آراء

ماذا تعني المصالحة مع الصداميين القتله؟

jafar almuhajirدأبت شخصيات سياسية لها مواقع مهمة في السلطة العراقية وأعضاء في مجلس النواب منذ سقوط النظام الإستبدادي في العراق على الإدلاء بسلسلة متتالية من التصريحات بأن (المصالحة الوطنية الحقيقية) التي تبدأ بإلغاء قانون المساءلة والعدالة وإصدارالعفو العام أمر لابد منه في العراق لكي تُطوى حقبة مريرة ، ويستقر الوضع السياسي، وتبدأ حقبة جديدة تسودها روح التسامح يتساوى فيها العراقيون أمام القانون كما يدعون والغاية الرئيسية التي تكمن خلف هذه الدعوات المستمرة هي إنقاذ المجرمين الصداميين الذين تلطخت أياديهم الآثمة بدماء ضحاياهم من قبضة القانون، والسماح لهم بالتغلغل في المجتمع من جديد دون أي حساب يذكر وكأن شيئا لم يكن. وهو أمر يتناقض مع مبدأ العدالة التي يقتضي فيها إنصاف الضحايا. ولا يمكن لأية دولة في العالم أن تتسامح في دماء مواطنيها لأن ذلك يُسقطها في نظر شعبها، ويسبب انتشار الأحقاد التي لها مضاعفات خطيرة بين أفراد المجتمع. والذين شهدوا فترة الحكم الصدامية السوداء يدركون كم كانت تلك الحقبة الدموية رهيبة على العراقيين. تلك الحقبة التي أرتكب فيها البعث الصدامي الفاشي جرائم يندى لها جبين الإنسانية خجلا، وانتشرت على أثرها مئات المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها ومازالت الأرض العراقية تضم الكثير من تلك المقابر التي لم يتم إكتشافها لحد الآن . ومن يتابع تصريحات هؤلاء المطالبين ب (المصالحة الوطنية الحقيقية) يراهم إنهم أخذوا يصعدون من مطالباتهم تزامنا مع دعوة الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية وعرقية. وتصاعدت على أثرها الإنفجارات بالسيارات المفخخة في مناطق عديدة من بغداد والتي حصدت عشرات الأرواح البريئة.

ولا شك إن المصالحة الوطنية بين المختلفين في الآراء والتوجهات السياسية أمر مطلوب ويباركه كل مواطن يتمنى لوطنه الإستقرار والأمن على أسس ثابتة وقويمة من المواطنة الحقة. ويسود فيها روح القانون في ظل روح التسامح والمحبة والتعاون بين أبناء الشعب الواحد الذين أجبروا على الانضمام إلى حزب البعث للحصول على لقمة العيش بعيدا عن عشاق سفك الدماء من تلك الشراذم الصدامية التي نهبت وبغت وتجبرت وعاثت في الأرض فسادا ودمرت الوطن وهربت الأموال التي سرقتها من قوت الشعب العراقي إلى الدول المجاورة. وتآمرت وما زالت تتآمر على العراق بمساعدة مخابرات هذه الدول المجاورة. واستباحت الحرمات وسفكت أنهارا من دماء العراقيين بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وعاثت في الأرض فسادا باسم(المقاومة) وسعت وبكل خبث ومكر وخيانة إرجاع عجلة التأريخ إلى الوراء وإقامة نظام طاغوتي إستبدادي جديد يجمع هذا الحلف الإجرامي من بقايا البعث الصدامي الفاشي والقاعدة وداعش وكل العناصر الشوفينية التي لاتعيش إلا في المستنقعات الآسنة وتنمو كالطفيليات لتمتص دماء الفقراء والمحرومين وتستعبد الناس من جديد .وتسخر ثروات البلاد لغاياتها الإجرامية المتناقضة مع تطلعات الشعب في العيش الحر الكريم . لقد ظل هؤلاء المجرمون الصداميون يرفعون عقيرتهم كثيرا في المحطات الفضائية المعادية ليتباكوا على سيادة العراق التي ضيعها كبيرهم وولي نعمتهم صدام بعد ثلاثة عقود من القهر والسجون السرية والاستخبارات والأمن بمختلف الأشكال والأنواع لتكميم الأفواه ، وإنزال عقوبة الإعدام بأي مواطن على شبهة رفضه للنظام .علاوة على عسكرة الشعب وتحويل ثروته إلى دبابات وطائرات وصواريخ ومصفحات بمليارات الدولارات للإعتداء على الدول المجاورة تحولت جميعها فيما بعد إلى أكوام من الخردة، وزج الملايين في أتون تلك الحروب التي أشعلها. ولو لم تكن له أجنحة واذرع وأعوان في مجمل مساحة العراق لما أستطاع أن يقوم بكل تلك الجرائم .

وفي الوقت الذي يتعرض العراق لهذه الهجمة الداعشية الدموية الباغية التي هتكت الحرمات ، وسفكت الدماء، ونهبت وأحرقت ممتلكات مئات الآلاف من البشر وشردتهم من ديارهم فإن بقايا أيتام ذلك النظام من أجهزة الأمن والمخابرات والتصنيع العسكري وضباط الجيش إنخرطوا مع داعش، وآشتركوا في جرائم جديدة علاوة على تلك الجرائم التي آرتكبوها أثناء وجودهم في تلك الأجهزة . وما تواجد الهالك عزة الدوري مع هؤلاء القتله وهو يقاتل معهم جنبا إلى جنب ضد أبناء العراق الشرفاء إلا أحد الأدلة التي تثيت ذلك. وإن حزب البعث الصدامي مستعد دائما لتغيير جلده كالحرباء من خلال نظرية الغاية تبرر الوسيلة للوصول إلى أهدافه الشريرة. ويرى المواطن العراقي اليوم بأم عينيه إن جمعا من هذا الحزب الشوفيني القابعين في الفنادق الفاخرة لعواصم عربية وأربيل تاركين مناطقهم مستباحة من داعش   يرفعون عقيرتهم للدفاع عن هذه الهجمة الشرسة التي تبغي الإجهاز على الحياة والتأريخ والحضارة في العراق دون أي اعتذار أو ندم بدر منهم عن جرائمهم بحق الشعب العراقي. ومعنى هذا إن هؤلاء جبلوا على الجريمة والشر والغدر، وأخذتهم العزة بالإثم ولم يعترفوا يوما بجرائمهم .

ترى هل سيكون شعار (المصالحة الوطنية الحقيقية) الذي يرفعه هؤلاء السياسيون صادر عن نية وطنية سليمة صادقة أم لتقوية مراكزهم على حساب الشهداء وعوائلهم في هذا البلد الجريح.؟ وهم الذين أصيبوا بالهلع والهستريا من إنتصارات الحشد الشعبي   وتطهيره لأرض العراق من براثن ودنس داعش وألصقوا به مختلف التهم الظالمة؟

وهل من الوطنية في شيئ الدفاع عن هذه الشراذم البعثية الإجرامية الصدامية التي تهافتت على موائد ملوك وأمراء البترول الذين لم يكفوا عن التدخل في شؤون العراق لتحقيق مكاسب شخصية على حساب ضحايا هذه الشراذم؟

لقد تم السكوت عن قضايا كثيرة في السابق ومنها عن النواب المتهمين بالإرهاب بعد أن أثيرت الزوابع حولهم ثم خفتت وتلاشت. واليوم يحدث هذا العمل الخطير والخرق الفاضح في جسد الحكومة العراقية من جهات تدعي أنها منخرطة في العملية السياسية وتعمل لإضعافها والقضاء عليها من الداخل ؟ وإن عودة أحد هؤلاء المدانين وهو محمد الدايني إلى الوطن بعد هروب دام عدة سنوات يوحي بأن وراء الأكمة ماوراءها وإن صفقات سياسية تدار في الخفاء لعودة المدانين الآخرين والتغاضي عن جرائمهم في محاكمات الإعادة نتيجة لضغوط أمريكية تطالب بذلك تحت شعار (إنصاف المكون السني) و (إعادة التوازن) وغيرها من الأقاويل التي يرددها مسؤولون أمريكيون نتيجة لقاءاتهم مع مسؤولين عرب لايخفون طائفيتهم نحو العراق. وتصريحات الملك الأردني عبد الله الأخيرة لمحطة سي أن أن ليست غائبة عن الأذهان حيث قال :

(إننا اذا أخفقنا في إيجاد حل لمعضلة مستقبل السنة السياسي في العراق، سوف يتوصلون لاستنتاج مفاده أنه ما الفرق بين بغداد وداعش.؟ وحذر من أنه اذا لم نجد حلا يعالج مستقبل السنة الذين هم جزء من مستقبل العراق لن تحل معضلة العراق أبدا. وآمل أن يفهم أصدقاؤنا وخصوصا الولايات المتحدة هذه الجزئية المهمة.) ولا أدري ماهي (معضلة السنة) التي يقصدها ملك الأردن بعد تأليف الحكومة العراقية التي للسنة حصة كبيرة فيها؟   وقد سارت الحكومة الأردنية على هذا النهج الطائفي. وحال الحكومات العراقية المتتالية مع هذه المملكة كما يقول المثل العراقي:(إيدي بحلكه وإصبعه بعيوني.) ولا يختلف آل سعود وأمراء الخليج العربي في توجهاتهم الطائفية ضد العراق عن ملك الأردن وقد إشتد سعار الحملة الطائفية على العراق بعد إشعال ماتسمى بـ (عاصفة الحزم) التي أظهرت همجية آل سعود ودمويتهم وجموحهم اللامحدود للإنتقام . ويسمع المواطن العراقي عشرات التصريحات يوميا من محسوبين على النظام السعودي ضد العراق مثل (إن العراق واقع تحت الإحتلال الإيراني) و(إنه مفقود السيادة) حتى إعتبرت أجهزة الإعلام التابعة لهذه المملكة ومن يسير في ركابها إن وجود بعض القوات الأمنية والحشد الشعبي في منطقة النخيب العراقية لدواع أمنية بأنه (تطهيرعرقي ضد السنه) و(تهديد) للمملكة العربية السعودية يجب أن لايمر دون عقاب.!!! ويتساءل المواطن العراقي ماذا جنى الشعب العراقي من الزيارات المتكررة لمسؤولين عراقيين لهذه المملكة.؟ وإلى متى يستمر تبويس اللحى على حساب آلام العراقيين ودمائهم حتى يرضى آل سعود ومن يسير في ركابهم عن الحكومة العراقية.؟

لقد تحركت شرذمة من شيوخ الفنادق المنخاذلين من أيتام النظام الصدامي في أربيل وأخذوا يهددون ويزبدون بأنهم سيتحولون إلى (مشاريع إستشهاد) للدفاع عن النخيب السنية تزامنا مع الهجمة الإعلامية السعودية الطائفية. لكن نخوتهم العربية لم تستيقظ للدفاع عن مناطقهم المسبية من داعش ولا عجب في ذلك لأنهم أبواق قذرة لداعش.

وكل الدلائل تشير إن شهية طغمة آل سعود قد تفتحت على العدوان في ظل موت القانون الدولي. وباتت تخطط للقيام بآعتداءات في أماكن أخرى بطائراتها الأمريكية بعد تدمير اليمن تماما تحت المظلة الأمريكية والغربية التي تعقد الصفقات الهائلة لتصدير أحدث الأسلحة المتطورة لهذا النظام الإستبدادي الوراثي والأنظمة التي تسير في ركابه، لنهب ثروات شعوبها وإنعاش إقتصاد الغرب الراكد . وقد بلغ بأوساط صهيونية في الكونكرس الأمريكي والحكومة الأمريكية الداعمة لسياسة آل سعود ومشيخات الخليج العربي بتوجيه دعوات إلى بعض الطائفيين العراقيين لزيارة أمريكا للتباحث معهم في عملية ما تسمى (تسليح السنه) دون أخذ موافقة الحكومة العراقية والشخص الأخير في هذه القائمة المشبوهة هو المطلوب للقضاء رافع العيساوي وهذه التصرفات الأمريكية تدل على استهانتها بالحكومة العراقية وترمي إلى المزيد من الضغط عليها لقبول   التنازلات تلو التنازلات للقوى المعادية للعملية السياسية باسم (المصالحة الوطنية.) و( إنصاف المكون السني).      

لقد آن الأوان لكي تتحرك الحكومة العراقية وترفض الأوامر الأمريكية. وعليها أن تستعد للمرحلة القادمة التي تدل الأحداث بأنها مرحلة في غاية الخطورة على الأمن الوطني العراقي بتنويع مصادر السلاح، وبذل الجهود الإستثنائية لبناء جيش قوى محترف متفان في الدفاع عن تربة العراق إذا ماتعرض لأي عدوان خارجي . والمطلوب من وزارة الخارجية وسفراء العراق في الخارج العمل الجاد لفضح هذه التدخلات السافرة في الشأن العراقي التي تضمر الشر للعراق وشعبه. ولابد أن يكون الشعب هو الحكم والفيصل في أمر المصالحة الوطنية. فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب ولم يعد في القوس منزع. والسكوت على هذه التدخلات السافرة وعدم مواجهتها بحجة الحفاظ على العلاقات (الأخوية) سيجلب المزيد والمزيد من التدخل في الشأن العراقي . ولا أدري كيف يعيش الجلاد والضحية على أرض واحدة إرضاء لأجندات خارجية .؟ فهل هذه مصالحة وطنية أم تنازلات مجانية للقتلة والمجرمين لاتبدو لها أية نهاية.؟وكيف يتم إعادة ضباط الأمن والمخابرات الصداميين الذين يحاربون مع داعش اليوم؟ وإطلاق سراح القتلة المدانين من القضاء العراقي، وإعادة حزب البعث الصدامي ليمارش نشاطه العلني إرضاء لسادة البيت الأبيض وعملائهم في المنطقة.؟ والذين يطلق عليهم إسم الشركاء في الداخل؟ وكل ذلك يعني إلغاء الدستور والعملية السياسية برمتها، وإعادة كل مايتعلق بذلك النظام الصدامي الدموي إلى الواجهة حتى يرضى آل سعود ومن لف لفهم وأسيادهم على الحكومة العراقية. ولا شك إن أبناء السنة الشرفاء وعشائرهم الوطنية في المناطق الغربية الغيورة على العراق ووحدته والذين آختلطت دماؤهم بدماء أخوتهم من أبناء الجنوب يرفضون هذه الدعوات الطائفية المشبوهة التي تريد إدخال العراق في نفق مظلم. وان لامستقبل للعراقيين إلا بوحدة تراب العراق الذي يحاول الأعداء تقسيمه. وإن شعار (عفا الله عما سلف) مع الصداميين المجرمين سيجلب للعراق كوارث أخرى إضافة إلى الكوارث التي تعصف به. ولا مصالحة مع دعاة الطائفية والتقسيم. إن هؤلاء يسعون بكل خبث إلى تمزيق وحدة العراق وإثارة النعرات الطائفية بين أفراد المجتمع لكي يسودوا من جديد. فالبعثي الصدامي الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء لابد أن يتحمل وزر جريمته وأن يخضع لقانون العدالة مهما تقدم الزمن . وفكرة المواطنة الحقة لاتستتب ولا ترى النور إلا في دولة ديمقراطية قوية عادلة مبنية على أساس المواطنة، وتقدس دماء مواطنيها، وتشن حربا لاهوادة فيها على الفساد، وترفض التدخلات الخارجية رفضا قاطعا ومن أية جهة صدرت. وتتعامل مع الدول المجاورة على أساس الند للند. ولا تتصالح إلا مع الرافضين للطائفية والعنصرية الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء العراقيين المؤمنين بوحدة التراب العراقي .

ترى هل سيتحقق ذلك في عراقنا العزيز وحكومات المحاصصة تحولت إلى عرف لايمكن التخلص منه؟ والنعرات الطائفية والعشائرية التي يثيرها منفذوا الأجندات الخارجية الذين لايهمهم إستقرارالعراق.؟ وحيتان الفساد تنهش جسده المثخن بالجراح.؟   إنه طموح مشروع لكل عراقي يؤمن بتربة وطنه لكن يبدو إن الطريق طويل جدا للوصول إليه.  

 

جعفر المهاجر/ السويد.

10/5/2015.  

 

في المثقف اليوم