آراء

ازدواجية الخطاب والتباكي عند الأعتاب

mohamad almahdiكلما طرح تحسين الوضعية المادية للمواطن المغربي، أو الرفع من مستواه المعيشي، وفي كل الحوارات الاجتماعية، إلا وتحججت حكومتنا الموقرة، بالظرفية الاقتصادية الحساسة، وقلة ذات اليـد، وكأن قلة ذات اليد هذه لا تعني السادة الوزراء والبرلمانيين وكبار الموظفين السامين  والتابعين لهم وتابعي التابعين، وكل من يدور في فلكهم أجمعين . فكيف لهؤلاء وهؤلاء أن يدعوا الحرص على مصلحة الوطن، وكيف لحكومتنا الموقرة أن تمنع عن المغاربة الضعفاء بعضا من ثروة البلاد، في الوقت الذي توزع فيه الامتيازات والإتاوات على غير مستحقيها من الوزراء والبرلمانيين وأقاربهم بغير حق؟؟ وما فضيحة رخص الحج ببعيدة عنا .. حيث تم تمكين 140 برلمانيا ووزيرا من تذكرة الحج لهذا العام، مدفوعة المصاريف أكلا وإيـواءً، كل ذلك من جيوب المواطنين ودافعي الضرائب البسطاء، الذين يكتوون كل يوم بسعير الأثمان، وجشع السماسرة والمضاربين .. لم نعد نتحدث في بلادنا عن الريع السياسي أو الاقتصادي فقط، بل انضاف إليهما ريع ديني أخطر واقبح، وما هذا إلا فضل آخر يضاف إلى فضائل حكومتنا الموقرة، التي  يدعي رئيسها " يا حسرة " الارتكان في عمله على خلفية اسلامية إصلاحية معتدلة، تنهل من السلف الصالح للأمة، وتقتدي بسيرتهم العطرة .

ونفس الظرفية الاقتصادية الحساسة، هي التي جعلت السيد بنكيران وحكومته الموقرة، يصرون على تمرير مشروع اصلاح التقاعد، بالشكل الذي يريدون وفي الوقت الذي يريدون، غير ملتفتين إلى اقتراحات الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، الذين يطالبون الحكومة بالإصلاح الشامل لمنظومة الأجور وكل القوانين المنظمة للوظيفة العمومية، بما فيها مراعاة الفوارق في الأجور، والعمل على تقليصها، والغاء الكثير من الامتيازات الزائدة عن المعقول، وتمكين العمال والفلاحين من جميع ضمانات التغطية الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدمتها، انشاء صندوق التعويض عن العمل chômage :، وربطه مباشرة وبشكل أتوماتيكي بمكتب التشغيل وتنشيط الشباب، كما هو معمول به في الدول التي تحترم مواطنيها .

يتحدث السيد بنكيران عن تقاعد الموظفين البسطاء، ويفتخر بخصم 0.5 نقطة من معاشاتهم،من أجل مصلحتهم – كما يدعي –، في الوقت الذي يتم فيه السكوت وبصفة مريعة، عن الحديث عن  كل ما يتعلق بتقاعد الوزراء والبرلمانيين ورواتبهم وامتيازاتهم السخية، هؤلاء الذين ينتفضون ويكشفون عن دواخلهم الخبيثة، كلما تمت إثارة هذا لموضوع، وكأن ذلك طابوها من الطابوهات التي لا ينبغي الحديث عنها، أو الاقتراب منها، وهم يعلمون علم اليقين، أنه ريع سياسي، لا يستحقونه بقوة القانون والشرع، لأن مهامهم هذه هي مجرد تكليفات سياسية، تزول بمجرد انتهاء صلاحيات هذه الحكومة أو تلك، بل إن هذه المهام هي بالدرجة الأولى تكليف، وليست تشريفا، ينبغي أن تكون في خدمة البلاد والعباد . كما أنها ليست مَدعاة لجباية المصالح المادية، وتكديس الثروات والاغتناء، عبر الاعفاءات الضريبية، واستغلال شبكة العلاقات القذرة .

لماذا يتم السكوت عن التضخم غير الطبيعي لمديونة البلاد، في الوقت الذي يتم فيه الترويج لخطاب مخالف للواقع الاقتصادي والاجتماعي ؟؟ . فيكفي أن نقارن بين الأرقام والمؤشرات الصادرة عن الحكومة، وتلك الخاصة بالمجلس الأعلى للحسابات، ليتبن لنا حجم التناقض بين المصدرين، وحجم التهافت الحكومي، ودرجة التمويه والاستخفاف الذي تمارسه هذه الأخيرة اتجاه كل ما يرتبط بمصلحة الوطن والمواطن .. ففي الوقت الذي كان على السيد رئيس الحكومة أن يجيب علن تساؤلات الرأي العام حول تضخم حجم الديون العامة،وعن مدخرات صندوق المقاصة، الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية،و عن ارتفاع وثيرة الاقتراض الخارجي، انبرى سيادته إلى لعب لعبته السخيفة وتمييع الموضوع قائلا باستخفاف أمام  نواب الأمة، وأمام الملايين من المتابعين : " واش أنا خديت هاد شي لراســي ؟" ..  ألـم يكن حريا به أن  يحلل الحيثيات، ويبسط الأرقام، بهدوء وروية، لعل خطابه يجد إلى آذان المواطنين منفذا وسبيلا؟.

أيضا .. وفي سياق الحديث عن الظرفية الاقتصادية الحساسة جدا، ألم يكن من المفيد أن يساهم أثرياء البلاد وأصحاب الثروة فيه، في انقاد البلاد من الإفلاس؟؟ ألم يكن حريا بالسيد رئيس الحكومة أن يدفع بهؤلاء إلى التنازل عن القليل من الارباح  لفائدة الوطن، ولفائدتهم هم أنفسهم، كما فعل أقرانهم في الولايات المتحدة الأمريكية العام المنصرم، حيث خصص أثرياء البلد نصيبا من أرباحهم لخزينة الدولة، هذا زيادة عن الضرائب التي يؤدونها كل عام . أم أن أثرياءنا لا يحسنون سوى التهرب من الضرائب، وجمع الثروات وتكديسها في المصارف الأجنبية  في سويسرا وبانما وغيرهما؟ .. ليس هم انقاذ البلد،و لا هم من فيهــا، واضعين قدمــا هنا،والثانيــة على الضفة الأخرى ..

ففي الوقت الذي أطبق السيد رئيس الحكومة، وضرب صفحا على الحديث عن ضريبة الثروة، التي كان يهلل بها في حملته الانتخابية، عمل على زيادة الضريبة على المواطن البسيط، بالرفع من فاتورة الماء والكهرباء والنقل والمحروقات وو  .. مفضلا ركوب أسهل الأحصنة، وهو هذا الشعب البسيط . أما الحصان الآخر، فقد اكتشف – مع الأسف – أنه إما تمساح، من الخطر الاقتراب من مجاله، وإما عفريت، يمتلك قدرات خارقة، ما يجعل من عملية الإمساك به، ضربا من العبث والجنون .

وليبقى الحال كما هو عليه،إسهال في الشعارات، وإمساك  في العمل، ازدواجية  الخطاب والفعل،لهم الحج والعمرة بالمجان،والعلاج بالمجان، ولهم التقاعد الذهبي، والسيارات الفارهـة، ولنا الفاقة والكمد، والموت على أعتاب المستشفيات، والموت في أتون المتوسط، أو التسول على الأرصفة، لهم كل الثروة، ولنا قفة رمضان .. قنينة زيت وقصفة من دقيق وسكر.. قسمة ضيزى، وعند ربكم تختصمون .

 

محمد المهدي ـ المغرب

 

في المثقف اليوم