آراء

عاصفة ُالحَزم

qasim kefaeiمازالت تواصلُ الطائراتُ السعودية، تشاركها طائراتُ بعض دول التحالف العربي باطلاق قذائفِها على أهدافٍ عديدةٍ، ومنها عشوائية تسقطُ على مناطق واسعةٍ من الأراضي اليمنية بقيادة غرفة السيطرة السعودية-الأمريكية، فدمرت الممتلكاتِ، وقتلت الاطفالَ والنساءَ، وهجّرت مئاتِ الآلافِ من الناس، وزُهِقت فيها الأرواحُ البريئة.                            

المطاراتُ العسكرية ُ السعودية هي مراكز انطلاق الطائراتِ المقاتلة واليها تعود دفاعا عن شرعية الرئيس اليمني السابق، المستقيل عبد ربه منصور هادي بحسب زعم البيانات الرسمية.

هذا الأسم –عاصفة ُالحزم- يشبه في غلضته اللغوية والمعنى العسكري–الرصاصُ المَصبوب- وهو إسم العدوان الذي شنته وزارة ُحرب الكيان الأسرائيلي الصهيوني على غزة في ديسمبر عام 2008 من أجلِ نشرِ الرُعب في نفوسِ وقلوبِ أهلِ غزة، وكلِّ العرب. فكانت الخسارة التي مُنيت بها غزة في تلك العملية لا تعوَّض، حيث سقط فيها آلافُ الشهداء، ودُمرت البنى التحية بشكلٍ شاملٍ وواسعِ، وتعطلت حياة ُالناس فيها، وأهلكت حرثَهُم ونسلهُم.

العاصفة التي أطلقتها وزارة ُدفاع مملكة آل سعود التي تمت بتدبير أمريكي-صهيوني تعتبر في العرف العربي أشبه بالنكبة، أو المس بالشرف، كونها عاصفة لا تحمل في ذاتها عناصر شرعيتها، ولا تحمل صفاتِ الشجاعةِ والحكمة والشرف العربي والاسلامي. فهي تكفل التدمير، وتمس الأخوَّة ولا تصونها.

فعندما تسمي وزارةُ الدفاع الصهيوني حملتها لحرق غزة والفلسطينيين كانت تعني الشرعية بالقضاء على عدو اسرائيل التقليدي، فلا تتورّع في إنزال افدح الخسائر بالأرواح والممتلكات، بينما هي أمّنت الموقفَ العربي الرسمي اتجاهها واحتفظت به تحت حذائِها.

لقد التبسَت مبادىءُ القيم الضيِّقة والشعورُ الطائفي في قراراتِ حكومةِ آل سعود اتجاهَ اليمن دولة وشعبا وهي تستنجدُ ببعض الجيوش العربية والباكستان لحمايتها بمجرد توقعاتٍ واحتمالاتٍ تشير الى خروج الحوثيين على شرعية الرئيس هادي، وخطورتِهم على أمن المملكة، وتهديدِ مصالحِها الأستراتيجية كانت قد تلقتها من خبرائها، وأسيادِها في أمريكا والغرب، ومن اسرائيل. . فحكومة آل سعود تعرف جيدا نظامها المتخلف الذي لا يرقى الى مواجهة المتغيرات المدنية والحضارية التي يشهدها عالمُ اليوم، وأن الشعبَ في نجد والحجاز، خصوصا شرائح الشباب والمثقفين يرفض نظام عائلة آل سعود القبلي، فهو يريد التغيير في نظام الحكم السياسي والأجتماعي وفي نظام مؤسسات الدولة، ويريد الحفاظ على ما تبقى من ثرواتهِ المنهوبة.

فحالة ُالتغيير في نظام الحكم في اليمن بقيادة رموز شعبه من طلابِ الحرية نحو نهج ديمقراطي يخضع لمعايير العدالة والأعتدال جعل هذه العائلة َالمتخلفه تخشى على ركامِها السياسي المتعفن، مما دفعها للاستنجاد بالولايات المتحدة الأمريكية التي تخشى هي أيضا على تقويض مصالحها في المملكة واليمن، وتخشى على أمن اسرائيل.

مواقف الدول المتحالفة تُظهِر رغباتِ حكوماتِها بالاصطفاف الى جانب السعودية وهي تتباين دون ان تضفي عليها شرعية الموقف. فبعضها ينتظر أن تجودَ عليه المملكة بالمال، والآخر ينتظر شفاعة المملكة له عند الأمريكان، ومنهم َمن يدافع عن نظامهِ المهزوز ،الى غيرها من الأسباب. هذا الموقفُ العربي المُخجل اتخذته الحكوماتُ بعيدا عن رضى شعوبها ومصالحِها وتطلعاتِها باستثناء سلطنة عُمان التي إنتهجت كعادتها العقلانية والحكمة في موقفها من القضية اليمنية، وقد عُرفت من قبل بحنكتها واعتدالها من الحرب العراقية الأيرانية، وفي النزاع الأمريكي الأيراني، فهي تصب على النار الملتهبة في الجسد العربي او الاسلامي ماءً بحكمةٍ ليس لها مثيلا عند جيرانها.

لقد تناسَت حكومة ُ السيسي الموقفَ القومي، والدورَ التاريخي الرائد الذي تبنته مصر في علاقاتِها مع شقيقاتِها من الدول العربية في لَمِّ الشمل لعقودٍ مضت، وعملت على رأب الصدع في الجسم العربي. إتخذت موقفَها المتحالف مع المملكة من أجلِ المال، وهي مرعوبة بالدعاياتِ القادمةِ من الغرب وإسرائيل من أنَّ ايران هي الخطر الحقيقي على المنطقة، تروجها المملكة السعودية بين الأنظمة العربية المهزوزة.

جامعة الدول العربية أصبحت ما بعد عهد رئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر دار استراحة سياسية للتآمر وأداةً لتنفيذ المخططاتِ الصهيونية-الأمريكية بدعم ماليٍّ خليجيٍّ.

إن الهمَّ السعودي يتعاظم اتجاه اليمن، يترجمُه الضنك السياسي والأمني الذي تعيشه المملكةِ في ظل المتغيرات السياسية والأحداث العدوانية التي تقع على الساحة العربية واليمنية.

فآلُ سعود يخططون لبقائِهم ولا يسمحون لشعب اليمن أن يكونَ مؤثرا ومُكمِلا لأهدافِ ثورته، أو ينالَ حريته ومستقبله الذي يتمناه.

لقد تجرَّع آلُ سعود السمَ بصعودِ -حركة أنصار الله- على السِلَّم السياسي الأول في الساحة اليمنية وهي تحمل شِعارات وطموحاتِ الأنسان اليمني، وخابت ظنونُها بهروبِ حليفهم الرئيس عبد ربه منصور هادي، وغدت حكومة البحرين تحسبُ أيامَها في ظلِّ الحراك الشعبي المتزايد ضدها في الداخل، واضطربَ صنّاعُ الأرهابِ ومروجوه، من أفغانستان الى العراق وسورية ولبنان، ثم ليبيا وتونس،واليمن، وباقي البؤر من هذا العالم.

ولو شخَّصنا منبعَ الأرهاب الذي استشرى في الأرض سنجد مملكة آل سعود هي مَن صنعت هذا الأرهاب ووظفته ودعمته، ومازالت تعتقد أنه الوسيلة الناجحة لصرف النظر عن محاربتها من أجل قلع جذور نظامها الحاكم، أو أنه السلاحُ الفتاك الذي يمزقُ الجسدَ العربي ويحوله الى أشلاء متناثرة، تحفظ بذلك جسدَ الكيان الصهيوني الرابض على أرضنا المحتلة في فلسطين.

لقد غاصت حكومةُ آل سعود في الوحل اليمني، وباتت مصر محكومة بتفعيل دورها العربي الذي ألفناه في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وليس مصر الأنبطاح لمرحلتين او ثلاثة خلت.

فالدم اليمني محترَما ومَصونا عند شعب مصر وعلى حكومة الرئيس السيسي أن ُتتم دورَ مصر بالحفاظ على الأرواح وصَون سيادة اليمن، ثم الحفاظ على الممتلكات عندما تعلن موقفها العربي المشرف بالأنسحاب من هذا التحالف العدواني المقيت.

إن الوقفَ الفوري للعدوان يعزز الحوار اليمني-اليمني للخروج بتوافق سياسي يضمن فيه اطرافُ النزاع مواقعَهم الحقيقية، ويجنب البلاد التحاربَ والدمار، والنزاعات التي روجت لها قوى الشرِ في الخارج بعيدا عن إملائات السعودية وأمريكا ومجلس الأمن الدولي الذي يحقق أهدافَ الأستكبار وليس الشعوب.

عاصفة ُالحَزم أو -عاصفة الرشوة- بحسب تحليلات الخبراء ستعيدُ نتائجُها الى شعبِ اليمن كلَّ الأراضي المسلوبة، نجران وعسير وجّيزان.

في المثقف اليوم