نصوص أدبية

باسم الحسناوي: هاتِ ضياعي

باسم الحسناويرباعيات الحسناوي (4)


 

ما إلى غادةِ الخيالِ سبيلُ

فلماذا خانَ الخليلَ الخليلُ

ولماذا تسيرُ فــــــي طرقاتِ

الوهمِ سكراناً والكيانُ هزيلُ

احتفظ بالخيالِ للشعرِ يا صاحِ

فقد لا يكفـــــــي الخيالُ القليلُ

لكَ عذرٌ أن لا تعيشَ طــــويلاً

شرط أن يوجدَ العطاءُ الجزيلُ

2-

قل لأرضٍ جديبةٍ في فؤادي

جاء زخّاً إليكِ مني الغمامُ

قل لفوضى النظامِ في عاطفاتي

بدلاً منكِ حلَّ فيها النظامُ

قل لهيجاءِ مقلتيكَ استعيدي

خطةَ العدلِ وليحلَّ السلامُ

أنا أدري بأنَّ شعبَ القوافي

إن تكن حاكماً فليسَ يضامُ

3-

هو رهنُ السجونِ لكن طليقُ

هو من سكرِ نفسِهِ لا يفيقُ

كان بئراً ليوسفٍ حين ألقوهُ

فماذا يعني القليبُ السَّحيقُ

هو يعني أنَّ الفتى حينما صباً

تراهُ فكلُّ تيهٍ طريقُ

اتخذ من عقيدةِ الحبِّ ديناً

وإلى كربلاءَ سر يا صديقُ

4-

آنَ من ثديِ القافياتِ فطامُهْ

نضجَ الآنَ واستطالَ كلامُهْ

جرَّبَ الحبَّ والقصائدَ فيهِ

فإذا الحبُّ لا تصيبُ سهامُهْ

كانَ صباً جمَّ الخيالِ بلا جدوى

لهذا تكسَّرت أقلامُهْ

قال إمّا الخيالُ والسَّيفُ حَرْفي

أو خيالي محرَّقاتٌ خيامُهْ

5-

زار طيفٌ وحين طيفٌ يزورُ

فعشيقٌ وعاشقٌ مهجورُ

أبيوتٌ قلوبُكم نحن فيها

نسكنُ الآن أم قلوبٌ قبورُ

يفصلُ الآن بيننا بحرُ سكرٍ

ذا جدارٌ إذن بنتهُ الخمورُ

صهرتكَ الكؤوسُ بالسكر صهراً

فتعالى كيانُكَ المصهورُ

6-

أنتِ غضبى على الهدوءِ بأعصابيَ

لمّا رأيتُ بدراً يضمُّكْ

لم تكوني موجودةً أنتِ إلا

في ضلوعي ورداً وقلبي يشمُّكْ

ذلكَ البدرُ لم يضمَّكِ حقاً

فالذي كنتِهِ هنالكَ وهمُكْ

واثقٌ أنَّني حبيبُكِ جداً

أيُّ بدرٍ إلا أنا لا يهمُّكْ

7-

إنَّ فوضى مشاعرِ المحبوبِ

هيَ واللهِ غايةُ المطلوبِ

فمتى يمنحِ الشعورَ نظاماً

فقل الآنَ ماتَ نبضُ القلوبِ

مثل دوحٍ تهزُّهُ الريحُ هزّاً

ميِّتاً هازئاً بعنفِ الهبوبِ

ينبعُ الحبُّ دافقاً وعنيفاً

دون سبرٍ لبئرِهِ في الجنوبِ

8-

نحنُ عندَ الفراقِ أقوى انفعالاً

فتربَّصْ معي أوانَ الفراقِ

لا أراني أعيشُ إلا لماماً

بعد موتِ الغرامِ في أعماقي

لا وجودٌ لعالمِ الناسِ هذا

حينما ينزوي عن الأحداقِ

فإذا لم أرَ الحبيبَ أمامي

يدخلُ الناسُ كلُّهم في المحاقِ

9-

أبداً لستُ منعماً أو جواداً

حين أعطيكَ تالدي وطريفي

بل أزيدُ القصيدَ بيتاً بقولي

دونَ ما تستحقُّ سيلُ نزيفي

خذ كياني جميعَهُ ثمَّ دعني

في عرائي بلا كيانٍ شريفِ

أنا أزجي المديحَ دون انتظارٍ

لمديحٍ فلا تدَعْ تعنيفي

10-

قلتُ شعري بديهةً وارتجالا

فشرحتُ النِّساءَ حالاً فحالا

إن يصرنَ السِّلالَ للعِشْقِ لا تفرحْ

كثيراً فقد نقَبْنَ السِّلالا

إن يصرْنَ الخَيالَ للشِّعْرِ فاعلَمْ

أنهنَّ استبحْنَ هذا الخَيالا

حينَ يمنحْنَ قطْرَةً من وصالٍ

بعْدَ يَوْمَيْنِ لا يُرِدْنَ الوِصالا

11-

كلُّ ما لا أرومُ أنتَ ترومُ

طفحَ الكيلُ أيُّهذا الظلومُ

حرمٌ آمنٌ يحجُّ إليهِ

الناسُ قلبي وشُنَّ منكَ الهجومُ

إذ يصومُ الحبيبُ فالصومُ وزرٌ

ثمَّ يشتدُّ وزرُهُ إذ يقومُ

لا أريدُ الغيومَ تمطرُ منهُ

حملت أعظمَ البلاءِ الغيومُ

12-

أنتَ أخطأتَ ما بسهمِ الخيالِ

حين ترمي تصيبُ قلبَ الغزالِ

سوفَ تحتاجُ أن تموتَ وتحيا

ألفَ عامٍ قبيلَ قنصِ الجمالِ

كم سؤالٍ أردفتَهُ بجوابٍ

ثمَّ ماتَ الجوابُ دونَ السؤالِ

كلُّ إيمانِ عابدٍ يا صديقي

بينَ طيّاتِهِ بذورُ الضَّلالِ

13-

أنا في حيرةٍ فإن نظرَتْ عيني

إلى قدِّهِ ازدرى نظراتي

وإذا لم أنظرْ إليهِ تشكّاني

وأصغى لما يقولُ وشاتي

ليتَني لم أكن بصيراً سميعاً

لأكونَ السَّعيدَ كلَّ حَياتي

إن تكن شاعراً ذكيّاً فصمِّم

لكَ أنثى بصورةِ الكلِماتِ

14-

إنَّ فخري حتى تجيءَ وفاتي

هو هذا اعوجاجيَ المستقيمُ

ليسَ عندي على ادِّعائي دليلٌ

أنا عينُ الدليلِ حينَ أهيمُ

سامريّونَ يعبدونَ عجولاً

من نضارٍ إن غابَ موسى الكليمُ

ليَ حجّوا وحولَ شخصيَ طوفوا

فأنا الآنَ مكَّةٌ والحطيمُ

15-

ما يشاءُ الحبيبُ لا ما أشاءُ

سكتَ الصوتُ واطمئنَّ النِّداءُ

لا أنا شاعرٌ ولا هوَ شعْرٌ

بل أنا وهْوَ في السُّكوتِ سواءُ

فسكوتُ الحبيبِ رمزُ جلالٍ

وجمالٍ وما يشيرُ البَهاءُ

وسكوتي استكانةٌ وخشوعٌ

وهما في المدى القريبِ السَّماءُ

16-

مات حبٌّ فقيل حبٌّ شهيدُ

عاد أخرى فقيل جنٌّ مريدُ

ثمَّ لما تغلغلَ الشعرُ فيهِ

ذهلَ الناسُ فهو وعدٌ وعيدُ

بين من يحفظُ القصائدَ غيباً

وبليغٍ ذوّاقةٍ يستعيدُ

هكذا العالمونَ إمّا شقيٌّ

جحد الحبَّ أو محبٌّ سعيدُ

17-

أعرِ العاشقَ المغذَّ إليكا

حدَّ سيفٍ وقل لهُ سعدَيْكا

أمةً أمةً أعزَّ المعالي

والمعالي تُعزى إلى مُقْلَتَيْكا

ليسَ من عاشقٍ كهذا يجيدُ

الطعنَ عندَ التقبيلِ في شَفَتَيْكا

هوَ ما بينَ قبلةٍ وعناقٍ

قاتلٌ للألوفِ من جِهَتَيْكا

18-

الزوايا جميعُها في رقيمِكْ

تهبُ الحبَّ نابعاً من صميمِكْ

أيُّ فرقٍ بينَ الفراديسِ فيها

كلُّ ما يُشتهى وبينَ حميمِكْ

فجنانٌ مشتقَّةٌ من جحيمٍ

وجحيمٌ مشتقَّةٌ من نعيمِكْ

أنا في الحالَتَيْنِ صبٌّ أثيمٌ

ويناجيكَ قلْبُ قلْبِ أثيمِكْ

19-

قد تجلّى الحبيبُ لكن تجلّى

لي أنا فاستمعْ لما قد يقولُ

مستقلاً لا تفهمُ القولَ إلا

من فمي فارتقِبْ فمي يا عَجولُ

حين يروي أسرارَهُ فاكتمَنْها

فجميعُ الأنامِ واشٍ عَذولُ

لستُ أنهاكَ عن معاقرةِ السكرِ

فعونٌ على الأداءِ الشَّمولُ

20-

أنا آمنتُ ثمَّ آمنتُ حتى

خلصَ الحقُّ واستقرَّ اعتقادي

خلَقَ اللهُ أوَّلاً شخصَ حبي

ودعا للسجودِ شخصَ فؤادي

حقِّيَ البرُّ من جميعِ البرايا

فالبرايا هم كلُّهم أولادي

أنتَ أبصرتَني جنيناً خداعاً

بل جميعُ الورى أنا في المهادِ

21-

لا فقيرٌ بل كلُّ شخصٍ غنيُّ

فلديهِ فؤادُهُ الألمعيُّ

امنحِ القلبَ زخَّةٍ من غرامٍ

يمنحِ الخبزَ حقلُهُ العبقريُّ

كرمُ القلبِ دون أيِّ حدودٍ

أذهلَ الكونَ جودُهُ اللوذعيُّ

فإذا كان خبزُ قلبٍ شحيحاً

فلأنَّ الفتى حقيرٌ دنيُّ

22-

لم يكن واضحاً لديكَ اعتقادي

فأنا قاصدٌ إلى الإلتباسِ

أنا كالخمرِ يشربُ الصَّبُّ مني

فيرى وجهَ غادةٍ في الكاسِ

ومتى يشربِ الخليُّ فماذا

سيرى غيرَ صورةِ الأرجاسِ

لي مباحٌ أن أبصرَ اللهَ يأتي

كحَبيبٍ ويختفي في جِناسي

23-

عاذلي أبصرَ الحبيبَ فلم يصبِرْ

طويلاً وجُنَّ منهُ الجنونُ

كلُّ ما اللهُ قد براهُ من الحسنِ

ازدراهُ فبالقياسِ يهونُ

أرسلَ اللحظَ نحوَهُ وهو يدري

خاسئاتٍ تعودُ تلك العيونُ

لم أعنِّفهُ فهو يملكُ عذراً

لو أتتهُ فهاجمَتْهُ المنونُ

24-

أنتَ تعطي للضائعينَ سبيلاً

خذ سبيلَ الهدى وهاتِ ضَياعي

إنَّني ذاهبٌ لربِّي سريعاً

وافتقادُ المتاعِ كلُّ متاعي

إعطِ للجائعينَ قرصَ كلامٍ

وَبِلَحْمِي أطعمتُ شعبَ جياعي

إنَّني هازئٌ بكلِّ كياني

من صباباتِ العارفِ الإقطاعي

25-

قطَّعَتْني السُّيوفُ إرْباً فإرْباً

فاعتَنَقْتُ القلوبَ قلْباً فقلْبا

ظاهِرُ الأمْرِ سالَ منِّي نجيعٌ

باطنُ الأمْرِ فاضَ قلبيَ حبّا

للأعالي هم يرفعونَ رؤوساً

مثلما يرفعونَ في اللَّيْلِ شُهْبا

لا تقولوا ظمِئْتُ للماءِ يوماً

يَشْرَبُ الماءُ من مِياهيَ عَبّا

26-

عندما تشْرَبُ السَّماءُ دموعَكْ

وتلبِّي لكي تناجي خشوعَكْ

فهي أنثى تهشُّ للغزل الباكي

وتستاءُ إذ تحسُّ هجوعَكْ

في يدَيْها القَلْبُ الذي أنتَ تَرْثِيهِ

 فإنْ لم تثِقْ تَحَسَّسْ ضلوعَكْ

في طريقِ الغَرامِ سرْتَ فواصِلْ

لم يعُدْ يُجْدِي أنْ تَشاءَ رجوعَكْ

27-

راكعٌ ساجدٌ بغَيْرِ ركوعٍ

وسجودٍ فبالخَيالِ يُصَلِّي

ربُّهُ ليسَ ربَّهُ فهو ربٌّ

ليسَ ربّاً وإنَّما بالتجلِّي

قلتُ هل أنتَ خالقٌ قال كلا

وأعدتُ السؤالَ قالَ لعلِّي

قلتُ هل ثَمَّ للبداياتِ بدءٌ

قالَ دَعْنِي فلسْتَ تَقْبَلُ حَلِّي

28-

موسمُ الحجِّ جاءَ يا من تلبِّي

وهو الفرضُ أن يحجَّ الحجيجُ

أنا قلبي هيَّأتُهُ لطوافِ

 الناسِ فيهِ والسعيُ فيهِ النشيجُ

إنَّ يوماً يطوفُ فيهِ حبيبي

في صعيدِ الفؤادِ يومٌ بهيجُ

قُبَلي للحبيبِ نصٌّ صريحٌ

ولهذا لن ينفعَ التخريجُ

29-

لا أناجيكَ يا حبيبي لأنِّي

إذ أناجيكَ فالمُناجي المُناجى

حينَ أدعوكَ أن تفرِّجَ همِّي

زدْ همومي وقل لها لا انفراجا

أنا مستمسكٌ بعروةِ تيهي

رافضٌ غير نهجِهِ منهاجا

لي سراجٌ بهِ أسيرُ فدعني

وسراجي فلا أريدُ سِراجا

30-

مرسلٌ ما روى الرواةُ وعندي

من حديثِ الهَوى حديثٌ صحيحُ

حينَ قبرٌ يضمُّ مَيْتاً فتتلو

فإذا الميْتُ قامَ عنهُ الضَّريحُ

عادَ حيّاً لأهلِهِ مرَّةً أخرى

كأنْ أنتَ من جديدٍ مسيحُ

سبَّحوا بالكلامِ وهو هراءٌ

بينَما منكَ بالدَّمِ التسبيحُ

31-

أبتني البيتَ دائماً ثمَّ تأتي

حاملَ الفأسِ هادماً ما ابتنيتُ

أيَّ عدلٍ تريدُهُ أنتَ يا من

هوَ يجني وإنَّني ما جنيتُ

ادِّعاءً تحبُّني وبروحي

لكَ في ألفِ موقفٍ قد فدَيتُ

طائعاً خاشعاً أجيئُكَ دوماً

فأنا الآنَ إن أمرتَ عصَيْتُ

32-

في صلاتي أسهو كثيراً وأنسى

فأقيمُ الصلاةَ بعدَ الصلاةِ

فإذا ما غسلتُ من ذكرِ قلبي

كفَّ قلبي كففتُ عن ركعاتي

وعقلتُ اللسانَ عن أيِّ نطقٍ

بسوى الإسمِ دون ذكرِ الصِّفاتِ

الرفاتُ الرميمُ قامت حياةٌ

فيهِ والنبضُ هزَّ قلبَ الصَّفاةِ

33-

لقد اشتقتُ بيدَ أنَّ اشتياقي

شاربٌ نفسُهُ يكونُ الشَّرابا

باقترابي أزيدُ منكَ ابتعاداً

بابتعادي أزيدُ منكَ اقترابا

إن يقولوا حبٌّ يشيخُ فهذا

ليس حباً بما استطالَ فشابا

قد تكونُ السُّلافُ أقدمَ عمراً

وبمرِّ السِّنينِ زادت شبابا

***

باسم الحسناوي

 

في نصوص اليوم