نصوص أدبية

باسم الحسناوي: الليلُ مضطربٌ كبَحْرٍ هائجٍ

باسم الحسناويرباعيّاتُ الحسناوي (2)


 

الليلُ مضطربٌ كبَحْرٍ هائجٍ

وأنا بمَوْجِ الخاطراتِ غريقُ

إني بكلِّ الفخْرِ أفضَلُ عاشقٍ

من حيثُ اني شاعرٌ ورقيقُ

لكنَّني كالبئــــــرِ غادرَ ماؤه

بالرّغمِ من أنَّ القليبَ عميقُ

من أينَ لي أن أهتدي لهدوءِ نفسي

والظـــــلامُ اللايبينُ طـــــــريقُ؟!

2-

لمّا شربتُ الخمرَ لم أسكرْ بها

لكن سكرتُ بطيفكَ المتمايلِ

أدري بأنِّي فارسٌ في كلِّ حربٍ

بيدَ أنَّكَ فــــــــــي هدوئكَ قاتلي

أقتل فديتكَ كلَّ أعضاءِ المحبِّ

بما جنت من عشقِكِ المتواصلِ

أنا لا ألـــــــــــومُ العاذلينَ وإنَّما

قد لمتُ نفسي حين لامت عاذلي

3-

نحيا بواقعنا كأنا نحلـــــــــــــمُ

يشتاقُ مغرمةَ العواطفِ مغرمُ

شكراً جزيلاً للخيالِ فقد نمت

قبلاتُنا ممــــــــا أفاضَ المنعمُ

ألأنَّنا خمراً شربنا من عواطفنا

بواقعِ بؤسِنا لا نعلــــــــــــــمُ؟

رنَّت كــــــؤوسٌ بالكؤوسِ فكانَ أن

حضرت لترقصَ في الفِناءِ الأنجمُ

4-

إنـــــــــــــي كتبتكِ آيةً وكتبتِني

في الآيِ إيقاعاً كأفضلِ شاعرَهْ

أنا ماهرٌ في رسمِ خارطةِ الجمالِ

وأنتِ ماهـــــــرةٌ بوحْيِ الخاطرَهْ

أوحيتِ لي مثلاً بأنَّكِ إن أعانقْكِ

الحياةُ تكون نفسَ الآخــــــــــرَهْ

بالفعلِ آخــــــرتي أتت ونجوتُ من

سقَرِ العذابِ بأن ضممتُ الخاصرَهْ

5-

هل أنتَ تعلمُ أنَّ وجهي أمةٌ

مسبيةٌ والليلُ جيشٌ من تَتَرْ

من غابَ عني لـــــم يكن ذا نخوةٍ

ولقد تسامى كالكواكبِ من حضَرْ

نظرت إليَّ الخيلُ نظرةَ ثاكلٍ

لكنَّما الخيلاءُ تقدحُ بالشَّرَرْ

الخيلُ عاقلةٌ تفكِّر بالعلـــــــــى

فحديرةٌ أن تمتطي بعضَ البشَرْ

6-

ناديتُ في الميدان إني فارسٌ

وأنا أناجز كلَّ قرمٍ باللمى

إني انتصرتُ على الخصومِ قبيلَ أن

يأتي الخصومُ بأن غدوتُ متيَّما

لفَّ الغموض جميعَ أقوالي وأفعالي

ومن لم يغتبقْ لن يَفهما

لا تأتِ للسكرِ العظيمِ وأنتَ تخشى

أن تموتَ فقد تعيشُ لتندَما

7-

ديوان شعري بالكواعبِ حافلٌ

من كلِّ أنثى ذاتِ حبٍّ حاذقِ

ما ضرَّني من قالَ إنَّكَ ناسكٌ

وتحبُّ أنثى ذاتَ حسنٍ فائقِ

هل مارقٌ عن دين أحمدَ إن لثمتُ

حبيبتي وجمعتُها لمناطقي؟

أنا ربُّ أربابِ الجمالِ فما الغريبُ

لو انتسبتُ لفقهِ دينِ العاشقِ؟

8-

ماذا أريد وهل أريد ومنتهى

ما أشتهي أن أبتغي وأريدا

خلِّ الهموم على الهموم حقودةً

وأنا أموت كعادتي تَسْهيدا

أنا كعبةٌ لصلاةِ عشقٍ آفلٍ

فعليَّ أن ألقى الحمامَ شهيدا

وعليَّ أن أنسى بأنِّي واجدٌ

هماً وأن أرقى إليكَ سعيدا

9-

نظراتُهُ قد ترجمت أشواقَهُ

فسعت بعاطفةٍ تريدُ عناقَهُ

بالفعلِ عانقَها بكلِّ خيالِهِ

ورأى بها وطنَ الكرامِ عراقَهُ

طعمُ الحبيبةِ كان تمراً طازجاً

ملأ السِّلالَ وبالتوحُّدِ ذاقَهُ

لم ترضَ أن تهبَ السَّلالَ جميعَها

فَعَلا وقبَّلَ هادئاً أعذاقَهُ

10-

إني بنيتُ البيتَ صرحاً شامخاً

ومن العجيبِ بدونِ أيِّ عمادِ

قد نمتُ فيهِ مطمئناً هادئاً

قمرٌ فراشي والخيالُ وسادي

تأتي القيامةُ لي بأعظمِ هولِها

فتكادُ تخطفُ مهجتي وفؤادي

مالي أخافُ من القيامةِ هكذا

ما دمتَ أنتَ مشفَّعاً بمعادي

11-

أنا من خلالِ الرمحِ أعرفُ أنَّ رأسي

رايةٌ خفقت بأفلاكِ الدَّمِ

الرأسُ مقطوعٌ ومتَّصلٌ بعرشِ

اللهِ فافرح يا دمي وتبسَّمِ

أن صرتَ أنتَ مجرَّةَ العشقِ الإلهيِّ

الكبيرِ وصرتَ حجَّ المحرمِ

قدمي تسير على الأشعَّةِ من كواكبِ

مقتلي فأحسّ عطفَ الأنجمِ

12-

إنّا لنضحكُ رغمَ أحزانِ الفؤادِ

وإن سُئِلنا تعشقونَ؟ فنعشقُ

بالضبطِ مثل النَّهرِ جفَّف ماءَهُ

وبرغمِ ذلك روحُهُ لا تزهقُ

إن أنتَ عن أسماكِهِ حدَّثتَهُ

فحديثُهُ بطلاقةٍ يتدفَّقُ

ويزيدكَ القصصَ التي لا تنتهي

عن ألف صبٍّ راح فيهِ يغرقُ

13-

لا تسألي أبداً عن يومِ مولدِهِ

فليس ثمَّةَ يومٌ فيهِ قد وُلِدا

موجودةٌ هذه الدنيا ويسبقُها

وجودُهُ هوَ لما واحداً وجِدا

كأنَّما هو ربُّ الكون أجمعُهُ

لكنَّه حين قيلَ اللهُ قد سجدا

معاذَ ربِّكَ ما ساغت عبادتُهُ

لكن أقولُ أنا عبدٌ بما عَبَدا

14-

الصبَّ أقصدُ إن كفِّي أشارَ ولم

أعيِّن الشخصَ في حشدٍ من الناسِ

الكأسَ أعني إذا قلتُ البحارُ طغت

أمواجُها ثمَّ صكَّت وجهَ إحساسي

إني تنفَّستُ لا هذا الهواء بل

الحبيب فانظر إلى أفراحِ أنفاسي

إنَّ العيونَ لصوصٌ حين تنظرُهُ

وتدَّعي أنَّها أرتالُ حرّاسِ

15-

يا من قلعتَ فؤادي مـــــن منابتِهِ

وحزتَهُ لكَ لا يسرفْ بك الغضبُ

أرادَ منكَ هياماً كي يبيتَ بهِ

لا في المفازةِ يقضي العمرَ مُغتَصَبُ

انظر إلى جسدي من دونِ عاطفةٍ

كأنَّما جسدي ذا دميةٌ خشَبُ

إني أذكِّرُهُ بالقلبِ..يذكرُهُ

حقاً ويسألُ ميْتاً: ما الذي يَجبُ؟

16-

أنا احتملتُ سنيَّ العمرِ ما درجت

فيها السَّعادةُ إلا أعقبت محَنُ

المهدُ أبصرُ فيهِ أيَّ أمنيةٍ

لكن أؤكِّدُ: هذا القبرُ والكفنُ

من البلاهةِ أنَّ الناسَ قد سألوا:

من أيِّ قطرٍ أتى أم ما لهُ وطنُ

أوطانُ كلِّ بني حوّاءَ ترمقُني

شزراً وما هي إلا ذلكَ الوثَنُ

17-

يا من أتيتَ على صدٍّ تعنِّفني

لا وقتَ عندي فقل ما شئتَ واختزِلِ

من الوريدِ أنا أدنى إليكَ فهل

عاملتَني لحظةً إلا كمرتحلِ

كتبتَ بي غزلاً من بعدِ ما لفظت

أنفاسَها الروحُ في حبِّي وفي غزَلي

إذ كانَ قلبي فتيَّ العشقِ تطردُهُ

وجئتَ لي نادماً لما دنا أجلي

18-

لما اقتربتُ ظننتُ القربَ يجعلُني

إليكَ أقربَ حتى أصحرَ القرْبُ

فكانَ أكثرَ إيغالاً بفرقتِنا

فكانَ ما كانَ من أنَّ النوى صعْبُ

أريدُ لا البعْدَ، لا القرْبَ اللذينِ هما

من عالمِ الناسِ هذا أيُّها الحبُّ

أريدُ حرْبَ بسوسٍ ليس تهدأُ أو

على الأقلِّ وجوداً خطَّهُ الرعبُ

19-

ليس المهمّ هو المعنى بقافيتي

بل المهمّ أحاسيسي وإيقاعي

كذاكَ ليس مهمّاً أن تجادلَني

لكي تؤدِّي جدالاتٌ لإقناعي

يكفيكَ أني بلحنِ القولِ مبتهجٌ

وأنَّني فرحٌ جداً بإخضاعي

زهدتُ بالعالمِ المنظورِ أجمعِهِ

حتى أركِّزَ في حبِّيكَ أطماعي

20-

الحربُ والحرُّ والآلافُ تقصدني

على الخيولِ وحولي بضعُ أنصارِ

فاجأتُهم ببطولاتِ الصَّبابةِ في

قلبي وبالماءِ من أرتالِ أنهاري

دعني أقل إنَّهم أبناءُ موبقةٍ

وإنَّني طاهرٌ من صلبِ أطهارِ

تلك الكواكبُ في صلبِ السَّماءِ

نساءٌ عاشقاتٌ حفيّاتٌ بأقماري

21-

مني السَّلامُ على العشّاقِ ما عشقوا

قلوبُهم صدقت والناسُ ما صدقوا

هم يشربونَ كؤوساً من دموعهمو

وغالباً ما كؤوسُ الدمعِ تندلقُ

فتنظرُ الأرضَ ملأى بالبدورِ وما

البدورُ إلا نساءٌ حين تأتلقُ

بلا رؤوسٍ رآهم ربُّهم فبكى

وقالَ بالناسِ إلا القومَ لا أثقُ

22-

رويتُ عن الماضينَ من أهلِ ردَّتي

بأنَّ من الإيمانِ ما ليسَ ينفعُ

وحين يصلِّي المرءُ ما لم يغب عن

الوجودِ فلم يركَعْ وإن راحَ يركعُ

لهذا صلاةُ العاشقين كوردةٍ

تفوح بعطرٍ وهي بالظلمِ تقطعُ

إذا أقبلت يومَ القيامةِ وردةٌ

يحيلُ لها اللهُ الأنامَ فتشفعُ

23-

قدمنا إلى عينيكِ حجّاجَ كعبةٍ

وصرنا على هذا الجمالِ نطوفُ

نريدُ طوافاً بين طعنٍ وقتلةٍ

إلى أن تصفِّي عاشقيكَ سيوفُ

فكم أطلبُ القتلَ المعمَّدَ بالهوى

ولكن متى أقدمْ تعزّ حتوفُ

كمثلِ كتابٍ عبقريٍّ منمَّقٍ

بلا قارئينَ استنكرَتْهُ رفوفُ

24-

لكَ اللهُ يا قلبَ المتيَّمِ هكذا

تشيخُ ولم تظفَرْ بضمَّةِ عاشقِ

نعم فيلسوفاً أنت أصبحتَ في الهوى

ولكن أجبني هل سوى عقلِ حاذقِ

بلذَّةِ ضمِّ الصدرِ للصدرِ قد مضوا

وأُبْتَ إلينا بالتماعِ الحقائقِ

أما كانَ خيراً أن تفوزَ بغادةٍ

ولا بأسَ لو جاءت بشتّى الطرائقِ

***

باسم الحسناوي

 

في نصوص اليوم