نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: الكلبة

قصي الشيخ عسكر(إلى لطفي شفيق سعيد الأديب والفنان الذي أوجى لي بهذه القصة)


 لا أحد يعرف سرّ سلوكها الغريب الذي أصبح عادة ترافق استعراض الصباح. الكلبة التي لم يُعنَ أحد منّا نحن طلاب الكلية العسكرية في أن يطلق عليها اسما ما جاؤت -شأنها شأن كلاب البرّ السائبة -إلى المعسكر بحثا عن طعام يرمى عند أطراف المعسكر أو بعض الفُتات في الخنادق الكثيرة التي حفرناها. إنها الوحيدة التي تتجرأ وتقترب من ساحة الاستعراض لتقف خلف السيد العقيد بصفته كبير المعسكر حتى يستلم مايقدم إليه من موجود حسب الروتين العسكري اليومي.بعض الخبثاء من طلاب الكلية العسكرية تهامسوا هل يستدير السيد العقيد فيؤدي لها فرض الطاعة مثلما فعل معه الأدنون منه مقاما؟

بعد ذلك لا نعود نراها إذ تنصرف خارج المعسكر حيث تنظمّ إلى جوقة الكلاب التي لم نر أيّا منها يدخل المعسكر.!

حدث هذا قبل انتقالنا إلى المكان الجديد،وقبل أن يأتي عسكريّ يحمل رتبة عميد فارتأى أن يتحوّل معسكر التدريب إلى مكان آخر....بضعة كيلومترات عن المكان الحالي الذي نحن فيه. لم تتبعنا الكلاب السائبة كانت أصوات السيارات وتفكيك البنايات وضجيج العجلات وحماس الجنود وحركة طلاب الكلية العسكرية ،كل لك جعل الكلاب تقف على بعد من المعسكر تراقب بعيونها وتستغرب من ضجة جديدة تختلف عن ضجة ألفتها كلّ يوم.

غير أننا بعد استقرارنا في الصحراء الجديدة لم نرّ اي كلب وحدسنا أن رائحة الطبخ والطعام والفتات في الخنادق ستجلب كلابا آخرى غير الاولى، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد أن الكلبة السائبة التي اعتادت أن تقف خلف العقيد هي الوحيدة من دون الكلاب اقتفت أثرنا وكانت تقعي على قائمتيها الخلفيتين وتقف وراء السيد العميد شأنها كلّ يوم في المعسكر الأوّل المهجور.

مفاجأة لا تخطر على بال أحد!

أول حيوان يتعقبنا ولا نظن أن كلبا آخر غيرها من المعسكر القديم سوف يظهر بعد!

كنا نقف في استعداد تام.. عيون العرفاء والكوادر العسكرية والضباط تراقبنا ونحن مشغولون بالكلبة التي وقفت خلف السيد آمر المعسكر الجديد.

بلا شك ستأتي كلاب آخرى..

لكن

لا أحد يقدر على أن يبتسم أو يتململ والسيد الآمر نفسه لا يدري أن هناك كلبة تقف خلفة تنتظر أن يصدر أمره فنذهب للتدريب اليومي وتغادرهي إلى خارج المعسكر حيث تبحث في الخنادق والفضاء المحيط مع كلاب جديدة بدأت تأتي عن أشياء تؤكلّ!

هذه المرة أصدر السيد العميد أمره للضباط ببدء التدريب ثمّ استدار فوقعت عيناه على كلبة تقف خلفه تنظره نظرات ودودة  ثم تنطّ برشاقة إلى الفضاء الواسع وهي تحرك ذيلها من دون أن تلتف إلى الوراء.

وخلال ساعات التدريب سمعنا شيئا مبهما.. أشبة بصوت إطلاق نار الأمر الذي جعلنا نظن أن أحد الضباط يمارس هوايته في صيد الحجل أو الأرانب أمّا ما أدركناه فيما بعد أن السيد الآمر أمر مرافقه أن يقتل كل الكلاب السائبة حول المعسكر!

في صباح اليوم التالي ونحن نقف وقفة الاستعراض شعرنا بفراغ لأننا أبصرنا السيد الآمر يقف ولاشئ خلفه سوى ظلّه يمتدّ على الأرض.

***

قصة قصيرة

د. قصي الشيخ عسكر

 

في نصوص اليوم