تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

هل سيعمم تطبيقها في "الإدارة" أم أنها ستبقى حبيسة صفحات الدستور؟

eljya ayshترسيم "الأمازيغية" لغة رسمية هي أولى خطوات الاعتراف بـ: "الهوية الجزائرية الأمازيغية"

هل يمكن القول ان إدراج الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في مشروع الدستور صار أمرا واقعيا وسيسدل الستار عن الجدل الذي كان قائما، وأن الجزائريين سينعمون بازدواجية اللغة، فلن تكون هناك مسيرات أو ممارسات قمع، وأن الربيع الأمازيغي مع التعديل الدستوري الجديد لن يكون ربيعا دمويا، طالما اللغة والثقافة الأمازيغية حققت تطورا كبير في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإن إدراجها في الدستور الجزائري كلغة وطنية يعد مكسبا كبيرا، ولعل قرار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يعود الى أن الرجل استخلص بعض الدروس والعبر من تجربة الجزائر الماضية (الربيع الأمازيغي)، وتيقنه بأن المواطن الجزائري سيظل في جميع الخالات هو مفتاح التنمية

المتأمل في اللسان الجزائري يجد أن جل المناطق في الجزائر تتكلم بالأمازيغية، فليست منطقة القبائل وحدها الناطقة بالأمازيغية رغم كثافتها السكانية الجد مرتفعة، بحيث تشكل أكثر من ثلثي الجزائريين الناطقين بالأمازيغية، ولكن هناك مجموعات أمازيغية أخرى تعد أكثر أهمية، ليس الحديث عن منطقة الأوراس أو منطقة الزّاب، أو منطقة الأهقار، وإنما هناك مجموعات ناطقة باللغة الأمازيغية تتوزع في ورقلة، نقوسا، قورارة، الجنوب الوهراني، شانوة وجبل بيسا، وباعتبار أن لكل منطقة ولها خصوصياتها، خاصة في علاقتها مع اللغة والهوية الأمازيغية، فترسيم الأمازيغية كلغة وطنية من شانها ان تكون أداة لتوحيد الأمة فكريا وسياسيا، كونها تعتبر رمزا للهوية الفردية والجماعية والثقافية، لأنها مرتبطة بشخصية المواطن الجزائري ذو الأصول الأمازيغية، وكانت اليونسكو منذ سنة 2000 قد استحدثت يوما عالميا للغة الأمّ la langue mère، أو la langue maternelle، بغية حماية التراث من الزوال والانقراض، وأعطت للغة الأمّ الشرعية الدولية، وأولتها العناية الكافية، هذا ما جعل المطالبة بترسيم الأمازيغية كلغة وطنية وتثبيتها في الدستور الجزائري حق شرعي باعتبارها جزء من المواطنة وحقوق الإنسان الجزائري الأمازيغي، وأن تتعدى هذه اللغة مجال المدرسة والجامعة وحتى الإدارة إن أمكن ذلك، خاصة وأن اللغة الأجنبية في قطاع التربية ما تزال تشكو ضعفا.

و مما لا شك فيه أن تطبيق الأمازيغية كلغة رسمية ستواجه القائمين عليها عقبات عديدة، أولا صعوبة إلغاء الحرف اللاتيني واستبداله بحرف التيفيناغ الذي حرمت منه، وهو كما يرى اللغويون الحل الأفضل لأنه سيلجم كل الأفواه، وعن طريقه تعود الأمازيغية إلى خصوصيتها، لكن تبقى المشكلة في إدخاله في منظومة "الإعلام الآلي"، فيما يرى بعض المعربين أن ضرورة استعمال حرف التيفيناغ إلى جانب العرف العربي، كون أن أول رسم عرفته الأمازيغية بعد التيفيناغ هو الرسم العربي، وكتبت به في المغرب العربي إلى غاية السبعينيات، وبالتالي القضاء على "التبعية اللغوية"، والرد على أعداء اللغة والهوية الوطنية الذين دونوا الأمازيغية بالحرف اللاتيني، المشكلة الثانية هي صعوبة تعلمها والنطق بها في سن متأخرة، فقد كانت تنقلات المسؤولين من منطقة إلى أخرى سببا في هجر الأمازيغيين لغته الأصلية وهي الأمازيغية وأجبرتهم على التخاطب اليومي باللغة العربية، ولذا نجد البعض منهم لا يفهمون الأمازيغية ولا يتكلمون بها في حياتهم اليومية، وفي هذا تطالب هذه الشريحة فتح قسم خاص بمحو الأمية لتعلم اللغة الأمازيغية للكبار، وأرجع هؤلاء الأسباب إلى أن ظروف الاستعمار أجبرت الأمازيغيين غير الناطقين باللغة الأمازيغية على أن يفقدوا أولى مراحل اكتساب المفردات الأمازيغية، ويحرمون من عملية التمرس على لغتهم الأصلية، وتعلم مفرداتها وتراكيبها، والمشكلة الثالثة هي حتى لو تم فتح أقسام خاصة أو معاهد لتعلم اللغة الأمازيغية فهل يوجد مدرسو أو مؤطرون الذين لهم مهارات عالية في تعليمها، وتطبيق النظريات التي تحدث عنها الليسانيون.

و يمكن الإشارة هنا أن التزاوج العربي الأمازيغي كان عامل آخر في فقدان الأبناء ذوي الأصول أمازيغية لغتهم الأصلية، فمهما كان "الأب" أمازيغي، فعندما ينتقل إلى محيط لا يتكلم بالأمازيغية، ثم يتزوج بامرأة عربية، فإن الأبناء يتكلمون بالعربية، وعندما يكبرون يعيشون كالغريب، فلا هم معترف بهم في المنطقة التي يقيمون بها ( الناطقة بغير الأمازيغية)، ولو ذهبوا إلى مسقط رأسهم فهم غير معترف بهم أيضا، لأنهم لا يتكلمون بلغتهم الأصلية التي هي الأمازيغية ( القبائلية)، هكذا كان التقسيم، وهكذا كانت التفرقة، ويمكن القول أن العامل الجغرافي ساهم في عدم الحفاظ على اللغة الأمازيغية، كما ساهم العامل السياسي كذلك في حرمان الأمازيغيين من حقهم الشرعي، فالصراع السياسي كان الطابع الغالب على العلاقات التي تربط المناطق الناطقة بالأمازيغية بالسلطة، وهو ما حدث في الجزائر عندما رسم الصراع بين عيماش عمر ومصالي الحاج في بداية الثلاثينيات لوحة للانقسام بين القبائل والعرب في الأجهزة القيادية لحزب الشعب، والتي كانت بداية للأزمة الأمازيغية، عندما منع شبابا قبائلي من تأليف أغاني ملتزمة باللغة الأمازيغية، وبخاصة أناشيد الحركة الكشفية في منطقة القبائل الكبرى، لم يبرز خلالها إلى الوجود أي تعبير سياسي للتيار الأمازيغي، عندما أخذت سياسة التعريب في الانتشار وقرار إلغاء دروس اللغة الأمازيغية في جامعة الجزائر في أكتوبر 1962، ثم سيطرة جماعة "وجدة" على الحكم، وعداء أحمد بن بلة ذو الاتجاه الماركسي للجانب الأمازيغي، ودخوله في صراع مع جبهة القوى الإشتراكية، حتى جاءت فترة الثمانينيات، وعادت القضية الأمازيغية في عهد الشاذلي بن جديد إلى السطح، عندما تعالت أصوات أحزاب سياسية وطالبت بترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ثانية بعد العربية على أساس إنها من ركائز الهوية الوطنية الجزائرية، فيما سمي بالربيع الأمازيغي، وقالت حان الوقت لترقية اللغة الأمازيغية إلى مصاف لغة رسمية في إطار مشروع مراجعة الدستور.

و برر هؤلاء موقفهم بأن ثمة مجال ثقافي فكري وحتى سياسي في الميدان الأمازيغي خرج من طور التكوين، وتعدى الحدود السياسية الوطنية، وهو الآن في طور الممارسة، والوعي بالانتماء إلى الهوية الأمازيغية أصبح أكثر نضجا، وكان الرئيس بوتفليقة أصدر في سنة 2002 مرسوما رئاسيا يعتبر الأمازيغية كلغة وطنية بسمح بتدريسها في المؤسسات التعليمية، لكن أصحاب هذا المطلب شددوا على ضرورة ترسيمها كلغة رسمية ثانية إلى جانب اللغة العربية بشكل يجعلها لغة معتمدة في "الإدارة" أيضًا، وهو السؤال الذي يمكن طرحه إذا كانت هناك إرادة سياسية لترجمة كل الوثائق الإدارية إلى اللغة الأمازيغية وبخاصة الحالة المدنية l’état civile، وأن يكون الخطاب السياسي لحاكم البلاد باللغتين العربية والأمازيغية؟، وإلغاء مقولة أن الشعب الجزائري مرتبط بالوطن العربي، وهو جزء لا يتجزأ منه ولا ينفصم عنه كما جاء في الميثاق الوطني لسنة 1976.

 

علجية عيش

في المثقف اليوم