نصوص أدبية

أحمد الحلي: حصانُ المدرسة

احمد الحلييجِدُ كلُّ كائنٍ عرشَهُ

ويستدِلُّ على العلامة

العاشقُ في لقاءٍ

الفراشةُ في زهرةٍ

وآخرون في قُمامة

 

ليس لديكَ ريشةٌ ملونةٌ

حتى تُغرّدَ

أو بيضاءُ حتى تستوطنَ الماءَ

كلُّ ما لديكَ : ريشةٌ سوداءُ

تؤهّلكَ لكي تنعبَ في المآتم

 

أستشعرُ احتفاءَ الورودِ بي

كلما مررتُ بحديقةٍ

سألتُ وردةً عن السرّ

قالت : نشمُّ فيكَ أريجَها

 

أرأيتم تلك المواخيرَ التي

هي محلاتُ بِقالةٍ تبيعُ

فاكهةَ الجسد

فهي أكثرُ شرفاً

من سياسيٍّ عندَنا

يتلفّعُ بعباءةِ الدينِ

لكنه لا يتورّعُ

أن يضعَ في جيبِهِ

ثرواتِ البلد

 

على مقربةٍ منكِ

وفي متناولِ يدِكِ

نجمتانِ

كيف سأصلُ إليكِ ؟

سمعتُ هاتفاً يقولُ ;

استعن بالسُلّم الموسيقي

 

وقفت حمامةٌ على فوّهةِ مدفعٍ قديمٍ

تم اتخاذُهُ كشاهدةٍ لتزيينِ إحدى الساحاتِ،

ثم شرعت بجمعِ بعضِ الأعوادِ والقشّ  لبناءِ عُشّ لها،

تململَ المدفعُ قليلاً ثم قال بصوتٍ خفيض:

– لا بأسَ بذلك

على الأقلّ أكفّرُ بعضاً من

***

 احمد الحلي 

.................

حصان المدرسة

في المدرسة الثانوية التي عملت فيها كان هناك فرّاش بائس بكل معنى الكلمة. فالفاقة والعوز يظهران على سيمائه بوضوح تام، إعتاد المدرسون أن ينفحوه ببعض النقود بعد إستلامهم لرواتبهم الشهرية، ونظراً لسوء حالته المعيشية وكونه لا يستطيع مواصلة دفع إيجار المنزل الذي استأجره ويلتهم نصف راتبه خصص مدير المدرسة أحد أركان المدرسة مكاناً ليسكن فيه هو وأسرته الصغيرة وساعده الجميع بمن فيهم الطلاب في تشييد كوخ مناسب .

مر وقت آخر طفح الكيل بفراش المدرسة وقرر أن يموت، وهكذا توفي سامي تاركاً زوجته وطفلين صغيرين في مهب الريح .

 بعد مدة يسيرة من الزمن تم تعيين فرّاش جديد لم يتسنَّ له أن يكون فرّاشاً من قبل،  كان مهندماً  يلبس العقال واليشماغ وملابسه نظيفة دوماً، إعتاد بعد أن يؤدي ما عليه من واجبات أن يجلس على كرسي خاص به يدخن نرجيلته بخيلاء، وعلمنا منه بعد ذلك أنه قادمٌ من الريف وأنه شيخ فخذ في عشيرته .

في أحد الأيام استدعى المدير على عجل أبا حسن وهو إسمه، فلما مثل بين يديه سلّمه مظروفاً يتضمن كتاباً رسمياً، قائلاً له؛ إذهب إلى مديرية التربية  واجلب لنا الحصان!

اختلط الأمر عليه.  ترى ما الذي يفعلونه بالحصان أو بالأحرى ما الذي يفعله حصانٌ في مدرسة، وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، لم يشأ هو أن يسأل المدير كيف يتسنى له جلب الحصان وبأية وسيلة، هل سيأتي به وهو راكب عليه وهو بارع حقا في ذلك منذ زمن طويل، وله خبرة لا بأس بها  في ترويض الخيول الجامحة .

فكر مع نفسه ثم اتخذ قراره بالذهاب قبل ذلك إلى سوق الخضار واشترى باقة (جت) كمفتاح صداقة بينه وبين الحصان، ثم ذهب إلى مديرية التربية وكانت عيناه تتنقلان في حديقتها الكبيرة لعل عينيه تقعان على الحصان المنشود، ولكنه لم يجده، ذهب مباشرة إلى الغرفة التي يستلم فيها موظفوها البريد الوارد إليهم من المدارس وكان يعرفها جيدا فقد سبق له وأن قام بمهام من هذا القبيل، سلم المظروف إلى موظفة وبقي ينتظر ردها مرتبكا، نظرت إليه وإلى الباقة في يده وفهمت الأمر، ثم تبادلت النظرات مع ثلاثة موظفين في الغرفة وانفجروا في نوبة ضحك هستيرية جعلت أبا حسن يلعن الساعة التي تم تعيينه فيها فراشا في هذه المدرسة .

 

 

في نصوص اليوم