نصوص أدبية

صادق السامرائي: بِرَبِّكَ!!

صادق السامرائيكُتِبَ بعد قراءة قصيدة (إبن الشبل البغدادي)، (401 - 473) هجرية،  التي مطلعها "بربك أيها الفلك المدار". والنص طويل ومعقد وكثافته الرمزية عالية!!


 "بِرَبِّكَ أيُّها الكَــــوْنُ المُنارُ"

تَدورُ بنا وهلْ فينا المَدارُ؟!!

 

مَدارٌ فوْقَها بَزَغَتْ مَدارُ

ومُدْرِكُها توَطّنَهُ انْبِهارُ

 

فَضاءٌ شاسِعٌ بعُلى فَضاءٍ

ولا نَدري إلى أيْنَ المَسارُ

 

بها الأرْواحُ تَحْيا في خُلودٍ

وذي الأبدانُ أفْسَدَها الخَوارُ

 

فلا روحٌ إذا حَقَّتْ تواصَتْ

بأجْسامٍ يُفسِّخُها انْدِثارُ

 

مَصيرُ الروحِ في كُنهِ ابْتِلاءٍ

يُحاسِبُها ويُنْقِذُها الجَوارُ

 

بنا الأمْواجُ تَسْعى نَحْوَ جَزْرٍ

تُسَعِّرُنا فيَقْتُلنا الأُوارُ

 

وشَمْسٌ نارُها وَفدَتْ لأرْضٍ

لتُحْرِقَنا فيورِثُنا الغُبارُ

 

سِهامُ شُعاعِها نَحَرَتْ وُجوداً

وأكْنزَتِ الخَلائِقَ ما يُثارُ

 

لياليْنا نُجومٌ دامِعاتٌ

بلا فَرَحٍ وما لمَعَ السِوارُ

 

بنيْرانٍ مؤجَّجَةٍ بذاتٍ

تُسَجِّرُنا ويُذْهِلُنا الدَمارُ

 

تَفانى كلُّ مَوْجودٍ بغَيْبٍ

وما يَفْنى الشِهابُ ولا الفَنارُ

 

تحاوَرَتِ البَرايا والمَنايا

فأطواها بداجيَةٍ نَهارُ

 

صَدِئْنا مِنْ تآلُفِنا بماءِ

يُخَلخِلنا ويَمْنَعُنا اضْطِرارُ

 

نَلوحُ بها على أفُقِ النَوايا

فيَصْرَعُنا التَوجّعُ والشِجارُ

 

بنا صَعَدتْ إلى أوْجٍ وعادَتْ

مُراوِحَةً يُطوِّقُها الحِصارُ

 

بدائِرةٍ مُحَكّمَةٍ بأمْرٍ

تذوِّبُنا ويَمْزجُنا انْصِهارُ

 

هيَ الأيّامُ مَطْرَقةٌ تَحامَتْ

تطوِّعُنا كما شاءَ المَصارُ

 

وهذا العُمْرُ يَنثرُنا تِباعاً

وتدْحوَنا بنازلةٍ دِيارُ

 

أجِئْنا نَحْوَ قاسِيَةِ افْتراسٍ

نُقاوِمُها فيأكُلنا انْكِسارُ

 

كَعَشْواءٍ تُخَبِّطُنا بنَهْمٍ

فيَلقِمُنا سَبوغٌ مُسْتَثارُ

 

تواكَبَتِ العَواجِلُ في رُباها

لتنْهَرُنا ويَبْعَثنا انْتِظارُ

 

لنا نَفْسٌ تُمَزّقُها الخَطايا

وترْميها على سُفُحٍ عِثارُ

 

وما طارَتْ نفوسٌ عن تُرابٍ

تَجذُّرُها بأعْماقٍ قَرارُ

 

نعمْ أنِسَتْ بجارحَةٍ وأخْرى

وأغْواها التَبَذُخُ والفَخارُ

 

وآدمُ ذنْبُنا يَحْيا بنَسْلٍ

يُدحْرِجُهُ التواصُلُ والخَيارُ

 

ولا عِلمٌ سَيُنقذِنا وإنّا

رمادُ وجودِها وبنا اخْتِصارُ

 

طريدٌ مثلُ أرْضٍ في بَهيمٍ

يُرَعِّبُها التَوَحُشُ والقَفارُ

 

فَهَلْ نفَعَتْ تَعاليمٌ تَوالَتْ

وأجْيالٌ بأجْيالٍ تَحارُ

 

بغُفْرانٍ يُغذّيْنا فنُسْقى

حَميمُ مَسيرةٍ فيها انْهيارُ

 

ألا سَكبَ الشرورَ على أديْمٍ

وأطْلَقَنا يُوارينا انْحِشارُ

 

ومِنْ جَهلٍ أضَعْنا كُنهَ عِلمٍ

وتُهْنا لا يُداوينا العَقارُ

 

لآكِلَةٍ أرانا سَوْفَ نُطْهى

على حَجَرٍ يُجَمِّرهُ انْسِعارُ

 

أ ذاتٌ إسْتطابَتْ مُحْتواها

فدامَتْ في مَواضِعِها تُدارُ؟

 

تُهاجِمُها وحوشُ الغابِ دَوْماً

ويَعْقِبُها التمرّدُ والنِفارُ

 

فهلْ فُزْنا بعاليةٍ حَمَتْنا

وأنْقَذَنا التَعبُّدُ والصِبارُ

 

بأُقْداحٍ بها الصَهْباءُ سادَتْ

تُرَجْرِجُنا ويَنكُرُنا افْتِرارُ

 

فَشخِّصْ داءَها ولها دَواءٌ

وكُنْ فَطِناً يُعاقِبُهُ اخْتِبارُ

 

فلا طِبٌّ يُطبِّبُ مُنْطواها

ولا أمَلٌ إذا غابَ افْتِكارُ

 

بظلمَتِها الخلائقُ سَوْفَ تَحْيا

فنارُ الكوْنِ يَحْدوها انْدِثارُ

 

فلا أرْضٌ إذا حَقَّتْ سَتَبْقى

هباءُ كيانِها مِنْها ذِعارُ

 

وكافٌ نونُها عَنْها تَناءَتْ

تَمَيَّعَ ألفُها وسَطى انْفِجارُ

 

وأزْمَعَتِ الرُجوعَ إلى عَديمٍ

فأضْحَتْ في تَناهيها اقْتدارُ

 

دُجاها سادَ مَوْطنَنا فكُنا

بلا بَصَرٍ فأوْحَشنا ابْتِصارُ

 

وإنّ الماءَ نيرانُ وأجّتْ

وسَقرُ وجودِنا فيها البِحارُ

 

لنا التكْويرُ إمعانٌ بغَيْبٍ

أ يجْمَعُنا وقد سادَ انْتِثارُ

 

وهلْ بعدَ أهلِ الأرضِ نَحْيا

إذا انْدَمَجتْ شموسٌ تُسْتطارُ

 

وما بَقيَتْ بها أمٌ وطِفلٌ

وقد أكلَ الخليقَ بها الغَوارُ

 

جبالٌ ما عَرِفناها ضِعافاً

أذيبَتْ في مَواضِعِها الحِجارُ

 

وأجْرامٌ يداهِمُها انْطفاءٌ

بجَذْوَةِ كُنْهِها سَكنَ اعْتصارُ

 

ولا قَمرٌ يُعانِقُها ويَسعى

ولا يَوْماً تَوَطَّنهُ انْقِمارُ

 

وإنَّ العَقلَ مَسْكونٌ بخَوْفٍ

ومَصْروعٌ يُهَدِّدُهُ انْتِهارُ

 

ألا عَجَزَتْ نَواهِيُها وعانَتْ

وأعْياها التَفَكّرُ والعَذارُ

 

فهَلْ وجَدَتْ غَنيْماً أوْ كُنوزاً

بمَجْهولٍ إذا انْكسَرتْ جِرارُ

 

تَلِفُّ الشَمْسَ تَجْمَعُها كَعَهْنٍ

وتَخْسِفُ بَدْرَها والنارُ دارُ

 

وإنَّ نُجومَها سَقَطتْ وأدْجَتْ

وأفلاكٌ يُعَطّلها انْتشارُ

 

تَعودُ جِبالُها كُثُباً مَهيْلاً

وما سارَتْ وقد كانَتْ تُسارُ

 

نَفائسُ مُلكِهمْ ذَهَبَتْ بريْحٍ

لأنَّ النَفسَ غيَّبَها انْكِدارُ

 

لكُلِّ جَريْرةٍ فيها حِسابٌ

فلا تَعْجَبْ إذا وحْشٌ يُشارُ

 

شبيهُ الشيئِ مَقرونٌ بأهْوى

وإنَّ النفسَ منْ نَفسٍ تَغارُ

 

فضاءٌ في توسُّعِهِ انْكِماشٌ

وإدْلاجٌ ومُرْتَجَعٌ هَوارُ

 

وبَعْدَ مَسيرةٍ ذاتِ انْكِداحٍ

تُحاسِبُنا ويَجْلدُنا القَرارُ

 

كواكبُها إذا خَنَسَتْ لعُذرٍ

تُعاكِسُ مَوْرِداً فيه انْشِطارُ

 

وعَسْعَسَ ليْلُها والصُبْحُ أدْنى

يُخاطِبُنا ولا نَفْسٌ تُنارُ

 

فهلْ بانَتْ بآفاق انْشراحٍ

وهلْ صنعَ الوليدَ بها اخْتِمارُ؟

 

أ جِئْناها ولكنْ ما أتَيْنا

وأجْهَدَنا التَنازعُ والفَرارُ

 

وهلْ هَبَطتْ وأجْلتْ مُحْتَواها

يُكوّنُها التفاعُلُ والحِوارُ؟!!

***

د. صادق السامرائي

18\10\2021

 

 

في نصوص اليوم