تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

محمد نجيب: السنديانة

1- ها أنذا..

سنةٌ قبل الميلادِ

مجزّأٌ في جسدينِ مُتْعبينِ

سنةٌ..

قبلَ تفتّح اللغة في دمي

وانبعاث الكلامِ

ها أنذا/ قبل الصراخِ

مجرّدُ احتمالٍ...أو هوامٍ.

*

2- ها أنذا..

في التاسعهْ

ورقةٌ رابحهْ

في يد المدرّس والعائلهْ

وبائع البالوناتِ

وصاحب الحمارِ

لكنّني كثير الأسئلهْ.

*

3- ها أنذا..

في عاميَ العشرينِ

في ذراعي شجرٌ

وفي عروقي شجرٌ

ودموعي شجرٌ

يُنبتُ الحزنَ

ويُعطي لبنًا مرّاً

كأحزان اليتامى

وكموت الفقراء

..ها أنذا

عين واسعةٌ

تَرى ما لا يُرى.

*

4-ها أنذا..

غريبٌ في جسدي

أهزّ يدي

فتهرب منها الأشياءُ

والحلمُ بعيد... أبعدُ ممّا ضننتُ

أو لعلّني

في غفلة منّي

ربطني ضلّي إلى سنديانة هرمةٍ.

..نثرتُ قصائدي ودلفتُ إلى سريري.

حين أطفأت عاميَ الثلاثين

كانت تحتجزني رغبةٌ في البكاءِ.

*

5- ها أنذا...

سنابكُ عامي الأربعين مهترئة

أنظر إلى الأمام

في مرآة معلّقة في الجدار الخلفي

أقطع نصف المسافة بين الحلم والواقع

وأقفُ

تأقلمتُ مع السنديانة

ولم تكن وهما

أُحضرُ كلّ صباح قهوتين

واحدة لها وواحدة لي

وفي المساء. ..نلعب الشطرنج لتهزمني

صرت أكثر حيادا

وأكثر حكمة من ألوان السماء.

*

6- هاأنذا...

جاوزتُ عمر الأنبياءِ

مِلْتُ قليلا

لكنّ عمر الكلاب ...

صرتُ لا أهزّ يدي

ولا أقيس المسافة بيني وبيني

ولا حتّى بيني وبين السنديانة

التي صارت تحنو عليّ

تُطعمني من ثمارها:

حجارةَ غرانيتٍ

ملوّنةً

ومكعّباتِ بلاستيكٍ

وقطعَ بلّور حادّةٍ

ومساميرَ صدئة

وخوازيقَ لها رائحة الكبريتِ.

...

هدوءًا...حتى لا يُنكأ صمتي

...وداعاً أيتها الومضة الأولى.

*

7- ها أنذا...

أُعدّ لنهاية هادئة مع "صديقتي" السنديانة

على عتبة الاندثار

أهتمّ بمعدّل الأعمار

وأعراض الشيخوخة

شجرةٌ تتيبّسُ

وتحاول تقليد ثمار السنديانة الهرمة ..

حجارةُ غرانيت

ومكعبّاتٌ

ومساميرٌ

وخوازيقٌ.. نتئةٌ

ها أنذا / الأزهار مشغولة بتويجاتها

والطيور بفضاءاتها

والمسالك بعابريها

وأنا - تقريبا - خارج أبعاد المكان

أكاد أفرغ من زمني

جفّ النهرُ /

ولم تبق سوى الحجارة.

لي الآن متّسعٌ من الوقتِ للنسيانِ…

*

8- ها أنذا

اكتملتِ الدّورةُ

لكنّ المعرفة تظل دائما منقوصةً

هاهي اللغة تخرج منّي فارغةً.. مهزومةً

والحركة

تسعل مسلولةً

وتُكَنْكِنُ.

هاهي الأسئلة الكبرى

- لا أدري متى غادرتني -

تُطلّ من ثقب في الذاكرة

منفوشةَ الشعر

مثقوبةَ الشفاهِ

عاريةَ العانةِ

لكنها تضحك .. دمًا.

السنديانة الهرمة هي السنديانة

تلعب الشطرنج لتهزمني

وأحيانا تطعمني حجارةً.

أحاول أن أدفع عني طفلَ الذاكرة

أجعله ينتبه إلى ظلّه مني

- لن يلدغ الطفل من حزن مرّتين -

لكنّني

أتيبّس

أَ..تَ.. يَ.. بَّ.. سُ.

*

9- أغمضتِ السنديانةُ عينيّ

وألبستني لحاءها

لقد صرنا ندّين

في غابة مكرّرة.

*

10- أعتذرُ لصبايَ

***

محمد نجيب بوجناح - تونس

 

في نصوص اليوم