آراء

حكومة الدكتور حيدرالعبادي والتحديات الكبرى

jafar almuhajirمنذ ثلاثة عشرعاما والأزمات تتراكم في جسد الدولة العراقية التي بشرت بها الطبقة السياسية الشعب العراقي بعد أعوام طويلة من القهر والإستبداد والحروب. وآدعت كل حكومة بإنها ستجعل من أعوام الحرمان أعواما للأمل والكرامة والشروق. ولكن مرت الأعوام ثقيلة كثقل الجبال وهي مليئة بالمرارات والإخفاقات والتراجعات.ولو نطقت هذه الأعوام لقال كل عام للذي قبله لقد جعلتني السلطة أكثر منك سوءا. ووجد غيلان الفساد طريقا سالكة إلى كل مؤسسات الدولة بعيدا عن الحساب والعقاب لما تملكه من نفوذ كبير في مفاصل السلطة. وتحولت بعض الوزارات إلى إقطاعيات للوزير وأقربائه والمنتمين إلى حزبه، وعمد سفراء ووكلاء وزارات ومدراء عامين وموظفين كبار إلى تزوير شهاداتهم ليصلواإلى مناصب لايستحقونها لكي يسرقوا المزيد من أموال الشعب.وأهدرت مليارات الدولارات على آلاف المشاريع الوهمية، ووصل الصراع إلى مجالس المحافظات على المكاسب والمغانم، وتحولت الموازنات السنوية الضخمة التي فاقت على مئة مليار دولار إلى هباء منثور.وعلى سبيل المثال فقد صرف على الكهرباء أكثر من 40 مليار دولار ولم يطرأ أي تحسن عليها رغم أطنان الوعود الكثيرة التي أطلقها المعنيون بها بأن أزمتها المزمنة ستنتهي في هذا العام وفي هذا الشهر وبمرور الزمن تحولت الوعود إلى سراب، ويمكننا إطلاق إسم عرقوب على كل وزير كهرباء تعاقب في هذه الحكومات. وتحمل الشعب أكثر من إثني عشر صيفا لاهبا تصل فيه درجة الحرارة إلى نصف الغليان والكهرباء في تدهور مستمر. وظلت موارد الدولة تُستنزف من خلال تضخم الدولة بالوزراء الذين تجاوز عددهم على أكثر من 30 وزيرا لترسيخ المحاصصات الحزبية والطائفية التي دمرت الدولة العراقية ونخرت في مؤسساتها علاوة على المناصب الأخرى التي لاتقدم بل تؤخر والتي إستنزفت موارد الدولة كنواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وحماياتهم ومكاسبهم الخيالية. ووصلت سمعة العراق الدولية إلى الحضيض، بعد أن صنفته منظمة الشفافية الدولية بين خمس دول هي الأكثر فسادا في العالم. وآعتبرت إحدى المنظمات العالمية بغداد كأسوأ عاصمة للسكن في العالم. وتدهورت الخدمات الصحية والإجتماعية إلى أسوأ حد عرفه تأريخ العراق الحديث.وما زال ثلث الشعب العراقي تحت خط الفقر وقد قيل قديما (كاد الفقر أن يكون كفرا) وصار الهم الأول للكتل السياسية التي توالت على السلطة هي كم من الحصص لديها في هذه الدولة وكأنها خلقت لهذا الأمر، ولم ينتبه الحكام إلى المضاعفات الخطيرة لهذا التداعي المستمر وإلى الدم العراقي المسفوح وكأن الأمر لايعنيهم وكل منهم يلقي المسؤولية على الآخر ويدعي وصلا بليلى ويقول أنا الأصلح والأفضل والأكثر نزاهة .وكأن الفساد الذي لطخ سمعة العراق في الوحل تقوم به أشباح تظهر في الليل وتختفي بالنهار.وقد بلغ الأمر بأحد الوزراء السابقين وهو الآن يترأس أكبر كتلة نيابية في البرلمان ليقول في مقابلة سمعتها بأذني في فضائية الحكومة:

(نحن الدولة الوحيدة في المنطقة والعالم التي لاتفرض ضرائب على الشعب .!!!) والأمر المحزن إن المذيع طيلة فترة المقابلة كان يلقبه بـ ( الدكتور) وهو لايحمل هذا اللقب. وسبقه وزير آخر ليقول في فضائية أخرى:

(إن الشعب العراقي تعود على ثقافة البلاش وهذا أمر لايمكن الإستمرار فيه لأنه يضعف إقتصاد البلد. !!!) بهذا الأسلوب المتهافت ودفن الرؤوس في الرمال يتحدث البعض من وزراء الدولة والشعب يرى بعيونه التي تراقب مواسم الإنتخابات وذلك الصرف الخيالي الذي يقوم به من يريد الوصول إلى السلطة ولا يقدم سوى الوعود البراقة الكاذبة حيث لاضمان إجتماعي ولا صحي ولا خدمات تذكر. وقد كان الأحرى بهذين الوزيرين التحدث عن المليارات المنهوبة. وعن التبذير وإهدار المال العام في الوزارات . وعن القصور التي رمموها بعشرات الملايين من الدولارات لتستقبل رؤساء دول مكثوا فيها ساعات. ولم أقل أنا هذا الكلام بل شهد شاهد من أهل السلطة .

ورفضا لهذه الظواهر السلبية إنطلقت النداآت الكثيرة من قبل الملايين من جماهير الشعب العراقي ومن المرجعية الرشيدة أن ثوبوا إلى رشدكم أيها السياسيون ولا تضيعوا وطنا عريقا تحكمونه. وظل الشعب ينتظر طيلة هذه السنين العجاف قادة على قدر كبير من المسؤولية التأريخية لإيقاف هذا النزيف والتداعي المستمر في جسد الدولة العراقية حتى تصل سفينة العراق إلى شاطئ الأمن والسلام بعد أن توالت على العراق خمس حكومات يتنافس أقطابها على المصالح والمغانم والإمتيازات فقط. وبقيت الرموز الحاكمة تسعى إلى جني المكاسب والمغانم على حساب الدم العراقي المسفوح وسفينة العراق تتقاذفها الأمواج العاتية ولا حياة لمن تنادي. وحلت كارثة الكوارث التي كانت نتيجتها إحتلال الدواعش لثلث مساحة العراق وآستيلائهم على كميات هائلة من الأسلحة تقدر بمليارات الدولارات في أيام معدودة.وأخذ الدم العراقي يسيل كالأنهار في ساحات واسعة من ثرى العراق، وهام الملايين على وجوههم وهم لايحملون أي شيء من متاع العمر باحثين عن ملجأ يأويهم بعد أن وجدت القوى الداعشية التكفيرية فرصتها الذهبية للإنقضاض على هذا الوطن نتيجة لهذا التداعي والفساد وضعف الشعور بمسؤولية الحفاظ على الوطن من الأخطار المحدقة به. ونتيجة لهذه الفوجد الإحباط والغضب طريقه إلى كل طبقات الشعب بعد أن طفح الكيل نتيجة لهذا التراجع المستمرلجأ الشعب إلى الإحتجاج ليعبر عن رفضه لهذا الوضع الكارثي ويقول لكل من حكم العراق طيلة هذه الأعوام كفاكم استهتارا بإرادة الشعب. فقد طفح الكيل وبلغت القلوب الحناجر.

وأنا في مقالي هذا لست مع الخطابات التحريضية والإستفزازية التي يطلقها أصحابها في الفضائيات المشبوهة ويطالبون بالزحف على المنطقة الخضراء، وتدمير ممتلكات الدولة، وقطع الطرق، ومهاجمة القوات الأمنية، وإطلاق الكلمات الجارحة ضد هذا الشخص أو ذاك دون أي دليل لتعم الفوضى أكثر، ويختلط الحابل بالنابل والأعداء يتربصون بوطننا من خلال هذا الضخ الطائفي الهائل مع كل حدث داخل الوطن يؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة من قبل عصابات الجريمة المتمردة على الدولة. ولا شك إن العدو الداعشي له ذيول وأطراف داخلية وخارجية وهم ينتظرون الفرصة السانحة ليضربوا ضربتهم. ويجهزوا على العملية السياسية. وتسليط القوى الإرهابية والطائفية على العراق مرة أخرى. لكن الشعب العراقي شعب حضاري لاينساق مع الطائفيين المحرضين في الداخل ومعهم الناعقين من وراء الحدود. والمطلوب اليوم من جماهير شعبنا الأبي أن يحذر من العناصر المندسة التي تعودت على مزج السم بالعسل، وإطلاق الشعارات التي تطالب بما يسمى (حكومة طوارئ ) أو( حكومة إنقاذ وطني) وآعتقال الوزراء وإلغاء مجلس النواب والدستوروغيرها من الأمور التي تتعارض مع القانون والنظام الديمقراطي لغرض الإنقضاض على العملية السياسية من قبل بقايا النظام الصدامي المقبور الذين يحلمون بالعودة إلى الحكم كلما حدثت أزمة داخلية. يساعدهم في ذلك الإعلام المعادي بكل مايمتلك من خبث ودهاء وتضليلإن الشعب ينبه ويحذرولا يسعى إلى التخريب والتدمير ويعطي قرصة لأعداء العراق لكي يوصلوا الأمورإلى حافة الهاوية وكل هذا لابد أن يدركه رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومن واجبه كقائد للشعب أن يتخذ خطوات جدية وشجاعة في طريق الإصلاح الشامل الذي يطالب به الشعب بعد أن دق جرس الإنذاروطالبت المرجعية الرشيدة بالضرب بيد من حديدعلى أيدي الفاسدين وتقديمهم لقضاء عادل نزيه لكي ينالوا جزاءهم، وبحصول رئيس الوزراء على دعم وتفويض الشعب والمرجعية ومجلس النواب لوقف النزيف العراقي. فلابد أن يكون في موقف قوي لأن الشعب مصدر السلطات وهو بخطوته الأولى يضع القوى السياسية على لائحة الإختبار لكي تثبت صدق نواياها للنهوض بالعراق وتخليصه من الفاسدين، ولسد الطريق على مصاصي دماء الشعب. والعبرة في التطبيق لابالكلام.

إن المطلوب من رئيس الوزراء اليوم أن يكون في منتهى الحزم ضد كل مفسد ويحيله إلى قضاء مستقل وعادل وكفوء ليتخذ الإجراء اللازم بحقه دون تردد حتى ولو كان من أقرب المقربين له بعيدا عن الرغبات الثأرية غير المحسوبة التي يسعى إليها البعض من ثعالب السياسة لكي يخلصوا أنفسهم من العقاب. ويجب على كل من يدعي مكافحة الفساد بالقول أن يقرنه بالعمل ويقف مع رئيس الوزراء في حملته وقفة جدية صادقة دون أي لف أو دوران. وعلى الكتل السياسية التي تعودت على التسويف والمماطلة أن تكون بمستوى المسؤولية بتأييد إصلاحات رئيس الحكومة حيدر العبادي والسير معه إلى نهاية الشوط في تطبيقها إذا كانت مع الشعب حقا وصدقا لتنفيذ هذا الهدف النبيل الذي أقسمت عليه حين استلمت السلطة.

لقد سمع الشعب العراقي الكثير من الخطابات المعسولة الخاوية في الفترة السابقة والتي تركت أسوأ الآثار السلبية على الساحة العراقية. فاستغل الإرهابيون ذلك وسفكوا من الدماء البريئة الكثير، وقد وجد الأعلام العربي المضلل والمنافق والمحرض ضالته ليخوض في الماء العكر فشحذ سكاكينه ليوجه المزيد من الطعنات لجسد العراق، وراودته أحلامه السوداء بإسقاط العملية السياسية. ولا ندري متى يتم قبر جرائم المجرمين قبل حدوثها.؟

إن المواطن العراقي يبقى ذلك الإنسان الذكي الواعي الذي عركته الشدائد والمحن بعد أن شبع من الوعود البراقة والخلابة ولم يجد شيئا ملموسا على صعيد الواقع وله كل الحق أن لايمنح تأييده المطلق للحكومة إلا بعد أن يرى أفعالها الإيجابية على الأرض. ومن حقه أيضا أن يشعر بالتحفظ على الذين دخلوا حكومة العبادي المترهلة التي مازالت تراوح في مكانها، ولم يلمس الشعب منها أي إصلاح يذكر.والولوج في عملية إصلاح حقيقي يحتاج إلى إرادة قوية من رئيس الحكومة، ونية صادقة من الشركاء بعيدا عن أي تسويف أو لف ودوران أو خطابات فارغة شبع منها الشعب العراقي وبات ينتظر ماذا ستقدم حكومة العبادي للشعب في عام 2016 بعد أن نفذ صبره ورفض رفضا مطلقا الحبوب المهدئة للألم . ولابد أن تكون حكومته على مستوى المسؤولية الوطنية لكي يقف العراق على قدميه ويتخلص من أمراضه المزمنة لإيقاف هذا التداعي الخطير في جسد العراق . والملايين من العراقيين على ثقة بأن السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي رجل وطني غيور وكفوء وقوي الإراده. وهو يسعى بكل جهده للتغيير نحو الأفضل لو تعاون معه الشركاء في الحكم. وهو يدرك أن الأعداء كثيرون في الداخل والخارج. والتحديات كبيرة جدا من تماسيح الفساد الذين تغلغلوا في جسد الدولة العراقية، وتفننوا في أساليبهم الجهنمية والشعب العراقي سيحكم على النتائج بعد أن عانى الكثير من الأوجاع والآلام. ومن حقه أن يعيش في وطنه الغني آمنا مطمئنا مصان الكرامة والحقوق لايبتزه المبتزون ولا يهدد حياته المجرمون. ولا يسرقه المفسدون.ولا يسمح للطائفيين بأن يحققوا رغباتهم الشريرة.

وقد قال الله في محكم كتابه العزيز:

بسم الله الرحمن الرحيم :

(وقفوهم أنهم مسؤولون ) 24-الصافات.

 

جعفر المهاجر .

 

في المثقف اليوم