَّوقَ والكلام ..

 

قلبي الآن شرفةٌ

في بيتٍ شرقيٍّ عتيق

لم يعُد فيه كرسيَّانِ

وطاولةٌ للشَّاي

لا شيءَ فيهِ سوى

حبلَينِ لنشرِ الغسيل ..

 

لا تخرُجي من الصَّدَفة

أخافُ أن نعودَ طفلينِ

نحومُ كالفراشاتِ حولَ القناديل

فنحترقُ حينَ نظنُّ أنَّ الضُّوءَ

يرقصُ لنا في القناديل ..

 

لا تخرجي من الصَّدَفَةِ

أخافُ أن أسكُبَ في ثغرِكِ

من كأسِ طفولتي النَّبيذ

وأن أنسُجَ من جفافِ مشاعري

وشاحاً للصَّدرِ

وقميصاً للجسدِ

فأنسى رزانتي

وحكمتي 

ووقاري

فيُغرقُني روضُكِ

والعبير ..

 

لا تخرُجي من الصَّدَفَةِ

أخافُ على لُغتي

أن تخلعَ حجابَها

وتتعثَّرَ من إيقاعِ عينيكِ

الحُروف ..

 

لا تخرجي من الصَّدَفَة

أخافُ أن يفضحَني العشقُ

ويخذلَني العُمرُ

فأوراقُ شجري يَبِسَتْ

لا نبعَ يُحييها

ولا يُشفيها مطرُ ..

 

لا تخرجي من الصَّدفَةِ

خمسونَ عاماً وأكثر

تكتبُ على شاهدِ العُمر:

هُنا كانَ نبعٌ

تحجُّ إليهِ الطُّيورُ

والعذارى

وتطوفُ حولهُ الأزهارُ مُعتمِرَةً

ترجو من قلبهِ النَّبيذَ

ومن شفتيهِ النَّدى ..

***

د. عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم