آراء

المفاعلات النووية: ضرورة ام موضة؟ .. الأرْدُنُّ انموذجاً

younis odaبعد الهبوط الذي لحق باسعار النفط عالميا على مدار الشهور السابقة، كان من الحكمة والحصافة من ذوي الامر التفكير بالنتائج – حلوها ومرها- إن استمر الحال على هذا المنوال . وكما يقال، رب ضارة نافعة، فقد وضعت بعض الدول النامية نصب اعينها بدائل وحلولا عقلانية لهذه المعضلة؛ فالطاقة الاحفورية من نفط وغاز وفحم زائلة لا محالة، آجلا أم عاجلا، ومن المؤكد ان قرارا كهذا سيجنب البلاد والعباد مشقاتٍ هُمْ في غنىً عنها، فالطاقة النووية كان لها نصيب الاسد على أجندة بعض الدول كالاردن والسعودية والسودان ومصر، على سبيل السرد، لا الحصر، فهل هي لايجاد حل مثالي كبديل حتمي للنفط، للصمود في وجه المتغيرات ولاجل راحة ورفاه الشعوب، ام ان هذا يشكل نوعا من مجاراة التطور العلمي، والانفجار التقني والمعرفي، وفرض الذات على الخريطة العالمية؟ فدول جنوب شرق اسيا شهدت طفرة اقتصادية هائلة حتمت عليها منذ امد بعيد السير في ركاب التكنولوجيا النظيفة ذات الكفاءة عالية الجودة.

التعاطي مع الطاقة البديلة للنفط الاحفوري ليس بالامر السهل؛ فهذا يتطلب دراسات واجراءات كثيرة ودقيقة ومطولة، والتعاقد مع شركات دولية للطاقة تمتلكها دول ذات وزن من العيار الثقيل في العالم شيء مكلف. والامر لا يخلو من اصوات هنا وهناك، وهَنَاتٍ في السر وفي العلن يطلقها انصار الحفاظ على البيئة ونداءاتهم المتكررة بضرورة اللجوء الى الطاقة النظيفة والآمنة والمستدامة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة المياه. هذه عَقبة قد تتسبب في ليِّ اعناق ما يتخذ من قرارات بخصوص الاعتماد على الطاقة النووية. لكن، ما المانع، وما المخاطر، وماذا يتطلب الشروع بانشاء محطات نووية؟

بادئ ذي بدء، المحطات النووية مكلفة جدا؛ وخزينة بعض الدول ربما لا تفي بما يترتب على ذلك من مصاريف، او قد تتاثر كثيرا في احسن الاحوال. فالاردن على سبيل المثال قرر انشاء مفاعلين نوويين بطاقة 1000 ميغاواط لكليهما- وهي خطوة في الاتجاه الصحيح- احدهما لتوليد الكهرباء، والاخر للبحوث: التعليمية، والطبية، وما يستخدم في الزراعة وانتاج سلالات محسنة من البذور والاسمدة، والبحث عن مخزون المياه الجوفية وبعض الثروات في باطن الارض. فالتكلفة هنا تقدر بما ينيف عن (10) مليارات دولار، ناهيك عما يسبق ذلك من تحضيرات ضرورية، ودراسات مستفيضة لفحص ربما آلاف العينات من التربة بغية اختيار الموقع المناسب؛ بعيدا عن الهزات الارضية، ومناطق البراكين والتصدعات، وبعيدا عن الاماكن السكنية والمزدحمة، اضافة الى ضرورة توفر مصدر مائي دائم لاغراض التبريد، ووضع خطط ووسائل للسلامة لتجنيب البلاد والعباد-لا قدَّر الله- ما حدث يوم كارثة "تشيرنوبل" و "فوكوشيما". هنالك كذالك امور استراتيجية يجب الا تغفل عنها الدول التي في صدد انشاء محطات نووية.

من هذه الامور الاستراتيجية ضمانُ عدم قيام دول الجوار، او الدول المعادية- إن وجدت- بوضع العصي في الدواليب، وتكسير مجاذيف الدولة الراغبة في امتلاك الطاقة النووية، بحجة تخوفها من وصول مخاطر التسريب الاشعاعي اليها او تهديد كينونتها. ولنا في المفاعل العراقي" تموز" خير مثال، إذ اصبح في ثوان معدودة اثرا بعد عين. ان تأتي المنغصات من دولة معادية أمرٌ لا يحتاج الى ذريعة، وكل ما هنالك هو كيل الاتهامات بخطورة هذه المنشأة واحتمال توظيفها في المجال العسكري- الذي هو حق مشروع للجميع- والأمَرُّ والادهى حين يصمت الضمير العالمي، راعي الديمقراطية وحرية الفكر والابداع، ليبارك – صمتا- ويكيل بمكيالين، والصمت ابلغ من النطق، أحيانا. أن تنبري الشركات النووية الكبرى في بناء المحطات النووية لدول العالم الثالث امرٌ يثير بعض علامات التعجب والاستفهام في آن.

من المعروف ان ما يعمل من محطات نووية الان يتبع للجيل الثالث، وربما البعض ينتمي الى الجيل الثالث " بلس". وهذه الدول- الكبرى- تخطط لتحديث مفاعلاتها على اتم وجه بحيث تبدأ العمل في 2022 – 2024 تقريبا، واللافت ان الانتهاء من تصنيع وتركيب وتشغيل مفاعلات الجيل الثالث للدول النامية يبدأ في تلكم السنوات، مما يشير الى بعض الريبة من ان هذه الدول ليس هدفها خدمة الدول النامية لوجه الله، انما السعي لضربة استباقية للتخلص من تقنيةٍ اهترأت او كادت، اضافةً الى المردود المادي المجزي، واستثمار وقت كوادرها للبقاء على تواصل مع مجال عملهم . والطريف ان الدول المصنعة تعمل تسهيلات جمَّةٍ للدول النامية، كسداد الديون على مدار عقود، مع فترة سماح لعقد تقريبا، وبنسبة فائدة قليلة. فهل هي عملية مبطنة لتزويد المحتاجين باجهزة لا تتناسب والثورة التقنية القادمة؟!

أما الجيل الرابع فينماز بعدة اشياء تجعله يبز الجيل الثالث والثالث بلس؛ فهو الى حد ما اقل تكلفة واسهل تصنيعا وحملا الى حيث يراد تركيبه، اضافة الى طول عمره الزمني في الخدمة؛ إذ ربما يصل الى ضعف عمر ما سبقه من اجيال. كذلك فالجيل الرابع سيولد طاقة كهربائية اضعافا مضاعفة، وستصل خدمات الصغيرة منها الى الاحياء السكنية والمحال التجارية، وغيرها من اسباب خدمة المجتمع.

ليس عيبا ان تُسخِّرَ بعض الدول الطاقة النووية لخدمة شعبها وتيسير حياته، ووضعه في المصاف الاولى من النهضة العلمية، وكان الاولى أن تكون بسواعد ابنائه- وهم على كفاءة مشهود لها في بلاد المهجر.

اقتناء المفاعلات النووية يستلزم اعباء التخلص من المخلفات النووية، وهي خطر يحاصر الشعوب ويهدد حياتهم، لذا  يتوجب دفنها في مقابر خاصة، وآمنة، وتحت السيطرة، فلربما كان تحتها مخزونا جوفيا من الماء العذب، او ربما تكون تلك البقعة عرضة للتشققات والشروخ الطبوغرافية ما يهدد بكارثة. وبحكم عملي سابقا مترجما في مكان يتعامل مع اسلحة الدمار الشامل:النووية، والكيميائية، والبيولوجية، فإنني اهيب بمن يخطط لامتلاك محطات نووية ان يتذكر بأنه يتعامل مع قوة غاشمة ساحقة ماحقة، لا تبقي ولا تذر حال وقوع خلل فيها -لا قدر الله. فالامر ليس ترفيها او وجاهة. فهل من فرصة لابناء البلد؟

من الاولويات لدى الدولة الراغبة في الحصول على المحطات النووية أن تطور من قدرات وكفاءة ابنائها، وتعمل على ابتعاث البعض منهم الى دول تتعامل مع هذا المجال، ناهيك عن ضرورة توفير التخصصات اللازمة لهذه التقنية في جامعاتها المحلية، او جامعة محددة للدراسات النووية، كي تنطلق في فضاء الابتكار الرحب الذي ليس فيه مكان للضعفاء والكسالى. 

فسعي بعض الدول، ومنها الاردن، لامتلاك طاقة نووية سلمية يُعَدُّ من حقها كدولة تتمتع بالامن والاستقرار. من حقها ان تقدم لشعبها ما يوفر له التمتع بالخدمات المعيشية والعلمية . وان كفاءات الاردن الفكرية والعلمية لا تقل باي حال من الاحوال عن كفاءات مصر، او جمهورية ايران الاسلامية، او كفاءات المملكة العربية السعودية او دولة الكيان. الطاقة النووية- رغم مخاطر نفاياتها النووية، لَهِيَ الحل الامثل لمستقبل واعد ومشرق لبلد لا نفطي ومحدود المصادر. واذا كان التخوف من عدم القدرة على السيطرة على زمام هذه الطاقة وكبح جماحها، فالاحتياطات اللازمة بهذا الخصوص يتم اخذها في الحسبان حين التفكير في انشاء المحطات النووية، ولا تتم الموافقة على انشائه الا باكتمال هذا الشرط، وكل الشروط اللازمة. 

العالم الان يسر بخطى حثيثة نحو اثبات الذات ومجاراة التقدم العلمي، والاجدر بالاردن، كما غيرها من الدول ان تمتطي صهوة الريح وتسارع في حجز مقعد لها في هذه التقنية. انها فرصة سانحة للانطلاق والانعتاق من ربقة الوسائل التقليدية لانتاج الطاقة، الى الطاقة النظيفة والسريعة والاكثر مردودا وربحا. فالتكلفة المادية لهذه التقنية يمكن تعويضها حال اشتغال هذه المحطات. لنا ان نتخيل كيف ان الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية تجوب بحار ومحيطات العالم ولعدة شهور دون توقف ودون ان تخرج للعيان.

فلا خوف من امتلاك الاردن للطاقة النووية، فقد اجرت دراسات مع بيوت الخبرة العالمية في هذا المجال، وتم تخطيط كل ما يلزم كانشاء وحدات السيطرة ومحطات التاكد من عدم وجود تسريب مهما قل حجمه. فاجهزة التبريد كفيلة بالسيطرة على اي مخاطر قد تنشأ حال ارتفاع حرارة المحطة.

قطار العلم والتقدم يسير باقصى وتيرة، ومن الضروري للدول النامية ايجاد البدائل لاجل توفير حياة كريمة هانئة لابنائها.

 

يونس عودة

 

في المثقف اليوم