نصوص أدبية
أحمد الحلي: بانتظارِ الضوءِ الأخضر

لا أحدَ مثلي
يرعى الكبَواتِ والعثَرات
التي تعترضُ طريقَه
اعتدتُ أن أعتبرَها
ضيفاً حلّ بساحتي
فأبذلُ لها المطارفَ والحشايا*
فهي ، وحدَها
تجعلُني أقِفُ
كالطوْد
*
تتسّللُ أولى خيوطِ الفجرِ
إلى الحدائقِ
فتُصدِرُ الأزهارُ البوقيةُ
نغمتَها
التي لا نسمعُها نحنُ
فيكونُ ذلك إيذاناً
للكائناتِ لكي تحتفي
بيومِها الجديد
*
بمنظورٍ دراماتيكي
أرى أيّامي تمضي متسارعةً
وهي تتأرجحُ
بينَ مسارينِ متنافرينِ
تارةً أقفزُ في الفضاءٍ
بخِفّةِ فهدٍ
وأخرى أراني
أنتمي لعالمِ الزواحفِ
بالكادِ أنقلُ خطوي
*
لا أحد سوايَ
يرى وردةَ عبّادِ الشمسِ
في الجزرةِ الوسطيةِ
وهي تلوِّحُ لكِ
وأنتِ تبتعدين
*
تتحوّرُ يدُ الفلاحِ
فتصيرُ منجلاً
وتتحورُ كفُّ الأمِّ
فتصيرُ رغيفا
*
مبادلة
تحتفي الزهرةُ بالنحلةِ
وتفتحُ لها دكانَها
ولكنها لا تُعطيها
الرحيقَ بالمجّان ،
لا بدّ أن تدفعَ النقودَ
التي هي
حُبيباتُ اللُقاح
*
كانت يدُكِ
تستقرُّ في يدي
لم أكن أعبأ
بما يُخبّئهُ لي غدي
ثمّ دارَ الزمانُ دورتَهُ
فصرتُ أُشيرُ إليكِ
كنجمةٍ بعيدة
*
بطريقةٍ أو بأخرى
وعبرَ مساربَ لا مرئيّةٍ
تتحوّلُ دموعُ الأمهاتِ
إلى قطراتِ ندىً
نراها في الصبحِ متلألئةً
فوقَ أوراقِ الأشجار
انتظار
فكّرَ مع نفسِهِ : أنه مضى عليه وقتٌ طويلٌ منذُ رآها لآخرِ مرةٍ ، فقد انقطعَ حبلُ الوصالِ ما بينَهما ، ولم يعد هناك من سبيلٍ لالتقائِهما مُجدداً ، استسلمَ للأمرِ الواقعِ واستمرّ يمشي مُحبطاً فوقَ الرصيفِ على مهلٍ ، وأخيراً وصلَ إلى منطقةِ الترفك لايت ، تراءى له انه يراها في الجانبِ المقابلِ وهي بكاملِ زينتِها وأبهةِ حضورِها ، كان الضوءُ الأحمرُ متقِداً ، انتظرَ لكي يُضيءَ الأخضرُ حتى يعبرَ ولكنّ انتظارَه طالَ ، عبرت مجاميعُ ومجاميعُ ومرّت أيّامٌ وأيّامُ وهو لم يزل واقفاً في المكانِ ذاتِه بانتظارِ أن يشتعلَ الضوءُ الأخضر .
..........................
* في إشارةٍ إلى بيت المتنبي:
بذلتُ لها المطارفَ والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي