نصوص أدبية

نصوص أدبية

يا ترى

من يقودهم الى الرشد

انهم مجرد شهود

صم بكم عمي

خونة العهود

انهم مجرد عبيد

لآل صهيون

ينفذون اوامرالسيد العنيد

رغم انه رعديد

*

البعض يصلي

على الاسفلت الساخن

والبعض الآخر

يصلي فوق القباب

وحاكم عربي

يمشي خلال النوم

وهو جاثم على الرقاب

*

فلسطين المنكوبة

منذ سبعة عقود

وحكام عرب

على وشك الانقراض

فقدوا مصداقيتهم

وانتهت مدة صلاحيتهم

وعفا عليهم الزمن

وسينتهي بهم الامر في مزبلة التاريخ

وسيعاد تدوير شواهد قبورهم

من جديد

*

ثمة محتل جبان حاقد

ومطبع مضبوع

وشعب عربي متواطئ وخائن

وجندي عربي مترهل

لم يضغط يوما

على زناد

*

هل حقا عندنا حكام عرب

أم دمى من خشب

ما أتعس الحاكم

الذي ينام قرير العين

ويتحكم في رعيته

بالرموت كنترول

بناء على الطلب الامريكي المستبد

*

انهم مجرد شهود

وجنودهم الكسالى

لا يقولون شيئا

ولا يبصرون

عقولهم جامدة

من فرط الخمول

في ثكنات آيلة للسقوط

وارجلهم مقيدة

وبنادقهم العتيقة

ملتفة حول اعناقهم

حتما ستكون عليهم شهيدا

في ذلك اليوم الموعود

***

بن يونس ماجن

(من اساطير ايامنا)

احب ميال الزهري البحرَ منذ اللحظة الاولى لمعانقته مياهه، كان ذلك يوم اصطحبه والده المرحوم، الى حافته وقذف به في لجته قذفة صاروخية، (حتى اليوم لا يعرف سببها تمام المعرفة)، تلك القذفة كادت تودي بحياته، لولا ان والده المرحوم قذف نفسه وراءه وأمسك به ساحبا اياه من بين فكي المياه في اللحظة الاخيرة. منذ تلك اللحظة قرر ميال الزهري امرين أحدهما ان يتعلم السباحة، مهما كلفه الامر، وذلك تحقيقا لحب لا يعرف تمام المعرفة من اين اتى فاحتل كيانه، والآخر ان يغير اسمه ليصبح، بكل فخر: ميال البحري.

قرار ميال البحري هذا..  قاده فيما تلا من السنوات، الى ان يرافق كلّ من اقترح عليه.. او دفعه هو ذاته بالأحرى، لان يقترح عليه، ان يقوما معا برحلة بحرية. وقد ترافق ميال البحري مع العديد من الناس.. في زيارة محبوبه الغادر: البحر، وكان في كلٍّ من مرافقاته هذه يضيف فشلا الى فشل سابق، في التغلب على امواج البحر الهادرة، واكتناه اسرارها.

بقي البحري على هذه الحال الى ان التقى شابا يدعى حبّوب النهري، وقد كان هذا حين التقاه شابا في مثل عمره، في اوائل الثلاثينيات، ويربط بينه وبينه اكثر من شبه.. اهمه معاركة البحر. ذات مساء، حمل الاثنان نفسيهما، وانطلقا مُعطيين السيارة ان تقلهما الى حيث تريد وتشاء، فكان ان دحلت بعجلاتها الاربعة باتجاه واحد: هو اتجاه البحر.

عندما توقفت عجلات السيارة.. الاماميان في الماء، والخلفيان في البر، هرع كل منهما الى الماء والقى نفسه فيها، غير عابئ بالجو العاصف القاصف، وراحت الامواج تتلاعب بهما، مبعدة أحدهما عن الآخر، الامر الذي اوقعهما بسرعة مذهلة في حيرة هائلة، وراح كل منهما يصارع الامواج العاتية، في محاولة عبثية لأن يعثر على مرافقه، تقدّم الوقت وكلّ منهما يغالب الامواج للوصول الى قرينه، لكن عبثا. وحدث كما يحدث في القصص، ان عثر كل من البحري والنهري على جسم طاف، فتعلق به اعتقادا منه انه خشبة الخلاص، ليكتشف فيما بعد انه كائن بحري حنون.. يبدو ان البحر ارسله مكافأة غرامية او رأفة. الغريب والطريف ايضا، انهما، هما الاثنين، أسلما امرهما لذاك الكائن البحري، واقتعدا متنه دون ان يرياه وسط العتمة المطبقة حولهما.

مضى الليل متقدما بقلق وبطء، وكان كلّ منهما يشعر ان لحظة منيّته قد دنت، الا انه كان في الآن ذاته يشعر بأمان وثقة.. لا يعرف مصدرهما، فما داما قد وجدا ذلك الكائن البحري فانهما بأمان.. موجودان. بقي كلّ من الاثنين يقترب من رفيقه ويبتعد، الى ان اقتربا غصبا عن الامواج، وغاصا معا عميقا.. عميقا.. في اغوار الماء.

هناك في اعماق الماء البعيدة السحيقة، اكتشف كلّ من الاثنين، البحري والنهري، انهما ما زالا حيين، فراحا يتراكضان في كلّ الاتجاهات، باحثين عن مستراح لهما، كانت الاسماك تحيط بهما من كل جانب، اما الاصداف فقد بدت وكأنما هي ترحب بهما محتضنة اياهما.

دخل كل منهما صدفة كبيرة، ليولد فيها مجددا، لينمو ويكبر، ويلتقي حبيبة قلبه بعدها ينجب منها اطفالا.. سبحان الخالق، وسرعان ما حانت اللحظة لان يخرج الاثنان كلّ من قوقعته. كانت رحلتهما هذه اشبه ما تكون بيوم او بعض يوم!!

في البداية رفضا المغادرة، مُصرّين على ان يبقيا هناك في حياتهما البحرية الحالمة الرائعة. غير انهما ما لبثا ان وجدا نفسيهما يصارعان الماء، وبقيا على ما هما عليه الى ان عثر كلّ منهما على ذلك الكائن البحري، فجلس على متنه، واندفع الكائنان البحريان مخترقين الماء، ليفتح البحري وقرينه النهري، عينيه وقد اطل الصباح.. على مناظر شائهة إذا ما قورنت بتلك التي رأياها في قعر الماء.

رغم ان الاثنين اتفقا على ان ما رأياه هناك في الاعماق المائية قد يكون من خلق الخيال، فقد راحا كلّما التقيا يتحدثان عما رأياه وكأنما هو الواقعة الحقيقية الوحيدة في حياتهما.

هكذا اصبح الاثنان صديقين حميمين للبحر، وباتا يتوجهان كلما سنحت الفرصة الى الشاطئ ذاته، في الظاهر ليصطادا الاسماك وليجمعا الاصداف النادرة وفي الباطن حلما بليلة مماثلة لتلك التي.. تتسمى.

***

قصة: ناجي ظاهر

هَزَّ المواسِمَ في الرياضِ وصالا

هَوَساً وَرَقْصاً ماجِناً وخَبالا

*

وَقُرودُ أهْلِ الفَنِّ قد مَدّوا يَداً

فَتَفجّرتْ سُحُبُ النُجودِ رِيالا

*

وَمواسمُ الترْفيهِ أشْعَلتِ الفَلا

حَطَباً لِأرْوى رِدّةً وضلالا

*

حَمّالةٍ  لَهَباً  بِهِ  حُمّى  الوغى

لِتَزيدَ   غَزّةَ   هاشِمٍ   إشْعالا

*

وَرُغاءُ آلِ الشيخِ بَزَّ شَخيرَهُ

وَبِهِ أغاظَ أباعراً وجِمالا

*

بِمُدامةِ الترفيهِ طاشَ بعيرُهمْ

فَأحالَ خيطانَ الخطامِ عِقالا

*

صَعَدَ المِنَصَّةَ فارِساً مُتَلثِّماً

وَإذا رَقَصْنَ وَجَدْنَهُ طَبّالا

*

مُتَمادِياً بفنونهِ وجنونهِ

مُتَمنّياً لِقَضيّتي الإذْلالا

*

أوْفى لِسيِّدِهِ الجَليلِ بِوَعْدِهِ :

أبَداً يُطاردُ في الحِجازِ بِلالا

*

ياخادِمَ الحَرَمينِ جِئْتُكَ ماحِياً

للعاكفينَ بِذي الديارِ هِلالا

*

عَرَبُ الجزيرةِ راقصينَ وراءَهُ

ونساءُ غزّةَ بالكُروبِ حُبالى

*

أمْسيْنَ فحماً من صواريخِ الأُلى

حازوا الحضارةَ غايةً وَكَمالا

*

حَسِبوا التَسامُحَ توأماً لبياضِهمْ

يَتَوارثونَ عنِ السماءِ خِصالا

*

قَرَعوا كؤوسَ النصْرِ نَخْبَ أرومَةٍ

أضحتْ لقافلةِ الأنامِ مِثالا

*

وتبادلوا الأنخابَ عند قبيلةٍ

بَرَزتْ لأقدامِ الغزاةِ نِعالا

*

أَفَهل كَرَعْتَ الوهْمَ يوماً مثلما

شَرِبَ العَطاشى في الهجيرِ زُلالا ؟

*

عجباً لِعُرْوَةَ كيفَ غادرَ سيفَهُ

فغدا صعاليكُ الفَلاةِ كسالى

*

أرضُ اليمامةِ أنكرت أيّامَها

نَسِيتْ هناكَ فوارساً أبطالا

*

كانَ التمرّدُ نزعةً وَسَجيّةً

للطالبينَ كرامةً وَمَنالا

*

رُدّوا لِعُرْوَةَ ورْدَهُ وسيوفَهُ

فَقَرينُها لا يرتضى الأبْدالا.

*

وَخُويْدِمُ الفَسْطاطَ أغْلَقَ ثَغْرَهُ

فَأبادَ جوعاً رُضّعاً وعِيالا

*

يقضي النهارَ مُخاطِباً أذْنابَهُ

مُتَقَلِّداً في سوحِها الخُلْخالا

*

مُتَهافِتاً حَدَّ السَماجَةِ باهِتاً

عَقَدَ الوَلاءَ إلى الخُصومِ فَغالى

*

شَأْنَ الفراعنةِ الصِغارِ وإنّما

صاروا لِعُبّادِ الرِبا أذيالا

*

مُسْتغْفِلاً أهْلَ الكِنانَةِ ناسِجاً

حِيَلَ الخِداعِ فَحازَها مُحْتالا

*

وَكَحَيَّةٍ تسعى وراءَ ظهورِهمْ

قد أصبحت رَفَحٌ لَها عِرْزالا

*

فَعُتُلُّها المعتوهُ عادَ القَهْقَرى

للجاهِليَّةِ وإسْتَطابَ رِحالا

*

خَتَمَ الظلامُ جَنانَهُ وضميرَهُ

فغدا الطريقُ الى الضياءِ مُحالا

*

مِصرُ الشقيقةُ أدْبَرتْ وَتَنكَّرتْ

وَلَئيمُها حَرَمَ الشقيقَ وصالا

*

فصَلَ الجَنينَ عنِ الشقيقةِ بينما

لَفّوا على عُنُقِ الجَنينِ حِبالاً

*

فَمِنَ الجنوبِ شَقيقَةٌ نَكَثتْ بِها

وَلَقيطَةٌ حِمَماً تَصُبُّ شمالا

*

تَبّاً لِحاكِمِنا الخَؤونِ وَلَعْنَةً

وَلَسوفَ يلقاها لظىً ونَكالا.

***

د. مصطفى علي

قالَ مديرُ الفُنْدُقِ، للرّحالِ المتعبِ:

معذرةً

فُنْدُقُنا مشغولْ

كلُّ فَنادِقِ بلدتِنا شُغِلَتْ

لا غرفٌ شاغرةٌ بَقِيَتْ،

إلاّ واحدةً

في الدَوْرِ الحادي والعشرينْ

سلّمهُ مفتاحاً لا رَقْمَ لهُ

فاِندهَشَ الرّحالُ التعبانْ

قالَ لهُ

مُرتبكاً حَيرانْ

ما رقمُ الغرفةِ؟ ما رقمُ المفتاحْ؟

جاوبهُ :

غرفُ الفُنْدُقِ لا تحملُ أرقامْ

و لها مفتاحٌ واحدُ لا غيرْ!

..................................

..................................

قادتهُ خطاهُ إلى الغرفةِ

ساعدهُ الإرهاقُ على أن يغفو ، ثمّ ينامْ

غطّ بنومٍ راحَتْ تتلاحقُ فيهِ الأحلامْ

صار يرى من نافذةِ الغرفةِ

أشجاراً تمشي بينَ الناسِ،

و أشرعةً تبحثُ عن قاربْ

صار يرى مفتاحاً

يتنقلُ بين أناسٍ مجهولينْ

كلٌّ مِنهُمْ يفتحُ دونَ استئذانْ

باباً أغلقها بعضُ النّاسِ و ناموا

صارَ يرى نهراً تَهْرُبُ منه الأسماكْ

صار يرى الشُبّاكْ

يُصبِحُ باباً

يملكُ مفتاحاً

لكنّ البابْ

فرّ من الحائطِ

صارَ سرابْ

و المفتاحْ

فرّ هو الآخرُ

بعدَ البابِ، وغابْ

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن - أستراليا

أنتَ القصيدةُ وأنا الصدى

في عالمٍ لا يعرفُ الرتابة

فكيف لثالث أن يتسلل بيننا؟

كيف له أن يجد مكاناً

في حيزٍ أنتَ فيهِ الكلمةُ والمعنى؟

أنتَ القصيدة وأنا النغم

في لحنٍ يسكنُ الأفاقَ

أسطّرُكَ و الأشواق في صفحات الفضاء

فمن يقوى على الدخول

حيثُ اللغةُ تتوجُكَ إمبراطورًا؟

أنتَ القصيدةُ وأنا الحبرُ

يسيلُ على جلد الزمان

يخطُ الأبديةَ بين يديكَ

فلا مجالَ لثالثٍ أن يختط

سطرًا في ملحمةٍ أنتَ فيها البطل

أنتَ القصيدةُ وأنا الصّمتُ

الذي يتعظمُ في حضرةِ الجمال

صمتٌ يصغي لنبراتِ أصابعكَ

يتلوكَ شعراً، يناجيكَ حلماً

فكيف يعبُرُ ثالثٌ هذا الصمت العارم؟

أنتَ القصيدةُ وأنا الوقتُ

الذي يهربُ من تحتِ أقبيةِ المساء

ليستمع لكَ

يتنفسُ من رئة الإلهام

فلا تجري اللحظاتُ إلا بك

أنتَ القصيدةُ وأنا الذكرى

التي تلونُ الأمسَ والغد

حين تتوغلُ في الذاكرة

تتركُ بصمتها على جدُرِ العدم

فمن ذا الذي يجرؤ على الثبات بين تلك البصمات؟

أنتَ القصيدة وأنا الإيمان

بأن الجمال يخلدُ بين الأسطر

وأن الأحرفَ تصيرُ أنجماً

عندما تنسجُ من ضيائها قصيدة

فلا يكونُ هنالك ثالثٌ،

هي انعكاسٌ لحقيقةِ وجودنا

أنتَ القصيدة

وأنا لا شيء إلا مرآةٌ

تعكسُ جمالَ ما خطت يد الزمن

أجعلُ الثالثَ غيابًا

والحقيقةَ قصيدةً بين يديكَ.

***

ريما الكلزلي

29/3/2024

 

لم أحسبني يوما أن أكون موضعا للشبهات فأنا قد جاوزت الستين عاما من العمر غير اني لا زلت احتفظ بأناقتي وهندامي. التقاعد مرض مزمن خاصة عندما يكون واقعا سمجا. المقاهي تنتعش بمن هم على شاكلتي، الاحاديث و فروسية الشباب في محاربة الطواحين، سرد حكايا مثل الف ليلة وليلة، كل يوم نحن في شأن، ما برحنا ان نكون ساسة او مجاهدين او مناضلين او حتى بائعي كلام... حديث المقاهي والشاي المرافق الدائم لزبائن مساء الخير يا وطن... في احد تلك المساءات من الليالي دعيت ومن كنا من مرتادي المقاهي المطلة على شوارع مليئة بالصخب... صخب المارة وصخب اصحاب المركبات الى جانب الدخان المتطاير الاسود من عوادمها الذي اعتدناه كدخان شيشة الاركيلة التي لا احبها، كُلٌ له مسمى، فالمقاهي وقت ضائع بين اشواط عمرية لا دقائق تحكمه ولا ثوان، مجرد عناوين اتكأت على طاولات آيلة للسقوط كل روادها ينتظرون تساقط اوراقهم الخريفية من حركة دوار الاسودان، اتحفنا احد الاصحاب من الرواد بأن يدعونا الى حفل زواج احد ابنائه وأظنه الرابع او الخامس لا ادري؟! فهو متزوج من ثلاث نساء بحكم الشرع الموسع قدره، جعلتنا دعوته تغيير مكان وزمان، أما الوجوه فأغلبنا حملناها معنا بكل اقنعتها، كان هناك من يتقدمنا الاكبر عمرا والبقية تتابع، لكني لم احبذ الافضلية في الالقاب لكنها عادات و تقاليد حتى لو كانت عمياء فعلينا ان نماشيها بالرغم من عدم صحتها، هذا ليس موضوعنا المهم دخلنا صالة الاعراس التي كان جميع من فيها شباب يتراقصون بطريقة افضل من الفتيات بهز الوسط والارداف، على موسيقى افلات اللاوعي وخروجه ماردا يداعب ما بين فخذية متحسسا تحوله الى غير بني جنسه، في الخمس دقائق الأولى كانت واجبة جلسنا نبارك للعريس وأهله واغلب معارفهم الذين نعرف، اما صاحب الدعوة فقد كان شبه سعيد فأكثر من ضربة بالرأس تُوجِع، للمصادفة كنت الى جانبه وقد رأيته يبتلع السيجارة تلو الاخرى فتحمست سائلا له: ما بك يا رجل إنها ليلة مباركة لولدك اسعد بها الله ايامكم، نظر إلي كأنه منطاد منفوخ بالهيليوم ما ان لكزته بقولى حتى انفجر صارخا... اراك ياهذا؟!! تريد ان تقول بأني مقصر ولم يكن العُرس كما كان للاول من اولادي، صحيح اني تداينت حتى اكملت المهر وقد اخذت ايضا سلفة من البنك كي اتمم هذا الزواج الذي كسر ظهري ولولا ملحة والدته ما اقدمت على زواجه لكنها اصرت وانا تابع لما تقول فهي الصغيرة ولها الطاعة و الامر، لكن يبدو انك تريد ان تبين للناس اني لا استطيع ان افي بوعدي لها ولا  ازوج ابنها الذي هو ولدي البكري منها، قالو لي الجماعة في المقهى عنك بأنك لا تستريح الى مثل هكذا دعوات و تنتقد أهلها، هيا قل ما عندك يا حقير، في وقتها تغيرت ألوان وجهي وبلعت ريقي خجلا فأنا لم اقل شيئا، لكن يبدو ان ساسة المقهى اصحاب القيل والقال ومن كثرة حبهم لي ونفاقهم ضربوه إسفينا خرج عن رأسه، لا حظت انه ممتعظ بعض الشيء لكني لم اعتقد أني سبب امتعاضه، على اية حال ابتلعت خجلي وقمت مبتعدا كي اتسلل الى الخارج خلسة، غير ان هناك من زرقه بإبرة شحن كانت في لسانه فازرقت وجنتاه واحتقن ثم امسك بي يقول منذ عرفتك وانت تظن انك احسن من الجميع بهندامك وثقافتك، تحسب من حولك إمعات او عوالق، اشرت له بالتوقف معلقا يا سيدي الفاضل يبدو ان خلافك ليس معي لكنك حولته الى مزامير تريد ان تدفع بنشازها الى أذني و تحرجني، لكن صدقني وحتى اللحظة لا اعرف سبب غضبك مني، فرد منزعجا هكذا انت يا لئيم تجد منفسك متأنقا مهندما كأن طاووس تزهو بالرفاهية، فاجبته على مهلك وهل هناك عيب في ما البسه او امتلكه إنني إنسان تربيت على ان اكون ابن خير ومتواضع، فجأة ودون ان يكون هناك سبب تَجَمع من في الصالة عندما تعالت الاصوات وفي لحطة كانت الايدي تدفع بي والاخرى منها تلطمني، في تلك العاصفة الهوجاء طارت ربطة عنقي وتمزقت ياقة قميصي و تطايرت ازرارها، بالكاد تخلصت من تلك الهجمة المرتدة دون ان احظى بالاحترام لكبر سني، اما هندامي اظنني بت كالمتشرد ممزق الثياب مهلهل، خرجت هاربا لا عنا الحظ، دخلت البيت خلسة، فكانت المفاجأة حين رأتني زوجتى وام ابنائي وبناتي وهي تصرخ.. ماذا حدث لك؟؟؟  أين كنت؟؟؟؟ أكيد كنت سهران مع احداهن لقد خرجت من الوظيفة، تقاعدت حتى تقضي لياليك الحمر كما كنت في السابق قبل ان ترتبط بي، تحملتك كثيرا لكن الان لم اعد بإستطاعتي ذلك، تجمعوا ابنائي وبناتي ورأوني بذلك المنظر المحزن، تعاطفوا معي حين قصصت عليهم الحكاية لكن امهم ما ان رأت رقبتي بها لطخة من احمر شفاه لا ادري كيف وصلت لي مع اسنان تركت علامتها حتى صرخت هذا هو الدليل انك قضيت ليلة حمراء مع احد السافلات... زمجرت وصرخت ولطمت ثم طلبت الطلاق، ولأني رجل أخاف على اسرتي وبيتي وسمعتي خرجت من البيت حيث بيت اخي الذي لم يتزوج في حياته وهو سعيد جدا في فيها، لم يسألني لكني قصصت له الحكاية فنان و تعلو وجهه الابتسامة، في صباح اليوم التالي طرق باب بيت اخي وإذا بأحد ابنائي بيده يحمل حقيبة ثيابي وهو حزين يقول: ارجو ان تقدر حالة امي يا أبي فابقى مع عمي حتى تعود الامور الى مجاريها، في المساء خرجت مهندما وقد وضعت لفحة على رقبتي دون ان ارتدي ربطة عنق او أزرر ياقة قميصي لاكون حجر عثر في الحياة في مقهى التسامر الليلي يعنوان متقاعد.

***

القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي   

 

العارف

بجنونٍ يعشقُ العارفُ لا

يطلبُ العارفُ حباً عاقلا

وكذاكَ القتلُ إن يُقتَلْ فقد

تجدُ المقتولَ كانَ القاتلا

أكلَتْهُ البيدُ لمّا أزفَت

ساعةُ الموتِ فأمسى راحلا

شاءَ أن يصبحَ مأكولاً ولم

يتقدَّمْ ليكونَ الآكِلا

عاشَ ما عاشَ سنيناً جمةً

راكباً أحصنةً أو راجلا

ثم ماذا، صارَ تاريخاً مضى

بعدَ أن كانَ بمجدٍ حافِلا

كان يدري أنَّ هذا المجدَ لا

يمنحُ الروحَ أماناً شامِلا

ولهذا فرَّ من أعضائِهِ

وتلاشى عاجلاً أو آجلا

**

مناجاة

ما شربنا منكَ إلا جرعةً

ففقدنا كالمجانينِ العقولا

كيفَ لو أنا شربناكَ ولم

نبقِ شيئاً ثمَّ كدنا أن نزولا

مثلَ معصومينَ نغدو كلُّنا

شرطَ أن يبعثَكَ اللهُ رسولا

ولْتَخُضْ فينا حروباً جمةً

بين عينيكَ فإنا لن نقولا

اذهبِ الآن فقاتل إننا

قد تقاعسنا وأصبحنا كهولا

بل نخوضُ الحربَ لا نعبأ لو

قد تساقطنا جريحاً وقتيلا

اعطِنا خيلَكَ كي نركبَها

أنتَ تدري أننا نهوى الصهيلا

ولكونِ الخيلِ من أحبابِنا

قد تجرَّأنا وقبَّلْنا الأسيلا

**

مصالحة

لا تسحبِ النصلَ الذي قد جَرَحا

دعهُ بقلبي ثابتاً لأفرَحا

فإن خشيتَ أن أموتَ هكذا

منتكساً يكفيكَ أن نصطَلِحا

بقبلةٍ سريعةٍ ساخنةٍ

تنسي فؤادي الألمَ المبرِّحا

ولتطمئنَّ لن أموتَ دونَ أن

أشربَ من خدِّكَ هذا قَدَحا

قد متُّ مراتٍ وعدتُ ثانياً

كالمتنبي كلَّما ماتَ صَحا

أخسَرُ في تجارتي بحيثُ لا

أبغي الثمارَ فاهتمامي باللِّحا

لكنْ أعدُّ ما خسرتُ لم أجدْ

خسارةً فكلُّ بيعي رَبِحا

لو لم أجِدْ من الأنامِ لاحياً

شطرتُ نفسي عاشقاً ومَنْ لَحا

**

قلبٌ حجري

لما بكى استهزأتِ الدِّيارُ

ولم تثرْ أشجانَها الأشعارُ

صاحبُنا يرثي الديارَ، كلُّ ما

يرجوهُ أنَّ الشِّعرَ يُسْتَثارُ

قالت لهُ إن كنتَ تبكي صادقاً

على الديارِ تنطقُ الحجارُ

لكلِّ قلبٍ حجريٍّ قصةٌ

محكمةُ البناءِ يومَ ساروا

تذكرُ لي خمارَ محبوبٍ نأى

كأنَّ عارضَيهِ جلَّنارُ

سافرةُ القوامِ كلُّ غادةٍ

في نظرِ الشعرِ فما الخِمارُ

والشعرُ سكِّيرٌ بحكمِ طبعِهِ

فكلُّ بيتٍ خمرةٌ تُدارُ

إني شربتُ الخمرَ من رضابِ مَنْ

أحبُّهُ فانتحرَ الوقارُ

**

إعصار

فضلُ إعصارِ الغرامِ صرصرُهْ

وأفضلُ الشِّعرِ كلامٌ تضمرُهْ

أرهقَني الصِّدْقُ فلستُ خجلاً

من قولِ شِعْرٍ كاذبٍ أزوِّرُهْ

فمثلاً أنتِ برأيي عنَبٌ

وإنَّني كخمرةٍ سأعصرُهْ

ولستُ أعني غير أني ساجدٌ

بينَ يدَي ربِّي الذي أكبِّرُهْ

أو أنَّ إسرائي دنا ميقاتُهُ

لكنَّني لحِكْمةٍ أؤَخِّرُهْ

أو أنَّني أستغفرُ اللهَ ولا

أريدُ محوَ الذَّنْبِ إذ أستغفرُهْ

بعضُ الذنوبِ منهجٌ مقدَّسٌ

يحبُّهُ اللهُ لذا أوقِّرُهْ

**

ضياع

كراكبِ البحرِ بلا أيِّ حمى

أو كالقتيلِ نحوَهُ السهمَ رمى

أو كالجدارِ حينَما أصغى إلى

مستندٍ متيَّمٍ تهدَّما

أو كالكتابِ باعَهُ بدرهمٍ

مؤلِّفٌ يموتُ جوعاً بينَما

طفلٌ لمسؤولٍ حقيرٍ جاهلٍ

سيشتري بيتي إذا باعَ الدُّمى

أعملُ في أرضِ العراقِ راعياً

أهشُّ لكن لا أرى لي غَنَما

في يومِ قيظٍ قد نصبتُ خيمةً

معلِّلاً نفسي بألطافِ السَّما

جاؤوا وفي أيديهمو مشاعلٌ

فأحرقوا فوقَ دماغي الخِيَما

قالوا الخيامُ عندَنا ممنوعةٌ

إلا إذا ماتَ الفتى من الظَّما

***

باسم الحسناوي

الريحُ تعصف في الثنايا

في وجههن يشتعل المدى..

وعند خابية الجمال قصائد

وشِعارِهِنَ تحدياً

لا ضيم بعد اليوم

يسلبني الصدى..

**

تحت السماء غمامة سوداء

تملؤها المنايا..

**

والريحُ تعزفُ لحنها الموتور

في قعرِ الرزايا..

وتعاسة الامصار تجتاح الصبايا..

وشعارهن على الهواء طلاسماً

وعلى الرصيف

صراخ اشكال الضحايا..

ترتجي موت الطغاة

**

وعند منعطف الطريق

تنوح أفئدة الكبار..

وتموج جمهرة الصغار

في كل منعطف ودار..

تكابد ضيمها المبثوث

في لحن الخطايا..

**

والموتُ يمرحُ في الشوارعِ والبيوتْ

ونراهُ في السجنِ المخيفِ غمامة

سوداء ما انفكتْ

على مرمى النخاسة والوعيد

والكلُ في المعنى شريدْ..

والكل في المسرى طريدْ..

والناس كالإعصار تصرخ من بعيد

لا تلوي على حال يحيد..

**

والسائرون على الضلال

سهامهم ردت كعاصفة الرمال

حتى إذا فاحت روائح جرمهم

راحوا وراء حصونهم

يتسترون

بألف عذر أو شعار..

**

هي حرةٌ بين الجموع صبية

والثائرون على الطغاة

سياطهم،

هي مجزرة الحياة..

لم تخلق الأنثى لتذبح كالشياة

من الوريد إلى الوريد..

الكل في المعنى شريد

الكل في المسرى طريد..

***

د. جودت العاني

20/10/2022

........................

من وحي صبية، ذهبت إلى الشارع، وعادت بتابوت..!!

(الرياحُ) التي

اسْتَعارَتْ يَداً

مِن هبوب العواصفِ

واسْتَأْجَرَتْ

مُمْكِنات الدخولِ

إلى (نــــازفٍ)...مايَزَالْ

طريُّ الرُّكامْ

يَئنُّ

يَئنُّ

يَئنُّ

فلا مِنْ قريبٍ يُغيثُ

ولا مَنْ بعيدٌ يَشُنُّ

سوى قهقهات اللِئامْ

تَعُجّ المكانْ  !

وإلا المنازلُ

تَبحثُ ــ هارعةً ــ

تحت أنقاضِها

عن ظفائرِ مُبتلَّةٍ...

ولِثَامْ

وخِيامٌ...

ما اكْتَهَلَ العُمْرُ فيها وزالْ !

وحقائبُ مفتوحة الدرسِ

أُولى وظائفها

ما انتهتْ... بالمآلْ

والسؤال انْدَفَنْ !

وعصافير قبل الأوانْ

غَدَتْ بذْرةً

بِدِمَاها ارْتَوَتْ

أنْبَتَتْ

مُصحفاً.. ووطنْ !

*

فاقرأ رِجَالكَ...

إنَّ (الرياح) على البابِ

والبحرِ...

لاتُؤْتَمَنْ !

*

وإنَّ المِلاحة لاتَقْبَلُ الغَثَّ

في الماءِ...

مهما طغى الخُبْثُ فيهِ

وطال الزمنْ

*

إنّ الملاحةَ ليستْ

لذاك البعيد

العديم الشرفْ

فُسحةٌ... وتَرَفْ

أو لِعبورِ عَدُوَّاتِ تَمْخُرُ

مثقلةٌ بالدَّخَنْ!

*

إن المِلاحةَ فَنْ

وأنتَ المُؤَمَّلُ

أنْ تَذْرَعَ البحرَ طولاً

وعَرْضَا

وتَفْلَقَهُ بِعَصاكَ

لِتَدْفَعَ شرَّاً مُحيطاً

وتَحْمِيَ عِرْضَا

وتوْصِد (باب) الحياةِ

أمام العَفَنْ :

ريحٌ تَجُوبُ

بِحَمْأَتِها في الدِّماء

مِن أجل أنْ

يتعالى

الوضيعُ

السـريعُ..

(النَّـــتَنْ) !

*

وأنتَ المُؤَمَّلُ

أنٰ تَرْسُمَ الضوءَ

خارطةً لـِقضيتنا (الأُم)

دون حُدودٍ

ودون خَوَنْ!

إن دِماها ملائِكةٌ

تَغْسِلُ العارَ عن وجهها:

(قِمماً) عارضات النهودِ

بشجْبٍ...

ونَدْبٍ...

وقِحْبٍ غَلَبْ!

*

فياللعجبْ!

مِن تَبَاكٍ رخيصٍ

قليل الأدب

بكل مُكاءٍ

وتَصْدِيَةٍ

ووَقْصٍ خَبِيصٍ

وهُمْ (عورةٌ) سَتَرَتْ وجهها

بانْبطاحٍ لطيف الهوى

وانبرتْ للعيانِ

بِحِشْمَةِ زَعْمٍ

شريفِ النَّسَبْ!

*

ألا فالعنوهُم عن ظَهْرِ قًلْبٍ

بما اقترفوها...

بحق الشعوب التي

قد أَذُوهَا...

وكانوا السببْ

وتَبَّتّ أياديَ حَمَّالَتَيْنِ:

(أُمُّ احْتِطَابٍ)..و(أُمُّ الخُطَبْ)!

*

(الرياحُ) التي

اسْتَعارَتْ يداً

من هبوب العواصفِ

واسْتَأْجَرَتْ

مُمْكِنات الدخولِ

إلى (نــــازفٍ) ...مايزالْ

إنها لِلزَّوالْ

إنها للِنَفَـــادْ

وَلَّتْ أحاديث بَادْ

(ألم تَرَى كيف... بِعَادْ)؟!

سَيَذْرُوها إعصارُنا

كا

ل

ر

مَ

ا

دْ

***

محمد ثابت السُّمَيْعي -  اليمن

٢٠٢٤/٣/٢٦م

 

يتساءلونَ كفيضٍ لا ينتهي

يأخذهم تيهُ الخنازيرِ

يتقمصونَ نتانةَ الضباعِ

الضباعِ التي تقبرُ خارجَ مدنِ اللهِ

مَنْ يكتبُ بلا أنا؟

حتى أنا لي ارتدادٌ اخاطتهُ إبرُ الريحِ

ايةُ مجاهلٍ تلكَ ايةُ تهاويلَ

إني لأستنسخُ الروحُ من الروحِ

أساجلُ كلَّ ريشِ اللوحاتِ

حتى أحتارَ كيفَ أأطرها

أجعلُ دميَ خرسانةً

وقلبيَ لا يساومُ خسةَ التندرِ الغريبِ

قالوا أضاعتهُ الاوهامُ

قلتُ لا لقد طوقني الرفضُ

وايُّ رفضٍ جردني من العرشِ

هوى بي دونَ نجادةِ صحوٍ

أنا

مَنْ يكرهُ الابوابَ ومطارقها

وانا مَنْ عشقَ الشعرَ الحرَّ كيفني معَ الحريةِ

وأنا

مَنْ تمردَ على التمردِ

صاغَ له جوزاتِ عتقٍ

انتزعَ الاغلالَ وتسامى مهاجراً

وأنا

الذي يقلبُ الوردَ في سندياناتهِ

ويبتهلُ أنْ يبقى عطرهُ

على موعدٍ ربما يأتي

هذا العطرُ يحتضنُ القاعَ

يفوحُ ذكرياتٍ ونسائمَ

أغنيةِ عبورٍ في منجدِ الحبِّ

وأنا

الحلمُ ودلالُ التيجانِ

السارحِ كالليلِ في أحضانِ الصبايا

الكفُّ التي تمسحُ فوقَ جبينِ

مرضى الولهِ والنسيانِ

وأنا المتقمصُ أدوارَ المسيحِ

أنزعُ كذبةً تراودني

أفتحُ عيونيَ أرى الكونَ تجمدَ

في بطنِ حوتٍ

وأرى غرقى وطني يستحمونَ بالامواجِ

اصابهم زكامٌ أبديٌ

أنا ضحكةٌ متفردةٌ في كومةِ النسيان

هي وجناتٌ يدغدغها القمرُ

يخرُّ صريعاً امامَ منصةِ النساكِ

أنا مجنونٌ كالظلِّ يتربصُ بطلوعِ الشمسِ

وأنا ازيزُ احبارٍ تغازلُ الجدرانَ

تنتظرُ انتفاضةً كالسيلِ الجارفِ

السيلُ آتٍ طوفاناً يصنعُ

غزلَ الانتصارِ

أنا

وحشةُ البرجِ في الغيمِ

الحبيسِ في ابعدِ منفى

المتنمرِ على أهاتهِ

الكارهِ لتسلقِ الفضولِ

مَنْ يمنحني جناحَ صقرٍ

عيونَ صقرٍ

أبصرُ بها كلَّ مَنْ أحببتُ

وكلَّ مَن غادرني لضيعةِ المجهولِ

أنا

وحدي الذي يحتوي وحدتهُ

خاتمي المسحورُ بالعقيقِ المزيفِ

خاتمي المبهرُ عنوةٌ للاقدارِ

خاتمي الذي داعبَ أناملَ الجميلاتِ

خاتمي الذي كان سحراً

لدليلِ احلامي لأميراتي الخالداتِ

لقد انهيتُ رؤيايَ

انهيتُ شهوةَ الرضاعِ مِن مصيري

المقهورِ

أنا

المهرُ المؤجلُ في لعبةِ الخسارةِ

آهٍ كم لنا من الخساراتِ

متى يزورنا الفرحُ

(اراهن في كلِّ السباقاتِ اجدُ خيلنا

كسيحةً كصحراءَ قاحلةٍ)

وأنا

أُدونُ كلَّ مراجعاتي

أجدُ مدوناتي عن الشفقِ المرتجى

منصاتٍ كسرتها أقانيمُ الوهمِ

وهمنا المؤبدِ وصيحةً لن تسمعَ

وأنا

في الليلِ  المتوقدِ بالنهارِ

يلاحقني السهرُ بقصيدةٍ هائمةٍ

بنجومِ الصباحِ وانكسارِ كواكبِ اللهِ

ليتني اسبحُ انتشلكَ من سباتكَ المحزنِ ايها الوطنُ المسجى

وأنا

الباحثُ عن أصواتِ الثكالى

وترانيمِ الاحزان

لقد جمعتُ صورَ تخومِ المدنِ

زرعتُ فيها عشراتٍ من شتلاتِ الوردِ

كي يستنشقَ منها الهاربونَ من ضيمِ

الغدرِ آخرِ نسمةِ عطرٍ

وانا

الكأسُ المنصوبُ فوقَ مائدةِ الحبِّ

ليتَ أجنحتي تحملُ كلَّ الآهاتِ

وليتني ازرعُ الفَ بستانٍ

أجمعُ نساءَ المعمورةِ تحتَ حراسةِ

ملائكةِ السماءِ

وأنا

مَنْ تشاجرهُ فاطماتُ الحبِّ

لجلسةٍ غجريةٍ

وأنا لاشئَ لديَّ سوى كتيبٍ

يتحدثُ عن الاحقادِ التتريةِ

وأنا انتِ وأنتِ انا في ميزانِ الرفضِ

ننتظرُ قوافلَ المسافرينَ ومنشوراتٍ

ثوريةً

وأنا

استحالةُ الخنوعِ لتلمودِ الجبناءِ

أجدكِ الظلَّ وشجرةَ زيزفون

أجدكِ طفلةٌ تشهقُ بضحكةٍ

تنادي (يا اطفالَ العالمِ اتحدوا)

ضحكةٍ تهزُّ ضمائرَ انهارتْ ودونتْ

قصائدَ منسوخةً من جدرانِ الطغاةِ

وأنا

الماكثُ فوقَ جبالِ القهرِ

أظلُّ أشهرُ بندقيتي

وأرسمُ بريشتي الفَ نصبٍ للحريةِ

***

عبد الامير العبادي

- بما أني غريب جدا

في وطن مظلم

أدع وجهي طوال الوقت

داخل المرآة

ليفترس المزيد من الضوء

ويعلن ولاءه الخالص

لسنوات الطفولة العذبة

يمعن في التحديق

في تابوت المستقبل

شباك الأصدقاء السيئين

حصان الشك الجامح

الذي اختفي في جبال المرآة

وحين تقرع نواقيس الخطر

أخرجه وأضعه على جسدي

كما لو أني نحات ماهر

من الفراعنة القدامى..

با أني كائن غريب جدا جدا

ليس لي أحد في هذا العالم

لا أهل لا بيت لا أصدقاء

لذلك أكلم نفسي كثيرا

أطعم الفراغ حبال أعصابي المتهدلة

أضحك كثيرا أمام أسد متناقضاتي

أدعو الوحوش النادرة

لطرد هواجسي من شرفة النهار

أدعو جميع الفراشات لتأبين براهيني الهشة

والكلمات الجميلة

لتشييع جنازتي يوما ما

بما أني غريب جدا جدا

في وطن موحل

مملوء بالمسوخ والرهبان

بالقيح والرماد والصدأ

لذلك أعبد مرآة البيت الضخمة

أرثي عيني شبه الكفيفتين

وعظامي التي تطقطق

مثل فاصل موسيقي جارح

وحين يمسني الجوع

أفتح النار على طائر قلبي

أدعو الأشباح المهذبة

لعشائي المقدس

أضرب النسيان على قفاه

بجزمتي المهترئة

أضحك كثيرا بفم سكران

أمام ضآلة الأشياء

أمام السماء التي تمطر بالجثث

أمام سيل عارم من العميان

يحملون تابوت النهار

بأسنان صدئة

أمام سفينة الشرق الغارقة

في العفن والهزيمة والعار.

***

فتحي مهذب - تونس

 

ولــي قــلبٌ تعاندُهُ الصّروفُ

ونــهرُ الــحادثاتِ بــه يحوفُ

*

إذا تــركَ الــرَّبيعُ بــهِ زهوراً

عــلى عجلٍ يُسَاقِطُها الخريفُ

*

إذا يــنجو مــن الأقــدارِ يوماً

مــن الأشرارِ تطعنُهُ السّيوفُ

*

كأنِّي والسرورَ على اختلافٍ

وإنّ الــهمَّ وحــدَهُ لــي حليفُ

*

ســيرتاحُ الــحسودُ إذا رآنــي

وصــحنُ الخدِّ تَلْطُمُهُ الكفوفُ

*

ولــكنْ خاب ظنّاً حيثُ يدري

فــمثلي لا تُــنهنههُ الــظروفُ

*

فــما زالــتْ تُصبِّرُني الأماني

وطيفُ الوهنِ يَزجرُهُ الوقوفُ

*

على نكْءِ الجراحِ أرشُّ مِلحاً

مــع الأيــامِ يــنقطعُ الــنَّزيفُ

*

إلى ربِّ العبادِ شكوتُ ضعفي

وأَعــلمُ أنَّــهُ الصَّمَدُ الرؤوفُ

*

إذا يــرضى عــليَّ أنــا سعيدٌ

ولــنْ أَهْــتَمَّ إنْ سَخِطَ الألوفُ

*

فــلي ثــقةٌ بربِّ العرشِ دوماً

وإنّ اللهَ عــــدلٌ لا يَــحِــيفٌ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

صرير ضيفها الصرصار، وراء الغسّالة، في غرفة الغسيل الصغيرة، جعلها ترى الحقيقة في واقعها المؤلم. جسد زوجها الملقى على السرير إلى جانبها، جعل الليل عبئًا ثقيلًا، أثقل منه في أي ليل سابق، وجعل من الخروج إلى غرفة الاستقبال، للاقتراب من ذلك الضيف، للاستماع إلى صريره وإلى مواساته لها من الوحدة، مهمة لا بدَّ من القيام بها وتنفيذها للتو.~

بعد ثوان، حملت جسدها، كأنما هو جثمان ميت يسبح في سديم الكون، وانطلقت باتجاه، غرفة الاستقبال، في طريقها القصير الطويل إلى هناك، وقع نظرها على ابنتها الصبية، ابنة العشرين، كانت ابنتها نائمة، لولا وجود ابنتها في البيت، ولولا حاجتها لأب يحدب عليها ويرعاها، لما سمحت لذاك الثقيل، زوجها، أن يأتي إلى البيت مرة في الأسبوع، ولاكتفت بالصرصار، بصريره وبمواساته لها.

ذاك الضيف، وراء الغسالة في الغرفة الصغيرة، اختفى في البداية مثل زائر ثقيل، لا ليس ثقيلا، ابتدأ عهدها به، ليلة صحت على صريره، إثر مغادرة زوجها للبيت قبل أشهر.

حين شعرت بوجوده بحثت عن قبقاب خبأته في الجوارير القديمة، حتى وجدته. هرعت بعد ذلك إلى الغسالة فأزاحتها، لسحق ذاك الضيف غير المرغوب به، إلا أنه كان أكثر ذكاء وحنكة، فقد زاغ منها، وانسرب...

في الليلة التالية، شرعت في إغلاق أذنيها بما توفَّرَ من قطن في البيت، غير أن الصرصار أبى إلا أن يرسل صريره مخترقا الليل.

فكَّرت في أن تشرب حبة منّوم، كما كانت تفعل حين كان زوجها حاضرا غائبا. بيد أنها ما لبثت أن طردَت هذه الفكرة، وتبنَّت فكرة أخرى، متمردة على المجهول، كما فعلت دائما. الفكرة الأخرى، تمثلت في الاستماع إلى صرير الصرصار. لماذا هي لا تستمع إليه؟ لماذا لا تستمع إلى ما يبثه في الليالي الطويلة الموحشة؟ ألم تدرك منذ فتحت عينيها حتى بلوغها ما بلغته من عمر، أنه يوجد لكل شيء سبب، وبالإمكان التوصُّل إلى أسراره بشيء من الأناة؟ فلماذا لا تستمع إلى الصرصار؟ لماذا لا تحاول أن تفتح أذنها، ولماذا تغلقها أصلا، ألم تغضب يوم فضل زوجها النوم على الحديث معها، فأشعلت الدنيا نارًا لم يخبُ لها أوار، إلا بدفعِهِ إلى خارج البيت، على أن يعود مرة واحدة في الأسبوع؟ لماذا هي تغلق أذنها أمام الصرصار؟ وكأنها ملأى بالطين؟ أو ليس من الأفضل لها أن تستمع إليه، فإما يعجبها صريره، وإما تمجُّه أذنها، فتجد له علاجا يشبه ذاك الذي عالجت به زوجها؟

في الليلة الطويلة التالية، شرعت بالاستماع إلى الصرصار. أعطت نفسها كلَّ ما ملكته من إمكانية على الإصغاء. استسلمت لسماع صوته، مثلما يفعل العاشق المتيَّم حينما يستمع إلى صوت محبوبته. استمعت إلى الصرصار، استمعت إليه بكل ما لديها من قوة متبقية. مهلا.. مهلا ابتدأت تألف صريره، بات صريره في فترة قصيرة، أو طويلة، لا تدري، جزءا من ذاكرتها، بل أكثر من هذا باتت تنتظر الليل كي يأتي، كي تستمع إلى ضيفها المرحَّب به، وإلى صريره الشبيه بالغناء. هي لا تبالغ إذا قالت إنها وجدت أخيرا معزوفتها بعد طول انتظار.

الليالي بعد وفود الصرصار، بعد إقامته وراء الغسالة، باتت ذات رائحة، نكهة ولون، هكذا راحت لياليها بالتغيّر.

وطرق الأمل بابها مجددا، فراحت تهتم بنفسها، ترتدي أحلى ملابس النوم، بانتظار صوت صديقها وراء الغسالة، ولم يكن هذا يخلف ميعاده معها. كان ما إن يرين الصمت النائم على أرجاء البيت، حتى يرسل صريره موقظا أجمل ما في المرأة وأحلى ما في الليل. وكانت المرأة تحاول المحافظة على الصمت، محافظتها على روحها، وزاد في محافظتها هذه، أنها أحست أنه يوجد بالصَّرصار مثل ما بها، وأنه يطلب طوال الوقت ويسأل من يحلّ وثاقه، كأنما هو يحكي بلسانها، ويطالب بحقه في الحياة والصرير، وكأنما هو يطالب بهذا الحق لكلِّ من ينشده، ويهفو قلبه إليه!!

هكذا بات صديقها، سلوتها الأساسية، بل إنها مع مضي الأيام، باتت تعرف كيف تدفعه إلى الصَّمت، كي يستمع هو إليها، فما أن تنهض من مجلسها، في غرفة الاستقبال، حتى يتوقف، عن الصرير، وتشرع هي في التحدث إليه: اسمع جيدا، أنت الوحيد الذي يستمع إليَّ بكل مشاعره وأحاسيسه، ويعرف كم أنا بحاجة إلى زوج، حظ اليقظة لديه، أكثر من حظ النوم. أنت الوحيد الذي يُحيي حياة توشك أن تموت في داخلي. أنت من يستمع إلى شكواي. أنت مَن أناجيه ومن يناجيني، من يسمعني حين أكون وحيدة ومن يستمع إلي حينما أريد. كان صديقها يستمع إليها، وكذلك هي، لا يقاطع أحدهما الآخر وينتظره حتى ينهي كل ما لديه. لم يكن يقاطعها، فيضع الكلمات على لسانها كأنما هو لا يريد أن يستمع إلى غير ما يريد أن يستمع إليه، ولم يكن ينظر إليها شزرا حينما تتحدث عن شؤونها الصغيرة، لم يكن يلغي مسافة الصمت المطلوبة بين أي متحدثين، بل كان يصمت، وكأنما هو لا يريد أن يستمع إلى أي إنسان آخر سواها في الكون.

حينما كان هذا كله يحل بينهما، كانت تبدو وكأنما هي المرأة السعيدة الوحيدة على الأرض، فكانت عيناها تفيضان بمحبة لكل شيء، مكتسبتين لمعة كادت أن تخبو وتتلاشى.

مع الوقت ابتدأت تعتاد على تهيئة الجو وإعداده، ليكون ملائما للقاء الفريد بينها وبين صديقها، فكانت تشعل شمعة ينبعث منها نور خفيف، وتطفئ الضوء، فينتشر جوّ شعريّ ساحر، يدفعها للاسترخاء على أريكة وضعتها خصيصا في غرفة الاستقبال. وما إن كانت تضع رأسها على وسادة وثيرة وضعتها في أقصى الأريكة، على يدها تحديدا، ما إن كانت تمضي لحظات من الصمت، حتى يبادرها صديق الليل بصريره المألوف، الأثير على روحها القريب من قلبها. فكانت تغمض عينيها وتستمع إليه بجوارحها كلّها، وكان صريره ينهال عليها وكأنما هو نهر من زبرجد، فتمدّ يدها مرحّبة به ومهلّلة.

أمّا حينما كانت تريد أن تتحدث، أن تعبّر عمّا بها، فما كان عليها إلا أن تتحرك على أريكتها، فيصمت الصرصار، منتظرا أن تفيض نفسها بما اضطرتها حياتها إلى جانب زوج غير متفهّم، من مشاعر وأحاسيس، هي لم تكن تبخل على صديقها، ولم تكن لتخفي عنه أية صغيرة أو كبيرة، وإنما كانت تصارحه بكلِّ ما في دخيلتها، بل إنها كثيرا ما كانت تنسى نفسها، فتصارحه بما خجلت أن تقوله أمام أي من الناس، وربما أمام ذاتها. هي نفسها، لم تكن باختصار تتردَّد في أن تفكَّر أمامه بصوتٍ عالٍ، وكان أشدّ ما يسعدها هو أنه كان يستمع إليها بخشوع أشبه ما يكون بخشوع راهب تمنَّت أن تلتقيه وهي ماضية في صحراء حياتها.

ونشأت مع مضي الوقت، لغة مشتركة بين الاثنين، لا يفهمها سواهما، كانت أشبه ما تكون بلغة عاشقين عرفا طريقهما.

*

استلقت المرأة، صاحبة البيت، على أريكتها في غرفة الاستقبال. وضعت رأسها على وسادتها الخاصة، هيأت الأجواء كلَّها، بما فيها إشعال شمعة خفيفة النور، واستلقت تفكر في زوجها الغائب هناك في غرفة النوم، حتى في يوم مجيئه الوحيد في الأسبوع، ها هو يناغي الكرى، ويتركها وحيدة مثل كتلة تائهة تسبح في سديم الكون، ها هو يوغل في سباته، وها هي توغل في يقظتها، ها هما يفترقان مجددا، وها هو كل لقاء يتحوّل إلى ظل للقاء، لا معنى له.

تحركت على أريكتها. رفعت صوتها هامسة بما بها. اقتربت من غرفة الغسيل. أدنت رأسها حيث تعرف أن صديق ليلها يقبع بانتظارها، وراحت تحكي عمّا بها من ألم.

في تلك اللحظة شعرت بزوجها يسير باتجاه الحمّام. كان واضحًا أن حاجته أيقظته، وأنه سيعود بعد قليل إلى نومه. توقَّف عند باب الحمّام، سألها عمَّا إذا كانت تريد أن تنام، ولم ينتظر إجابتها. دخل إلى الحمّام وأحكم إغلاق بابه وراءه. بقيت هي وحيدة بانتظار صديقها المنتظر، ليبعث صريره شاقا صمت البيت، ومواسيًا إياها في وحدتها الرهيبة.

***

قصة: ناجي ظاهر

تـبّـتْ يــدا الـجــاني وتـبْ

طـوفـانُ غــزّةَ مِـنْ لـهَـبْ

*

نـــارٌ عـلى بـــاغٍ عــتـا

ولـعــنــةٌ فــيـهـا تُــصَــبْ

*

قـد حـانَ يــومَ هــلاكـهِ

ولـحـتــفـهِ الـباغي اقـتـربْ

*

نــامَ الـزنـيــمُ بـحِـــلــمـهِ

وصحا بـطوفانِ الـغـضـب

*

يـجــتـاحُ كُــلَّ كـيــانـهِ

لـيـقـولَ هـا نحـنُ الـشعـبْ

*

وتـكـونُ غـــزّةُ غــــزّةً

في جـنـبهِ وبـهـا الـعَـطـب

*

ظــنَّ الــزنــيــمُ بـأنّـها

هـي نِـزهـةٌ ولـهـا طـربْ

*

حــتّـى تَـبــيّــنَ أنّــهـا

مـوتٌ زؤامٌ قــد حَــطَـبْ

*

والـحـقـدُ صار مَـجـازرًا

في كُــلِّ يــومٍ تُــرْتَـكـبْ

*

وأمــامَ أنـظـارِ الـورى**

قـتـلٌ وســبـيٌ وسـغَـبْ

*

أيـنَ الـمـبـادِئُ يـا تُـرى

أيـنَ الضميرُ قـد احـتَجَبْ

*

أطـفـالُ غَــزةَ شــاهـدٌ

لـلّـــهِ حُـكّــامَ الـعــرَبْ

*

ألِـفُـوا الـهَوانَ فـساوموا

وتـوسـلـوا غـربًـا غــربْ

*

ســبـعـون عـامًا أفـرزتْ

والجَرحُ يـنـزِفُ كالـقِـرَبْ

*

زيـفَ الـحـكوماتِ الـتي

كانـتْ تُـطـبّـلُ في صَخَبْ

*

ســبـعـونَ عـامًـا ثُـمّ زِدْ

تُـطوى على نـفـسِ الـمِكَبْ**

*

آمـــالَ شـــعـبٍ مُـبـتـلى

بـالـداعِـرٍبن ذوي الـرُتَـبْ

*

وقضـيّـةُ الـقُـدسِ انـتَـهَتْ

هِـبـةً وأرضٌ تُـسـتَـلَـبْ

*

وعلى طـبـولِ الـغـابـرينَ

يـسـيـرُ مَــنْ هــبّ ودبْ

*

جـيـلي وأجـيالٌ مَـضتْ

كانتْ تُـشَـنِّـفُـهُ الـخُـطـبْ**

*

حُـكّـامُـنـا الـمـتـأسـلـمون

هُــــمُ هُـــمُ صـاروا اللُـعَـبْ

*

سـبـعـونَ عـامًـا طـبّـلـوا

حـتّى تَـبَـيـنَ لي عَـجـبْ

*

فـيـهـا تُـخــــدَّرُ أمّـــةً

لـيُـواطِـئوا وصـلَ الـنَـسـبْ**

*

وعِــتـابُ حُـكّــامٍ هُـــمُ

بـالأصــل خُـــدّامٌ تَـعَــبْ

*

لا نـخــوة تُــرجى لـهـمْ

والـخِزيُ قـد بَــلغَ الـرُكَـبْ

*

مـــاذا أقــــولُ لأُمَّــــةٍ

أوغـادُها صاروا الـنُـخـبْ

*

ســبـعونَ عـامًا افـرزتْ

والـكلُ فـيـهـا قـد رسَــبْ

*

والـقـولُ فـي حُـكّامِـهـا

كالـماء في رمـــلٍ يُــكَـبْ

*

تَـبّـتْ يــدا الــبـاغي وتَـبْ

ظـنَّ الـجـرائـمَ مُـكْـتَـسـبْ

*

فــإذا الــدمـــاءُ تـحَــدّيًـا

أورى  سُــــعـارًا وكَــلَـبْ

*

مـوتًـا بـطـيـئًا أصـبـحـتْ

لـكـيـانـهِ في مــــا ارتَـكَـبْ

*

فـكـيـانُـهُ الـخــاوي غــدا

يـشـكـو الـتـصـدّعَ والـكُـرَبْ

*

إذْ صــار كــــلُّ مُــراده

ولِـجـيـشـهِ مـنـهـا الـهـــرَبْ

*

شــــيــطــانُـهُ قـــــد أزّهُ

والآنَ قـد أمـــسى أجَــــبْ**

*

جَـلـبَ الـهـوانَ لـنـفــسـهِ

والــويـلُ في مـا قــد جَـلَـبْ

*

تـبًّـا لــصـهـيـونٍ وتَــبْ

بـؤسًـا غــدا مـا قـد حَـلَـبْ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الاثنين في 19 آذار 2024

..........................

** الورى: الـبشر الناس  

** الـمِـكَب: الـمغـزل الذي يُطوى عليه الغَـزِل

** تُـشـنّـفه الخُطب: أي تُـمـتِعُهُ الخُطب   

** الأجب: المقطوع

 

عُدْ أبي..

نَعُدُّ الحمام

وهو يحطُّ على السدرةِ

ليطعمها الهديل

أيام بيتنا ..

كان كلما شهقَ

ابتكر لنا صباحا نغرقُ فيه ملء الأغاني

فما التعب

لو عدتَ كقطرةِ ندى من خريفكَ الخافت

وشفتيكَ الذاويتين !

**

عُد أبي بنا

لنلحق ولو بأمنية

تسربلتْ من أصابع الغروب

حتى شَهِدَ العمر

بأنكَ الوان رحلته الطويلة

فبأي نحيبٍ ترقدُ الآن أنفاسكَ

وبأي شمعة تفضُّ هذا الليل ليكون سبيلي

وحدكَ.. غائرا في فراغ الانتظار

أعبر به اليكَ

حيث يستسلمُ الموت لهذا الصمت

وكعادتهِا..

تقوم القيامة.

***

زياد السامرائي - ألمانيا

 

أمش الهوينا

وأجلس برفقة مقعدي

إن لي مع المجانين وعدا

وجدالا

وكلاما

قد يبدو لكم محالا

*

دعوني لشأني

أمش الأرض عمري

إنني لا أبتغي حسابا

ولا عتابا

إن بي من العاقلين حزنا

واكتآبا

إن لي مع المجانين شجوا

وصبابة

وراحة في النفس

قد تبدو لكم غرابة

*

دعوني لشأني

واقفا وقفتي المجروحة

أمام القبور المفتوحة

إن لي مع الأموات وعدا

وجدالا

وكلاما

قد يبدو لكم محالا

صالح الڨرمادي

من كتاب اللحمة الحيّة

***

زهرة الحواشي - تونس

 

سيرحلُ الغَسَقْ

وكل أشرار الدُّنا

من هاهناك...

أو هنا

ومن أَبَقْ!

*

وما بجُعْبَة ِ الطغاة ِ

والبُغاةِ:

من فتاوى حارقاتٍ...

عائقاتٍ

أو حُروب ٍ قائماتٍ...

قادماتٍ

أو فِـــــــــــــرَقْ

سَيرْحَلُ (الفَسَقْ)!

***

محمدثابت السميعي - اليمن

٢٠١٧م

اندس الى جانبي مفترشا سجادة صلاته، دفع برامل الماء قليلا حتى يسعه المكان، ثم شرع في أداء ركعتي تحية المسجد؛ ذاك كان دأبه كل ليلة من شهر رمضان على سطح الحرم المكي، حيث كان يأتي بعد الآذان، وقبل صلاة العشاء بقليل، شاقا طريقه في الزحام، ومندسا بين المصلين الى ان يصل بجواري الى مكانه المعهود، وقد تعودت ان أترك له فسحة يستغلها لصلاة العشاء، ورغائب القيام ..

هو رجل ربعة، اميل الى الطول، في سمنة لا تخفى، وان لم تكن مفرطة، قمحي اللون، باسم الوجه تجحظ عيناه الواسعتان قليلا اذا ضحك .. في صوته بحة، قلما نجدها في صوت خليجي..

على سجادته يضع عقاله، ووسط دائرة العقال يحط هاتفه ذا اللون الأبيض، وقارورة عطره التي هي ما يعلن عن وجوده اليومي بين المصلين، حيث لا يشرع في صلاة الا بعد ان يبخ عطر قارورته على سجادته، وسجادات المصلين من حوله فكأن عطره احتجاج على روائح زرابي ما وجدت من يغيرها او ينظفها، وهي ظاهرة لاحظها معتمرو هذه السنة في عامة جهات الحرم المكي، فالى جانب قلة ماء الشرب توجد ظاهرة الاوساخ، وقلة النظافة، وتراخي العملة الذين كانوا يتوسلون ايادي المعتمرين وجيوبهم، اكثر مما كانوا يتوسلون تنظيف ما انيط بهم تنظيفه .

حين غادر المكان بعد ركعات قيام الليلة، نسي هاتفه الذي غطاه جانب من سجادتي فلم يره ...

اخذت الهاتف، وفي يقيني انه سيعود، او سيتصل للسؤال عن هاتفه .

مابين السلم الكهربائي الذي يربط السطح بالمخرج، وبين مكان اقامتي اصدر الهاتف ثلاث اشارات ضوئية اعلانا بمكالمة..

كانت الاولى من صهر صاحب الهاتف الذي ينبهه الى ان زوجته في الانتظار بالمطعم.. وقد رجوتُه طمأنة صاحب الهاتف، ثم قدمت له بيانات الاتصال ومكان اقامتي ...

وكانت الثانية زوجته التي ابلغتني ان زوجها في مهمة وسيتصل بي بمجرد عودته، ثم نبهتني في صيغة أمرية ألا اقدم الهاتف لاي كان، فزوجها ضابط استعلامات، وربما تكون له معلومات سرية في الهاتف...وقد ختمت حديثها بلهجة تحذير آمرة عنيفة:

"انت مسؤول عن الهاتف وقد تعرض نفسك لعقوبات اذا لم تصنه في أمان، فانتبه واحذر !!.."

لم أستغرب طريقة حديثها فهي انثى بين مطرقة الأوامر والنواهي وبين سندان العادات وتقاليد التحكمات، نصف كائن في مجتمع ذكوري بامتياز، ومن تحاصرها ولاية رجل متحكم فلن تفرز غير عنف اللسان وحقد الباطن..

ما ان قطعت عنها الخط وانا احتقر سلوكها حتى أتتني المكالمة الثالثة كانت من صاحب الهاتف نفسه الذي شكرني بحرارة، ودعاني الى لقائه ..

هدوء حديثه قد جعل نفسي تستكين قليلا من السخط الذي اثارته زوجته والذي لم يكن غير قلة ذوق وجفاف طبع وتعال مذموم ..

من حسن الصدف انا معا كنا نقيم في نفس الدائرة في فندقين متقاربين لهذا لم يكن اللقاء شاقا بيننا ..

احسست غبطة في عينيه، وحرارة شكر، وهو يعانقني بعد ان تسلم هاتفه ..ثم اصر على ان نتعشى معا، ورغم اني حاولت التملص لعلمي ان زوجته قليلة الذوق في الانتظار، وأن ليس من اللياقة أن احرم زوجة رغم عجرفتها من خلوة عشاء مع زوجها الوديع فقد ألح وشدد في الالحاح، وبصراحة فرغبتي في رؤية شكل الزوجة قليلة الذوق كانت تحريضا قويا على قبول الدعوة، حتى أتعرف على سلوكها وهي مطوقة بحضور زوجها ..

حين ولجنا باب المطعم، أقبلت نحونا صبية في الثالثة من عمرها تعلقت بالرجل فحملها وقال:

ـ ابنتي عايدة !! ..

اهتز قلبي و قد تهادى في خيالي طيف بنتي حبيبتي عايدة،  تطلعت الى الصغيرة في لهفة ثم أمسكت بيدها البضة أقبلها ..

كانت الطفلة بعينين حجليتين، تركزان النظر من وجه دائري ابيض، يفيض حيوية وحياة ؛وكان شعرها الأسود المجموع الى الوراء، يضيف لجبهتها رونقا وقد ايقظت صورتها الطفولية صورة انثى سبق وأن تعرفت عليها ...

ـ جميلة.. حفظها الله و رعاها..

كانت امرأة هناك في الانتظار هي زوجته .. لم استطع ان ارى منها شيئا، فقد كانت مكفنة في سواد .. كل عضو فيها له غطاء يناسبه ويحكم حجبها..وحبذا لو استطاعت كبح لسانها قبل وجهها لكانت الى الدين اقرب ولصانت نفسها عن الظهور بمظهر الكبر والتحكم بلسان أعور بعيد عن لياقة خطاب يمكن ان تصدره انثى تدرك قيمة ما وهبها الله من أنوثة وطيب لسان..

اهتزت المرأة لما رأتني، احسستُ اضطرابها حين قدمني اليها:

ـ صديقنا المغربي من كان الهاتف عنده.

لم اسمع لها الا همهمة تمتمتها شفتاها، ثم التفتت حول نفسها وكأنها تبحث عن شيء سقط منها ...

ادركت ان المرأة في غير طبيعتها ..ربما ملت انتظار زوجها وهي تمني النفس بعشاء منفرد معه... فتضايقت من غريب يشاركها المائدة، خاصة وانها لن تستطيع ان تضع لقمة في فمها، الا بعد رفع النقاب المسدول على وجهها، ربما كانت تعبة او تشكو مغصا ما..أو ربما هو جفاف الطبع الذي يتضايق من كل ماعداه !!!..او ربما لها حساسية تجاه المغاربة وما يقال عنهم كذبا وزورا، فأن يتعرف الزوج على مغربي فمعناه ضرة ثانية آتية في الطريق .... ربما لفها ندم على ما بدر منها لما راتني انسانا وديعا متحضرا عاملها بتقدير  ..

انا نفسي تضايقت.. كيف احرم انثى من متعة الجلوس والتصرف بحرية مع زوجها، رغم انها لا تستحق تلك المتعة فأنثى بلا ذوق مثلها البقاء في البيت او الفندق أولى لها، فأنثى الصناديق قد تعميها الأضواء متى واجهتها الأنوار ...

استشعرت ان الرجل نفسه قد لاحظ اضطرابها وقلقي مما جعله يميل عليها ويسالها بوجه عبوس و كلمات تكاد تكون همسا: بك شي ؟إِيش فيك؟!!..

ردت ويداها تضطربان: لا، ما في شي ..تعبانة !!.أروح للمغاسل واعود..

قامت وقد كادت أن تتعثر في الكرسي ...

قلت ملتفتا اليه:سا ستسمحك وانصرف ..الحق بزوجتك ربما تحس شيئا..

زفر زفرة عميقة وقال: لا عليك هي تصاب بحالات عصبية..مذ تزوجنا ...أبشر ستعود بخير ..

"لا غرابة فلسانها الأعور كان بريدا وصلني قبل حقيقة ما أرى " ..

صمت قليلا ثم قال: احيانا نغامر بزواج بلا تفكير .. اني اعاني ياصديقي في زواجي...

معذور !!..وانا على ذلك شاهد، وكانه اراد ان يضفي نوعا من المرح حتى يقلل من وقع الحدث على نفسي :

ليتك تزوجني مغربية ...

عادت السيدة وقد كانت أقل اضطرابا، وقبل ان تجلس قالت:

ـ اعتذر، صداع حاد..

ثم بدأت تتجشأ وكأنها قد ألقت ما في جوفها قبل ان تعود من المغاسل.

ركزت بصري على المائدة دون اهتمام بوجودها ..

بصراحة ما تذوقت للاكل طعما ولا لذة ..المهم ان جسدي موجود، فقد كنت نادما على قبول دعوة مثل هذه..ربما صداع السيدة هو ما افسد لسانها بمنطق مقبول دفاعا عن مصالح زوجها ..

حين كنا نتناول الفاكهة رن جرس هاتف الرجل .. لما عرف المتكلم قام من مكانه وابتعد قليلا عن المائدة ؛عندها رفعت السيدة راسها وقالت:

كيفك ياسعد ؟!!!..

بلغ قلبي حلقي ..تصاعدت انفاسي واحسست بضيق في صدري.. بصعوبة بدأت احاول بلع ريقي، الى وجهها رفعت بصري بحذر وانا استشعر برودة أطرافي!!.. كيف عرفت اسمي ؟ هل لأجل ذلك ارادت ان توهمني بمكانة لدى زوجها وهو من لحظات من كان يذمها ؟

قالت:انا ريم ياسعد!!..اعتذر عما بذر مني ..

ازداد وجيبي، وبين التفاتة الى الرجل وتطلع اليها ادركت مامعنى اضطرابها، عصبيتها ..وقع المفاجأة عليها .. تسمية الصغيرة بعايدة ..

التفتت للصغيرة وقالت: روحي استعجلي بياك..

حين انطلقت الصغيرة رمت امامي ورقة صغيرة وقالت:

ـ خبيها بسرعة أرجوك

وضعت الورقة في جيب قميصي وأدرت الكرسي الى حيث كان الزوج يكلم مخاطبه احتراسا وخوفا ..

اقبل الرجل ..جلس بعد ان اعتذر عن الغياب معللا: شغل..

تلفت لزوجته وقال: انت أحسن الآن ؟ارتحت ِ ؟!!..

سؤال كم يحتمل من معني .. قد يكون مقصودا ..قد يكون عفويا ..قد يكون للإثارة فالرجل رجل استعلامات، ولا ادرى هل دار بذهنه شيء اثاره ...

صدري يعلو ويهبط كمنفاخ، والف وسواس خناس يتراكض في رأسي .. أصابع قدمي العشرة قد تجمدت حتى ما عدت أحسها مني، حاولت أن أتمالك نفسي، ان أحسس جليسي اني اتصرف بعفوية، جاهل بما يدور حوله ...

اقبل النادل ينظف المائدة .. كانت ريم تدقق في وجهي وهي غير آبهة بأن التفاتة من زوجها قد تجعلنا معا في قبضة من نار...

انشغلت بالحديث مع الزوج حتى امنعه من الالتفات اليها، فيضبط نظراتها، فهو ادرى بعيونها من تحت نقابها، وادرى بتعابير وجهها من وراء غلالة سوداء ما تعود عليها رجل مثلي ...

اقتربت الطفلة مني وكأنها قد استانستني .. اجلستها على ركبتي وقبلت يدها... نوع من الهدوء زرعته الطفلة في نفسي حين سألتني: انت شي اسمك ؟ لثمت يدها مرة أخرى ثم قلت: اسمي سعد، هل تذهبين معي الى المغرب؟

احنت راسها و حركته في رفض ..ثم استدركت: اذا تروح معي ماما

قلت:وبابا معها

قالت:لا بابا يسافر كثير كثير، ومشغول ..

كادت ان تقول شيئاآ خر حين قاطعها أبوها وسألني:

عندك أطفال الاخ سعد ؟

بسرعة تكاد تشبه اليقين:

في الطريق لاعانق أمهم اولا ..ضحك للتعبير ..

قمت استئذن للذهاب وقد قفزت الصغيرة من فوق ركبتي الى الارض، شكرت الرجل على دعوته وقلت للسيدة وعنها قد حولت البصر:

تشرفت بمعرفة زوجك سيدتي، انا مدين لكما بهذا الفضل .. حفظ الله عايدة.. تتربى في عزكما.

عانقت مضيفي وانصرفت ..

بسرعة داهمتني ذكرياتي .. شريط الصور يترى على فكري، يهز كياني، يعيد الحياة لعاطفة قدماتت في صدري ...

صرت اسير في الطريق على غير هدى .. اي صدفة هذه التي تعيدني الى خمس سنوات مضت ..يوم وقفت مع والدي في باب بيت ريم تصاحبني شخصية مرموقة من وطنها كواسطة لطلب يدها.. استقبلنا والدها ببرودة كنت اعرف نتيجتها مقدما ؛كان من بين الموجودين في بيتهم شيخ تجاوز الثمانين وشاب في عقده الثاني، لم يراع والدها حرمة الشخصية التي كانت معنا، ولا كرم الضيافة الذي يتوجب ان يبديه حتى ولوكانت بيننا عداوة مكينة، بالرغم من انه لم يتعرف احدنا على الآخر من قبل .. لا ادري ان كان السلوك الذي قد تصرف به وقاحة، او نظرة فوقية وتعالي، او انانية و ثقة زائدة بالنفس، او هو غرور الناقص عندما يستشعر في نفسه كمالا لا وجود له الا في تلافيف عناكب فكره ...

ما ان اقتعدنا بساطا ارضيا حتى بادرنا بالقول: ليست لي بنت حتى ازوجها لأجنبي ..بناتنا لابناء وطنهم، وبنتي الوحيدة مخطوبة لابن عمها هو ذا .

واشارالى الشاب الجالس ...

بسرعة تلفظ والدي قائلا وقد هم بالوقوف:

ونحن لم نأت لنخطب بنتا اجنبية بل فقط صاحبنا معالي الحاكم حين دعانا معه لتناول كاس شاي في بيتكم ككرماء من ارض كريمة ..اما وقد جف زمزم في بيتكم فما بقي لنا غيرالرحيل لاننا عطشى الى ماء مغربنا الرقراق..

قصدناالباب دون ان نرمي كلمة سلام وكنت احس بحنق الشخصية التي تصاحبنا وادري ان بعد حنقها سيكون ما بعده.

من يومها بكيت حبي.. بكيت عروبتي .. بكيت ديني الذي هدمته تقاليد عروبة زائفة، غارقة في البداوة والجهل بعيدة عن الايباء والنخوة والاحساس بالآخر، بكيت اساطير ما محتها مدنية ولا حضارة ولا تقدم الانسان بما وهبه الله من خيرات تؤهله ليكون من خير أمة اخرجت للناس ..

تذكرت الورقة التي دفعتها ريم الي خلسة .. وقارنت بين سلوكها وسلوك ابيها، غصن من تلك الشجرة ومعاودة انتاج، اخرجت الورقة من جيب قميصي؛ لم أفتحها ولم اعرف ما فيها ..مزقتها ثم طوحت بها بعيدا وانا اردد في سري: "وربك يفعل مايشاء ويختار ماكانت لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون"

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب 

وَجْـهُ المَودَّةِ في الصراحـة ناصعُ

والنـفـسُ يؤنِــسُها شــروقٌ ساطعُ

*

يَـتَـرنّـمُ الحـرفُ البليغُ  بِـذِكْرِ مَنْ

حَـفَـظَ الأصولَ وبالتجارِب ضالِعُ

*

نَـبَـضُ التآلفِ فـي السّـرِيـرَةِ  قائمٌ

فـإذا العَـزِيـمَةُ عَـضّـدَتْـهُ ، يـُواقِـِعُ

*

للـذكريات صَـدىً ، يُـجَـدِدُ طـيْفَها

فــتـعــود يــرفـدهـا خـيـالٌ واسِــعُ

*

صـبْـراً على بـُعْـد المَزار، فإن لي

قـلـباً يـراكـم فـي المـنام فَـيَـهْـجَــعُ

*

سِــفْـرُ الـنـقـاءِ ، لــه خــلـودٌ دائــمٌ

وَسَــنا الأصالةِ  في رُبوعِه يـَمْرعُ

*

ان التـفـنـنَ فــي الـكــلام ، بـعِـفّــةٍ

يسْــمو بـه مَـنْ في الصياغة بارِعُ

*

فــاذا البــيانُ مـع الـبـديـع تَـعـانَـقـا

فـلِـنَـغْـمة العــزْفِ الـبلـيغِ مَـسامِـعُ

*

ورَفـيفُ اجنحـةِ القَرِيضِ له صَدىً

في الليل يسْرقُ غَـفْوَتي ويـُضاجِـعُ

*

يـَصْـبو الى وصفٍ يـليقُ وصورةٍ

فـيهـا الجَـمالُ ، كما يـشـاءُ مُـوزَّعُ

*

يتسامرُ الأحبابُ في قصص الهوى

وهَوانا يَـخْـتَـبِـرُ الوِصالَ ، فَيَشْرَعُ

*

شــتّان مـا بين ابـتســامةِ مُـرْهَـفٍ

مِـن قــلـبه وُلِــدتْ ، ومَنْ يَـتَـصنّعُ

***

(من الكامل)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

لا تلوموني إذا هاجت جنـوني

بعد هذا الظفـرِ

كنتُ محرومـاً ولم تغمُضْ عيوني

يا لَطـولِ السَّـهـرِ

قد نصبتُ الدين شَـركاً بفنـونِ

مـنْ دهـاء الفِكَـرِ

فلقد أبدلـتُ دنيــاي بديــنـي

بعد جَنْـيِ الثّمــرِ

إنَّ هذا الغفـلَ شعبي تبِعــوني

في دجى معتكر

وهُــمُ مـنْ جهلـهمْ قد حَسِبـوني

منْ دعاةٍ غُـرَرِ

وأنا الغارق دومـاً في شؤوني

في التقاط الدررِ

فغليلي ليس يَروى مِـنْ عيونِ

ماؤهـا في نـزرِ

فدعوني أشفط السّحتَ دعـوني

ولأكُـنْ في سقـرِ

وإذا ما شئتمُ أن تشتمـوني

فافعلوا في حذرِ

أنتمُ إنْ تفهمـوني، تجدونـي

دمـيـةً من حجـرِ

2

إنّ روحي هي خضراءُ كخضراءِ الدِّمَنْ

إنّ قلبي جَذلٌ كالطير غرّيدٌ على كلّ فَننْ

وطموحي! آهِ ما أدراكَ في هذا الزمنْ!

عندما يُذبح طفلٌ ذاك تضميد جروحي

عندما يُنحـَرُ شيخٌ فهو تعزيزُ طموحي

عندما يُهدم بيت ذاك تشييد صروحي

وإذا ما دنِّسوا الأرض، فلنْ تدمى قروحي

أمنياتي، آهِ ، أن أبقــى رئيساً للوطنْ

لا أبالي:

وقِحٌ إنْ قيل عنّي أمْ حرامي ذو فِطنْ

3

صلّى وصام ولفلفـا ** قرأ الكتاب وحرّفا

وسعى بشوق عارم**ما بين مروة والصفا

سكب الدموع على الـ خدود تملّـقـاً وتزلّفا

متـرنِّحاً مُترنِّما**والمال في الغيب اختفى

يا ويله لمّا غـفـا** نكث العهود وما وفى

هذا الغلام المجتبى**باع الضَّميرَ وزيّفـا

***

د. بهجت عباس

إنها تمطر الان،

أيها العشاقُ...

تذكروا حبيباتَكم برسالةٍ

إبعثوا لهنَّ رابطاً لأغنيةٍ ساحرةً

مع عبارةٍ جميلةٍ

مع أمنيةِ أن (تظلّا معاً)

أو عبارة اعتذارٍ عن كلمةٍ جارحةٍ

سقطت سهوا ذاتَ يومٍ

أيها العشاقُ...

إنكم تخطؤون في حقِّنا دائِماً

ونسامحكم

يا صديقي المطرَ

أطِل هطولَكَ

كي تمنحَهُم فرصةً أخرى

للمرةِ الألفِ.

***

سمرقند الجابري - بغداد

 

المطر ضرير يخبط في صحن البيت المتداعي. البيت الأشيب  إلتهم طفولة (م) بفكي حيوان ضار. العتمة تفتح النار عشوائيا على الجيران. رائحة مقززة متعطنة تتطوح في أصقاع الحجرة المليئة بثعالب الهواجس.

هنا كل شيء يرغب في الموت.

في الهجرة الأبدية  إلى أقاليم الغياب الوسيعة. مومياء مسنة تحمل ذؤابة شمعة بين أصابعها المكسوة بتجاعيد كثيفة. تحدق في تفاصيل وجه الأب المتكوم مثل حشرة عملاقة نافقة.تبدو جثته مقطوعة إلى نصفين متوازيين كما لو أن شظية طائشة كانت وراء ذلك.

تزرب من حدبته ديدان مقرفة.

عيناه الضيقتان تبدوان نصف مغمضتين

أمضى نهارا يتخبط في خرم اللامعنى تلاحقه الأعين المتجسسة المرفودة بالكراهية والسخيمة.

تعض شحمة أذنيه أشباح نزقة.

عربة الجار ذات الحنجرة  المبحوحة المزدحمة بالغيوم تنادي باسمه كل صباح ليقترف العبث والجنون واللاجدوى بغية الحصول على رغيف أسود سام فظيع.

(ن) تخطفها حوذي الموت في الرابع عشر من آذار الفائت.

ماتت مثل سحلية قميئة في مكب نفايات. مخلفة فراغا يزعق مثل بومة عمياء كل مساء.

طردتها الحياة بمكنسة على مؤخرتها باتجاه الهاوية.

رغم ذلك لم تيأس من كسر قوقعة الفقد والتحليق بأجنحة متوهجة

في أصقاع البيت كلما تختفي الشمس وراء أكمة الأفق البعيد.

تزور بعلها المتشقق المنبوذ وابنيها اللذين ما عتما يحلمان بدفء عائلي أثير.

كان إبنها (س) يحس بوجودها وبخاصة حين تصهل فرس الظلمة

ويطلق الرعد أول قذيفة مروعة باتجاه الأرض وتتعالى أوركسترا القطط المتوثبة إيذانا بحفلة تنكرية ساخطة.

كان يناجيها بكلمات رقيقة ناعمة

بينما حزمة من الدموع تتساقط مثل شآبيب المطر على وجنتيه.

الأب حشرة منبوذة.

أخوه الصغير (ر) يثغو مثل شاة يهددها قطيع الذؤبان.

منذ يومين لم يذق شيئا على الإطلاق.

الله لم يعد مهموما بمشاغل هذا الكوكب الملعون المنذور لموسيقى  الموت البطيء. لا ينظر إلى الفقراء بعينين صافيتين.

نام الإبن الصغير بجوار جثة أبيه المنتفخة.حالما بنصف رغيف طازج وحذاء جديد لقدميه المتفحمتين.

تأبط (س) سكينا حادة واختفى في بطن العتمة. لم يحظ بأي عمل بسبب العاهة التي التي تكسو وجهه الكابوسي.

الناس موتى والبيوت مقابر.

لا نجوم على سطوح السماء.

الأشباح تتقاطر مثل مسافرين جاءوا من مدن نائية.

لا بد من ملاحقة جنود الجوع الذين يحلقون حذو جسد أخيه الصغير الذى طفق يتلاشى ببطء مثل غيمة في سماء محدبة.

وبينما كان يحرث الحواري بساقي كنغر أبله إذ لاح له بيت وسيع يشي بضرب من النعمة وبلهنية عيش قطانه.

وفجأة  تقحم بيتا فخما.

دقات قلبه تتسارع مثل عجلات قطار يحمل جثثا ورهائن.

ينز عرق بارد من جبينه الناتىء.

تفر من زجاج عينيه المكهربتين شياطين مجنحة مخيفة.

خطا خطوات مثيرة للأعصاب.

إنطلق خفاش من شجرة مجاورة

مثل سهم مصطدما بعامود كهرباء خشبي. صمته المتهدل يدق الطبول كما لو أنه في ساحة ملآى بالزنوج.

تسلق الجدار مثل فهد.قفز من البلكونة إلى غرفة الإستقبال المؤثثة التي تشي بالنبالة والبذخ.

ملأ جيوبه بمجوهرات نفيسة للغاية. ثم عاج على المطبخ بخفة.

إلتهم  ما لذ له من أطايب المأكولات. ثم إرتد على عقبيه سعيدا بهذا الكنز الذي يتلألأ في جيبه. ثم قفز من سور البيت الفخم متجها إلى بيته المتواضع كما لو أنه فاتح كبير لمملكة السعادة الأبدية.

وبينما كان يمني نفسه بقضاء آخر أسبوع مريح لعائلته البائسة جدا.

إذ قبضت عليه دورية أمن على حين غرة وتم اقتياده إلى السجن لما إقترف من جرم مشهود.

وأعيدت المجوهرات إلى أصحابها.

***

فتحي مهذب - تونس

 

غمزت لي عنقاء السؤال بقريحة الدهشة واستبطان الحواس، تُلمح عن جذوة حروفي الضالة بقناديل الإنطفاء؟، لِمَ انحرفت مسارات نبضي عن نور الإصطلاء..؟، وغارت أرجوزة الشغف عن غمد القوافي..؟، رَبَتتْ اشواقي على شطر القصيد، تتصفح إيماء عيوني بدوامة التعبير، أراني أتوجس الشعور بذهن الممكن لتشكيل سرد، وأنصت لدلالة الاحتمال بتدوين إضاءة ..؟، ربما أصحو على هفوة شروق بمطبات حلم بصيرة، أو تمر بي أنفاس غواية بتنهيدة تأويل، فأتحرى بلواحظ الألهام عن عشقِ عروش الشعر، أتماهى السدول بين نسغ الفكرة والترنح باشرعة المعنى، أهمهم أحيانا: يجدي الغوص في كثبان المشاعر باجواء ريح عاتبة المزاج بإيقاع استعارة، أو مشاكسة تسكع الأحاسيس باطلال الحنين للملك الضليل*، لذا تهرول أنامل الخيال لقرى فلسفتي المتمردة الرؤى، توقد عكاظ روحي على سطور ياقوتي الأزرق، مصطحبة زيزفون محبرتي بزيت توق متيم الإيحاء، تتخطفني لهفة التحليق على حين غرة التجمل بأوصال ابجديتي، فأنا ما زلت ادندن بغبطة جنون نرجسية الغزل بمناجاة حداثة وعي صامت.

***

إنعام كمونة نسغ التأمل

.............................

* الملك الضليل: الشاعر الجاهلي امرؤ القيس

 

وجهٌ يحاورنِي

يحدثُني عن حلمٍ فائتٍ

" طير يطيرُ ويحطُّ

يتلفت يمينًا

وشمالًا

ينفلتُ من حضنِي

يرددُ

" أغلقتُ باب القلبِ بالآهاتِ"

*

وجه محلق في الفلوات

أعياه التحليق

ولم يتعطل جناحاه

*

منذ شهور

وانت تطرق بابي

ولا تدخل

*

ما زالت  أقدامك

توشم عتبة الدار

*

كلما صعدت

السلم

وجدتك أمامي

كلما فتحت بابك

وجدت الغرفة

عائمة على سيل من الذكريات

*

لا تحزن

ما زال خطك ساري المفعول

هاتفك حار

برودة جسدك لم تصل إليه

*

آخر الاخبار

آثرت البقاء

بعيدا عني

كي لا تكرر

أخطائي

***

د. جاسم الخالدي

دخان يتصاعد

تشهق النار ماءً

معركة بحرية

2

كتاب أحمر

مفتوح الملاحة أبداً

عبوره مشروط

3

عَدُوَّةٌ جديدة

تحاول العبور مجدداً

سهمٌ مُباغِتْ

4

المضيق الجدير بالملاحة

بابهُ مغلق

أمام الأعداءُ

5

يُلَوُّحُ القَلْزَمُ

بِحُمْرَتِهِ

سلام ياغزة

6

لن يَمُرُّوا

تهتف سمكة القلزم

بعفوية

7

بحران

وخليج واحد

لن نتوانى

8

موجة هادرة

قف..

قالت النوارس

9

أسرار...

غموض...

ماهو البحر ؟!

10

عَدُوَّاتٌ بَحْرِيِّة

تختفي فيه

مضيق قَلْزُومَا*

11

إشارة حمرأء

في أزرق الدم

أعذر من أنذر

12

قصيدة بحرية زرقاء

ينظمها رُبّان

أحمر العين

13

ريحٌ صرصرٍ على الباب

مبتورة الوصول

أقدام كاذبة

14

من البحر... إلى البَرِّ

بيانٌ

عاجل

15

مضيق مرتاح الباب

وعينٌ ساهرة

تلك حكايتي

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

.......................

* مضيق قلزوما:على نسق مثلث برمودا

 

أحب ركاد عمته نعيمة، إلا أنها لم تبادله الحب، وكان كثيرًا ما يشعر أنها تبتعد عنه كلّما اقترب منها، الامر الذي اثار حب استطلاعه، ودفعه كلما دخل الى البيت، للنظر الى باب غرفتها، فاذا ما رآه مُقفلا عرف انها هناك، اما اذا كان مفتوحا فإنها تكون خارج البيت،.. إما تُقدّم الحقن الطبية لهذا المريض المحتاج المقعد، وإما في عملها الجزئي في مستشفى "ملائكة الرحمة"، في المدينة.

منذ فتح ركاد عينيه على الحياة، في بيت أهله الضخم الغائر في اعماق البلدة القديمة، استحوذ على اهتمامه حبّ معرفة عدم زواج عمّته، ابنة الخمسين، وانتقالها للعيش مع اخيها وزوجته في بيتهما، وكان كلما مضت الايام الح عليه السؤال ذاته، فعمته اجمل من امه، ومع هذا امه تزوجت وهي لا.. لم تتزوج، وهي امرأة عاملة تعمل في مجال التمريض.. وامه لا تعمل، لهذا كان يغتنم كل فرصة ليعرف سرَّ عمته المُعتم المُضبّب الخفي، فكان يحاول استراق السمع الى كل كلمة يستمع اليها عنها.. منها او من أحد والديه، دون ان يحظى بأية اجابة شافية.

كبر ركاد، واصبح في الثامنة عشرة من عمره، دون ان يعرف سر عمته، وكله رغبة في ان يعرفه، وكثيرا ما كان يدخل الى غرفتها عندما تكون أبوابها مشرعة على مصراعيها، فيتأمل كل ما تقع عينه عليه، لعله يجد الإجابة الشافية لسؤال بات يقلقه ويقضّ مضجعه، غير انه كان يخرج من الغرفة بالضبط كما يدخل اليها.. أقل معرفة وأكثر جهلا.. "آه لو اعرف سر بابك المغلق يا عمتي الجميلة"، كان يقول في نفسه، وهو يرسل نظرة آملة مستطلعة، الى الصورة الوحيدة التي علقتها في غرفته: صورة السيدة العذراء. في احد الايام تمعّن ركاد في ماسك مفاتيح عمّته، فلفتت نظره ايقونة ليسوع الناصرى، كان يبدو فيها.. في أطيب.. وأرق منظر. حاول ركاد ان يربط فيما بين ما رآه في غرفتها وبين مفاتيحها، إلا أنه لم يخرج بأية نتيجة، فهو يعرف ان عمته امرأة متدينة وانها تتردّد كل يوم احد على كنيسة المدينة، لتؤدي واجباتها الدينية كاملة وغير منقوصة.

مضت الايام.. وكان ركاد كلّما نسي سر عمته، او انسته اياه الليالي والمشاغل، عاد يلح عليه، الى ان تعرّف على ابنة الجيران، وراح يواعدها سرًا.. بعيدا عن عيون الناس، وكان كثيرا ما يلتقي بها بسرعة ويفترق عنها بسرعة أكبر. في لحظة الصفر من أحد لقاءاته بمن اختارها قلبه، ما ان رفع راسه في محاولة لاستطلاع الاجواء، حتى رأى عمته نعيمة فوق راسه بالضبط. احمرّ وجهه واحتار فيما عساه يقول لها، الا أنها اراحته من الإحراج والعناء، ومضت في طريقها باتجاه البيت في اعماق البلدة القديمة.

تعمّد ركاد ان يتأخر في العودة الى بيته، ودخله مُتسلّلًا على رؤوس اصابعه تجنبا لعمته، غير انه رآها على غير عادتها وقد اتخذت مقعدها في غرفة الاستقبال، حاول ان يتجاهل الموقف، مثلما فعل في مواقف محرجة نوعا ما وقعت له في السابق، وفوجئ بها أكثر تجاهلا منه، لماذا هي جلست هناك على غير عادتها"، سأل نفسه وهو يغرق في بحر حيرته.

مضت الايام تغذ انطلاقتها الى المجهول، الى ان المّت وعكة صحية خفيفة بالعمة نعيمة، ما لبثت أن اشتدت عليها الامر الذي دفع والديه، لنقلها الى مستشفى" ملائكة الرحمة" في المدينة، وكان ركاد يزور عمته نعيمة يوميا وعلى مدار الساعة تقريبا، فقد وجد نفسه يتعلّق بها كما لم يتعلق بإنسان آخر، وبدا خوفه عليها واضحا، فبذل كلّ ما في جهده لأن يخفّف عنها، وفي ان يساعدها في الابلال من مرضها، وجاءت النتيجة الطيبة، شفيت العمة نعيمة وعادت الى غرفتها، غير انها لم تعد قوية كما كانت، وبدا الهزال عليها واضحا جليا، فبدت اكبر من عمرها بعشرة اعوام، كأنما هي في الثمانين. بعد عودتها هذه شعر ركاد بتغير طفيف في توجهها نحوه، بل انه أحس في احدى جلساته اليها، انها ستكشف له سرها وستفتح امامه باب غرفتها المُقفل، غير ان ظنه خاب.

في إحدى الليالي الطويلة شعر ركاد بحركة غريبة وغير مألوفة في غرفة عمّته نعيمة، فاقترب من باب الغرفة متسلّلا على رؤوس اصابعه، ليرى عمته وقد جثت امام صورة العذراء النصراوية.. وراحت تناجيها بكلمات هيمن عليها الغموض، بالكاد فهم منها انها تطلب المغفرة لكل الخُطاة في العالم. اثار هذا المشهد مشاعر ركاد الخفية نحو عمّته، فدخل غرفتها وجثا الى جانبها على ركبتيه، ضاما ضراعته الى ضراعتها، ومبتهلا الى العذراء طالبا منها انقاذ خُطاة العالم.

ارسل ركاد نظرة مستطلعة الى وجه عمّته، فشعر بشبح اشبه ما يكون بشبح الموت يتلبّس وجهها، شعر بنوع من الرهبة، غير أنه لم يستسلم لمشاعره، بل ان دمعة لمعت في عينيه. بادلته عمّته النظر:

-هل تذكر يوم رأيتك فجأة مع تلك الفتاة؟

- أذكر يا عمّتي.. اذكر.

-أما زلت على علاقة بها؟

-طبعا يا عمتي.. ما زلت على علاقة بها. لكن لماذا تسألينني؟

طفرت دمعة من عيني العمة: "اعتقدت أنك قطعت علاقتك بها". وربّتت على كتفه مضيفة: "لا اريدك ان تعبث بمشاعر بنات الحارة، فلهن قلوب تشعر وتحسّ".

اقترب ركاد من عمّته أكثر فأكثر. انتابه شعور شديد بأنه على حافة سرّها العظيم يقف، احتضنها بقوة سبعين عامًا من الاهتمام والمحبّة المُضمرة. شعور طاغ انتابه انه انما يحتضن من اختارها قلبه، ابنة الجيران بالتحديد. واندمج الاثنان ركاد وعمته أول مرّة.. اندماج من عرف سرًا أقلقه طوال ايام حياته.

..................

قصة: ناجي ظاهر

أتــى رمــضانُ يحملً كـلَّ خـيرٍ

وخــيرُ الخيرِ في تقوى القلوبِ

*

فــلجمُ النَّفْسِ عن كلِّ المعاصي

أســاسٌ  لا يــغيبُ عــن اللبيبِ

*

ولــلأخلاقِ في التَّقوى نَصيبٌ

خــلالَ الــيومِ او بــعدَ الغروبِ

*

فــلا  جــوعٌ يــفيدُ بــغيرِ تقوى

ولا الإفطار في أشهى الطيوب

*

ولا جــلــساتُ ودٍّ ضــاعَ فــيها

ســديدُ الــقولِ عن فكرِ الأديبِ

*

وأفـــلامٌ بــهــا ســمٌ زعــافٌ

بقصدٍ كان  من عــينِ الرقيبِ

*

ولــكنْ لــقمةٌ فــي بــطنِ طفلٍ

يــعاني  مــا يعاني من خطوبِ

*

وأرمــلةٌ تــخلّى الــكلُّ عــنها

فتاهتْ في دجى الكونِ الرّحيبِ

*

عــظيمٌ عــندَ ربِّــكَ فــيه أجــرٌ

وقــد يُــنجيكَ مــن حرِّ اللَهيبِ

*

تــزكــى بــالعطاءِ فــفيه خــيرٌ

ســـواءٌ  لــلــبعيدِ او الــقــريبِ

*

وفــيــه لــيلةٌ فــي ألــفِ شــهرٍ

بــها  خــيرٌ فــهلْ من مُستجيبِ

*

وفــيــها أُنــزلَ الــقرآنُ يَــهدي

لــكلِّ الــتائهينَ عــن الــدروبِ

*

ونــنصحُ غــيرنا و العيبُ فينا

لــعمريَ ذاكَ مــن شرِّ العيوبِ

*

فــتــوبوا لــلإلــه بــكلِّ صــدْقٍ

هــو الــرحمنُ يــغفرُ لــلذّنوبِ

*

فــأرجو يــا إلــهي مــنكَ عوناً

عــلى كــلِّ الــرزايا و الكروبِ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

منذ نعومة أظفاري وأنا أعيش في محيط من النار، لا سلطة لي في اختياري، ولدت قضاء وقدر هكذا اتخيلني كلما واجهت العوم في ذلك المحيط الناعم الملتهب من حرارة الشمس، لم احظى بطفولة مثل ما سمعت ورأيت بعد ذلك بزمن تسارع وجعلني افترش واحات مياه باردة ملاذ أمن، شغفت صعوبة الحياة التي فرضت عليّ الى أن كابدت لهيبها، خاصة بعد أن ورثت مهنة والدي العراب كمهرب بين حدود دول متجاورة، ذاع صيتي بين حكومات تلك الدول، لم يتبينوا أو يتعرفوا عليّ غير انهم أطلقوا عليّ اسم سندباد محيط النار.. ذلك المحيط الرملي المليء بخبايا السراب وافواه الموت الجائعة التي تتلقف كل من يسترخي او يستريح لبضع سويعات، الرمال التي امتصت سياط الشمس الملتهبة ثم احتفظت بها لتردها الى كل من يسير متبخترا مدعيا انه دليل صحراء محيط النار، كنت قد توصلت الى قرار التخلي عن ركوبه، غير أنه في مرة جائني شخص أراد مني ان انقل له علبة لا يتجاوز حملها اكثر من يد واحدة، مصمما ان لا أحد يقوم بذلك غير وألزمني أن اسلمها الى رجل اودعني اسمه وعنوانه وصورته، إلا بيده ولا لأحد غيره، كنت قبلها بأيام أداول نفسي كما ذكرت الخروج بسفينتي التي طالما سارت في محيط من الرمال السائبة والمتحركة، كان يرافقي اغلب الاحيان ملك الموت الذي لا ينفك ينتظر كسر صواري عزيمتي، غير ان صوت ما جعلني استفيق من ضربة الشمس التي كانت تهدنني، فتحديتها فعزمت الخروج حيث العالم الآخر، بعيدا عن عالم محيط النار هذا، طلبت ثمنا كونها آخر مهمة لي تعجيزي لكن ذلك الرجل وافق على عجالة ودون تردد، لذا كنت امام الامر الواقع كما اني حسبتها جيدا بأن المبلغ سيعينني على ما نويت في حياتي القادمة.. يعلم اغلب اهل الكار اني لا اسير سوى في الليل درءا لدوريات الشرطة الحدودية وكذلك درءا عن حرارة الشمس ولهيب محيط نار، رمال الصحراء الملتهبة، كالعادة المكان الذي اقصدة لا ينال الوقت فيه سوى أربعة ليال وصباح يوم خامس اكون قد انهيت مهمتي، كما العادة ايضا لا يرافقني في رحلتي سوى بندقيتي وزوادة صغيرة وقربة ماء، توكلت على الله في نفس ليلة الاتفاق لكن بحذر فالكار الذي اعمل فيه لا يخلوا من رفاق سوء او خيانة، عالمنا لا صاحب فيه ولا صديق، مجرد مصالح عنوانها الرئيس الموت او القتل، لم اسأل عن ماهية ماكنت انقله تلك عادة ورثتها عن والدي كي احظى بالامان بالاضافة الى ابقاء جرعة الشجاعة التي اتمتع فيها، لأن معرفتي بما انقله تضعف من عزيمتي وشجاعتي كون الحرص يزداد في حمايتها الى جانب فقدي التركيز على المحيط الذي ابحر فيه، مرت الليلة الأولى بسلام ودون منغصات، والليلة الثانية ايضا، توجست خيفة، غير ان اليوم الثالث ما أن لبس آخر النهار عبائته حتى تواردت الضباع من عدة اتجاهات كأن هناك من سخرها للنيل مني، عوائها سقيم طبعها لئيم، الضبع حيوان انتهازي مستغل اي لحظة هجوع او سكون، اوقدت النار كي احمي نفسي ثم جلست ممسكا ببندقيتي متجولا بعيون خبرت انفاس تحرك الرمال، في تلك الاثناء حفرت لي في الرمال حفرة ثم حشوت نفسي بداخلها بعد ان غطيت جسمي بالرمال حتى رأسي، بعدها ان وضعت عليه ما يقيني من الرمال غير أني عملت مخرجا صغيرا للتنفس، بداية كنت متفقا مع رمال المحيط التي بدت باردة لكن بعد ان مر اكثر من ساعة وافتني حرارة الرمال حتى ابتلت ثيابي وشعرت بفوران دمي في شرايينها... لم اطقها رغم عشرتها لي، دفعت بنفسي الى الخارج، كمن يلقى طود نجاة من الغرق، كانت الضباع تتجول حولي ولا تقترب خوفا من النار، غير ان احدهم بدا انه زعيمهم هجم علي منتهزا ارتباكي فنال من ساقي بعد ان اجرى فيه انيابه، اطلقت رصاصة لا على التعيين، هرب يجر خيبته وهو يلعنني لكنه نظر إلي بنظرة تشفي وفوز، ثم عوى بقوة كأنه يبلغ جماعته بنصره ويقول لي انه قد نال مني.. سارعت بأخذ قدر كف يدي من الرمال التي تحت النار فوضعتها على الجرح، أحسبها كفيلة على ايقاف النزف، ربطتها وركنت الى نفسي ممسكا ببندقيتي تحسبا لهجوم غادر سافر جماعي، بينما أنا كذلك سمعت صوت حركة كنت متأكدا انه ليس صوت حيوان، توجست الخيانة لربما هناك من تبعني ليسلبني الحياة وينال مما بين يدي، اخرجت العلبة راودتني نفسي ان اكشف سرها لكن عتاب ضمير منعني فالخيانة رداء لم يرتديه والدي ولا اسلافي، زممت النار بالرمال فانطفأت ثم سارعت في طريقي، الضباع تقارعني بين كر وفر كنت خفيفا وأنا اجري رغم جرحي، أما ذلك الصوت فقد بات بعيدا... ساعات لا اعلم وقتها كنت قد وهنت اوصالي بسبب جرح ساقي، شارف الفجر أن يزيح غطاء الظلمة، طرحت بنفسي بين طل صغير وهضبة شبه بعيدة، بدا الهواء بارد، قبل ان ارى الجرح اوقدت النار ومن خلال ضيائها كان ذلك الضبع ومعه اثنان يتطلعان إلي، اخرجت جعبة الماء وبللت قطعة قماش ثم عمدت الى مسح جرح ساقى، يبدو ان رائحة الدم اثارت الضباع فاخذ تعوي وهي منطلقة تدور حولي، فعمدي الى بندقيتي فصوبتها الى ذلك الضبع الذي وقف منتصبا متحديا لي، اطلقت الرصاصة الاولى فأنفلت منها اما الثانية المباغتة في السرعة اظنها صرعت رفيقا له، في اثناء ذلك كادت رصاصة تصيبني وقد أزت مسرعة بالقرب مني، التفت وإذا برجل يحاول قتلي، رميت بنفسي حيث الطلة الصغيرة ورحت اتدحرج كأنه اصابني، كنت انظر في اتجاة مكان اطلاق الرصاصة.. وهلة رأيت فيها شخص يبادر للنهوض بحذر كنت قد رصدته والضباع تعوي لموت رفيقها، ما ان قام حتى اطلقت عليه النار فارديته صريعا كما ذلك الضبع.. صراخه جعل الضباع تسارع اليه لإفتراسه، اما انا فانتهزتها فرصة كي احظى بركوب رمال المحيط الباردة قبل بزوغ الشمس، في المكان المحدد سلمت الرجل العلبة، بعدها قمت بالتداوي مؤملا نفسي بعمر جديد احياه في بيئة يابسة ليس فيها محيط من الرمال المتحركة، هذا ما قصصته على زملاء لحفيدي كانوا يرتادون زيارته، بعد عودتهم من المدرسة، كان متفاخرا وهو يستمع الى قصة الضباع كبطولة لجده.

***

القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي 

 

يطل من شباك الحديقة

ذاك العجوز

صاحب النظارات السميكة

والعينين الغائمتين

والفم المليء بالضباب والشتيمة.

صاحب الوجه المسرحي الساخر

القامة الأبدية التي لا تنحني

يحمل سيجارا فخما بين أصابعه

ويفكر في قتل المزيد من الرهائن

يفكر في سرقة أجنحة النور

في طرد الشمس من غابة الشعراء

إخفاء الرب في معطفه الخريفي

توزيع حبال المشانق على العميان

جلب المزيد من السحب والكوابيس

إلى بيت الأرملة.

فتح النار بكثافة في الهواء

أنا معزته الصغيرة

التي ترعى عشب الهواجس في حديقته

معزته الشقراء الأثيرة

كلما تثغو أو تنادي سكان العالم الميتين.

يسمعها فاصلا موسيقيا من صرير عظامه.

ليطرد الأشباح من عمودها الفقري

يضع تاج النعاس على رأسها

يطارد زيزان ذكرياتها بلسانه العنكبوتي.

لتنام على أثافي أعصابها

أيها العجوز

أيها الحزن الجالس على أريكة

مثل أمير من القرون الوسطى.

أطلق سراحي

في انتظاري حروب فظيعة

هل أخوضها بظهر مقوس

وقلب مليء بالثقوب والخسائر

في انتظاري قطار مليء بالأسرى

والنساء والجنود.

في انتظاري ستون مترا من الفراشات العذبة.

أيها الحزن العجوز

لماذا بيتك مليء بالصخور والمسدسات والجثث

برائحة الوطن المتعفن

وأزهار الجنائز؟.

***

فتحي مهذب - تونس

 

مِن خَلفِ التَّنورِ أَطَلَّتْ أُمِّي

تَحمِلُ بين يدَيها

رَغيفاً وسُنبُلَةً

تبتسمُ مِثلَ وَردةٍ قبَّلَهَا النَّدى

في سَاعاتِ الصُّبحِ الوليدِ

فتَضَوَّع المُستَقَرُّ

بِعَبَقِ المَرجِ وأَريجِ الخُبزِ

**

أُمِّي نُضُوحُ النَّبعِ

في وادي الذِّكرى

هُناك تَجلِسُ في صَبرٍ وأَناةٍ

تُحيكُ لي سُترَةً صوفيةً

كي أُحاربَ بِها

طَواغيتَ البَردِ وشياطينَ الجِّنِّ

وأفاعي الغُربَةِ

**

كُلَّما فَرَغَت جُعبَتي من فَرحٍ

أفتحُ خِزانَتَها العَتيقةَ

وأملاَ جيبي بحَفنَاتٍ

من قَمحِ عينَيها

ومِن تَجاعيدِ يَدَيها

**

أُمِّي من طَيفِ بَسمَتِها

أقتطِفُ رَيحانةً تكفي

لإضاءةِ عَتمةِ أيَّامي المُقبلةِ

وسَدِّ رَمَقِ رُوحي المُرهَقةِ

**

أُمي أشتاقُ إلى كَلمةِ عِتابٍ

أو لَمسةٍ وإلى مجرَّدِ هَمسَةٍ

وإلى عِناقٍ لا يُقِرُّ بأوقاتٍ

ولا يعترفُ بتعاقُبِ الأزمنةِ

**

في صَمتِ غيابِكِ أُمِّي

رُبَّما لا يَكفي

ما في العُمرِ مِن بَقيةٍ

كي أروي لكِ حِكاياتٍ

في جَحيمِ البُعادِ

كم صارت الشَّمسُ باهِتَةً

وكيف صارت شُؤماً

ضِحكَةُ القَمرِ

وكيف تَبكي في كُلِّ مَساءٍ

تِلك الزُّهورُ الَّتي زَرَعَتْهَا

يَداكِ في جَنباتِ حَديقتِنا

**

يموتُ الضَّوءُ في عَينَيّ

ويعتري فؤادي

زَمهَريرٌ وخَوَاءٌ

أعيشُ ولا أعيشُ

كأنَّكِ يا أُمِّي

في يومِ ميلادي

رَبَطِّتِ حَبلَ السُرَّةِ

بلَمسةٍ من كفَّيكِ

وضِحكةٍ من شَفتَيكِ

ومن زَغاريدِ وتَرانيمِ كُلِّ الأعيادِ

فكيفَ في عَتمةِ الرَّحيلِ لا أرتجِفُ؟

وكيفَ في مَحطَّاتِ الوَداعِ لا أنتَحِبُ؟

**

أُمِّي هل تَرَكْتِ مِعطَفَكِ الأَسوَدَ

مُعلَّقاً على مِشجَبِ ذَاكِرَتي؟

أُمِّي أخبريني

هل نسَيتِ صُرَّةَ الحَلوَى

يَتيمةً على رُكْنِ طَاولَتي

ومُسرعةً مَضيتِ؟

**

حين تَجئُ أُمِّي من فَضاءاتِ المَدى

تَحمِلُ في حقيبتِها مَطراً وحُبَّاً

ومِنديلاً أبيضَ مُعطَّراً بدُموعِها

تَمسحُ عَن وَجهي غُبارَ الوَهَنِ

وتَطبعُ قُبلةً وبُرعُمَ وَردةٍ

فوقَ وَجنتي

وتُغادِرُ قبل أن يُشْرِعَ الفَجرُ أبوابَهُ

فوق حِيطانِ حَيِّينا العَتيقِ

وقبل أن تستفيقَ الياسَمينةُ الغافيةُ

على جِدارِ نافِذتي

**

أُمِّي كم أشتاقُ إلى لَونِ الرَّغيفِ

الَّذي كان بفرحٍ يرقصُ بين أصابِعِكِ

وأشتاقُ إلى بَوحِ التَّراتيلِ

الَّتي كانت في كُلِّ الدُّروبِ تنبعِثُ

وأنا مُمسِكٌ بِذيلِ فُستانِكِ

كأنَّهُ مَلاكي الحارِسُ

حين يخفُتُ نورُ السَّماءِ

ويتلاشى وَجهُ البَدرِ

**

أُمِّي يا زّهرةَ أُقحوانٍ بَريَّةٍ

يا صَوتَ النَّاي الصَّادحِ في المَدى

أُمّي يا عِشقي الأبدي يا بَلسَمَ جِراحاتي

أُمّي يا مِلحَ الأَرضِ الَّذي أبداً لا يَفسَدُ

أُمِّي رُغمَ غَصَّةِ الرَّحيلِ

الَّتي سَكنَتْ رُوحي

عَزائيَ الأكبرُ

أنَّكِ كُنتِ

كُنتِ أُميِّ

***

جورج عازار

ستوكهولم السويد

شَعْبنا شَعْبٌ عَزومٌ واثبٌ

يَتحَدّى والصَريعُ الغاصِبُ

*

ألمٌ يُسْقى بجُرْحٍ نازفٍ

ووريدٌ مِنْ نَجيعٍ ناضِبُ

*

كيفَ صارَ النزفُ طبّاً صالحاً

لجراحٍ إعتراها الواصِبُ

*

إنّهم غابوا بأذوادِ العِدى

لا عدوٌ بل صديقٌ صاحِبُ

*

أذعَنوا فيها وعنها اغْتربوا

فِعْلهمْ صدقٌ وقولٌ كاذِبُ

*

مَلأوا الدنيا ضَجيجاً زائفاً

وسُعاهمْ برباها خائِبُ

*

دَجَلٌ يَطغى وبُهتانٌ نَمى

وعلى الأشهادِ كلٌ راغِبُ

*

قد تَعبنا من صراعٍ بائسٍ

فانْزوينا وأتانا الناكِبُ

**

حينَ ماتوا قالتِ الأعداءُ جادوا

حبّذا موتّ فعندَ الموتِ سادوا

*

أمّة تُطوى وشعْبٌ حائرٌ

ورموزٌ للخطايا عاهَدوا

*

رَهَنوا كلّ عَظيمٍ رائدٍ

والرَزايا إجْتَباها القائدُ

*

قد تَشظى مَجْدُ أمٍّ ساطِعٍ

وإذا الخصمُ لشعْبٍ عائِدُ

*

هكذا الدُنيا اسْتحالتْ بُرْكةً

جفِّفِ الماءَ فأنتَ الصائدُ

*

يا بلاداً قد أضاعَتْ عِزّها

فأتاها بَعْضُ جَمْعٍ حاقِدُ

*

برثاءٍ وعَويلٍ قولها

فاسْتكانتْ وتمادى الجاحِدُ

***

زعزعَ الأوطانَ دوماً حاكمٌ

بانفرادٍ فتَخابى الثائرُ

*

هذه الدنيا كتابٌ واضحٌ

لعقولٍ إصْطفاها القادرُ

*

يا عَضيداً أيْنَ غابَ المُرْتَجى

وتوارى حاذقٌ أو فاكرُ

*

قوّة الإخْلاصِ في فعلِ الرؤى

فتسامى أنتَ حَقٌ طاهِرُ

*

وبأرضٍ ذاتِ رَحْمٍ فارغٍ

يَتبارى في رُباها العاثِرُ

*

جَعَلوا الدنيا ضجيجاً واهيا

لبَعيدٍ ورَميمٍ عاصَروا

*

فأبانَ الصدقُ ما قد أحْضَروا

وإذا الحكمُ بدينٍ جائرُ

****

زحفوا دون سلاح نحوكمْ

قائلٌ قالَ وفعلٌ واجمُ

*

أيّها الأعْرابُ أنتمْ سِلعةً

بمَزادٍ والكفيلُ الحاكمُ

*

مَزّقوكمْ رغمَ أنفِ كلكمْ

نفطُكمْ ضدَ وجودٍ ناقمُ

*

حَطَموا روح جَميلٍ عِندكمْ

وببُهْتٍ إسْتعانَ الراجمُ

*

مَحقوا كلّ صَحيحٍ واضحٍ

نَهبوها والدليلُ الغانمُ

*

أمّة الإلغاء تَرْعى ضدّها

أبلسَ الرأسَ بليدٌ سائمُ

***

د-صادق السامرائي

طالِعٌ منْ دمي،‏

كالسنا والحنينْ...‏

جسدي في الفلاةِ قَطاةٌ‏

وروحي تحومُ،‏

على وردةٍ‏

منْ أنينْ....‏

فأنا صوتكمْ‏

وأنا جرحكمْ‏

وأنا ما تبقّى لكمْ‏

منْ زهور السنينْ!...‏

** ‏

لماذا أموتُ،‏

بلا أُمْنيةْ؟‍!...‏

لماذا قُتلْتُ،‏

بلا بسْملهْ؟‍!...‏

لماذا جروحي،‏

تظلُّ جروحي؟‍!...‏

وكيف الطريقُ،‏

إلى الزلْزلهْ؟‍!...‏

** ‏

طالعٌ منْ دمي‏

أرسمُ الضوءَ‏

واللغةَ الرّائعهْ...‏

طالعٌ من دمِ الشهداءِ‏

ومنْ أرْضنا،‏

سنْبله....‏

فاحملوا جسدي عَلَمَاً‏

وكتاباً‏

وغنّوا لأحْلامنا المُقْبِلهْ!!...‏

** ‏

يجيءُ الصباحُ‏

ليحملَ روحي كصفصافةٍ‏

منْ ضياءْ...‏

يجيءُ الصباحُ‏

تراني أأذرفُ دمْعاً‏

على قمرٍ ينْطفي‏

أمْ سأرْفعُ في الرّيحِ‏

ورْدَ الإباءْ؟‍!...‏

يجيءُ الصباحُ‏

وقلْبي رفيفٌ،‏

يحنُّ إلى وطنِ الحُبِّ‏

والكبرياءْ!...‏

***

شِعر: إباء اسماعيل

سننتقم من الديك

وصياحه

وازعاجه نوم الزعيم

وأقلق راحة باله

وهو المهتم بشؤون الرعية واحوالها

*

سننتقم من الكلب

الذي نام بلا استئذان

وتخلى عن حراس الزعيم

وعرض امن قصر الرئاسة الى الخطر

*

سننتقم من النمل

الذي لم يدخر محصول السنة

وسبب في انهيار اقتصاد البلد

*

سننتقم من الظل

الذي دوما يختبئ وراء خيوط الشمس

ويحرم الزعيم من قيلولته اليومية

*

سننتقم من الرياح

التي تهب عكس التيار

وتترك تخت الزعيم يصارع الامواج

*

سننتقم من المواطن

الذي لم يعلق صورة الزعيم

على جدران كوخه البئيس

*

سننتقم من كل الشعراء الغاوون

الذين رفضوا اتباع الزعيم

في نزواته المجونية

*

سننتقم من ‘’اسرائيل’’

بالدعوات والسب والشتم

ونتفرج على الابادة الجماعية في فلسطين

*

واخيرا وليس آخرا

سننتقم من اي امرأة

لم تلد زعيما  يشبه الطاغية الوديع الوسيم

***

بن يونس ماجن

ليتنَا

نُصبحُ من فصيلةِ الأقزام

*

الزّهرةُ

في قامةِ النّخلة نَتسلّقُها

نجري معَ النّمل

يَسْبِقُنَا

السّلحفاةُ تمرّ مُسرعةً

نَمتطي صَهوتَها

*

أمّا عِمامةُ الحَلزون

ففي تلافيفِها ننامْ

خدًّا على خَدٍّ

ويا دُنيا

عليكِ السّلامْ…

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

ما إن غربت شمس عام 1948، ورحل من رحل من الاهالي الفلسطينيين وبقي من بقي، حتى استجد وضع حافل بالحكايات والاقاصيص،.. وبات مساحة خصبة للأقوال والاقاويل. وقد انتشرت في تلك الفترة قصة الرجل الغول المرعب قاطع الاذن اليمنى، وكان هذا، كما تناقل الناس في تلك الفترة، قد تقدم الى سلطات الاحتلال المعنية، بطلب رخصة " جفت" انجليزي، لصيد الخنازير البرية، في الظاهر وللمواجهة اعداء له، طالما هددوه وتوعدوه بالقتل في ليلة معتمة لا قمر فيها، فما كان ممن  تقدم لهم الا ان احالوه.. من مسؤول حكومي الى اخر، الى ان توقف في غرفة ضيقة قبالة محقق ذي ملامح قاسية، واستمع اليه بنوع من الرهبة يقول له: سنعطيك رخصة جفت انجليزي وسوف نفتح امامك المجال واسعا لصيد ما تود اصطياده من الخنازير البرية، شريطة ان تتعاون معنا، في انهاء ظاهرة المهربين والقضاء عليها. عندها تصور الغول نفسه يتقلد الجفت ذا الخرطوش الرش، على كتفه ويعتلي جيبا المانيا مصلوبا على بوزه خنوص صغير، فاعجب بنفسه، وتوجه من فوره للمحقق قبالته بنوع من تصعير الخد والصلف.. سائلا اياه عما إذا كان بإمكانه ان يتمادى في طلب كرمه فيزوده بجيب يرتاد به الجبال وينزل الوديان بحثا عن المهربين. أيقن المحقق المنكح انه امام متعاون حقيقي، وانه بإمكانه ان يعتمد عليه، فأرسل نحوه نظرة غامضة، وهو يقول: وهو كذلك، فما كان من الغول الا ان سأله ليتأكد مما سمعته اذناه، هل انت محق بوعدك هذا؟ فرد المحقق بصلف أكبر: تعال غدا لتأخذ الجيب. احنا بنلعبش.

في صبيحة اليوم التالي المبكرة، وفد الغول الى مركز الشرطة في القشلة، وحاول ان يدخل ليأخذ الجيب الالماني الموعود، فما كان من حارس المركز الا ان رده مهددا اياه بإطلاق النار عليه، إذا ما تمادى وحاول الدخول بالقوة. ارتد الغول الى الوراء. وسوى منطقة استخرجت منها المناجذ عدة اكوام من التراب ونام عليها وهو يرسل انظاره المترقبة الى فروع شجرة الزنزلخت فوقه. استسلم الغول الى النوم، وحلم انه دخل الى مركز الشرطة ورأى الجيب ينتظره هناك، لكن ما إن اقترب منه ليضع يده عليه، حتى شعر بمحركه يدور بقوة، وبه ينطلق بعيدا.. كان ذاك كابوس، دفعه للنظر في ساعته ليلاحظ ان الوقت قد مضى وان الشمس قد تعالت.

حمل الغول نفسه ودخل الى مركز الشرطة، وتوجه هذه المرة الى غرفة المحقق ذاته، ليفاجئه هذا مرحبا ومهللا ومخبرا اياه ان رخصة الجفت الانجليزي والجيب الالماني حاضران. افترشت الابتسامة وجه الغول، وقال للمحقق قبالته، ما المطلوب مني؟ كيف على ان اتصرف؟ فنفر به المحقق قائلا: عليك ان تلاحق المهربين في كل مكان وموقع، وان تقتلهم بلا رحمة. وطلب منه ان يأتي اليه بالأذن اليمنى لمن يقتله منهم ليتأكد من انه قتله. وزيادة في الاقناع اردف المحقق يقول: انني اطلب منك هذا الطلب الصعب لسبب بسيط هو انه يوجد هناك من هو اعلى مني.. ومن حقه ان يتأكد أنك اديت واجبك على النحو المرجو والمنشود.

بعد وقت قصير تمنطق الغول بالجفت الانجليزي، وركب الجيب الالماني، وانطلق باتجاه بيته. هناك استقبله اهل بيته بالبِشر والسرور، وتوافدوا واحدا وراء الآخر لتهنئته بما صارت اليه احواله من راحة ونعيم. ومع هذا لم ينم جيدا، وتصور نفسه يطلق النار على مهرب هرب منه، فيسقط هذا ارضا ليقترب منه ويطلق مرة اخرى وسط استغاثته ودموعه، الا انه يبادر لتنفيذ المهمة المنوطة به.. يستل السكين المشحوذة جيدا ويقتطع اذنه اليمنى. عندما هاله ما تصوره خاطب نفسه قائلا" كل شيء في البداية يبدو صعبا".

وهكذا كان.. انطلق في اليوم التالي باتجاه الخط الحدودي، ولبد وراء صخرة كبيرة بانتظار صيده الاول.. ومضى الوقت دون ان يفد احد، وعندما اقترب المساء، اقنع نفسه انه لن يعثر على ما انتظره وترقب حضوره، وما إن تحرك في موقعه محاولا الانصراف، حتى احس بشبح يقترب من مكمنه مخترقا العتمة والاشجار.. فعاد وانكمش على نفسه. ما إن اقترب الشبح من مخبئه حتى صوّب جفته الى صدره واطلق، لينطلق الرصاص فيخترق صدر الجسم المقترب. تهاوى الشبح امامه صارخا" يمّا"، فاقترب منه، واطلق عليه مرة اخرى، بعدها استل سكينه الماضية، واقتطع اذنه اليمنى. ومضى في طريقه عائدا من حيث اتى ومتصورا ما سيناله من جوائز وهدايا سنية لقاء عمله البطولي.

تكرر في اليوم التالي ما وقع في اليوم الاول، اما في اليوم الثالث فقد اختلف الامر، فقد انتشر خبر قاطع الاذن اليمنى. الامر الذي جعل المهربين الفقراء يأخذون المزيد من الحيطة والحذر. عندها وجد الغول نفسه في مازق حقيقي، فمن اين يأتي بالأذان ليقدمها الى محقّقه؟.. وكان ان تفتق عقله المبدع الخلاق، عن فكرة ما لبث ان بادر الى تنفيذها. ارتدى ملابس مهرب فقير، وتوجه، بعد بحث وتنقيب، الى مهرب معروف، ليترافق هذا معه، في عملياته الخطرة، واتفق معه على ان يعطيه الربح الاكبر. المهرب فرح بعرض الغول، ومضى الاثنان باتجاه حي العرب. اشتريا ما ارادا تهريبه من سجائر وايشاربات، ومضيا عائدين عبر السهول الجبال والتلال. عندما تعب الاثنان استلقيا تحت شجرة قريبة من الحدود، ليرتاحا من وعثاء السفر، وعندما سمع الغول شخير المهرب. اقترب منه وغرس سكينه في قلبه، وعندما أحس ان روحه قد غادرت جسمه، أدني سكينه من اذنه اليمنى واقتطعها.

انتشر خبر مقتل هذا المهرب، فراح المهربون يحققون وينقبون الى ان توصلوا الى الحقيقة، الغول هو القاتل. والهدف هي اذن المهرب، وإلا اين ذهبت اذنه ومَن المستفيد منها؟ وكان ان اتخذ شيخ المهربين قرارا وقال بتصميم:" علينا ان نضع حدا لهذه المهزلة.. والا اكلنا الغول واحدا تلو الاخر".

قرار شيخ المهربين، سرى سريان النار في الهشيم اليابس، الحاضر للاشتعال، وكان ان اخذوا ينتظرون ان يفد الغول الى أحدهم لمرافقته الى حي العرب. وما إن خرج الغول من بيته متخفيا بزي مهرب، ودلّته حاسته الرهيبة المدربة على احد المهربين، حتى اقترب منه، وعقد معه صفقة، تقضي بان يترافق الاثنان في عملية تهريب كبيرة، يكون فيها نصيب المهرب اكبر. ابتسم المهرب وهو يستمع الى كلام الغول المتخفي، وقال له "تمام افندم".

عملية التهريب جرت بدقة واحكام، بالضبط كما خطط لها الاثنان، وعندما تعبا في طريق عودتهما، اخذ الغول في التثاؤب، في محاولة منه لان يدفع مرافقه الى النوم، فاخذ هذا في التثاؤب، وافتعل النوم، بل انه راح يرسل شخيرا شديدا.. عندها فتح الغول عينيه، استل سكينه بسرعة وما ان رفعها ليغرسها في صدر مرافقه المهرب، حتى شعر بشيء يخترق اضلاعه.. وضع يده متحسسا هذا الشيء.. واندفع الدم متدفقا غزيرا من صدره.. غامت الدنيا في عيني الغول.. فبادره المهرب بطعنة اخرى.. واعتلاه.. موجها سكينه الى اذنه اليمنى بالضبط.. ومجتثا اياها من مكانها. وضع المهرب اذن الغول في فمه.. وفي منتصف الليل قذف بها قبالة مركز الشرطة.. ومضى مختفيا في ظلام الشارع.. والاشجار.

***

قصة: ناجي ظاهر

عجبٌ عجبْ ..

تتهاوى كلماتُ من فسيح العبثِ

وتهفو بينَ عينيها

كرفيفِ الهدبْ..

ثم تمضي على خافقٍ من جليدٍ

يثيرُ الغضبْ..

**

فماذا تقولُ ، إذا ما الفؤادُ تلظى

وبانت شراينه كاللهبْ..؟

أتغرس رأسك

في رمالِ الزمانِ الكسيح

يدوس على ظهرك

كلُ من هبَ ودبْ..؟

**

تخاتلُ في وضوحِ النهار

وتشكو هموم الليالي القفار..

وتغمض جفنيك عندَ بلوغِ التعبْ..

ثم ، تصغي، كما لو تناءى إليك

نداءُ البقاءِ

وهمس الدعاءِ

وصخب العتب..؟

**

أراك تصرخ في العراءِ،

ولا من سببْ..

يعيد لك الصحو والعنفوان

وكأس النخبْ..

**

عجبٌ عجبْ

تحاول أن تطاول هذا الزمان الكئيب

بأنشودة قد طواها الخببْ..َ

**

دعوني أحاور هذا الكسيح

ومن دون أن أستبيح

هموم العذارى..

في زمان يشتكيه السكارى..

" سكارى وما هم بسكارى "

كلام يشاغله واقعاً

بينَ بينْ

بين القذى والشذى

واقعٌ مستباح بدون عمد..

يهز البيان

فكيفَ نُصلِحُ المِلحَ إذا الملح فسد؟

**

وإذا الكيلُ طفح

وإذا الويل جنح

وإذا السلم ذبح

كل نور في دياجير

السموات العجب..؟

* * *

د. جودت العاني

02/12/2023

صرخت وسقطت أرضا. غابت عن الوعي، اقتربت منها ابنتها نوال، حاولت اسعافها. ارتبكت، بحثت عن هاتفها، اتصلت بوالدها. هاتفه مقفول كالعادة. عندما يغادر البيت الى العمل أو المقهى، يقفل هاتفه ولا يهتم باحتجاج ابنته أو زوجته التي قالت له يوما في عز غضبها "أكيد سأموت بسببك. كيف سنتصل بك إذا كنا بحاجة اليك؟".

اتصلت نوال، بالإسعاف وهي ترتجف وتنام بين الغضب والخوف والحزن. كان لصراخها وخوفها على والدتها "نادين" الأثر القوي على ذلك الصمت الليلي الذي كان يخيم على المكان. سألتها جارتها: "أين والدك؟" احتارت في الإجابة، ونامت دمعة ثائرة بين مآقيها، وقالت محاولة تلميع صورته:" انه مسافر، لقد اتصلت به وسيحضر بعد قليل."

مكثت طوال الليل الى جانب والدتها نادين، تمسك يدها وتحضنها. وفي نفس الآن، تلقي نظرة على هاتفها ربما يحن والدها لصراخها الذي مزق هدوء ذلك الليل الصيفي. ظلت نادين، غائبة عن الوعي، لكن رفضت ابتسامتها التي لازمتها في أحلك أزماتها معه أن ترحل، كأنها حارسها الأبدي من كل مكروه. فتحت عينيها ببطء شديد، نوال ابنتها على جانب السرير وهاتفها بين يديها. مسحت بيدها على رأسها كأنها تقول لها، "أنا ما زلت معك، لا تخافي انني اقوى من غياب والدك."

كان يوما خاصا، لا يشبه باقي الأيام العادية بالنسبة لنادين. يوم التقت بزوجها أحمد. كانت تركض في الشارع وتصرخ بكل قوتها الى جانب باقي المتظاهرين رافضين التضييق على حرية التعبير. نادين، كانت تخطو ببطء في عالم الصحافة، تهتم كثيرا بكل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، وتحلل وتطرح الأسئلة كمن يبحث عن ابرة في قش. كانت ترفض أن يزج بها في الجريدة بخانة الطبخ وتموت كل طموحاتها السياسية والفكرية. الكتابة بالنسبة اليها كالهواء والماء، لا تستطيع أن تتنفس من دونهما. كانت تجري وترفع صوتها، يعلو في الفضاء كسهم محارب يدافع عن أرضه. أثناء المسيرة الاحتجاجية، اقترب منها شاب وسيم ويظهر على ملامحه الجدية والمسئولية. سلم عليها وقال لها" ان حرية التعبير هي عنوان تقدم الشعوب." ابتسمت وتابعت سيرها العنيف الذي يحمل رغبة شديدة في تغيير الوضع المأزوم. كانت تدك الأرض برجليها دكا، كأنها ترغب في اختراقها واخراج ما بباطنها حتى تختلط الأشياء وتولد البلد من جديد. لم تجبه، ظل ماشيا الى جوارها. وقال لها " أنا أيضا كنت من المؤيدين لهذه المسيرة الاحتجاجية."

طل يوم جديد على نادين وهي بالمصحة، نوال ابنتها نائمة الى جانبها على سرير آخر. فتحت عينيها وهي تتأمل أن تجده الى جوارها وتفرح بتلك الابتسامة التي أسرتها يوما. جالت بنظراتها داخل الغرفة، كأنها تبحث عن شيء مفقود منها. رمقت ابنتها، نائمة بشكل غير مريح، من شدة التعب والخوف. فهي لم تفارقها وكانت كالمجنونة تريد أن تفهم ماذا أصابها بتلك السرعة. مسحت الغرفة من جديد بنظراتها المتعبة ثم توقفت عند الباب، ربما سيطل بعد قليل، ويرتمي بين يديها ويقبلها ويطلب منها العفو لأنه كان مشغولا وكان هاتفه مقفلا.

بعد انتهاء المسيرة، كانا قد تبادلا رقمي هاتفيهما، وتواعدا على اللقاء. كثرت لقاءتهما وتعودا على بعض. و لا يمكن أن يمر يوم دون أن يلتقيا. استيقظت نوال مفزوعة على صوت الممرضة التي أتت تبلغ والدتها بأن حالتها قد تحسنت ومرحلة الخطر قد عدت. بكت كثيرا من فرحتها وقبلت أمها التي كانت بالأمس بين الحياة والموت. استسلمت نادين، من جديد الى حنين الأمس وتركت الحرية لنظراتها ترحل وتنتظر قرب باب الغرفة على أمل أن يظهر أحمد. ستغفر له كما عودته على كل هفواته وغياباته. ستغفر له صمته الطويل بالبيت وانزواءه بغرفة الجلوس مع هاتفه. ستغفر له اقفال هاتفه كلما غادر البيت كأنه يرغب في الانسحاب من حياتها والذوبان في عالم آخر. ستغفر له لأنه الحب كله بالنسبة اليها. وكان دائما يقترب منها ويحضنها ويهمس لها بين أنفاسها على انها هي الحب كله. وتبتسم وتبدأ صفحة جديدة كمن يولد لأول مرة ويرى الدنيا بعينين حالمتين باحثتين على الأمل والحياة. سألت نوال بصوت يحمل أثار الألم والحزن: "ألم يتصل والدك؟"

نظرات نوال قلقة لأنها كانت تتمنى أن تسمعها الجواب الذي ترغب فيه. لكنها حاولت ان تختار أحسن الكلام، حتى لا يكون صدمة قوية على روحها كمن سقطت عليه صخرة من أعلى قمة جبلية، وقالت لها "أكيد سيتصل يا ماما، أنت تعلمين أنه يقفل هاتفه كلما خرج من البيت. أكيد أن هاتفه مازال مقفلا."

لكن نادين كانت تدرك في قرارة نفسها بانه بالبيت. وبأنه سعيد هناك لوحده، وبأنه يعد طعامه لوحده، وبأنه يتنقل بين التلفاز وشاشة هاتفه. أو ربما فرح فرحة العمر لما ولج البيت ولم يجد من ستمطره بالأسئلة التي يكرهها ويعتبرها كاستنطاق بوليسي. أو أنه نائم كما تعود دائما، لما يعود في آخر الليل ويدلف داخل غرفته وينام. ظلت حبيسة أسئلتها وتكهناتها طوال اليوم. تحسنت حالتها وأمر لها الطبيب بمغادرة المصحة على أن تهتم بصحتها كثيرا وتبتعد عن كل الضغوطات.

كانت مستلقية على السرير في انتظار ابنتها، سافرت بذاكرتها خارج الغرفة، توالت المسيرات الاحتجاجية السلمية والرغبة في تغيير الحصار المفروض على حرية التعبير التي أصبح كالكمامة على الأفواه. كان هناك الى جانبها، هتافات ولافتات وحماس شعبي ترتعش له الأبدان والعقول. في لحظة جد مفاجئة، حوصروا برجال الأمن وتم القبض عليهما على أساس أنهما يساهمان في الفوضى والشغب. تم الافراج على نادين فيما بعد وظل أحمد محبوسا أسبوعا كاملا. تذكرت كيف كانت تقضي يومها وليلها في انتظار الافراج عنه. شاخت قدميها ودمت أصابعها من كثرة الوقوف والذهاب والإياب. لم تمل ولم تيأس لأنها كانت مؤمنة بقضيتهما وكانت مؤمنة أيضا أنهما يمارسان حقوقهما الدستورية ولم يساهما في أي شغب. بعد أسبوع، كانت هناك، تنتظره، وجدت عددا كبيرا من الناس فيهم الأب والأم والأخت والصديق، كل واحد جاء يحمل بين يديه قلبه في انتظار سماع خبر الافراج الجماعي. تجمهر كبير، حجب عليها الرؤيا، رؤوس تتمايل يمنة ويسرا، تتعالى في الفضاء، أيادي تنادي وأصوات تصرخ. اشتبكت الحناجر والأحاسيس واهتز المكان. كل واحد ينادي على قريب له. حالة من الذعر والفرح والدموع. كانت نادين في آخر الصف، تنتظر وتترقب كمن ينتظر نتيجة الامتحان. طل بقامته الطويلة وشعره المشعث، كانت تحب فيه هذه الفوضى المستوطنة لجسده، كان لا يهتم بتناسق الألوان في لباسه، ولا بتسريحة شعره، كان يعتبر كل هذا ترفا لا فائدة منه. كان يبحث بين الجموع عليها. سرت قشعريرة بين ضلوعها وارتفعت نبضات قلبها وانطلقت كالسهم تخترق الصفوف وتبحث عن منفذ يوصلها اليه. سمع صوتها، التفت، ارتمت بين أحضانه وتمنت ساعتها لو أن الزمن توقف حتى تعيش تلك اللحظة القوية وتختبئ بين ضلوعه. قبلها وقال لها" لم أكن أدرك أنني أحبك كل هذا الحب؟".

دلفت نوال داخل الغرفة، تساعد والدتها على جمع حاجياتها ومغادرة المصحة. سألتها من جديد، وصوتها يحمل كل الأمل " هل اتصل والدك؟" ترددت نوال في الإجابة، حاولت أن تغير دفة النقاش مستغلة وضعها الصحي وما قاله لها الطبيب. لكن صمتها أشعل النار بداخل قلبها المرهف، وأعادت السؤال على نوال. توقفا قليلا خارج باب المصحة، في انتظار سيارة أجرة. حضنت نوال والدتها وقبلتها وقالت لها" أعلم أنك تتألمين لغيابه الدائم وعدم اهتمامه بك أو بنا، لكن يا أمي، والدي حنون جدا وطيب جدا غير أنه له طبائع لا تحتمل. أرجوك، لا تهتمي. أنا معك"

كانت نوال تعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقد جعلت منها الأيام الماضية، شاهدة على صراع مستمر بين والديها وخصوصا غياب والدها المتكرر واقفاله لهاتفه كأنه يتحلل من كل مسئولية. لم تفهم سبب سلوكه حتى نبتت برأسها فكرة التجسس عليه. فهي تخاف من الغد الذي لا لون له، فأصعب شيء على النفس هو عدم معرفة المجهول الآتي. فهي تحب والديها وتخاف على أمها من الانهيار. وتكره كما يكره كل مظلوم أن يعاقب ظلما، أن يفترقا يوما وتعيش بين بيتين وعطلتين وحياتين، فبيت الأسرة هو وطنها الذي تعلمت فيه أولى خطوات الحياة، ونطق فمها أولى الحروف ولعبت فيه أولى لعبها. فهي ترفض بتاتا أن يهدم أو يبنى في مكانه بيتا آخر. "الوطن لا يموت "كانت تهمس دائما لروحها لما تكون تقتنص بعض لحظات الراحة والمتعة النفسية بعيدا عن كل ضجيج وصداع الرأس. لكن هذه الفكرة لم ترق لها، هل تحادثه في الموضوع حتى تفهم ما يجول بخاطره. ظلت حبيسة حيرة استوطنت عقلها وسلوكها، حتى وهي في المصحة مع والدتها، كانت الأفكار تطاردها كما يطارد المجرم من العدالة.

وصلتا الى البيت، والأسف يسكن ملامح نادين كأنها تتساءل كيف استطاعت ان تتعايش مع كل هذا الإهمال العاطفي كل هذه المدة دون أن تدري. كيف انساب الزمن من بين يديها حتى استحالت الى جسد يرتعش وتعلو حرارته وتنخفض، دلفتا الى الداخل، كان هناك، يتأهب للخروج. كأن شيئا لم يحدث. أو كأنه يعيش وحيدا. زارها هذا الإحساس لما كانت بالمصحة، فقط حاولت أن تغالط نفسها وتتمنى أن تعيش لحظة من لحظات الأمس. لم تفهم نادين كيف تحول الى شخص آخر يحمل كما كبيرا من العنف النفسي، فهاجمها بسيل من الأسئلة، ما استطاعت أن تتذكره من كثرة أسئلته التي تساقطت عليها كما تتساقط الأحجار من الجبال أثناء فصل شتاء قاسي. قال لهما "أين كنتما؟ تركتما البيت دون أي اخبار أو حتى ترك رسالة صوتية؟ ما هذا الاستهتار؟ أنا أرفض هذا السلوك ...؟" وخرج كالعادة، وأغلق هاتفه كالعادة .

***

أمينة شرادي

أحيــــــاناً

تغسلني الحُمَّى

بِذَنُوبٍ

من لغة عُظمى !

*

أحيــــــاناً

يَغمُرني ضبابُ:

أنت حُضورٌ

وهُمُ غيابُ

وحدكَ شَرَفٌ

وهُمُ قِحَابُ

تَزْني بالوجِهِ وقَاحَتُها

وبِعَوْرتِها

يزني غِــــرَابُ!

*

أحيــــــاناً

من دونِ شِبَاكْ

أسماكي

تَصْطادُ غَبَاكْ !

*

أحيــــــاناً

يَدُها تَطلُبني

مايعني :

سِرَّاً في العَلَنِ

على سُنَّةِ فَنِّي اليَمَنِي !

*

أحيــــــاناً

تَنْزِفهُ البَسْمَةْ

مُتَّشِحَاً

بِحَصِيرِ اللُقْمَةْ !

*

أحيــــــاناً

أَرَقي.. لا العِلَّةْ

يُسْهِرُني

وينامُ كـ(دولةْ)!

*

أحيــــــاناً

في الوقت الضائعْ

ينقلِبُ الوضع فظائعْ!

*

أحيــــــاناً

يكتُمُني غَيْظي!

*

أحيــــــاناً

يتآمر ضِدِّي

ظِلِّي...

وبقية جُنْدي!

*

أحيــــــاناً

صَمْتي مَدَاري

فيهِ أُديرُ...

فيهِ تُـــدَارُ

مهما لفُّوا

عَلَيَّ وداروا!

*

أحيــــــاناً

يُنْجِبُني يأسي :

(أَمَلاً)

لِخلاصِ المَنْسي!

*

أحيــــــاناً

تَنْبَسِطُ أمامي

أدواتي

من غير لِجَامِ

فأفِرُّ منها..وإليها

ويطولُ مُقامي

وكلامي!

*

أحيــــــاناً

باسْمي يَتَسَوَّلْ

مسؤولونَ

بِرُتْـــــــــبَةِ (أوَّلْ)!

*

أحيــــــاناً

تختبئُ الغُرْبَةْ

في جيبي

خوفاً من غُرْبةْ!

*

أحيــــــاناً

يَشْرَحُ لي الأبْــكَمْ

جملة إعرابٍ مُبْهمْ:

(زُعَمَاءٌ:

عَرْشٌ مرفوعٌ...

مُغٰتَصَبٌ...

مَبْنِي على الدَّمْ)!

*

أحيــــــاناً

تتلو

أحيــــــاناْ:

أثوابٌ:

تكسو عُريــــاناْ

مائدةٌ:

تُشْبِعُ جوعــــاناْ

ساقيةٌ :

تروي ظَمْــــــآناْ

سُنْبُلةٌ:

تَحْمِلُ (ذُخْرَاً)

يُكْمِلُ...

ماقد كانَ...وكانَ!

قافيةٌ:

تحمي أوطانا

إنســـاناً

من حيثُ تَرَانا

تهدينا سُبُلاً وأمانا

وتَدُوسُ عُروشَ زَنابيرْ

وأنوفَ مُـــــلوك زَنانِيرْ

ولِحى عُبَّـــــــاد دنانيرْ

وتُوَفِّرُ طَيْرَ أبابيلٍ

تَرميهم...

وتبيدُ كيانا!

*

أحيــــــاناً

تتلو

أحيــــــانا

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

كثيرة هي شظايا النفس خاصة عندما أتذكر صورتك التي كدت أحطمها في لحظة شك بأنك رجل تبحث عن الدفئ النفسي في غير صورة من العالم الذي بَنَيته من أجلك، لا ادري كيف تحولت من أنثى عاشقة الى إمراة نالت منها الغيرة والشك كداء الحصبة!؟ لا يفتئان يثيران الحساسية في نفسي فأعمد الى مراقبة تحركاتك، الهاتف الذي تحمله ، الملابس التي ترتديها، العطر الذي تضعه، حتى حلاقة ذقنك في غير مواعيدها كانت موضع شك، غدوت ما لم قد بدوت لك كالكابوس الذي يجثم على صدرك ليل نهار، لكنك كنت عكس كل ما توقعته منك هادئا، باردا، لا يثيرك كل ما أفعله حولك، لم تحاول ان تسألني عما افعله، حاولت مرارا أن أثير حنقك فقط كي استشف من عتابك او ردك علي بأن لا يوجد في حياتك أنثى غيري لكنك قلبت موازين غيرتي حولتي الى عبارات رثاء كنت اراها في عينيك وانت تتأسف الى تحولي المجنون.. حتى تلك الليلة التي وجدتك عازما على الرحيل وانت تمسك بحقيبة ثيابك وقد بلورت وأطرت مللك وجزعك بالقول بأنك ستسافر في رحلة عمل، كنت وقتها قد أدركت تماما أني جرحتك بعمق وغرت في لكز الجرح الذي تقرح ولم يعد تقيه او تشفيه كل أدوية العالم... جن جنوني فصرخت بعد امسكت بيدك كوة الباب لتخرج... ارجوك حبيبي اسمعني للمرة الأخيرة، عاملني مثل أحد المجانين في المركز النفسي الذي تعمل فيه فإن لم تقتنع بقصتي إرحل بسلام حتى لا اطلب منك ان تتراجع في قرارك بل لا تلتفت إلي، اعلم جيدا اني هتكت ستر ميثاق الثقة التي بيني وبينك، وأدرك أني قد زدت في الكيل بصواع الغيرة والشك حتى فاقت العير التي تحمل صبرك الى ان فاضت فصرخت دون صوت أنني نلت من كل موازين الثقة ومعايير التعامل الانساني، الكيل زاد وأثقلت كاهلك بترهات الشك، قبل ان تخرج أترك فسحة لي، تذكر من خلالها أنثاك التي أحببت ولا زلت تحب كما أحسب، ساعات كثيرة كنت دميتك وطفلتك المدللة، يا ليتني ما تبعت شيطان الشك في نفسي، اقسم لك لقد أغواني بوسوسته جعل صور الخيانة لوحات فان كوخ او رواية ألف ليلة وليلة حين يعمد شهريار الى نساء قصره، او كما الرشيد الذي ماجن عالم الحريم... رغم أني اعلم جيدا ان عالمك لا يشغله سوى المجانين او ذوي الحالات النفسية... لعلي تأثرت بهم كوني ظننت أنك تعاملني كاي احد المرضى الذين يرتادون المركز النفسي، جنون ما أقول أليس كذلك؟؟ لكن صدقني وانا اقف الان موقفي هذا اشعر بالخجل من نفسي، حتى اني حطمت مرآة زينتي لانها تعكس صورتي البشعة التي بت عليها لا لن أكون كذلك، سأغيرها سأعيد صورة أنثاك الأولى التي احببت حتى انا ونفسي اشتاق إليها، أمنحني الفرصة الأخيرة، ساير غيرتي لأنها من اجلك وأجلي فلا تنسى في بعض الاحيان الغيرة ملح العلاقة الزوجية غير ان اعلم قبل ان تلتفت او تجيب أني جعلت من حياتك مالحة الى حد انك لم تعد تطيقها، ارجوك اترك لي مساحة من العذر، والقي بضفاف مشاعرك على أنسانة هي انثاك، تقبلها على عيبها، عالجها بحنانك وعطفك، ضمها الى صدرك كي تشعرها بالامان والطمأنينة، من الاخير خذني على قدر عقلي فما تصرفت بغير عادتي فأنا إمرأة غيور على من تحب وتعشق، ها انا بحت مافي نفسي إليك وانت الان صاحب القرار إما ان تصعقني بردة فعلك وتكتب لي وصفة الحياة او أتركني فريسة ظنوني والشك ليأكلني حتى أتخلص نفسي الى الابد.

***

القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي

 

الرماديونْ ...

صفرُ الوجوهِ

سودُ القلوبِ

وعيونُهم آهِ العيونْ

مثقوبةٌ بمخالبٍ ومخارزٍ

ومثاقبٍ مسعورةٍ

ولذا فهُمْ لا يُبصرونْ

في مرايا الحقِّ

والأَقدارِ والأَسرارِ

ولا يَرونْ

في كتابِ الغيبِ

لا وجوهَهمْ

ولا قلوبَهم

ولا عقولَهم

الطاعنةِ في الشكوكِ

والصكوكِ والمآربِ والظنونْ

*

الرماديونْ...

دائماً غامضونْ

وحاقدونَ وكاذبونْ

وسارقونْ وخائنونْ

وليسَ لهُمْ علاقةٌ صِلَةٌ

بوطنٍ مُحْتَضِرٍ

وشعبٍ مُنكسِرٍ

ولا بأُمهاتٍ ولا أَخواتٍ

ولا بأَطفالٍ مرضى

ولا بآباءٍ فقراءٍ لايجدونْ

مايُطعمونَ بهِ بطونَ العائلةْ

في هذهِ الحياةِ العاطلةْ

وفي هذا العالمِ المجنونْ

*

والرماديونْ ...

هُمْ جاحدونَ وناكرونْ

ومُلحدونَ وكافرونْ

ولا يعرفونَ اللهَ والحقيقةَ

والملائكَ والرسالاتِ

ولا هُمْ يحزنونْ

لأَنَّهُم رماديونْ

***

سعد جاسم

 

في نصوص اليوم