آراء

فيسبوك حزبوما وعماموما

fakhry mashkor"أنا سكرتير رئيس الوزراء وهو يعتذر عن الإجابة بنفسه بسبب مشاغله ويرجو ان تقدر ذلك، لكنه كلفني ان أبلغك تحياته وبالنسبة لمشكلتك الإدارية...."

 

يمارس الرئيس الامريكي باراك اوباما مهامه الرئاسية في إدارة أعظم دولة في العالم : يخوض الصراعات داخل بلاده وخارجها.. يعالج اخطر الملفات، ويفكر بأكبر المشكلات... الصراع مع الدول الكبرى .. تهديد البيئة بالتصحّر .. الانبعاثات الكربونية .. الحد من انتشار السلاح النووي .. البحث عن الطاقة المتجددة .. اخطار انهيار الاقتصاد العالمي ....

ويمارس الجهاد الاصغر ضد الدول التي ترفض الهيمنة الامريكية، والجهاد الاكبر مع المعارضة في الكونكرس، ويقابل رؤساء الدول الصغرى والكبرى والصحفيين واعضاء حزبه....... الخ

وبعد ان يقضي في النهار سبحاً طويلا يجلس مساءً امام الكومبيوتر في بيته فيفتح صفحته على الفيسبوك (وهي متاحة للعموم) فيجد رسائل وصلت اليه من أشخاص عاديين لا يعرفهم، فيجيب عليها - بنفسه المقدسة- واحدةً واحدة.

اما في العراق فاذا وصل الحزبي او المعمّم الى مركز يراه كبيرا- وتعرفون لماذا يراه كبيراً- يختفي وراء الحواجز الكونكريتية، ويحتجب عن عيون الحسّاد في سيارة مضللة، ويبدّل رقم هاتفه، ويحجب رقمه الجديد عن (العوام) ويتوقف عن الإجابة على الهاتف اذا لم يكن المتكلم وزيرا، او نائباً، او مندوب شركة كبرى، او مسؤولاً اجنبياً أشقراً او أسمراً (حسب الحالة) .. باختصار يغلق جميع المنافذ التي يمكن ان ينفذ اليه منها صوت الناس او معاناتهم، او اولئك الذين يذكّرونه بماضيه او يحذّرونه من آتيه.

تبقى نافذة واحدة لا يمكنه اغلاقها وهي: رسائل الفيسبوك. فماذا يفعل لاغلاق هذه النافذة التي تجبره على النزول الى مستوى عامة الناس؟

اخيراً اهتدى بعضهم الى اجراء (غاية في الذكاء): أبدل اسم صفحته من (صفحة النائب فلان) الى: (اعلام النائب فلان، او محبي فلان، او مكتبه أو انصاره....الخ)، ونفس الشيء بالنسبة للوزير فلان (الذي نعرف جميعاً مؤهلاته) أوالعلامة فلان (الذي لم تعرفه حلقات الدرس والمكتبات بقدر ما عرفته شهوات النفس والمؤتمرات).

تسمية صفحات هؤلاء على الفيسبوك بصفحة الاعلام او المكتب او الانصار او المحبين هي طريقة تدل على "ذكائهم"! في التخلص من التواصل مع الناس من ناحية، كما انها تحقق فائدة سيكولوجية يعرفها المتخصصون في علم النفس العسكري الذين يعلمون آثار اعطاء رتبة عريف لجندي مكلـّف.

عندما تصبح " صفحته المقدسة " باسم إعلامه أو مكتبه او محبيه او انصاره.... يصبح إهماله للرسائل الموجهة اليه مبرِّراً رسمياً لعدم الجواب، لأن الجواب لا يليق بمقامه السامي!! والصفحة ليست صفحته بل صفحة جهة هي (تحته!) في سلّم القيم في العراق الجديد!!

 

فاذا التقى احدهم بمن يعرفه جيداً قبل السلطة- ولم يتمكن من تحاشيه- فالعذر الجاهز هو: " ان ثقل المسؤولية لا يترك له وقتاً للاجابة او التواصل"!!

ممتاز، هو مشغول بالعمل على توفر الامن والخدمات للشعب الذي انتخبه او استوزره، أو ارسل اتباعه نيابة عنه للبرلمان والحكومة قربةً الى الله تعالى! فلا يجد الوقت الكافي للتواصل مع الناس.

طيب، إذن ما هي وظيفة مدير صفحة النائب أو الوزير أو العلامة المملوء علما ؟ الا ينقل مدير الصفحة لسيادته اولسماحته خلاصة بالرسائل الواردة وأسماء أصحابها؟ ام ان وظيفته هي نشر خطاباته وصوره وكلماته القصيرة والرد على النقد الموجه اليه فقط ؟

أم أنه ينقل له فلا يحصل على جواب؟ إذاً لماذا فتح الصفحة المخصصة اساساً للتواصل الاجتماعي؟

إن التواصل الاجتماعي يتصل بأخص صفة من صفات الانسان...الانسان يعرَّف بأنه (حيوان اجتماعي)، فاذا لم يكن اجتماعياً سقطت هذه الكلمة من تعريفه...وهذا هو السبب الذي يحرم القرود والقوارض والزواحف من فتح صفحة لها على الفيسبوك؛ لانها لا تتواصل اجتماعيا.

             *       *     *

في السويد واجهت مشكلة ادارية لم استطع حلّها، فأمسكت القلم وكتبت الى رئيس الوزراء عنها وبعثت الرسالة بالبريد العادي، وبعد بضعة ايام جاءني الجواب الى البيت من مكتب رئيس الوزراء يقول فيها:

"أنا سكرتير رئيس الوزراء وهو يعتذر عن الإجابة بنفسه بسبب مشاغله ويرجو ان تقدر ذلك، لكنه كلفني ان أبلغك تحياته وبالنسبة لمشكلتك الإدارية...."

وبعد ايام أرسلت لي الدائرة المختصة خطاباً تعلمني ان معاملتي قد انجزت.

هذا رئيس وزراء السويد، وليس وزيرا او نائبا او سياسياً معمّما في العراق الجديد.

                         *       *     *

لنعد الى اوباما، فالمقارنة بين اوباما وبين مسؤولينا أفضل، فما قيمة رئيس وزراء السويد بالنسبة لمسؤولينا؟

لماذا يجيب اوباما، ولا يجيب حزبوما او عمّاموما ؟

هل لأن اوباما كان - قبل منصب الرئاسة- أستاذا لامعاً في الجامعات الامريكية، بينما حزبوما او عمّاموما كانوا اعلى من مستواه العلمي؟

ام ان اوباما من أصول أفريقية واطئة وحزبوما و عمّاموما ينحدرون من وول ستريت او لاسفيغاس؟

 

لم اعرف لماذا يجيب اوباما كل من يراسله على الفيسبوك بينما لا يجيب حزبوما و عمّاموما؟

و لكن ، وبعد طول تفكير هداني الله للجواب، ادركت ان الفرق الأهم بين هؤلاء وبين اوباما هو: الراتب الشهري لاوباما ورواتب هؤلاء، والملكية هي أساس التفاضل بين البشر (كما تدل عليه سيرة المتشرعة وعمل الاصحاب).

حزبوما وعمّاموما يدخلهم شهريا اكثر مما يدخل اوباما شهرياً، لذا اصبحت قيمة هؤلاء اعلى من قيمة اوباما

اوباما الذي- بسبب راتبه القليل- لا يتمتع بقيمة عالية، تجده يجيب على اي شخص يراسله.

اما حزبوما وعمّاموما فرواتبهم اعلى من راتب اوباما

 

اوباما من الحكام الذين يهتمون بشعوبهم،

لكن حزبوما وعمّاموما يهتمون بجيوبهم،

 

وشتان بين الاهتمام بالشعوب والاهتمام بالجيوب

ومن هنا جاءت قيمتهم...

ومن كان همه ما يدخل في جيبه، كانت قيمته ما يخرج منه

 

في المثقف اليوم