نصوص أدبية

لطيف القصّاب: حامل النعش...

مُذْ أسلمتْ أمُّه للموتِ جُثّتَها

          يَطوي المسافةَ هذا الهودجُ الرّجُلُ

مازال يحضُنها يشتَّمُ فوطتها

        خارت قواه وما خار الرجا الأملُ...

مَنْ كان يصحبهم ما عاد يبصرهم

          ألقَوا عليه أكف اليأس وارتحلوا...

كانوا كثيرينَ من أدنى قرابتهِ

                  كم حاولوا ثَنْيَه لكنهم فَشِلوا

قصّوا عليه حكايا الدين أجمَعها

       قالت بها الناسُ أم قالت بها الرسُلُ...

قالوا له كلُّ إنسان إلى جَدَثٍ

          والدفن حتمٌ بلى... ليستْ لنا حِيَلُ!

قالوا له أمِّن الجثمانَ تربتَه*

      وارجع غداً حين تُطفى هذه الشُّعَلُ...

فالحربُ دائرةٌ والجيشُ أوعَدَنا

           لا يتقي الموتَ إلا هاربٌ عَجِل...

لكنَّه مثلُ كلِّ المُثْكَلينَ صغى

        للقلب قهراً فخاب الوعظُ والجدلُ...

حِسُّ الضجيج خبا ..ضوضاؤهُ صمتتْ

              إلا صدى أمّه ما انفك يرتجلُ:

قُربَ العليّ عليّ الله يا ولدي

             أوصيكَ تدفنني أدريكَ تحتملُ

وجدانهُ شاءَ أن يُمضي وصيتَها

            فشاء أن يرتضي ما شَكْلُهُ الخَبَلُ

في كلّ سيطرةٍ للجند مرّا بها

             مِن هول قسوتهم يصّدّع الجَمَلُ

لكنّه أبداً ما مالَ مَحْمِلُهُ

          داست عليه الخُطا والحِملُ مُعْتَدِلُ

في كلّ سيطرةٍ يجثو بحفرتها

             الهودجُ المُبتلى يُدمى ويُعتَقلُ...

شخصانِ اثنانِ والتقويمُ مُلتَبِسٌ

               شعبانُ مُحْتَمَلٌ آذارُ مُحْتَمَلُ...

شخصان وَحْدَهما أمٌّ وواحدها

             والجيشُ ثالثُهم الباسلُ البطلُ...

                  ***

لطيف القصّاب

.....................

* يدفن المتوفى مؤقتاً في مكان ما ثمّ يُنقل الجثمان لاحقاً ليدفنَ في مقبرة وادي السلام (مقبرة النجف)، وهو تقليد يمارسه العراقيون على نحو الاضطرار لاسيما في أوقات الحروب. 

 

في نصوص اليوم