آراء

آخر الدواء الكي رغم المرارة لكننا نريد أن نعيش !!!

nabil ahmadalamirلماذا يموت أولادنا من أجل حدود رُسمت في سايكس بيكو، ولم يكن لنا فيها يد أو رأي؟!!!

لماذا نُجانب الحقيقة والمشاعر التي تتداخل في صدور العراقيين ؟!!!

لماذا نضحك على أنفسنا وعلى عقول السذج من أبناء جلدتنا ؟!!!، ونُزايد وننافق بدون فائدة .

لماذا لانملك الشجاعة الكافية لنخطوا بها نحو بوابة الحقيقة .

أسئلة بسيطة تحمل معاني كبيرة، لكنها بدون إجابات لا لسبب سوى لخشيتنا مواجهة أنفسنا ..

الحقيقة التي نعترف جميعاً بمرارتها وقساوتها وعدم مقبوليتها . . لكنها تبقى حقيقة ...

فالكي رغم قساوته، فهو دواء لبعض الحالات .. والإستئصال رغم ألمه، لكنه ضروري في حالات أخرى .

الحقيقة التي تتجسد بسؤال واحد ....

متى نعيش ويعيش أولادنا وأحفادنا بدون ان نحلم بالموت والدم؟ فبعيداً عن المزايدات الوطنية والسياسية، فنحن نرى على مر التاريخ القديم والحديث . . نرى أن هناك دولاً تختفي من الخريطة الجغرافية والسياسية، وإن هناك دولاً جديدة تظهر، وإن هناك دولاً تتوحد وأخرى تتقسم، ولأسباب عديدة، لكن عموما نرى ان الخارطة تتغير بين حقب الزمان، ودولة الخلافة الإسلامية والعثمانية والإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وسويسرا وألمانيا والولايات المتحدة ودولة الإمارات والسودان وغيرها الكثير، ماهم إلا شواهد على ذلك .

ومن هنا نستنتج أن الحدود الدولية بين البلدان والمدن ليست سماوية ولا تحمل صفة القدسية، وإنما هي من صنع البشر، تم رسمها لخدمة المصالح والشعوب تارةً، او لخدمة أجندات وأفكار وأيدلوجيات تمر بحقبة زمنية تنتهي بعدها بالتشكيل الجديد .

وقد أثبتت الجغرافية البشرية، بأنها هي السلطة التي تحكم الإنسان على كرتنا الأرضية، فالمكوّن الذي يسود الرقعة الجغرافية من العالم .. هنا وهناك، يبقى هو العامل الديموغرافي المؤثر في حياة المجتمعات .. كأن يكون قومياً، أو عرقياً، أو طائفياً، أو دينياً . إذ أكدت الحروب الإنسانية الطويلة عبر التاريخ البشري القديم والحديث هذا المعنى، فلم تجد الأمم من حروبها ومعاركها مع الأمم غير الإنشطارات والخيبات المتلاحقة عاجلاً أم آجلا . فبالتاريخ البشري الحديث مثلاً، لم تفلح معارك الحكومات العراقية مع الكرد في شمال العراق في وئد حلم الأكراد في إنشاء دولتهم، فالعراقيون قدّموا مواليد الثلاثينات والأربعينات والخمسينات لأجل حسم المسألة الكردية بالقوّة والمعارك، فلم يجنوا إلا المزيد من القتل والمزيد من العداوة المتجددة، دون جدوى .

ومن هنا نرى عراقنا اليوم يعاني من أزمة (سيسيولوجية)، لن يتخلص العراق من كوارثها وويلاتها، مالم يذعن إلى الواقع الديمغرافي والتاريخي فيه .

تربينا وآمنا أن العراق للعراقيين، فلن يكون العراق للشيعة وحدهم، ولن يكون للسنة وحدهم ولن يكون العراق للكرد وحدهم أو غيرهم، إنها حقيقة على أرض الواقع منذ مئات السنين، فالعراق للعراقيين بقومياتهم ومذاهبهم ..

نعم ... الفتنة كانت نائمة لعن الله من أيقظها من سباتها، لكنها اُوقضت وأصبحت اليوم تحكم وتتحكّم بالعراق وبأبنائه .

فالكرد بالأمس كانوا بيشمرگا في الليل وفرسان لصدّام حسين في النهار ..

واليوم أبناء الأنبار .. وكبيسة والرمادي وحديثة .. وأبناء نينوى .. والشرگاط والكيارة .. والتكارتة في صلاح الدين .. والسامرائيون .. والدوريون .. ووو؛ جميعهم اليوم يفعلون مافعلوه البيشمرگة بالأمس .. فأولئك الذي كانوا ضباط في الجيش العراقي الصدّامي العقائدي، والذين كانوا يحرقون قرى الكرد في شمال العراق ويهدمون بيوتهم على رؤوسهم .. وكان منهم ضباط أمن ومخابرات وإستخبارات وأمن الخاص وحرس جمهوري والذي هدم بعضهم وقصف حتى مراقد الأئمة الأطهار في كربلاء والنجف، وأعدم علماء الشيعة وشبابهم الواعي الرسالي وعذبوهم في دوائر الأمن ومقرات الشعبة الخامسة .. فهؤلاء بعثيون عقائديون (كما كان يحلو لهم تسمية أنفسهم)، كانوا يحتقرون حتى البعثيين (الشروگ) الشيعة الجنوبيين، ويتعالون على الشيعة العوجان، والشيعة يصفقون لرفاقهم ويحمحمون ويتوددون ويهزجون حتى سقوط العقال وفوط الحرائر الماجدات بمدينة صدّام وصدّامية القرنه كما كانت تسمى .

كل تلك التناقضات والترّاهات والتباينات والمشاعر المبيتة منها والمعلنة في واقعنا السياسي والجغرافي والطائفي والقومي، كل هذه المتناقصات ولازال البعض بالجنوب ينادي بإخوتهم وضرورة وحدتهم معنا تحت شعارات ضرورة بقاء وحدة العراق !!!؟ لم يثبت التاريخ أن السياسات وحدها واللآيدلوجيات خصوصاً عندما يكون فيها إختلاف بالتاريخ وكتابته، قد وحّدت الأمم، مالم تكن معززة بالسيف والدكتاتورية، كما لم تثبت حقائق التاريخ أن القبضة الحديدية قادرة على أن تطوّع المجتمعات لتجاهل إرادتها .. إن كانت في حدود الوطن أو كانت على العالم بأسره، مالم تكن هنالك قناعات مبدئية في عقل المجتمع، فالعقيدة النازية سقطت على أرض الواقع، والعقيدة الماركسية سقطت على أرض الواقع، والعقيدة الإسلامية سقطت على أرض الواقع، وتفرّقت وتمزّقت دولة الخلافة الإسلامية الراشدة، تماماً مثلما سقطت سلطة الكنيسة على أرض الواقع التاريخي وتكوّنت دول أوروپا التي نعرفها اليوم، والتي تحاول أن تتحد لكن تحت مفهوم المصالح والإقتصاد والمال، بعد أن ترسخت قناعاتها بأن بالوحدة وقبول الآخر نجاة للأمة الأوروبية .

فلم يستطع الإسلام أن يوحد المسلمين في عموم رقعته الجغرافية ويجعلهم دولة واحدة إلا عندما كانت تفتح الدول بقوة السيف، لهذا ظهرت المذاهب والفرق والملل في التاريخ الإسلامي، ولهذا آثر الإمام علي (ع) أن يتوجه إلى محاربة الباطل واجتثاث الفساد في المجتمعات الإسلامية بدل الفتوحات الإسلامية بالسيف، عندما لم يرَ ما ينفع فيها، فما الفائدة من مسلمين غير صالحين، وما الفائدة من أراض شاسعة في خلافة لا تنضوي أمّتها تحت لواء عقائدي واحد ومصير مشترك ؟! فلم يجد في المدينة المنورة بعد مقتل الخليفة عثمان (رض) ما يستدعي تواجده فيها، لهذا آثر أن يرتحل إلى الكوفة العاصمة الإسلامية الجديدة، لعله يفلح بقبس من نور، عندما وجد الواقع الديموغرافي غير المجتمع الجغرافي الذي سيكون قادراً فيه أن يشيّد بناءه العقائدي، لهذا آثر أرضاً وإنساناً آخراً في المنأى والبعاد عن التضاد .

وواقع الحال اليوم بالعراق ونحن نعيش في عراق عربي كردي من جهة . . وسنّي شيعي من جهة، لم ولن يتفق يوماً !

مات من أولادنا الكثير في معارك الأربعينات والستينات والسبعينات بشمال العراق، حتى أصبح الشهيد القادم من أبناء العراقيات وأزواجهن عادة مألوفة في جنوب العراق، وما أكثر الجنود المطوّعون (الجنود فقط) من أبناء الجنوب، إذ كانت الكلية العسكرية والقوة الجوية حكراً على أهل الموصل والرمادي وسامراء وتكريت .. من قبلُ ومن بعدُ !!! لهذا صار أبناء الشيعة وقوداً لإرادات الحكومات وقياداتها العسكرية، في معارك التحرير بفلسطين، التي أرسلت لنا اليوم أكثر من 1400 إنتحارياً من غزه ليفجّر نفسه بين أسواق وبيوت الشيعة العراقيين .. الشيعة العراقيون الذين مازالت أسماؤهم محفورة على مقابر الشهداء العراقيين بفلسطين منذ عام 1948، الشيعة العراقيون الذين لا زالت أسماؤهم محفورة على مقبرة الغرباء في الشام منذ حرب تشرين1973، فيأتي الداعشيون السفيانيون اليوم ليحطموا أهل العراق الشيعة النجباء بإسم الدول الإسلامية المزعومة ، فيهجّرون ويذبّحون أبناءهم بجمال الدم البارد والحار، ولا نعرف لماذا يقتلون شيعة العراق ويسبونهم ويقتّلونهم ويخرجونهم من ديارهم دون سبب، حتى صار الغازي ربَّ المنزل، وأمسى ربُّ المنزل على قارعة الطرقات، في المدارس والقفار، بلا سكن أو دار، يتصدّق عليه المتصدّقون من بركاتهم !!!؟ وحتى عندما إحتل التنظيم الداعشي الإرهابي المحافظات السنّية، بقى شباب الوسط والجنوب الشيعة هم من يُقتلون ويُذبحون لأنهم يُدافعون عن الأرض والعرض في مكان ليس لهم فيها أرض ولا عرض .

فبرغم قساوة الفكرة على بعض العقول، ورغم بشاعة الكلمة والصورة على بعض العيون، إلا أن الحقيقة والواقع يقول أن لا حل لنا نحن العراقيين غير الإنقسام .. دون إتحادات .. دون فدراليات .. دون كونفدراليات، إنشطار و إنقسام على أساس الجغرافية البشرية .. دويلة للكرد .. دويلة للسنة .. دويلة للشيعة !!! وبدون شعارات ووطنيات ومزايدات سياسية لاقيمة لها أمام الدم والنفس ... لكن ليكون إنقسام بتفاهم .. وهادئ بعيد عن أي دموم جديدة .

فهدم الكعبة عند الله أهون من إراقة دم المسلم .. فما قيمة الحدود إذن أمام نهر دم العراقيين الهادر ؟؟ فليعمل كل منا حسب قدرته، وليبني كل منا دولته بالطريقة التي يريدها، وليتّبع كل منا ملته وطائفته وقوميته علنا وبكل شجاعة، وليكون منا من يريد وطنياً، أو عميلاً لهذه الدولة أو تلك . . فهذا شأنه، وليحترقْ من شاء أنْ يحترق في أتون غيّه وانتماءاته !!!!

ومهما يكن من أمر، فالواقع المأساوي المرير يحتم الخضوع إلى إرادته التي يجب أن تكون في العراق، فالعراقيون المستبسلون لأجل إخراج داعش من نينوى ومن الأنبار ومن ديالى ومن صلاح الدين، وهي كلها مناطق سنية على الأغلب، ماذا سيجنون من تحرير وعتق بقرة لا تعطي ضرعها إلا لأعداء العملية السياسية المجتمعين بعمّان وتركيا وقطر ؟!!! فلينقسموا ويرحمونا حتى يلد العراق أجيالاً غيرنا !، أجيالاً تحب أرضها وشعبها بصدق .

أما نحن فنريد أن نعيش ....

والله من وراء القصد ؛؛؛

في المثقف اليوم