آراء

تركيا تلعب بالنار والأرث البيزنطي مازال قائم في أوربا

ali thwayniعادة من يحاول تقسيم بلدان الآخرين معرض هو بأن يهدد بالتقسيم كما الإنكليز والروس. فلا يفرح أردوغان بأنه يصدر الإرهابيين للعراق وسوريا، فللبلدين لعنة ستنعكس عليه تباعا. فقد تداول قوميين يونانيين ونصارى أرذوكس عانوا من ضيم العثمانيين في  أوربا الشرقية خارطة تقسيم (آسيا الصغرى) أو تركيا الحالية بين قطبي اليونان وأرمينيا. وتناسوا أن السريان والسوريين والرافدين التأريخي لهم حصة بثلث تركيا الحالية أو أكثر.

ومن المعلوم أن للروس ضغائن تعود إلى حروب القرم الثلاث، والتي طردوا خلالها العثمانيين من محيط البحر الاسود، ولم تنته الحرب بعد..لذا فللعداء جذور في التأريخ القريب.و الأتراك مستجدين على تلك الأرض،ووردوها قبل حوالي ثمانية قرون فقط ، فقد سميت تلك الأرض Asia Minor أي آسيا الصغرى كونها الأقرب إلى أوربا.أما الأناضول فهي  أناضوليا بالتسمية الآشورية. والمفردة اصلها من مركب (أنات-وليا) أي بلاد الآلهة عناة وهي في الحقيقة  عنانا أو عشتار، وجاءت من مصادر عراقية. ولقد كان لها ميناء غربي على سواحل إيجه عند المضائق دعي  (بيز-أنات) وبز\بيز  مازلنا نستعملها وتعني الضرع، والمعنى المركب يعني(ضرع الآلهة أنات). وقد تحولت (بيزانت Bezant) حينما أنتقل لها قسطنطين وأسس دولته إلى الشرق تاركا روما التي كان له بها مشاكل مع كهانها الذين رفضوا المسيحية وأهلها الذين سأموه ،وذلك حوالي العام 340م. وهكذا تأسست الكنيسة الشرقية في (بز - أنات) أو بيزنطه..

ومن المعلوم أن الثقافة اليونانية كانت غالبة في تلك الأصقاع قبل ورود الرومان الذين يناكفوهم ثقافيا، ونجد آثار يونانية كثيره في تركيا، يستغربها البعض، وهي سر العداء بين البلدين المتربصين شرا لبعضهما،وكانت قبرص إحدى جبهات العداء المعلن. لقد أطلق الآشوريون على تلك المنطقة الواقعة على بحر إيجه (غروبا) أي بلاد الغرب، والتي أمست (أوربا) بعد التحريف ، وشملت القارة بكاملها مثلما تونس التي كانت تسمى (أفريقيا) أي المحافظة أو المقاطعة الفارقة عند الفينيقيين ، فأطلقت على القارة بأكملها، نقول هذا بعيدا عن الأساطير اليونانية المترعة بالخزعبلات..

وهكذا أرادت بيزنطة أن تنعتق من اليونان ومن روما على حد سواء فأسست لها ثقافة شرقية ، وجلب البناءون من الفرات من بقايا الآشوريين والسوريين  والسريان والآراميين. فبنوا طراز خلاسي هو شرقي بطبيعته الإنشائية والوظيفية والزخرفية، وأهم مابقى منها،  كنيسة آيا صوفيا (حجيه صوفيا بالتركية)التي كان معماراها شرقيان، جاءا من الشام والجزيرة الفراتية. وهكذا فإن لبيزنطة ثقافة شرقية وأن مذهبها الأرثذوكسي (الشرقي باليوناني) كان ومازال مفعم بالأثر النسطوري العراقي، حتى لنجد أن التشيع العراقي يقترب منها بكثير من الوجوه،وهذا سياق آخر ليس هنا محله.

أما علاقة الأتراك بالمكان، فقد قاد العرب حملات وصلت حتى اسوار القسطنطينية (كونستانتينوبوليس) أي (مدينة قسطنطين)، ولم تفتح المدينة،وتبعها الأمويين والعباسيين والسلاجقة، ثم أستمر الأتراك بعد ذل. وثمة حروب خاضهتها بيزنطية ضد الأوربيين ولاسيما البنادقة (دوقات فينيسيا)، فلجأوا لجلب المرتزقة السلاجقة الأتراك ومنهم عشيرة آل عثمان ، الذين ملكوهم أرض قريبة من أزنيق ثم أنقضوا على بورصه واصبحت أولى عواصمهم. وهكذا كانت بداية العثمانيين حيث جاءوا كمرتزقة ، ثم سكنوا وتمادوا وطمعوا وقويت شوكتهم بعد أن مارسوا حتى قطع الطرق التجارية في البر والبحر ، وتوسعوا حتى وصلوا إمبراطورية بعد قرنين، وفتحوا الروملي أي أوربا وتوسعوا بالبلقان . ويعد العام 1388م  فاتحة دخولهم للبلقان بعد معركة سهل كوسوفو..وهنا جدير الإشارة أن لانصدق الرواية التي كتب بها العثمانيون تأريخهم المترع بالتزوير والحشو، و بأنهم جاءوا فاتحين.بل أنهم جاءوا مرتزقة وتوسعوا رويدا رويدا، وأخذوا الخلافة من بقايا العباسيين الذين هربوا إلى مصر بعد سقوط بغداد عام 1258م، والذي أستخدمهم الفاطميين ذريعة لتبني الخلافة.

مكثت مدينة القسطنطينية محاطة بالعثمانيين،وقطعت عنها بعض الطرق. وهكذا كان سقوطها "محصول حاصل"، فسقطت عام 1453م، على يد السلطان محمد الفاتح، الذي  أحتفظ بسكانها من التجار والأثرياء، وسمح لمن يريد الهجرة للبندقية وأوربا، فأمست مدينة مختلطة تركية رومانية. وقد أبدل أسمها إلى (إسلام-بوليس) أي مدينة الإسلام، التي حرفت إلى (إستانبوليس-إستنابول- أسيتانه). وهكذا فإن الأوربيين مازالوا يشعرون بأن آسيا الصغرى  أرث أوربي مقدس كون أحداث العهد الجديد(الإنجيل) تحدث بها، لذا فإنها تقع تحت مرمى أطماعهم وما أكثرها. وهذا يبرر وقوفهم مع الروس خلال حروب القرم ثم مع اليونان خلال حرب الإستقلال 1822 ومساعدتها لدحر العثمانيين في الحرب الأولى حتى العام 1920، حينما أرادوا صناعة رمز تابع لهم هو (مصطفى أتاتورك) فوهبوه وسائل النصر ليطرد اليونانيين في معركة كاليبولي، إلى الجزر ومكثت تركيا في بر آسيا الصغرى.

وهكذا أقحمت اليونان في الوحدة الأوربية رغم أن أحجية المركزية الغربية بأصل الفكر من اليونان أضمحل من جراء الحقائق التي أفضت عنها الحفريات خلال القرنين الماضيين في مصر والعراق والشام وآسيا الصغرى واليونان نفسها، وتيقنوا أن المشروع الحضاري اليوناني بدأ حوالي 700 ق.م وأنه متأخر عن السومري بـ 3000 عام...فقط.

اليوم تركيا تعود لأطماعها السابقة في الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا ولاسيما في ليبيا وتونس ، التي خرجت منها متأخر (ليبيا 1913) والعراق والشام 1918 . وهكذا فجشعها بأرض الغير مازال يحرك شراهة تلغي الأخلاقيات والوحدة الإسلامية التي تهاوت أمام ظهور الإسلام الصهيوني الذي تمارسه داعش، وهي بالحقيقة جيش(إنكشاري) جديد.

والإنكشارية لمن لايعرفهم هم أطفال البلقان الذين كان يحصل عليهم العثمانيين عنوة من أهاليهم بدل مقابل دفع الجزية، وأنشأوا منهم جيش تابع للسلطان وأسسوا لحروب المرتزقة في الدولة العثمانية ثم أضمحل نظامهم بعد أن تبطر ونتعسر، وأنتهى إبى مذابح.  واليوم يعاد إحياءه بداعش،ولاسيما أن ثمة أكثر من مئة ألف طفل أشترتهم جهات غير معروفة للملئ من رومانيا خلال الفترة (1990-2014) وذلك بعيد سقوط الشيوعية ، ووردوهم إلى تركيا وأختفوا هناك، وهم يشكلون اليوم صلب مرتزقة داعش .

تركيا اليوم تغرر بعض المغيبين عن الوعي والمتعصبين(للتسنن) مناكفة بإيران ومشروعها الإستقطابي بحجة (التشيع)، في حالة من الضياع والبحث عن (النموذج ) الإسلامي الأكثر مثالية، والذي يظن البعض أنه تركيا الأردوغانية هذه المره، على غرار هبة مادعي (الثورة الإيرانية) عام 1979. وفي تلك المغالطات فإن  تركيا وإيران نفسها ستعاني من الإنقاسامات الداخلية، ويمكن أن تتفتت دولها التي نجت من تقسيمات الحرب الأولى، اي تفتيت ما تم تفتيته في السابق . لذا فثمة شعوب كثيرة في تركيا عرب وأكراد كرمانجيين ، وسريان وأرمن وقوقاسيين وأذريين وعلويين وسلاف، يمكن أن ينفجر المرجل التركي بهم. وإيران كذلك متكونه من عرب وبلوش وأفغان وفرس وخراسانيين وأذريين وسريان وأرمن وأكراد وقوقاسيين . لذا فالتعقل فرض على الأتراك والإيرانيين كونهما يقعان في مهب الريح وأن الأوربيين مازالوا يحملون على الأتراك اصرا وضغينة ولم يقحموها بمنظوماتهم الوحدوية، وحري بها أن تتعامل مع العرب والمسلمين بصدق وأمانة وحمية مشتركة بعيدا عن الجشع والطمع الذي ورثوه من أجدادهم القادمين من منغوليا..

 

د.علي ثويني

في المثقف اليوم