آراء

ضحايا الإرهاب وازدواجية المعايير الأمريكية والغربية

jafar almuhajirلا يمكن لأي كائن بشري يمتلك أدنى المشاعر الإنسانية  أن يتحمل رؤية ضحايا أبرياء تمزق قنابل الحقد الجاهلي الأعمى أجسادهم إربا إربا بحجج واهية ظالمة لايقرها منطق ولا عقل ولا دين. فكيف إذا كانوا أطفالا ومرضى وعاجزين من  نساء و شيوخ أبرياء وقعوا تحت ظلم كبير وهذا ماحصل لسكان قريتي الفوعة وكفريا بعد أن عانوا لأشهر طويلة من الجوع والحصار وقذائف الصواريخ التي كانت تنهال على بيوتهم من قبل العصابات الإرهابية الدموية التي تجردت من كل خلق إنساني، ولم يردعها أي رادع من إرتكاب جرائمها التي يندى لها جبين الإنسانية خجلا  وهو أمر يتناقض مع حق الإنسان في العيش الآمن الكريم والحصول على متطلباته الغذائية والدوائية في زمن السلم والحرب.

ورغم كل هذه الجرائم التي تزكم الأنوف، ويستهجنها أصحاب  الضمائر الحية في العالم فإن العديد من وسائل الإعلام العربية تتباهى وتفتخر بهذه الجرائم ومرتكبيها  ومن خلال هذا التأييد الإعلامي تتصاعد وحشيتهم وهمجيتهم يوما بعد يوم، وينتشون طربا وهم يشاهدون دماء ضحاياهم الأبرياء تسيل على الأرض.    

لقد فقد فرسان هذا الإعلام الوضيع كل معاني الشرف والرجولة،   وتحولت هذه الجرائم النكراء التي يتباهون بها  إلى عار أبدي يلاحقهم ماداموا أحياء ولعذاب الآخرة أشد وأنكى.

ولاشك في إن هذه الجرائم  الوحشية فاقت في شناعتها وخستها ودمويتها على جرائم التتر والنازيين وكل عصابات القتل والجريمة على مر التأريخ. 

ولا يمكن أن يسود العدل والسلم على الأرض دون أن يمثل هؤلاء القتلة المتوحشون ومن يدعمهم بالمال والإعلام  أمام محاكم عالمية نزيهة مختصة لتقتص منهم وينالوا جزاءهم العادل في هذا العالم الصاخب المضطرب الذي ضعفت فيه القيم الأخلاقية والذي يسود فيه الأقوياء وتضيع في صخبه وقسوته وظلمه أصوات الضعفاء. وخلاف ذلك فإن القتلة من الحكام والأفراد سيرتكبون المزيد والمزيد من هذه الجرائم التي ستبقى وصمة عار سوداء على جبين مايسمى بالمجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان التي كثر عددها وتلاشت أفعالها وغاصت في دهاليز السياسة ومصالح المساومات الرخيصة على حساب الدم البشري الذي قدسه الله وأنبيائه وملائكته وأهانته قوى الظلم والإرهاب ووسائل دعايتهم التي قتلت ضحاياها مرتين  بتبرئة من قتلهم لكي يفلتوا من العقاب.

وكل إنسان في هذا العالم بات  يدرك إن مجلس الأمن قد هيمنت على قراراته الإمبريالية الأمريكية والدول الغربية السائرة في فلكها وحولته إلى مطية يتحرك وفق أهوائها ومصالحها وفرضت عليه  إزدواجيتها الفاضحة في التعامل مع مثل هذه الجرائم والتي باتت لاتغيب عن العقول البشرية السليمة التي لم تلوثها الأجندات السياسية الرخيصة والدوافع الطائفية العمياء مما شجع هذه الوحوش البشرية إلى ارتكاب المزيد  من جرائمها وهي تحظى بدعم مالي وإعلامي من أنظمة عائلية وراثية إستبدادية طائفية عميلة محمية من أساطيل الدول الكبرى التي تدعي إنها تحارب الإرهاب، وتقيم حلفا هشا متآكلا هزيلا  لتحجيمه دون القضاء عليه  لابتزاز شعوب المنطقة وإفقارها ومراكز بحوثها ومخابراتها وغرفها السرية تعلم إن حكام دول يدعمون قوى الإرهاب   ماليا وإعلاميا ولديهم شيوخ تكفير يستخدمونهم حين الطلب، ويطلقون إسم (المعارضة المعتدلة)على عملائهم الذين فعلوا الأفاعيل في الأرض السورية  ويقدمونهم للعالم على إنهم (ثوار) يسعون لإقامة نظام ديمقراطي تعددي يؤمن بكرامة الإنسان وحقه في الوجود، وتجمل إمبراطوريات إعلامهم الوجه القبيح لهم  أناء الليل وأطراف النار وهم  في حقيقتهم  ليسوا إلاعصابات مارقة  متعطشة للدماء لاتقل إجراما ودموية عن داعش والنصرة وإن  تغيرت الأسماء لكن الفعل واحد وهو المزيد من سفك الدماء والتخريب والدمار ونهب الممتلكات واحتلال دور المواطنين وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومتاريس لقتل كل من يرفض أفعالهم  الإجرامية الشنيعة  ويدفع الأبرياء ثمن هذه جرائمهم الكبرى التي  صبغت أرض العراق والشام  ومصر وليبيا واليمن بالدماء  خدمة للمخططات الإمبريالية والصهيونية التي تسعى إلى تدمير المنطقة العربية وإدخالها في صراع دموي طائفي مرعب طويل الأمد لتمزيق  دول المنطقة العربية وتحويلها إلى دويلات طائفية متناحرة، وإيصال شعوبها إلى حالة من اليأس والقنوط  التامين .

وهاهو الوطن العربي يتحول شيئا فشيئا إلى ساحة  كبرى للفوضى والتخلف والجهل والأمية والجريمة المنظمة، وتعج  بأرضه جيوش من الأيتام والأرامل والمرضى وذوي الإحتياجات الخاصة نتيجة ظلم الحكام والرعب الذي تزرعه  هذه العصابات الشريرة في نفوس الناس، وتحول المناطق التي تتواجد فيها  إلى جحيم   بخنق الحريات والبطش والقهر وفرض الأتاوات.

وضمن هذا المسلسل الدموي المستمر في المنطقة العربية يشتد فعل الإرهابيين يوما بعد يوم فقد فجر إرهابيان جسديهما في كنيستين للأقباط في مصر وفقد العشرات من الأبرياء أرواحهم  تلاها إطلاق  الغازات السامة في منطقة خان شيخون في سوريا والتي قضت على العشرات من الضحايا الأبرياء. ثم فجر إنتحاري نفسه قي الشاحنات التي نقلت عددا من سكان قريتي كفريا والفوعة وقتل مجموعة كبيرة من الأطفال والنساء على مدخل منطقة الراشدين لغرض إفشال الإتفاق الذي حدث بين الحكومة السورية ومجموعات المسلحين.  

والعالم يرى يوميا كل هذه الجرائم الإرهابية تشتد شراسة ودموية وبشاعة  تارة بالقصف الجوي ورمي القنابل المحرمة دوليا على المراكز المدنية وبيوت الفقراء والمدارس والمستشفيات والمساجد والمشاريع الخدمية كما يحدث في الحرب التي يشنها آل سعود   على شعب اليمن وهي حرب إرهابية لاتختلف في فعلها عن جرائم داعش  وفضائعها إذا لم  تكن أكثر بشاعة ودموية منها،وتولد إحساسا عميقا بالظلم الذي يشعر به الملايين من أبناء الشعب اليمني الذين تخلى عنهم مجلس الأمن وتوابعه  بعد أن لعبت به الأهواء، وخضع لمنطق الترهيب والترغيب الذي مارسه آل سعود وسيدتهم أمريكا ومعهم دول الغرب التي يملأ حكامها الدنيا ضجيجا وصخبا لمقتل شرطي إسرائيلي ويغمضوا عيونهم ويسدوا آذانهم عن إستغاثات الملايين من الجياع والمرضى والمشردين الذين يقتلون يوميا بصواريخ آل سعود بعد أن تحولوا إلى وقود لآلتهم الحربية الفتاكة التي يمدهم بها أسيادهم ومازالوا يعقدون معهم صفقات الأسلحة تباعا وبعشرات المليارات من الدولارات وهم بتحالفهم المخزي مع هؤلاء الحكام المستبدين الذين أوجدوا الإرهاب في المنطقة العربية لايتورعون عن إستعمال أي سلاح فتاك بما فيه  القنابل الفسفورية والإنشطارية المحرمة دوليا لقهر الشعب اليمني وبات المواطن اليمني يبحث عن كسرة خبز يابسة فلم يجدها في أتون هذه الحرب الظالمة الباغية.

لقد أطلق الصحابي أبا ذر الغفاري تلك القولة المعروفة قبل أكثر من 1500عام (إني لأعجب كيف يبيت الرجل جوعانا ولا يشهرسيفه) هذه هي إنسانية حكام أمريكاالذين يتبجحون كثيرا بالوقوف مع الشعوب المظلومة، وهم الذين دعموا  ويدعمون أشد الحكام ظلما وأنشأوا في أراضيهم ومياههم القواعد العسكرية لحمايتهم من غضب شعوبهم والحديث الذي  ظلوا يتحدثون به عن حقوق الإنسان لعشرات السنين لايعدو أن يكون حديث خرافة.  وهم يدعون مكافحة الإرهاب في مناطق معينة ويدعمونه  بالمال والسلاح في مناطق أخرى تبعا لمصالحهم الإقتصادية .

ويدعي حاكم أمريكا الجديد ترامب بأنه لايطيق رؤية أطفال يقتلون بالغازات السامة وهي كلمة حق يراد بها باطل ولو تحرك ضميره  لحالات الأطفال اليمنيين الجرحى والمرضى والجياع  وقال لآل سعود كفاكم إجراما وقتلا لشعب فقير لصدقناه لكن ترامب هذا يريد إحياء مجد أمريكا ويتفاخر بقوتها وجبروتها وإرهابها بعد أن تحول إلى ثور هائج على إثر حادثة خان شيخون السورية والتي  وجه فيها وبسرعة البرق الإتهام  للنظام السوري  باستعمال  الغازات السامة فوجه صواريخه العابرة للقارات خلال ساعات  لضرب قاعدة  الشعيرات الجوية في حمص دون  أي تحقيق يثبت إدعاءه  لمعرفة الجاني الحقيقي. لكن كل الدلائل تؤكد إن الأمر كان مبيتا قبل الحادثة من قبل هذا الرئيس المهووس بمنطق القوة والغطرسة والأيام القادمة تؤكد إنه سيحول بوصلة محاربة داعش إلى أماكن أخرى في العالم وعلى رأس القائمة  إيران وكوريا وسوريا وحزب الله رغم تبجحاته الهستيرية بمحاربة الإرهاب الداعشي  وقد أثبتت  تصرفاته تقلب مزاجه، وتغيير آرائه بسرعة البرق مما يشكل خطرا على العالم بجلبه  المزيد من المآسي له.    

ولكي يكتمل المشهد الخياني في زمن الردة والسقوط والعمالة الفاضحة سارع عرب آل صهيون من سليلي الخيانة في الجنوب والشمال وجوقة العملاء في إستانبول والدوحة والرياض وحتى حاكم السودان الشقي الذي يسيل لعابه للحصول على بعض الملايين من الدولارات السعودية.لتقديم التهاني لترامب على أثر هذه الضربة الصاروخية  وطالبوه بإلقاء المزيد من القنابل والصواريخ  لتجهز على البشر والشجر والحجر في سوريا لتحرق ماتبقى من الوطن السوري.  

لقد سقطت ورقة التوت عن عورة هذا النظام العالمي الذي يصدر البيانات الإستنكارية الخجولة في الحالات التي تتعارض مع مصالحه كرد فعله المخزي على انفجار حافلات الفوعة وكفريا التي أودت بحياة العشرات من الأطفال والنساء، ومرت المجزرة الدموية البشعة ولم يحرك مجلس الأمن ساكنا وصمت كصمت القبور وكأن شيئا لم يكن.وكانت تغطية إستفتاء أردوغان الذي كان  بزيادة واحد بالمائة من الذين رفضوا منحه الصلاحيات المطلقة بعد أن زور ذلك ( الإستفتاء ) الهزيل واستعمل كل مايملكه من وسائل مادية وإعلامية وقمعية لذلك . لقد  حاول الإعلام العربي الأصفر بكل خبث وانحطاط التعتيم على تلك الجريمة المروعة، وانشغل باستفتاء أردوغان على أوسع نطاق لكي يقمع هذا السلطان العثماني الباغي المزيد من الحريات داخل تركيا ويكون شرطي المنطقة ويجند المزيد من الإرهابيين في الأرض السورية لإحياء مجد أجداده آل عثمان.

ومن الطبيعي أن لايتحرك ضمير سيد البيت الأبيض المتهور على جريمة كفريا والفوعة وهو الذي قضى ردحا طويلا من عمره في المضاربات المالية والمقاولات الكبرى والتي حولته إلى شخص يتعامل وفق ماتقتضيه مصالح أمريكا والكيان الصهيوني ولم  تقف وسائل إعلام أنظمة السقوط الأخلاقي الجريمة  الوحشية عند هذا بل حاولت إلصاق  تهمة تفجير الحافلات بالنظام السوري لتبرئة القتلة من جريمتهم النكراء. ولا يستبعد أبدا قيام الأنظمة التي توجه هذا الإعلام بالتخطيط  لهذه المجزرة مسبقا .

إن هؤلاء القتلة الأوغاد الذين يمارسون لعبة سفك الدم البشري على أرض  سوريا  الجريحة منذ ستة أعوام وتوافدوا من ثمانين دولة تصفهم وسائل إعلام دول البترول بـ(الثوار) وهم في حقيقتهم مرتزقة لايحملون صفة واحدة من صفات الثوار، ويتلقون رواتبهم ومؤنهم وأسلحتهم من أمريكا والغرب والأنظمة الطائفية  المستبدة العميلة الساقطة إكراما للكيان الصهيوني الذي لايتواني عن تقديم شكره الجزيل وتعاونه معهم للإجهاز على كل بارقة أمل حقيقية في التغيير تظهر هنا وهناك في هذا الوطن العربي المنكوب بهذه الأنظمة التي باع حكامها شرفهم  لعدو الأمة التأريخي الذي يعيش اليوم عصره الذهبي بفضل  تخاذل هذه الأنظمة  وعمالتها الصريحة لأمريكا والغرب. أما منظمات حقوق الإنسان في الدول العربية فقد تحولت إلى هياكل خشبية لاحياة فيها  وسقطت في واد سحيق. ومادام أسيادهم في أمريكا وبريطانيا وفرنسا النظر يغضون النظر عن هذه الجرائم الإرهابية  التي  تمول فرسانها خزائن آل ثاني وآل سعود وآل خليفه والسلطان العثماني أردوغان ومادامت إزدواجية رؤساء  أمريكا والغرب مستمرة في التعامل مع الإرهاب بمكيالين، وحال هذا التحالف الغربي الهزيل يحارب داعش بسيف الخبث الخشبي فستسير الأمور نحو الأسوأ وستلد داعش دواعش أخرى .وستترى قوافل الضحايا دون توقف في ظل هذا النظام العالمي المنافق الذي لابد أن يتلقى شرارات أخرى من هذا الإرهاب الذي ينتشر إنتشار النار في الهشيم .

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا   فابشر بطول  سلامة   يامربع.

 

جعفر المهاجر.

 

 

في المثقف اليوم