آراء

بسام فاضل: ثورة أكتوبر الرعيل الأول للمقاومة الجنوبية

ثلاثة وخمسون عاما مضت من عمر ثورة 14أكتوبر المباركة ولا زالت شواهدها حاضرة لم تغادر شرنقتها في تجدد مستمر وطيفها ما فتئ ينتقل من جيل إلى جيل .

بعد ثلاثة أعوام من يوبيلها الذهبي الخمسين منذ فجر الانطلاقة الأولى وحتى هذه اللحظة وهي في حراك متواصل لم تخبو جذوتها وتستكين رغم المحن وعواصف الأرزاء التي لحقت بمسيرتها الظافرة وأستطاعت أن تقود المجتمع الذي منحها الثقة المطلقة إلى مصاف المجتمعات الراقية وتمكنه من أمتلاك سيادته وتحرره من قيود الأستبداد والأستعباد ويتسنى له التحكم في مصيره وممتلكاته التي أعادتها الثورة لتحقق بذلك الاستقرار الاقتصادي وترتقي إلى سدة الثورات ألتحرريه العظمى متجاوزه حدود المكان والزمان بعولمة نهجها وفكرها، لتقدوا نواة في المنطقة، صدرة أسلوب كفاحها إلى أنحاء شتى من الوطن العربي والعالم كافة فحضت بأن تكون مدرسة نضالية رائده لا تلين لها قناة.

 وقفت ثورة 14اكتوبر بوجه القوى الرأسمالية العالمية والصهيونية الأمريكية التي أرادت فرض الهيمنة على شعوب العالم الثالث والجزيرة العربية في المقام الأول وعزل الوطن العربي والعالم الإسلامي عن الشعب الفلسطيني لتمرير سياسات الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من وطنهم .

 ظلت ثورة14كتوبرالعظيمة ناراً ونور ، ناراً في الجنوب وشبه الجزيرة العربية والوطن العربي والعالم كافه تحرق كل من تسول له نفسه المساس بالإنسان وقيمته الاجتماعية في صراع مع كل من يحاول أن ينتقص من أدميته وحقه في بناء أسره متكاملة في وطن آمن خال من العنف والعنصرية واستعباد الإنسان وإذلاله، مطالبة كل العرب للوقوف بوجه العدوان الصهيوني على ألامه العربية وفي مقدمتها فلسطين متضامنة قولا وفعلا مع كل الشعوب الواقعة تحت نير الاستغلال التبعي والاستعمار الأجنبي .

ونوراً بعد ظلمة في تحويل سنوات القهر والظلم التي طالت بالشعب الجنوبي جراء السيطرة الاستعمارية التي أستمرت قرن ونيف وترتب عليها حرمان الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه والتعليم المناسب والتطبيب المجاني وأشدها مضاضة وأكرهها تحويله إلى قن في وطنه يذهب شقائه وعرقه إلى غيره، تحويلها إلى نوراً يملا فيافي الجنوب من أقصاه إلى أقصاه بالعلم المجاني وتوفير القوت المدعوم من الدولة والصحة المجانية واستصلاح الأراضي وشق قنوات المياه لريها وتعبيد الطرقات وأفتتاح الجامعات والمعاهد التي تأهل الكادر الوطني في مختلف التخصصات .

ولا ننسى أن تحول الثورة من مرحله التحرر ضد المستعمر إلى مرحله التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية الحديثة كان محورها الإنسان أساسا وقيمة كرست جل جهودها ومدخراتها لبنائه البناء الصحيح وأستعادته من رمق العبودية التي فرضت عليه، أوصلته إلى حد الترنح والضياع بعد عزلة في مختلف الجوانب، أراد المستعمر تحطيمه معنويا قبل المادي وتدمير فكره قبل جسده وغرس قيم الانحلال والمهادنة والرضوخ للأمر الواقع .

وإذا ما عدنا إلى لحظات التفجر والشرارة الأولى التي أشعلت الثورة فلم يكن يوم أكتوبر يوما عابرا وانتفاضة عشوائية بل كان الاستعداد له مبرمجا ومدروساً ومخططاً وسبقته إرهاصات كثيرة وعوامل عجلت وأكتملت وهيئت المناخ في مجالات شتى بحيث تشكلت بوتقة الثورة وأهدافها وشروطها، الظروف الذاتية والموضوعية لقيام أي ثوره في العالم وهي تقريبا مشابه الم تكن مطابقة لأكبر ثورات العالم .

فمن الظروف الذاتية إن الشعب الجنوبي وعى أكثر من أي وقتا مضى لخطر الاستعمار وإحساسه بقرابة الوضع والتعايش مع المحتل الأجنبي الذي بدوره أستخدم سياسة فرق تسد لضرب الجنوب فيما بينه البين وشرع لقوى النفوذ والتسلط مسميات نفرت الكل وسخرها لخدمته زادت من بوس أبناء الوطن بينما أخذ هو حق التمتع بمقدرات الوطن وثرواته.

أيضا نشاء حراكاً في مختلف الجوانب تسيدتها الحركة الثقافية الذي غذت الوعي الوطني الجنوبي وسهلت ولوج الفكر الثوري السياسي إلى أذهان المجتمع وحركته الجماهيرية وأغلقت ردحا من التناحر والفرقة ألجنوبية - الجنوبية في أطراف الوطن الذي وصله فكر الثورة وأهداف حركتها الوطنية، فتم تأصيل الثورة بإشراف قيادتها الإشراف المباشر والإيثار على أنفسهم في حب الفداء عندما عانقوا شعاب الجبال وسهول الأودية سيرا على الأقدام موصلين رسالتها وممهدين لشرارتها .

ومن الظروف الموضوعية وصول المد التحرري إلى الجنوب نتاج لتولد فكر حركه المقاومة ضد المستعمر في جميع بلدان العالم ساعده وقوى شوكته نجاح هذه المقاومة في مقارعه الاستعمار وجلائه نهائيا عن أراضيها وإعلان استغلالها عنه وتصفية رواسبه حيث وفرت إمكانيات ماديه ومعنوية شكلت رافدا لمعظم الثورات العربية التي بدورها تعمل عمل سابقتها لإنجاح ثورات أخرى وهكذا توفر عامل التواصل والتوصيل الذي ضمن الاستمرار والارتقاء بحجم النضال وتملكه أهداف ثوره بكل مسمياتها قادرة على البذل والعطاء والتضحية، أيضا تملك القدرة على أدارة ذاتها، وكذا مساهمة القوى العاملة في رفد الثورة وعصيانها للإدارة الاستعمارية وغدت تنظم نفسها بوعي ثوري حتى يتسنى لها قيادة دولتها التي حررتها وأعلنت أستقلالها الاستقلال الكامل الغير منقوص خال من التبعية .

بعد ذلك استطاعت ثورة أكتوبر المجيدة وفي وقت قصير إن تتفوق على كثير من الثورات وأن تصبح في ريادتها وسلامه نهجها التحرري الغير تبعي بمثابة منار ومثلا يحتذ به أخذ بنهجها وأسلوب نضالها شعوب عده عربيه وغير عربيه ولم يأتي ذلك من فراغ بل من التفاف كافه فئات الشعب حولها بما فيها القوى التي عارضتها واقتنعت بسلامة نهجها فيما بعد، وتحولها إلى حارس أمين لمنجزاتها وأهدافها واستطاعتها تحصين نفسها بنسج علاقات حميمة مع جيرانها وحسن جوار متميز وخلق علاقات عربيه مجسده ومنتصرة لقيم العروبة ومتفانية لخدمتها مهما كلف ذلك من تضحيات طالما وهي تسخر لتحرر الشعوب وإعلاء شانها.

كذلك فعلت مع الشعوب المحبة للانعتاق والتحرر والسلام العالمي، فاستحقت إن تكون ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتندرج في مصاف الثورات العالمية تنافساً، وقدت منهل عذباً تئمها هذه الشعوب لترتوي منها .

و كم غمرتنا السعادة وأنهمرت من عيوننا الدموع في ساحات الاحتفاء منذ ولادتها الى أن بلغت ثلاثة أعوام بعد يوبيلها الذهبي لا ألما من التجارب المريرة التي مرت بناء بل نشوة بالارتباط الأبدي الذي تحقق لنا !

لا يستطيع أنسان ما، أن ينكر ان أكتوبر الثورة الخالدة، تولد عن تفجير شرارتها الاولى من جبال ردفان التحدي والاباء بقيادة المجاهد الفذ راجح غالب بن لبوزه تولد معها معنى المقاومة الحقه وصفاتها واتقان الأسلوب الأمثل في تشكل الإنسان المقاوم .

وفي وقتنا الحاضر ولإكثر من عشرون عام خلت كانت المقاومة الجنوبية ولازالت القائد الأوحد المعبر عن قضية شعب الجنوب وتطلعه نحو الحرية والاستقلال .

وضعت على كاهلها منذ اللحظة الاولى لاحتلال الجنوب صيف 94م من قبل القوات الشمالية، وضعت مهمة النضال بلا هوادة ضد الوجود الاستيطاني وقضية تحرير الدولة المحتلة في أعلى المراتب السامية في كافة الأصعدة والمجالات التي تمكنها من تعرية وكشف زيف وبهتان ادعائه الوحدة تورية ومداره لأهدافه وحقده الدفين على الجنوب الارض والانسان وتحويلها –الوحدة –منذ ولادتها الاولى الى وحدة ضم وألحاق، هادف منها أمتصاص خيرات الجنوب وثرواته ومصادرة ممتلكات الدولة الجنوبية والاستحواذ عليها أول الأمر ومن ثم خصخصتها للمتنفذين الذين يقعون تحت طائلة الولاء للحكم التسلطي العسكري –القبلي المتخلف .

رافقت المقاومة الجنوبية كل نضالات الشعب الجنوبي بل كانت في صدارة الاحداث وواجهتها الأساسية قائدة للجماهير في كل المنعطفات إلى أن تجذر بنضالها محولة أياه إلى حركة شعبية وطنية ضجت بها ساحات الجنوب، عصفت بالنظام الحاكم المسيطر على الجنوب .

لقد استطاعت المقاومة الجنوبية الفذة أن تزيل العوائق التي زرعها الاحتلال، عقبة أمام الوحدة والتلاحم الوطني الجنوبي ومنها ردم هوة الخلافات والصراعات الجنوبية- الجنوبية التي كان الاحتلال يعمل على أذكائها كلما بداء الجنوب في تقارب أبنائه ولحمة قضاياه المصيرية .

الى أن توهج الحراك الثوري الجنوبي ثورة ذات أهداف وطنيه وأستراتيجية عظمى هزت كيان الاحتلال وأرعبت قواه والمتصالحين معه والماجورين الذين يعملون لديه، كما أنعشت وأفاق بفضلها من كانوا واقعين تحت سيطرته في سبات الدجل والوهم العميق .

كما بات العالم العربي والعالم كلا، ينظر الى شعب الجنوب ورافعت نضاله الوطنية الشعبية المتمثلة بالمقاومة الجنوبية ككيان وطني وممثل شرعي وحيد أستطاع أن يظهر ثورته إلى النور وينوا بها بعيداً عن الشبهات التي حاول الاحتلال الصاقها بها ومنها الارهاب وصنوف القوى الواقعة تحت هيمنته والجماعات المتطرفة دينياً ومذهبياً وعقائدياً وأن كان أهمها التبعية والإنجرار خلف الأنظمة المعادية لدول المنطقة والجزيرة قاصداً ضرب الثورة بهذه الدول وتطويقها وحجبها أعلاميها وقطع الدعم عنها .

وأن كان هناك فضل في تواصل النضال وتالف قوى المجتمع الجنوبي فانه عائداً إلى وحدة المقاومة الجنوبية ومسيرتها الظافرة في توحيد جميع المكونات وأصرارها على انبثاق قيادة موحدة وحيده جامعة لنضال الشعب الجنوبي وعملها الدؤوب على المصالحة بين جميع فئات الشعب الجنوبي .

كما حددت لنفسها مسار التصالح والتسامح الجنوبي هدف وغاية سامية عندما أخذت زمام المبادرة التي أعلنت من جمعية أبناء ردفان العام 2006م التصالحية وأمتدادٌ للإعلان التاريخي للقيادة الجنوبية للحزب الاشتراكي اليمني بقيادة المناضل الوطني علي صالح عباد مقبل في صنعاء بعد حرب صيف 94م والتي رفضت الحرب وأعتبرتها نهاية للوحدة بين الشطرين العام 90م وأعتبرت فك الارتباط نتيجة طبيعية لها وتحويل هذه الدعوة إلى إجراءات عملية مكنتها من الولوج إلى كافة شرائح المجتمع وفئاته المختلفة وقبل ذلك إلى صدورهم وافئدتهم حيث كسبت ثقتهم وخولوها إلى أن تكون الرائدة في صنع التقارب والتفاهم الجنوبي .

بالرغم مما حققته وتحققه المقاومة على أرض الواقع فلايزال بنائها طري العود وصلبها ما فتئ ليناً والمؤامرات تحيطها من كل النواحي والاهواء والأمزجة تتقاذفها نتيجة لضعف الخبرة العملية لدى الكثير من منتسبيها حديثي العهد كذلك تغليب الأندفاع الغير محكوم بالاستجابة للتنظيم والقيادة المجربة .

وهي تقف أمام منعطف صعب في خضم مرحلة هامة من حياة الوطن الجنوبي بعد ان رفدت بدماء جديده وبما أوكل اليها شعبنا مهمة الانتصار لإرادته وبناء دولته المستقلة لذا فإن من أولى مهامها كما نراه هنا.

تقييم المرحلة السابقة والاستفادة من أخطاء الماضي وجر التجارب النافعة الناضجة من مقاومة شعبنا الجنوبي على مرالعصور وعكسها على أدائها وتلقينها الشباب فلسفة ثورية .

تحاشي التجارب الضارة التي أخرت تطور شعبنا وسفر نضاله الوطني القومي العربي الاصيل والاسلامي وعدم ذمها والوقوف على عتباتها (ضاربين أجسادنا بأكفنا) بل أعتبارها جزء من تاريخنا فالشعوب الحية دائماً ما تكبوا في مراحل نضالها وتكمن حضارتها وثقافتها وخبراتها (التراكمية) في تحويل العثرات إلى آفاق للانتصار والبناء والتطور وليس من تجربة تذكر هنا كتجربة اللجان الشعبية التي حررت أبين وكان جزائها جزاء سنمار وتلك الانقسامات التي زرعتها السلطة في كيان اللجان الشعبية حتى أفرغتها من محتواها وأضعفت وهجها ودفعتها إلى مهادنة النظام وما لحق بها من اغتيال لقياداتها .

عدم المساومة في القضايا الأساسية والأهداف الاستراتيجية للثورة ولا يكون وحدة المقاومة الجنوبية إلا بوحدة هدفها المتمثل في استعادة الكيان المستقل للدولة الجنوبية قبل عام 90م وإعلان(ج.ي.د.ش )وفقا وحدودها المقرة في وثيقة الاستقلال الموقعة بجنيف العام 67م وإعطاء الحق للشعب ان يقرر مصيره بشان قيام دولة الجنوب العربي كاملة السيادة من المهرة الى باب المندب ومن بحر العرب الى الربع الخالي قطعاً للطريق على كل المحاولات التي تريد التربص بوحدة الوطن والمقاومة والتي تريد لها التطبيع مع النظام وتدجينها للإنكفاء على مشاكلها وأن تتخلى عن حماية السيادة الوطنية الجنوبية .

لا يمكن أن يقام النظام والدولة مالم تمسك المقاومة بالقبضة الحديدية المنسجمة مع النظام والقانون درئ للمفاسد وقطعا للأهواء والأمزجة وهذا لا يتكلل إلابجعل المقاومة ذات بناء مؤسسي مترابط وثيق عصي على الإختراق ولا يمكن أن يتكامل إلا بالإسراع في إعادة البنية التحتية الخدمية للدولة والتي من شانها أن تساعدها في آدا مهامها ومحاسبة المخلين بالسيادة الوطنية للدولة والأمن والسلم الاجتماعي إلى أن يتم في الختام تحويلها إلى جيش وطني مؤهل قادر على ان يادي المهام المنوطة به .

 

بسام فاضل

 

في المثقف اليوم