آراء

مستقبل مشرق

شاهد الناس مناظرة المرشّحين الجمهوريين لرئاسة الولايات المتحدة، فبراير الماضي، وكان ملخص ردود المرشحين على أسئلة القضية الفلسطينية كالآتي: الفلسطينيون إرهابيون، ولا سلام مع إرهابيين... إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية ملائكية... علينا أن نمول إسرائيل بالأسلحة اللازمة للمدافعة عن نفسها... وكما قال تيد كروز: «سبب تحالفنا مع إسرائيل هو أنها دولة ديمقراطية ليبرالية تشاركنا قيمنا، وأقوى حليف لنا في المنطقة». والعجيب هو أن المرشح الوحيد الذي حاول ألا يبدو كالمعتوه في هذه المناظرة، وكان صاحب أكثر موقف حيادي، هو الأكثر عداوة للمسلمين في الظاهر، وهو الذي لم يحاول إخفاء تعصبه وعنصريته في جميع مقابلاته وخطاباته. ما الذي يمكن لنا أن نستخلصه من هذا؟ لا شيء. فالولايات المتحدة وحلفائها الآن قادرون على إنهاء ما بدأته إنجلترا في أوائل القرن العشرين، وكادت تحققه إسرائيل في ستينيات نفس القرن.

لم يعد هناك أي رادع؛ فالعرب مشغولون بحروبهم الأهلية، أو ضعفاء،  أو مفلسون، أو لا يبالون. إن تعطش كاسيتش لدماء الفلسطينيين، أو حياد ترامب، أو تعصب ماركو، وتصرفات بقية المرشحين، تؤكد أن الهبة الفلسطينية ظاهرة تعبر عن انتهاء كل الحلول السياسية على أرض الواقع، ومؤشر لوعي الفلسطيني بهذه النهاية، وببدء مرحلة اعتماد تام على النفس. صارت المفاوضات والحلول الدبلوماسية شيئا يثير الضحك، و كما قال إلياس خوري في مجلة الدراسات الفلسطينية: «مات أوسلو من زمان، وما تقوم به القيادات الفلسطينية يشبه من يحمل جثة على ظهره، ويحاول إقناع الناس بأنها لم تمت. لكن الجثة تتحلل والرائحة تزكم الأنوف، وهي تهدد حاملها بالموت. لكن حامل الجثة لا يريد دفنها، أو لا يستطيع ذلك، أو لا يزال يعتقد أن أعجوبة ما ستحييها».

ليس هناك من يطالب بحق الفلسطينيين في أيامنا هذه إلا من ليس له حول ولا قوة. ستتكشف الأحداث عما قريب، وسيزيد الخطاب العنصري الكذاب حدة في إسرائيل وأمريكا، وإن كان هناك شعار للفلسطيني في المرحلة القادمة، فلن يكون إلا الصمود. اعتاد الفلسطينيون الصمود مع الأمل في نهاية الإحتلال، ولكن لم يعد لهذا الأمل مبرر. سينسى الغرب عنصرية الصهاينة، وحق الفلسطينيين في الأرض، واستيطان اليهود للأراضي، وإبادة اللاجئين في المخيمين، ووعد بلفور، والنكبة، وسيصابوا كلهم بفقدان الذاكرة. سيقول الغربي: "قتلة هم الفلسطينيون، وإرهابيون، ولا يستحقون الحياة، أما هؤلاء العبرانيون، فليصبرهم الله، ولنمدهم بما يحتاجون للقضاء على أعدائهم، وأعدائنا، وأعداء الله، من العربان".

ماذا سيفعل المثقف؟ لن يستطيع فعل أي شيء،  وإن أردت مثالا لمثقف كان أولى به أن يحدث تغييرا لقلت لك إن نعوم تشومسكي، ونورمان فنكلستاين، و غيرهما في أمريكا، وإدوارد سعيد، ومحمود درويش، وغيرهما في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا، قد بح صوتهم، ولم يتبقى غير الصدى في الكتب والمجلات. كل ما تصورناه قد حدث، وكسب المتشائم الرهان، واضطر المسكين للسكين رفضا للواقع الأسود المرير. أين الله الآن؟ أين كان الله زمان؟ هل هو راض عما يحدث، أم فقد الأمل في جنس البشر، وخلق كائنات أخرى ليختبر صبرهم على البلاء؟ إن كان هناك، فماذا ينتظر؟ ألم يمت من الأبرياء ما يكفي لينهي هذه المهزلة؟ ظل الناس ينتظرون نصرا، وينتظروه، حتى تجرأ محمود درويش، فقال: «ياالله، جربناك جربناك. من أَعطاك هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟ من أَعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟ فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ». ولكن الله لن يظهر، ولن يتكلم مرة أخرى، ولن يبعث بنبي جديد، ولن ينزل الروح الأمين، وسيظل الفلسطيني يموت، والسكاكين ترفع، والدماء تسيل، والأرواح تزهق، والغرب يمرح، والشرق ينهار.

 

احمد محمد فراج

 

في المثقف اليوم