نصوص أدبية

عقيل العبود: نواح غيمة حالمة

عقيل العبودراح يستعيدُ في ذهنهِ كلماتِ رسالتَهِ الثانيةِ،  بينما خطيبتهُ تبحثُ عن فستانِ العرس المراد.

كانت البلدةُ تشاركُ مهرجانَ الشموعِ أفراحَ مسراتهِ؛ ترسمُ التهاني، لعلها كعكة عيدِ الميلادِ يتم توزيعها بين الأصدقاءِ بُعَيدَ ساعات. لكنه نظرًا لإرادةِ سحابةٍ قادمةٍ من جهةِ الخريفِ، تعطلت مراسيمُ الصبحِ، وأقبل الخوفُ يوزعُ عواءَ الليلِ حاملًا مَعَهُ أطباقَ الحزنِ، ورائحةَ العزاء. صارت الأشياءُ مكفهرةً مثل مملكةٍ بائسة، فقدت بريقها، تناغصت معها أعمدة الدخان؛ راحت تغور بها صوبَ دَهاليزِ أمدٍ بلا نهايات.

استيقظت أشرطة الموت، حاملة معها أنباء نعوشهم، ارتدى المكان ثوب الفزع، تطايرت رسائل الهائمين، غدت الشوارع أكثر استياء ، تسارعت لغة الحدائق متسائلة عن خطب جلل، تساقطت جميع الفساتين معلنة الحداد على تاج أنوثتها المكسور، تعطلت محلات الإكسسوارات عن مهرجانات العروض، ضجت الساحة بالعويل، معلنه أخبارها.

اختفى جمال الأزهار ، واطرقت العصافير رؤوسها، اختنقت أصوات المارة بعد ان أغمضت بغداد أجفانها. ولم توزع كعادتها حلويات الإفطار، ولا المرطبات، ولهذا خجلًا توارت سلال الورد، وغزل العاشقين عن الأنظار.

تنحت الأوتار عن أداء معزوفتها الملهمة، تحطمت آلة العود، وتناثرت بُذورَ أحلام الشمس وسط الركام.

مكثت زرقة عينيها معلقة بذلك الثوب، المعروضة ألوانه، عند أطراف زاوية يطل زجاجها على المنظر، ترنح الموقف في ذاكرته مثل مسرح أغلق ستائره،

صارت تلوح بأصابعها، تمد يديها، تعانقه بمحبة تفوق في رومانسيتها نشوة الشفق.

دنت بهما تلك اللحظة نحو الأفق، غدت تقتفي آثار قوس قزح، سارا معا، بينما كان الزحام يمتلئ بابتسامات المشاة، وابتهالاتهم، وهم يحتفون بقدوم العيد.

تراجعت الأشياء، بعد أن كان يغمرها الحبور فجأة، تداعت نسائم البهجة، صار يعانق أنحاءها الهلع، تجهمت، ضمته بشغف اليها؛ ابتعد الزمان، هتف الجمهور.

تألمت العاصمة كأنما لأول مرة، يقتحم جبروتها الأخطبوط، استمرت الأجواء شاحبة، أطبق الوجوم،

اصطف المشاهدون، كتبوا التقارير، مع بعض الموضوعات، بقي المنظر عاطلًا عن الحركة، أغلقت المقاهي أبوابها، ضجت لعب الأطفال، وعلب الحلوى بالبكاء، تحول الهشيم إلى قطرات غيمة من الدم تساقطت دموعها مع المطر .

 

عقيل العبود/ كاليفورنيا

…………………….

عن جريمة تفجير الكرادة التي تم تنفيذها من قبل عصابات داعش عام ٢٠١٦ في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وفي المشهد صورة شخص يفقد خطيبته في الحادث المذكور .

 

 

في نصوص اليوم