آراء

زعماء ولكـن..!!

almahdi mohamadإن ما أثار انتباهي واستغرابي في نفس الوقت، هو ما برح يتشدق به البعض من غير العارفين بخبايا الأمور، أو من الذين انطلت عليهم لعبة الكلمات والشعارات الطنانة والصيحات الرنانة، وهو أن كل حركة تمردية أو انفصالية هي حركة تحررية، وأن زعمائها وقادتها هم مُلهمون ومعصومون من الشوائب والزلات،بلغ بهم الأتباع والمريدون قدسية، يكادون يبلغون بها حد الأنبياء..فكرة يُـدمغ بها مريدو الحركات والجماعات دمغــا، على اختلاف ايديولوجياتها، وعلى تباين مرجعياتها وخلفياتها الفكرية والعقدية .

    قادة أو زعماء لحركات متمردة أو انفصالية، لا تخفي نيتها في تقسيم المقسم، وتجزيء المجزء، بل وتُـجاهر بذلك، تساندها في توجهها أيادي السوء والغدر في كل مكان .. قادة يفعلون ما يشاؤون، دون أي اعتراض من أي كان من الأتباع والمريدين، يترشحون بمفردهم في كل الدورات، ولا يجرأ أي كان أن يتقدم إلى نفس منصبهم، وإن فعل، فسيُرمى بالخيانة والعمالة، وذلك مدخل للتخلص منه بشكل نهائي، عن طريق التصفية الجسدية، لأن الزعامة والقيادة والرئاسة من خاصتهم هم، ومن حقهم هم، بل إنهم إنما خلقوا ليكونوا قادة وزعماء، وليس أحد آخر غيرهم .. كما لا يحق لأحد من الأتباع والمريدين والمُغرّر بهم من الحركة أو الجماعة، أن يطلع على خبايا المداخيل والمصاريف الخاصة بها .. فللقائد وحده،كل حقوق الصرف والعطاء والإمساك، بالشكل الذي يريد، وبالقدر الذي يريد، من دون حسيب أو ر قيب، وكأن المال هو خاصته،الذي لا يملك أحد الحق في المطالبة به، أو بنصيب منه . فهو المتفرد في الحركة، وهو الآمر والناهي من دون معارضة أو إبداء رأي أو نصيحة حتى ..

- أليس هذا حال معظم حركاتنا المسماة تحررية، أو جماعاتنا المسماة  دعوية أو جهادية؟ أليس هذا حال زعمائها وشيوخهـا الأفاضل؟؟.

- ما الفرق إذن بين زعيم عصابة انفصالية مثل عبد العزيز المراكشي، ورئيس دولة مثل بوتفليقة أو بشار أو صالح أو البشير أو غيرهم من القادة العرب؟؟ .

- أليسوا كلهم ثابتين ساكنين على الكرسي منذ الأزل، وليست لهم النية في التخلي عنه طواعية لمن يليهم، إلى يوم يقبرون؟؟.

- أليس يجمعهم حب الزعامة والرئاسة؟ .

- أليس يجمعهم التصلب في المنصب، والتكلس في الكرسي إلى حدّ التماهي والحلول؟؟ .

- ألا يعلنون غير  ما مرة أنهم باقون في المنصب، وأن لا أحد أحسن منهم، أو على الأقل لا أحد يضاهي مواهبهم وملكاتهم الفريدة  في الزعامة والحكمة والتبصر والوطنية؟؟ .

    لا فرق بين زعيم عصابة ورئيس دولة في بلاد العرب، فكلهم بالحرية والتحرر ينادون، وبالديموقراطية والعدالة والمساواة يُهللون، بل وعلى أمواجها يركبون، وشعاراتها يمتطون، ليتربعوا على كراسي الريادة والقيادة والرئاسة، لكنهم وبنفس الشعارات، وبذات الأعذار الزائفة يبررون بقائهم، وتمسكهم بالمناصب والامتيازات، يلهثُ خلفهم جيش من الدجالين والمحتالين، الذين يُزيّنـون لهم سوء عملهم، ويُبخسون في أعينهم كل ما عَداهُم،مُنتفعين هم وإياهم من هِبات المناحين، وسخاء المُحسنين، ودعم الكائدين، الذين يضمرون للناس الشـرّ، وللبلاد الضّـر، خدمة لأطماعهم الخسيسة، وتمكينا لأيديهم البغيضة في المنطقة العربية .

 فهل يَعتبِـرُ المعتبرون، ويستفيقُ المُريدون الذين لا يزالون في غمرة جذبتهم التي لن تدوم يَعْمَهون؟؟ .. فما أحوجنا إلى الوطنية المتجدّرة، وإلى الزعامة المتحررة، والقيادة المتبصرة، التي تضع خدمة البلاد والعباد فوق المناصب وفوق المكاسب .

 

محمد المهدي ــ تاوريرت ــ المغرب

 

في المثقف اليوم