آراء

ويكيليكس بين الحقيقة والسراب

بعد أن اُعلنت وثائق ويكيليكس او سُربت كما يحلو للبعض تسميتها، قامت الدنيا، وأدلى بدلوه كل من يعرف القراءة والكتابة ولديه شاشة تلفزيون، وتعالت صيحات التهم والمحاكمات، وتصاعدت آمال البعض بالتخلّص من الزعماء الفاسدين، وأصبح الموضوع كارت مزايدات للبعض ضد البعض بدروس الوطنية والوفاء من جهة ودروس العمالة والفساد من جهة أخرى .

وبدأ الكل يلعب بالكل، والجميع يُغني على ليلاه .

فسقوط هذا هي مصلحة لذاك، وعلو نجم هذا يعني مكاسب أكثر ومصالح أكبر وسيطرة أعظم للآخر .

لكن هل سأل أحد نفسه أو أصحاب التحليلات السياسية والإستراتيجية الذين يملؤون الفضائيات والصحف والإذاعات . . .

هل كل ماورد في ويكيليكس صحيح؟

وهل كان الإعلان عن هذه الوثائق هدفه كشف الفاسدين ؟

وهل نيتهم طيبة لتصحيح الإعوجاج بالعالم ؟

الجواب بالطبع لا .

لماذا ؟ !!

لأن علينا السؤال والمعرفة والفهم والمناقشة لــ . .

اولا :

لماذا نستبعد أن هناك تقارير مدروسة ومدسوسة، كُشفت عن عمد، يُراد بها تصعيد التوتر والفوضى الخلاقة (كما يسمّونها) في المنطقة ...

والخلّاقة لأنها من خَلقْ الاستعمار، خُلقت لهدف محدد ومرسوم يخدم مصالح هذا الإستعمار دون الحاجة لتلويث يديه ودخول المنطقة بعدّته وعتاده، وتسمى بعلم الإدارة عن بعد .

ثانيا:

اذا كان بعض هذه التقارير صحيحة (على فرض) فالسؤال يكون . . .

- هل نحتاج أن ننتظر ظهورها للعلن لنصلح أحوالنا، وننفض غبار الفساد والإدارة السيئة للدولة ومؤسساتها ؟.

- وهل لا زالت الأمور غامضة علينا، ولا نعرف مساؤنا والسيئين بيننا، لتنفُض ويكيليكس الغبار عنها ونراها جلية واضحة ؟ !! .

ثالثا:

- من سيستفيد اكثر من هذه التقارير ويجيّرها لصالحه، هل هي الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها، أم القوى الدولية والإقليمية المتنفذة بالمنطقة والعالم؟

- وهل يمكن اعتبارها دليلا قضائياً لإقامة دعاوى على من وردت أسمائهم فيها؟

- وهل يمكننا لفظ السيئين بعد إفتضاح أمرهم ممن ذُكرت أسمائهم بوثائق ويكيليكس خارج العملية السياسية وتنظيفها منهم؟ .

لنقف قليلاً ونتأمل ونتمحّص الموقف، لأني أعتقد أن المسألة تحتاج إلى إمعان في النظر، وعدم الإصابة بالصم أو العمى الفجائي في الوعي في أجواء الضوضاء، والفوضى الإعلامية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة بالعراق والمنطقة والعالم .

فنحن لازلنا نُسمّى بالشعوب التي تنتمي لعواطفها، تدفعنا عواطفنا، وننجر وراء إنفعالاتنا، ولا نرى أبعد من تحت أقدامنا، لذلك قراراتنا ليست بمستوى الطموح والحكمة .

علينا حساب الحسبة كاملة وبطريقة صحيحة لتكون نتائجنا أيضاً صحيحة، لنرى بعدها الصورة واضحة ومكتملة، ولنفهم أبعاد ماجرى ويجري، فأمامنا عدو لا يلعب، ولا يرمي الحجر في الظلام بدون هدف .

ولنتذكر كلام الله في مثل هذا الخصوص . . . .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

 

فصاحب وناشر الخبر فاسق فاسد لاشك ولا لبس فيه .

والله من وراء القصد .

في المثقف اليوم