نصوص أدبية

سعد جاسم: بلاد بين قتلين

سعد جاسمالى اخي وصديقي الشاعر الكبير موفق محمد... بمناسبة صدور ديوانه الشعري الجديد (بينَ قتلين)*


  

قبلَ أَنْ أُغادرَ البلادَ

كنتَ قدْ بكيتَ عليَّ

وأَنا الآخرُ

كنتُ بكيتُ عليكْ

وفي تلكَ اللحظاتِ الفاجعةِ

ومن خللِ غيوم الدمعِ

ونشيجِ القلبِ الراعفِ

قُلتَ لي :

- كيف ستواجهُ

بردَ المنافي

ومخالبِ الغربة القاسية ؟

لحظتها اجبتك

غاضباً ومشتعلاً :

- بردُ الغربة

وثلجُ المنافي

ولا ذلُّ الطغاةِ القساة

وتهديداتِ القتلة

ومخاوفِ المخبرين

الذينَ يتجسسون

حتى على انفاسِنا

وكرياتِ دمِنا

وأَصابعِنا وقلوبِنا الواجفةْ

ولاتنسَ وشاياتِ العسسِ

والدركِ والجندرمةِ الواقفةِ

فوقَ خلايانا ومساماتِنا

واكبادِنا النازفةْ ،

وإِياكَ تنسى نهيقَ

ونباحَ الشعراءِ المداحينْ

والابواقِ الزائفةْ

وسمومَ الكَتَبةِ المأجورينْ

وطعناتِ الظلاميينَ والطائفيين

والغزاةِ المتوحشين

وكتّابَ التقاريرِ من الذؤبان

والغلمان والخصيان

وابناء الزنا والخنا

والمتعة الـمُقْرِفَةْ

وأَرجوكَ صديقي لاتنسَ

خياناتِ الأَعدقاءْ

والتافهينَ والسُفهاءْ

وذوي القلوبِ المريضة

والضمائرِ الواقفة

قابَ قتلينِ

وقابَ قبرينِ

وقابَ قوسينِ

من الظنون والشكوك العاصفة

ولا تنسَ الجناةَ والزناةَ والرواةَ

وافاعيلَ البغايا والخطايا والمطايا

والنوايا الزائفةْ .

ها أنا أرتجفُ الآن

من أَساطيرِ الزمانْ

وثلوجِ الغربةِ المُلتهبةْ

وأَرى أَولاديَ

وأصدقائي النبلاءْ

وأَرى وطني الأوَّلَ

في التلفازِ محروقاً

ومخنوقاً بين نارينِ

وأَرى شعبي شريداً

ووحيدا وشهيداً

في مهبِّ العاصفةْ -

وحتى بلدي الآخرُ

من الشًبّاكِ أَراهُ

وكم يحُزنُني

أَنَّهم كلُّهم عاجزون

أَنْ يمنحوني لحظةَ دفءٍ

وحنانٍ ولمسةَ عاطفةْ

ولذا أَشعرُ

أَنَّكَ تتعمد أن توهمني

بانك قد عشت َ كلَّ شيءْ

وشفتَ كلَّ شيْ

تعيشهُ الآنَ

في الوطنِ العليلْ

وفي غيابةِ الحبِّ

وفي هاويةِ الجُبِّ

والفرح الشحيح والقليلْ

وفي الظلام الطويلِ

واعني ظلام العراق

الطويييييييييييييييلْ

حيث الخراب والجحيم

والخسائر النازفة

وبعدها الكثير الكثييير

والمُذلُّ والأَقلّ ُمن القليلْ

وها نحنُ الآنَ

والعالمُ والوجودُ

والناسُ والكائناتُ

والطبيعةُ والخليقةُ

والحقيقةُ والحياةْ

نعيشُ بآخرِ الأنفاس

ونمضي الى هاويةِ العدمِ

الثقيلِ الثقيييييييييييييييييلْ

وياأَيَّها الرجلُ الأًصيلْ :

وياأَيُّها الشاعرُ النبيلْ

ماأَروعكَ الآنَ وماأَبهاكَ

لأَنَّكَ مازلتَ قادراً

على تَخيّلِ وتَحَمّلِ

قسوةَ وكذْبَةَ

وغربةَ العيش

في مكانٍ اسمه :

الوطن الجميل

ولازلتَ مُخْلصاً للشعرِ

ومازلتَ مُهَيّئاً للحُلْمِ

بأَشياءَ هائلةٍ

كالعودةِ للبيت في أَيِّ وقتٍ

وإمتلاكِ فسحةٍ من الأمل

وعشقِ امرأةٍ كانتْ

ومازالتْ تنتظرُكَ

على أحرِّ من العطرِ

والزهرِ والجمرِ والحبِّ

والشغفِ المستحيلْ

تُرى ياصاحبي

وحبيبي وخِلّي

ويا صديقي البابليُّ

العتيدُ والعنيدُ

والعاشقُ الحلّي

مَنْ فينا السعيد؟

ومَنْ فينا الوحيد؟

مادامَ كلانا الآن

هُنا ...أَو هُناااكَ

حيثُ الغربةُ السوداءُ

تسكنُنا وتقهرُنا وتذبحُنا

منذُ النطفةِ الأُولى

ومنذُ الصرخةِ الأُولى

ومنذُ الدمعةِ الأُولى

ومنذُ الرحلةِ الأُولى

ومنذُ الوحشةِ الأُولى

ومنذُ الميتةِ الأُولى

وحتى قيامتِنا الأَخيرة ؟

***

سعد جاسم

كندا – 2021

............................

* الى اخي وصديقي الشاعر الكبير موفق محمد.. بمناسبة صدور ديوانه الشعري الجديد (ينَ قتلين) وإحتفاء بربع قرن من الغربة والمنافي والغياب القسري والموت الوطني والكثير من الأشياء والمواقف والتفاصيل المشتركة بيننا والتي عشناها معاً في أَقسى أَزمنة الحروب العبثية والحصارات الخانقة وأَيام الجوع والشظف والفقر والقهر والضيم والحزن العراقي المُبارك.

 

 

في نصوص اليوم