تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

"النُّخْبَة" المُتَشَبِّعَة بـ:"إيديولوجيات" لا يُمْكِنُهَا أن تبنيَ نهْضَةً ثقافيةً

eljya aysh(متى تتحول التظاهرات الثقافية إلى مظاهرات ثقافية فيها يعانق المثقف الجمهور؟)

يعيش المجتمع اليوم في عالم التحوّل والتغير ما يجعلنا نقف وقفة تأمل وتفكر في واقعنا السياسي الثقافي الاجتماعي والعقائدي، ونحلل الأسباب التي جعلتنا نتراجع عن القيام بما ينبغي أن نقوم به، ونسترجع المفاهيم التي تعلمناها في البيت..، في المدرسة..، في المسجد، وتلك التي أخذناها من الشارع، وتقبلناها دون نقاش، ومارسناها في حياتنا اليومية، وطبقناها على أبنائنا، دعونا نبحث عن ذلك "الوسيط الذهني" الذي فقدناه وجعلنا نتقبل الأشياء ونؤمن بها، لحد أن جعلناها دستورا ، لا نستطيع خرق مبادئه، ولو سألنا أيّ واحد عن ماهية الوسيط الذهني الذي نتحدث عنه لقال إنها "الثقافة"، نعم هي الثقافة في شكلها وجوهرها وكلّ ما تحمله من مفاهيم وتعدّد، والتعدّد هنا يدفعنا إلى الحديث عن الثقافة العربية والثقافة الإسلامية والثقافة الأوروبية، وما تحمله كل واحدة من أبعاد حضارية إنسانية وقيم وأحكام، فالمسألة ليست أحادية طالما هي تتعلق بالفكر الإنساني وماذا يمكنه أن يبدع، ويقدم للمجتمع داخل الخريطة الجغرافية أو خارجها، من أجل الاندماج في عصر ما بعد الحداثة؟.

وكعيّنة فالجزائر ومدنها اختيرت كعاصمة للثقافة العربية في سنة 2007، ثم عاصمة للثقافة الإسلامية ( تلمسان 2009)، واختيرت للمرة الثانية عاصمة للثقافة العربية (قسنطينة 2015 ) وفي كل هذه التظاهرات الثقافية حظيت الجزائر دولة وحكومة بالتعرف على ثقافات الشعوب (الآخر) وما تحمله من خصائص ماضوية ومستقبلية، وها هي التظاهرة الثقافية في مدينة قسنطينة التي انطلقت في أفريل 2015 لم يبق من عمرها إلا القليل جدا، بل هي تحتضر إن صح القول، والمتأمل في هذه التظاهرة وهي توشك على الاختتام يقف على الحقيقة بأن هذا المشروع الفكري لم يكتمل، حتى لا نقول أنه لم يولد، لأن التظاهرة نظمت على "المقاس" ويمكن القول أن تظاهرة قسنطينة الثقافية2015 اخترقت، لأن القائمين عليها غيّبوا "المثقف" وأبعدوه وجعلوه يتابع الحدث من بعيد، ما جعلها تفقد خاصيتها العربية، فأين هي دور السينما؟، وأين هي "دار الأوبرا"؟ وأين هي القرية النوميدية؟ وأين هي المتاحف التي وعدت وزارة الثقافة بإنشائها، من خليدة تومي إلى نادية لعبيدي إلى عز الدين ميهوبي؟ طبعا لن تكون هده المشاريع، وإن أنجزت فهي ستكون في متناول جيل يأتي بعد هذا الجيل ، لأن التخطيط للتظاهرة التي أعلن عنها في 2010 بدأ في 2014 ، ومن الصعوبة بمكان تدارك أربع سنوات من التأخير، ومن المستحيل كذلك إنجاز مشاريع بمقاييس عالمية في دولة تفتقر إلى خبراء مختصين، خاصة في مجال المتاحف وهذا باعتراف وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي.

فكل ما تم عرضه طيلة التظاهرة، من غناء ورقص وعرض للألبسة والحلويات التقليدية، هو مستهلك ، أي أنّ التظاهرة لم تأت بالجديد، ولم تتعامل مع القضايا الجوهرية التي تعيشها الشعوب والخطاب المنبثق عنها على مستوى النخب والجماهير، ماعدا بعض النشاطات لفنانين تشكيليين وأمسيات شعرية عربية، وملتقيات دولية، التي حافظت على وجه ماء المدينة، وهي نشاطات اعتاد الجمهور أن يعيشها خارج التظاهرة، ولكن كل هذا لا يمثل "الثقافة" التي تبني الإنسان فكرا وسلوكا، وتجعله يحلل واقعه الذي فرض عليه سلوكا (سياسيا كان أم ثقافيا) محددا تجاه التعامل مع المتغيرات، دون أن يبحث كيف ولماذا وماهي الطريقة التي يحقق بها وجوده، تلك أسئلة لا نجد لها إجابة عند النخب فما بالك بالجمهور أو المشاهد العادي؟، فالثقافة ليست وظيفة أو حالة من الإبداع، ولكنها نضال مستمر، والمثقف مناضل ثوري مطالب بأن يتعاطى مع الحقائق التاريخية، وأن يسحب البساط من تحت أقدام المتاجرين بالثقافة والفكر، ولكن هل يمكن أن تتجاوز نخبتنا المتشبعة بإيديولوجيات هذه العقبات؟.

لقد أثبتت التجربة (تجربة العواصم الثقافية) أن "النخبة" في الجزائر ما تزال تعيش في دائرة مغلقة (أي على الهامش) تتابع الحدث من بعيد، وعجزت أن تُعَبّر عن وجودها ، وهي مطالبة اليوم بالتحرر من كل ما يقيدها ويكون لها دور فعال في هذا العالم، لتقدم رؤاها ورؤياها وفق إحساس بالمسؤولية، وهذا يعني أن تتغلب عن خوفها من السلطة، ولا تبقى أسيرة العالم الافتراضي (الفايسبوك)، البداية طبعا تكون على مستوى الثقافة والعقل والخطاب قبل أي شيء آخر، حتى يصنع المثقف ما يسمى بـ: "الإنتلجانسيا العربية" التي على عاتقها يقع الجزء الأكبر من مسؤولية بناء ثقافة عربية أصيلة، وتأسيس نهضة عربية حقيقية ورفعها إلى مستوى العالمية، ولكن المثقف كما يقال ما زال يبحث عن هويّة..

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم