آراء

الانتخابات هل ستنجب .. حكومة وطنية صالحة..

سيندحر الإرهاب هل سيشفى اقتصاد البلد هل سيخطو العراق خطوات حقيقية نحو الأمان والاستقرار ونحو السيادة الكاملة... أن كل هذه تساؤلات وتاملات جدلية صعبة والتنبؤ بها ليس بالأمر الهين وذلك لكثرة المتناقضات ولكثرة الأطراف المتدخلة بالشأن العراقي ولتعدد مراكز القوى ولهشاشة التماسك الوطني وضعف الاقتصاد.. فخلال السنوات الأربعة الأخيرة عاش العراق مخاض عسير بين صراعات داخلية وإرهاب ممول من دول الغباء العربية وعلى رأسها السعودية وتنفيذ وأشراف مباشر للمخابرات المصرية لسببين اساسيين هما معاداة الديمقراطية الإقليمية التي قد تشكل مصدر خطرا على جميع دكتاتوريات المنطقة والتي ستشكل نموذجا مثاليا للحرية والسلام والأمن الاجتماعي والسبب الثاني هو الخوف من الفكر الشيعي وتوسع دائرة نفوذه لان الجزء الأسيوي من الدول العربية هو الأكثر ثراء بالثروة النفطية وبنفس الوقت هذا الجزء مكون من أقلية متحكمة بالثروة والنفوذ وأغلبية شيعية مستضعفة ومهمشة ... لذا فان الحرية في العراق دقت ناقوس الخطر حول نهوض المارد الشيعي وسيطرته على المنطقة وثرواتها... مما حدا بالسعودية تمويل الإرهاب الدموي الإجرامي باسم الإسلام لتحجيم الشيعة العرب من تشكيل حكومة قوية... والسعودية مستعدة تصرف كل ملياراتها لأجل إجهاض الديمقراطية العراقية...

أن التدخل السعودي ينصب بالجانب الإعلامي وتشويه الحقائق وإسقاط الشخصيات الوطنية العراقية إعلاميا ...حيث أن السعودية تسيطر على اكبر مؤسسة إعلامية في العالم الإسلامي وبنفس الوقت فإنها تصرف مليارات من الدولارات لنشر الفكر الدموي المعادي للفكر الشيعي... والجانب الثاني الذي يعتمده ارهابيوا القتل والتدمير أمراء البترول هو شراء الذمم والأصوات كما حصل في لبنان مع حزب الله.. وإذا فشل أعلامهم وفشلت عملية شراء الأصوات في الانتخابات العراقية القادمة فان للسعودية اذرعها القذرة التي ستعمل على زعزعة الأمن داخل العراق... كما أن أمراء البترول الخليجيون سيعملون بمختلف الطرق للسيطرة على البرلمان القادم... أن عدد أعضاء البرلمان العراقي الذين سينتخبون هم بحدود 330 وعدد أعضاء الحكومة ووكلاء الوزراء لا يتجاوز 150.. وبهذا فان السعودية مستعدة أن تستخدم نفوذه الاقتصادي لشراء من تتمكن من شراءه فان صرف مبلغ مليار دولار أمر تافه بالنسبة للسعودية لا بل صرف مبلغ 10 مليار دولار ليس بالأمر الصعب عليها .. لذا نتوقع بان يكون التدخل العربي في الانتخابات وبعد الانتخابات قوي جدا وذلك بتمويل الإرهاب والعصابات والمافيات ودعم المؤامرات .. وسوف يستمر أعلامهم ببث السموم ضد الأمل العراقي ضد طموح الشعب العراقي بالخلاص من الألم والظلم والضياع...

الجانب الأخر الذي يجب الانتباه له هو الدور الإيراني الذي يتصرف بمكر ولا يتمنى قيام حكومة عراقية ذات أغلبية شيعية قوية لان ذلك سوف يضعف نفوذ الحكومة الإيرانية خارج إيران لان الزعامة الدينية للطائفة الشيعية مركزها العالمي كان في النجف الاشرف لكن النظام البعثي خلال فترة حكمه القذرة ضيق على مراجع الدين كثيرا ومارس أبشع الأساليب لتحجيم دورهم ... ومارس ابشع الاساليب لتقييد الفكر الشيعي في النجف.. مما ساهم خلال ثمانينيات القرن الماضي الى أن يصبح مركز الزعامة الدينية الشيعية عالميا في إيران... وهذا منح نفوذا عالميا كبيرا لإيران ..لا يمكن أن تسمح إيران بخسارته مهما حصل لان إيران لا تتمنى خسارة الشيعة للحكم في العراق لكنها بنفس الوقت لا تعمل على مساندة تشكيل حكومة أغلبية شيعية في العراق قوية قد تضعف من النفوذ الإيراني وتهمشه على المدى البعيد في العالم والمنطقة... وهذا قد يشكل نواة تغيير سياسي في إيران وقد يساهم بانهيار إيران ...وهذا ما لا تتمناه حتى السعودية لان انهيار إيران الاسلامية يعني وصول العلمانية الشيعية في إيران للحكم وسيسبب وصولها للحكم كارثة للخليج والمنطقة باجمعها لان إيران العلمانية ستكون اكبر حليف لأمريكا وإسرائيل مثلما كانت في زمان الشاه وستصبح شرطي الشرق الأوسط من جديد لتتحكم بأقزام الخليج المتنمرين ألان.....أن عملية التنبؤ بالمستقبل العراقي أمر صعب جدا وذلك لتشابك خيوط القرار وتداخل كبير بين خيارات التصارع التي لا تنتهي ولا يمكن استقراءها على المدى البعيد .. لذا فان أي أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تظهر هنا أو هناك ستعالج آنيا وتتم السيطرة عليها بشكل آني لكي لا تتوسع دائرة الخراب وفقدان السيطرة على نار الفوضى المشتعلة...حيث يبادر للمعالجة المتنفذون وذو مواقع السيطرة والقوة لتأجيج هذه النار أو تحجيمها وفقا للمصالح والتوافق و المساومة... أن التدخلات الخارجية مستمرة ولن تنتهي ...وستبقى أمريكا الرابح الأكبر وستبقى المنطقة هي من يدفع ثمن الخسارة ويبقى العراق يدفع ثمن الخسارة دما...

 

لم تنشا مؤسسات مجتمع مدني قوية خلال الأعوام الأخيرة ليكون لها دور في رسم معالم التغيير والسيطرة والمحاسبة للحكومة وتوجيه عملها وتوجيه الرأي العام لما يصب في مصلحة الدولة العراقية الجديدة وليكون له دور حقيقي يبرز في الانتخابات.. وليرسم معالم الغد بالتوحد العراقي ..أن الانتخابات القادمة هي امتدادا للانتخابات السابقة التي تمخض عنها ولادة حكومة محاصصة ضعيفة واصبحت حكومة مساومات كاذبة حكومة فساد عظيم .. حيث ان اغلب الحكومات البرلمانية عادة ما تكون هزيلة وهشة وضعيفة وفاسدة... وذلك كله لان دستور البلد غير صالح وان اعتماده والإبقاء عليه مع الزمن سيولد حكومات هزيلة لا تحترم القيم الوطنية و تكثر فيها المؤامرات والفساد وتكثر فيها المافيات السياسية التي سوف تسيطر على مراكز القرار لتحكم سيطرتها على مقاليد البلد مما يرجع البلد للوراء.. دستور العراق حقيقة بحاجة الى تعديلات جوهرية وأساسية لكي تنتج عنه حكومة دستورية قوية تبنى على أساس التوحد الوطني ... التوحد الوطني مفقود على ابسط مستويات الشارع العراقي قد يعترض البعض على هذا الكلام لكن هذه حقيقة أن الروح الوطنية العراقية مغيبة .. أن الرؤى مختلفة تماما بين الحركات والأحزاب السياسية وبين الشعب الذي هو بدوره منقسم عاطفيا تأييدا لهذه الحركة أو تلك.. حيث العراقيون لم يتفقوا على عدوا واحد ولم يتفقوا على صديقا واحد ... ولم يحاولوا أن يكونوا حياديين في العلاقات المتكافئة مع الجوار... وإنما عواطف الحقد غير الناضجة تغذي فكر الشارع لغرض جعل العراق متصارع ضعيف.

 

 أن العراق ألان يمكن اعتباره البقرة الحلوب التي يستمتع بحلبها جميع دول الجوار العربية والإقليمية مثل سورية والأردن ومصر وتركيا والإمارات والكويت وإيران.. أن العراق اصبح بلدا مستهلكا لابسط السلع العراق لا يصنع لا يزرع لا يعمل أي شيء ممكن أن يرفع من شان اقتصاده... لذا فان ظهور حكومة وطنية قوية منتخبة تنهض باقتصاد البلد سوف يجعل جميع هذه الدول خاسرة خسارة اقتصادية كبيرة وقد يسبب ذلك أزمات اقتصادية كبيرة في هذه الدول خصوصا سوريا... لذا فان هذه الدول عملت ولازالت تعمل على حفظ أمنها الاقتصادي بدعم عدم الاستقرار في العراق وأفضل فرصة لذلك هي الانتخابات...أما أمريكا فهي اللاعب الأول في العالم وليس العراق وحده أنها تتحكم بالريموت كنترول ..أنها تسيطر وتتحكم بكل شيء ولا تضرب بيدها وإنما تستخدم الإعلام وتستخدم الحركات الإجرامية الجاهلة المختلفة في تدمير البنى التحتية للبلدان والحركات التي تعادي الايدولوجيا والمصالح الأمريكية وتجعل من القوى الوطنية ذليلة لا تقوى على شيء سوى التوسل بأمريكا وكلما توسلت وانغمست مع أمريكا أكثر ابتعدت أكثر عن مصالحها الوطنية وأصبحت كالدمية تتحكم فيها أمريكا كما تشاء وتزيلها متى ما تشاء مثلما أزالت أمريكا عميلها السابق صدام عندما رفض التقاعد الإجباري....

أن الليبرالية العراقية والأحزاب العلمانية لازالت حظوظها الانتخابية ضعيفة ولن تشكل رقما صعبا امام الأحزاب الإسلامية وذلك لان العلمانية العراقية لم يتبلور لها فكر موحد وذلك كله يرجع الى الخطأ الجسيم الذي ارتكبه أياد علاوي عندما تزعمها في الانتخابات السابقة عندما قرب البعثيين مما حدا بالأحزاب العلمانية أن تنأى بنفسها بعيدا عن قائمته في هذه الانتخابات ... لو انه تمسك بالعلمانية ولم يسمح للبعثيين بالدخول لقائمته لكن هناك أملا كبيرا لانتصار هذه القوى مجتمعة في الانتخابات . أن أياد علاوي يعتبر ذو قوة سياسية لا يستهان بها لكن تمسكه بالبعثيين ودفاعه عنهم رغم كره الشارع للبعث أدى الى سقوط خيار نهوض القوى العلمانية لا بل أن خطئه هذا جعل من القوى الإسلامية متماسكة أكثر وقوية أكثر رغم الفساد الذي ينخر بهيكل الحكومة التي شكلتها هذه الأحزاب لان الشعب لم يجد بديل يلوذ به ضد البعث سواها.. الأحزاب الشيعية أصبحت قوية وأصبحت تمتلك تأييدا شعبيا واسعا في الشارع الشيعي وبنفس الوقت القوى والأحزاب السنية تخندقت هي الأخرى وأصبحت أكثر قوة. لذا يمكن القول بان الضربة القاصمة للقوى العلمانية الليبرالية لم تأتي عن طريق القوى الإسلامية وإنما جاءت من خطا استراتيجي لأياد علاوي..

أن دول الغباء العربي والإقليمي لديها خيوطها لتتحكم بالدمى السياسية المحلية وقد تنشا فعلا أزمات سياسية صعبة اذا فشل حلفاء هذه الدول بالانتخابات القادمة مما سيسبب الضرر على مصالحهم وقد تشجع هذه الدول على أيقاد الفتن والمشاكل المختلفة لتعيق العملية الديمقراطية وتسهل عملية ترتيب أوراق اللعب وتحاول السيطرة على مجريات الأمور في العراق وليكون لها منفذا للتدخل في تشكيل الحكومة القادمة.

 أن حظوظ المالكي ضعيفة جدا ليكون رئيسا للوزراء في الانتخابات القادمة خصوصا وان جميع الكتل الأخرى متربصة به... لكن يبقى رئيس الوزراء القادم هو ما بين الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون والشخصيات القوية المرشحة هي سامي العسكري من دولة القانون وبيان جبر وبهاء الاعرجي واحمد الجلبي من الائتلاف الوطني العراقي ..لان الائتلاف لو حصل على الأغلبية فانه سوف يعاني من مشاكل كبيرة في تحديد رجله لرئاسة الحكومة وقد يكون فيها الحل الوسط هو احمد الجلبي ...

ستكون المرحلة القادمة من أصعب مراحل تشكيل الدولة العراقية الجديدة.... أما الإرهاب وانحساره في الشارع فهذا محكوم برئيس الوزراء القادم ... لان الحكومة الحالية لم توفر امن حقيقي في بغداد وإنما قامت بإغلاق 90% من شوارع بغداد بالكونكريت (أي أن العاصمة بغداد في حالة سجن إجباري مستمر لأحيائها ولا نعرف متى ينتهي)... لو تم أزاله هذا الكونكريت فان الأمن سوف يتصدع بسرعة كبيرة قد تؤدي الى انهيار الحكومة... أن إحلال الأمن في البلد سوف يكون محكوما بشخصية رئيس الوزارء الجديد وبنفس الوقت سيكون محكوما بقوة وتماسك الكتلة التي سترشح وتدعم الحكومة الجديدة... أما الحرب الطائفية فإنها انتهت ولا يمكن أن تعود مرة أخرى لان الشارع العراق رغم الاختلافات الفكرية والمذهبية يرفض أي فكرة صراع دموية وبشدة.. أما الذين يقاطعون الانتخابات فهم ...أما يائسون من التغيير للأفضل أو يميلون لتمجيد الماضي ولا يفضلون المشاركة لكي يشككوا في جدية ونزاهة الانتخابات الديمقراطية الجديدة....

الانتخابات القادمة ليست مثالية والمطروح للتصويت ليس مثالي لكن التغيير للأفضل طموح مشروع والانتخاب يمثل الايجابية في تغيير الواقع المؤلم ... وعدم الذهاب للانتخابات يمثل السلبية التي سوف تؤدي الى تراكم الوضع أكثر فأكثر وتزيد من الألم العراقي وتزيد من الانكسار ... لذا فأننا نقول للجميع هيا لننتخب العراق هيا لننتخب الخلاص لننتخب الأمل لنبحث عن القائمة قبل الشخص لننتخب القائمة قبل الشخص... لان الانتخابات القادمة مفتوحة لكن من المتوقع أن يكون عدد أصوات المصوتين التي سوف تفشل ولا يفوز مرشحوها ما يقارب 60%من الأصوات اي60% من الأصوات بسبب العتبة الانتخابية وبسبب كثرة المرشحين سوف يتم خسارتها وتذهب للقوائم الكبيرة لذا لا تشتتوا أصواتكم بالقوائم الصغيرة فان العراق اكبر وأعلى واهم من الأشخاص... واغلب القوائم يوجد فيها من يستحق أن نمنحه صوتنا لنبحث عن من يستحق صوتنا ... ولننتخب القائمة قبل الشخص لكي لا يذهب صوتنا لمن لا نريده....

 

تحياتي لكل من يعمل بإخلاص من اجل شفاء عراقنا الجريح....هيا للانتخابات فان الانتخابات جهاد ووطنية....

 

د.علي عبد داود الزكي

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم