آراء

إنحسار تسونامي حزب الجبهة الوطنية في الجولة الثانية من الانتخابات المناطقية الفرنسية 2015

waleed kasidalzaydiجرت الجولة الاولى من الانتخابات المناطقية الفرنسية ( Élections Régionales Françaises) لعام 2015 يوم السادس من شهر ديسمبر الجاري والاخيرة في الثالث عشر منه ، بهدف إنتخاب أربعة عشر مجلساً محلياً ورؤسائهم في في عموم فرنسا. وقد تصَّدَر في الجولة الاولى حزب الجبهة الوطنية بقيادة رئيسة مارين لوبن كل المنافسين في الانتخابات بـــــــــ30.9 % من الأصوات ،في حين حصل حزب "الجمهوريون" بزعامة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي على 27 % في مقابل 22 % فقط للحزب الاشتراكي الحاكم.أما في الجولة الاخيرة التي جرت يوم 13 الجاري فقد توقف تسونامي الجبهة الوطنية الذي بدأ يضرب أطنابه في الجولة الاولى ، إذ لم يفز بأي منطقة في عموم فرنسا، في حين فاز اليمين بسبعة مناطق من أصل 13، بينها العاصمة باريس وضواحيها، فيما فاز ممثلو اليسار بخمسة مناطق. وتأتي هذه التغييرات في توجهات التصويت لدى الناخبين الفرنسين بين الجولتين الاولى والثانية بعد ان حشد الحزب الجمهوري بقيادة نيكولاي ساركوزي والحزب الاشتراكي حملة اعلامية واسعة ومكثفة ضد حزب الجبهة الوطنية ، من أبرزها تحذير رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي (مانويل فالس) من أن صعود حزب الجبهة الوطنية سوف يقود فرنسا الى حرب أهلية، فضلاً عن ذلك فقد اعتبر فالس ان خطر اليمين المتطرف لا زال ماثلاً رغم فشله في انتخابات المناطق.

هذا وتُعَّد إعتداءات 13 نوفمبر الأخيرة من أهم العناصر المؤثرة في حملة الانتخابات وفي إرادة الناخب الفرنسي لدى الادلاء بصوته ، إذ أن الهجمات الإرهابية على باريس قد زادت في ارتفاع شعبية لوبن في الجولة الاولى على حساب شعبية اليسار ككل ، والحزب الاشتراكي بشكلٍ خاص ، وهو ما صرح به جان فرانسوا دوريدو من معهد إيبسوس لاستطلاعات الرأي بالقول " أن الحزب المستفيد من هذه الأحداث هو حقاً حزب الجبهة الوطنية".

كما ان خطاب حزب الجبهة الوطنية القومي والمعادي للمهاجرين واللاجئين مع تزايد موجات الهجرة الى فرنسا ، وإتهام بعض المهاجرين بالاشتراك في العمليات الارهابية في باريس ، قدم لحزب الجبهة الوطنية فرصة اضافية للحصول على المزيد من أصوات الناخبين في الجولة الاولى ولاسيما المترددين الذين لايميلون الى حزب بعينه ، ذلك أن مسألة المهاجرين لم تزل تقلق فرنسا والفرنسيين كثيراً.

من جانب آخر فان فشل السلطة التنفيذية بقيادة الحزب الاشتراكي الحاكم بقيادة رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند وحزب الجمهوريين اليميني الديغولي الذي يرأسه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ، في العمل على تحسين حياة المواطن الفرنسي في مختلف الجوانب ، وفي مقدمتها إحتواء البطالة التي بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه ، والوضع الاقتصادي المتردي فضلاً عن تدفق اللاجئين الى فرنسا بشكلٍ كبير ، قد قلَلَ من فرص التصويت لهذين الحزبين ، وحولَّ توجهات قسماً كبيرا من الناخبين الفرنسيين الى الادلاء باصواتهم لصالح حزب الجبهة الوطنية أو عدم المشاركة في الانتخابات.  

تبقى نتائج الجولة الاولى أفضل ما حصل عليه حزب الجبهة الوطنية منذ ما يزيد عن أربعة عقود ، مسبباً صدمة وإرباك للاحزاب السياسية الفرنسية وقد وُصِفَ بــــ " تسونامي سياسي" جديد في فرنسا. إلا أن تغيير نتائج الانتخابات لصالح الحزبين الجمهوري والاشتراكي في الجولة الثانية قد أعاد – نوعاً ما - الاستقرار السياسي في فرنسا مرة أخرى ، وأبعد مخاطر تسنم حزب الجبهة المواقع المهمة في المجالس المحلية في عدد كبير من المناطق الفرنسية.  

تكمن أهمية هذه الانتخابات في انها الاخيرة قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها عام 2017، التي يبدو أن يكون من بين أبرز المتنافسين فيها حزب "الجبهة الوطنية" ، والحزب "الجمهوري" ، و"الحزب الاشتراكي الحاكم".

 

د. وليد كاصد الزيدي

خبير انتخابات دولي أقدم - المدير العام السابق للعمليات في مفوضية الانتخابات العراقية

في المثقف اليوم