آراء

من المسؤول عن الفساد؟ (1)

fakhry mashkorاصدرت ا للجنة البرلمانية المكلفة بالبحث في اسباب سقوط الموصل قرارا يتهم المالكي وخمسة وثلاثين مسؤولا آخرين بالتقصير، وقرّر البرلمان إحالة الملف – من دون قراءته- الى القضاء للبتّ فيه.

لا نريد الخوض في ملابسات عمل اللجنة المكونة من اغلب الكتل السياسية، ولا في دلالة التصويت بالاجماع على التقرير دون قراءته (...)، ولا على إغفال الاشارة الى دور رئيس اقليم كردستان في الجريمة، ودور السياسيين المهمشين (...) ودور دول معروفة بالتآمر على العراق ....الخ، فلتلك المسائل مجال آخر، لكننا نريد هنا ان نسجل ملاحظات حول الجريمة (سقوط الموصل) التي يتحاشى كلُّ السياسيين كشفها لأنهم جميعاً – وبلا استثناء- شركاء فيها بصورة مباشرة (من خلال أدوار ميدانية) او غير مباشرة (من خلال السكوت أوالتستــّر):-

اولاً- يجب الاتفاق على حقيقة ان سقوط الموصل (وكذلك مجزرة سبايكر والسيارات المفخخة واجهزة كشف المتفجرات الفاسدة...الخ) ليس حادثة عابرة او حدثا منقطع الصلة عن مسار كامل من السقوط الاخلاقي للطبقة السياسية " الديمقراطية" التي اكملت مهمة النظام الدكتاتوري في القضاء على العراق الوطن والعراق الشعب والعراق الثروة والخيرات...كلما في الامر ان الصيغ اختلفت من دكتاتورية صريحة الى دكتاتورية مقنـّعة، ومن انقلاب عسكري الى تآمر سياسي، ومن حكم فرد الى حكم افراد، ومن فساد حاكم وحزبه وعائلته الى فساد رئيس الكتلة وحزبه وعائلته. لكن فارقا واحداً لا ينكر احد وجوده وهو مساحة محدودة من حرية التعبير تجلّت اخيراً في قدرة المرجعية على التعبير عن مواقفها وقدرة الشعب على الخروج للشارع ، وهما الامران اللذان التقيا فشكّلا زاوية حادة حصرت الفاسدين (وهم 99% من الطبقة السياسية) فلم يستطيعوا الخروج منها الا بقرارات اصلاحية أقرّوها جميعاً أذلّةً وهم صاغرون، وكأن الفساد جاء من غيرهم.

ثانياً- ان الظرف الجديد الذي ولّدته الزاوية الحادة بضلعيها الفاعلين (الحراك الشعبي والمرجعية الدينية) هو الامل الوحيد والضمان الوحيد للاصلاح. ولأن الاصلاح لا يتم الا بواسطة البرلمان القائم الذي يجب ان يُصدر القوانين الضرورية للاصلاح، وتنفذه الحكومة القائمة التي يجب ان تطبق تلك القوانين، فإن من الخطأ والخطر الدعوة الى حل البرلمان او الحكومة، لان حلهما يعني دخول البلاد في فوضى هي الامل المنشود لأعداء العراق الخليجيين والأطلسيين وحلفائهم التوراتيين والعثمانيين والهاشميين، كما تعطي الفاسدين (وهم 99% من الطبقة السياسية) فرصة الهروب من العراق والتخلص من الملاحقة القانونية التي يجب ان يقوم بها قضاء في دولة مؤسسات لا دولة فاشلة تضربها الفوضى . أضف الى ذلك ان بقاء الدولة يتيح لعملية الاصلاح ان تتطور فتلاحق الفاسدين الهاربين عن طريق الانتربول وغيره من جهات تتعامل مع دولة قائمة في المؤسسات لا مع جماهير غاضبة في التظاهرات.

ان الزاوية الحادة (بضلعيها: المرجعية والحراك الشعبي) لا يجب ان تبقى فحسب، بل يجب ان تضيق وتضيق وتحشر المسؤولين الفاسدين في الحكومة والبرلمان والقضاء (وهم الغالبية العظمى منهم) ولا تترك لهم فرصة التفكير او التحرك للالتفاف والتملّص من الالتزامات التي اعلنوها نفاقا وخوفاً من سوء المنقلب بعد ان كشف الحراك الجماهيري ظهورهم، وكشفت المرجعية نفاق مدّعي التديّن منهم.

ثالثاً- بما ان هذه الزاوية الحادة هي الأمل وهي الضمان لكي تسير عربة الاصلاح على السكة الصحيحة وتصل الى المحطة الصحيحة ولا تقف في منتصف الطريق، فمن الضروري ان تتمتع الجماهير بالوعي الكافي للمؤامرات التي يخطط لها الذين أقرّوا الاصلاحات (نفاقاً وخوفا)، واعداء العراق في الاقليم ومن وراء البحار (استثماراً وانتهازاً للفرصة).

ما يحاول هؤلاء واولئك القيام به لافشال عملة الاصلاح هو فصل ضلعي الزاوية الحادة عن بعضهما وخلق شرخ بين المرجعية والحراك الشعبي لكي يفلت الفاسدون من الزاوية التي حُشروا فيها فتذهب كل الجهود سدى.

ومن هنا ندرك خطورة الشعارات التي يطلقها البعض دون وعي كافٍ بخطورتها مثل : "باسم الدين باكونا الحرامية" وهو الشعار الذي يشير الى ثلث الحرامية فقط (الثلث الذي يدّعي التديّن والارتباط بالمرجعية) ويهمل الاشارة الى ثلثي الحرامية الآخرين وهم:

1- الاكراد الذين سرقوا نصف العراق

2- السياسيون " المهمّشون" (...) .

فالسياسيون في هذين الثلثين (الاكراد والمهمشون!) تآمروا ويتآمرون مع تركيا والخليج والاردن على دعم الارهاب وتمكين داعش وتمزيق العراق وسرقته وإضعاف جيشه واشغاله بالفتن الداخلية او بالانفصال والتمزيق.

ان الفساد في العراق مثلث اضلاعه الشيعة وا لسنة والاكراد، ولم يدّع الاكراد والسنة انهم متدينون، ولا رفعوا شعارات الدين والمرجعية ، ولذا فان شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) يزكّي الاكراد والمهمشين! ويدفع عنهم جرافة الاصلاح التي يراد لها ان تزحف على ثلث الفاسدين (الشيعة) دون الثلثين الآخرين (الاكراد والسنة)...ما دلالة هذه الانتقائية؟ هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا ؟

رابعاً- ان الفساد شمل كل محافظات العراق في الشمال والجنوب والوسط والغرب، لكن اللافت ان الذين خرجوا الى الشوارع للمطالبة بالاصلاح هم ابناء الوسط والجنوب فقط... هل يعني هذا ان المحافظات الشمالية او المحافظات الغربية خالية من الفساد؟ ام ان جماهيرها راضية به؟ أم ان الثورة على الفساد واجب كفائي؟ ام ان على اهل الوسط والجنوب زراعة الاصلاح وعلى الباقين حصاد الثمار؟

متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الكردية تهتف : بالاقليم باكونا الحرامية؟

متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الغربية تهتف: بالتهميش باكونا الحرامية؟

 

للبحث صلة

 

فخري مشكور

 

في المثقف اليوم