آراء

فرنسا ومؤامرتها المستمرة على العراق...

ali theuany2قالت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبى أول أمس إن باريس "ستتدخل عسكريا" حال إصدار أحكام بالإعدام بحق فرنسيين داعشيين يحاكمون فى العراق .وقالت الوزيرة "إذا تعلق الأمر بعقوبة الإعدام فإن الدولة الفرنسية ستتدخل عسكريا". وهو أمر متواتر في المؤامرة الفرنسية على العراق بعد عشرات المؤامرات، ومنها صناعة داعش نفسها .

مازال البعض يعتقد أن فرنسا بعيدة عما يحدث في العراق، وأنها تركت أمريكا تتورط فيه لوحدها، بالرغم من أنهم وقفوا صفا واحدا مع الأمريكان لطرد قوات صدام من الكويت قبل 27 عام، وأعانوا صدام في قمعه للإنتفاضة العراقية1991. ومازال الشارع الفرنسي يبكي على العراق نافثا حسرته على أيام البعث، ومازال برنار ليفي مبعوثهم اليهودي الصهيوني يصول عند الأكراد ويؤجج الصراعات في الدول العربية. ومن المعلوم أن جل من يأتي لداعش من فرنسا، محمي وسنده سلطة ودولة ومخابرات، وهاهو الدليل في تصريحات وزيرة العدل، فهم من يدعم داعش في تونس وليبيا وسيناء.

لقد كان لفرنسا دور فاعل في عملية غسيل الأدمغة (lavage de cervau ) وشحذ الهمم، من إعلامهم المهيمن على المغاربة، وأتذكر هنا أن محطة إذاعة البحر المتوسط الفرنسية (MDA ) التي تبث من طنجة، كانت تذيع بيانات حرب صدام مع خميني مثلما يعلنها الراديو العراقي بالتمام والكمال. وغرر بالقوم وسمعت من أحد الأخوة الجزائريين بأن استقبال أهل وهران المليوني لجاك شيراك في بداية الألفية كان على خلفية موقفه من العراق، مبعدين عيب تملقهم له ليرفع التأشيرة عن دخولهم لفرنسا.

وعودة للتأريخ ففي القرون المتأخرة أشتدت المنافسة الإنكليزية الفرنسية على العراق، ولعبا سفيرا البلدين دور القط والفار. وكتب الرحالة عن أخبارهم.وذكر البعض أن نابليون قد بعث عام 1800بعض عيونه لتقصي الأحوال في العراق، وربما أمل بالتوسع في أراضيه بعد عكا وفلسطين قبل سايكس بيكو بقرن ونيف، من خلال خطة إبليسية أختفى اليهود وراء كواليسها. وقد تناقل العراقيون حينها أخبار نابليون ورددوا اسم القائد بارتيلمون الفرنسي محرفا الى (فرط الرمان). وحينما حلت " الحفرياتarchaeology"، تصدر بوتا قنصل فرنسا في الموصل تلك العملية منذ عام 1840، وقام القنصل الفرنسي في البصرة بإماطة اللثام عن أسرار لكش عاصمة المعمار-الملك كودياونقلوها لمتحف اللوفر .

وبعد الحرب الأولى تاخم الفرنسيون العراق في الشام، وبقي طمعهم بلفلفته من الإنكليز حتى حلت الساعة التي وجدوا طريقهم من خلال التيار القومي العروبي الذي أراد الغرب أن يستعمله قنطرة لمقارعة الشيوعية الصاعدة على سلم أخبار إنتصار السوفييت في الحرب الثانية، إبان الحرب الباردة إبتداءا من العام 1947، ومن المعلوم أن الشيوعية نفسها هي الأخرى مصنوعة في نفس مصنع القومية على مبدأ خلق الشئ ونقيضه والهيمنة على خيوط اللعبة بمتناقضاتها.

وقد لعب رعيلهم الأول (زكي الارسوزي وأكرم الحوراني) من الفرانكوفونين، دورا العراب ولكن (ميشيل عفلق) كان أكثرهم إبليسية، مما جعل الفرنسيون لا يخفوا حنقهم على نبش قبره في بغداد بعد سقوط البعث، والإطاحة بصرح ضريحه الذي حاكى أضرحة أولياء الله في بغداد .وهنا نشير الى أن ميشيل عفلق يهودي الأصل من جنوب رومانيا الحالية (أقليم الأفلاق Valachia)، و هاجر أهله الى اليونان ثم الشام بعد العام 1895، إبان اشتداد الكراهية لليهود في أوربا(لاسيما الأرثدوكسية)، على أثر محاولة إغتيال قيصر روسيا من طرف يهود روس(راجع كتاب مطيع النونو-إسلام عفلق).

ولعب الفرنسيون دورا فعالا في إسقاط سلطة الزعيم الوطني المرحوم عبدالكريم قاسم في 8 شباط(فيفري) \1963، ومن الغرائب أن القنصل الفرنسي ومدير البنك الفرنسي شاركو في تمويل ودعم عملية إغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم في خريف عام 1959، حيث وردت أسمائهم في لائحة المتهمين المذكورة في كتاب مجيد خدوري (العراق الجمهوري) .وقد لعب بعض الجزائرين المبعوثين من جبهة التحرير الجزائرية للدراسة في بغداد دور الوسيط بين البعثيين والفرنسيين في بغداد، وفي تلك الشجون قصة لشخص التقيته في الجزائر كان يعمل حتى الثمانينات في الخارجية الجزائرية ويصنف من (حزب فرنسا)، وكان على صلة بعبدالوهاب الغريري، الذي بات الليل عنده قبيل محاولة الإغتيال.وتبين منذ حينها أن هذا الرجل عميل مزدوج بين جبهة التحرير الجزائرية والفرنسيين، ثم أقحمه البعثيين في طريقهم.

1554 ali

وسار الأمر بخطى متصاعدة عندما حلت سلطة البعث بمباركة غربية وشرقية لإنقلاب البعث في تموز(يوليو) 1968، حيث نتذكر جميعا ظهور السلع الفرنسية في السوق العراقية لأول مرة ومنها سيارات (رونو 16 و12) وبيجو، وتواترت أخبار شركة (إيراب) وإستغلالها للنفط العراقي، حتى عمم تعليم اللغة الفرنسية في بعض المدارس العراقية، وتواترت الأمور حتى أصبحت باريس محج الساسة العراقيين . ومن منا ينسى مأدبة" السمك المسكوف" التي أقامها صدام على شرف جاك شيراك (الوزير الأول في حينها) في بواكير السبعينات.وتصاعد النشاط التجاري بين البلدين وبنى خلالها الرعيل الأول من اللوبي البعثي في فرنسا الذي بدأه اللبنانيون مثل فرزلي والرافعي و ابو ظهر وجيش من العرابين وحتى أولاد العروبيين مثل الحصري وعفلق الذين تمكنوا أن يلمعوا صورة البعث في الإعلام العربي الموجه لأهل المغرب. و تصاعد الأمر حتى توج بالاتفاق على بناء مفاعل ذري (تموز) في المدائن -السلمان باك(25 كلم جنوب بغداد)، الذي بيعت مخططاته لإسرائيل لاحقا، وتسنى لها تدميرة بغارة جوية شنت يوم 7 حزيران(يونيه)-1981.

وهنا يجدر التنويه الى أن المخابرات الفرنسية قامت بدعم نشوء وإرتقاء أحزاب بعثية في المغرب الإسلامي ومنها تونس والجزائر وموريتانيا والمغرب . ومن أكثر الأمور دلاله على عمق الروابط بين البعث والمخابرات الفرنسية، هي حادثة إغتيال الرئيس الجزائري الهواري بومدين(محمد بوخروبه)، بعد أن وضع له سم "الثاليوم" خلال زيارة سرية قام بها الى بغداد في بواكير عام 1978 قادما من دمشق من خلال نشاطه في "جبهة الصمود والتصدي" التي كان العراق والجزائر عضوان فاعلان بها. وقد كان فعل المخابرات البعثية هذه إلتزاما بصفقة مع المخابرات الفرنسية التي دأبت أن تتخلص من الهواري بومدين بعدما شكل عائق في الهيمنة الكاملة على شؤون الجزائر. وكانت مصلحة البعث في ذلك أنها تمحوا عار إتفاقية الجزائر التي وقعها صدام مع شاه إيران عام 1975، بما كان يمثله أبو مدين من شاهد عيان وحيد على التنازلات غير المكتوبة والمعلنة. وقد فتح ذلك الحادث الباب على مصراعيه لشن الحرب على إيران عام 1980.

ومن الطرائف أن فرانسوا ميتران صرح في خطاب له عند نشوب الحرب بأن إيران لديها أطماع تاريخية في العراق، ولديها عملاء كثيرون على أرضه (الشيعة)، والعراق يتصدى نيابة عن العرب(السنة) لهذا الهجوم ويحتاج الى الوقوف معه من(الشرفاء)، وهو بداية الحرب الطافية التي أوصلت صدام وخميني للسلطة عام 1979، ولاسيما خميني الذي جاء بطائرة (أير فرانس) من باريس ليستلم السلطة ويصادر ثورة الشعب الإيراني المغدور. ونرصد هنا التطابق في الأحجية التي ساقها البعث مع الخطاب الفرنسي حينما وسمو العراق (حامي البوابة الشرقية)، وكيف أن اللعبة الطائفية أنبثقت بؤرتها من الإليزيه، واليوم تلعب بشكل تفخيخي وتصفوي دموي بإتفاق غير معلن بينهم وبين الأمريكان .

وساندت فرنسا صدام عسكريا من خلال "السوبر اتندار" و"الأكزوسيت" وطائرات "الميراج" وتجريبها لكل أسلحتها المتطورة في ميدان تلك الحرب الضروس، ومنها الأسلحة الكيمياوية بالوقت الذي أتخذت زوجة ميتران الرؤوم، و صاحبة القلب الحنون، موقفا عاطفيا ورومانسيا من الأكراد، وعزتهم في كل المحافل وتبنت دعم ضحايا حلبجه، ولم تتطرق مرة الى أن السلاح الذي قتل الناس في حلبجة وقمع الإنتفاضة، وضيع العراق وشرد أهله، وردت من مصانع فرنسية.

وفي التسعينات إبان أزمة الكويت تبنت فرنسا "ظاهريا" الموقف العالمي بحصار نظام البعث، ولكنها أمدته سرا بأسباب الديمومة والمكوث من خلال صفقات ملتوية كان يقوم بها سماسرة عراقيون وعرب مقيمون في فرنسا، وكشف الكثير من كوبونات النفط التي تورط بها الفرنسيون. وقد تتوج الأمر بإكتشاف أحد ضباط الجيش البولندي المعاضد للأمريكان، صواريخ أرض جو فرنسية الصنع مخبأة بعناية، صنعت عام 2001 واستلمها العراق حتما 2002، أي أن عمرها عام فقط.وسرعان ما كذب الخبر شيراك حانقا، لكن الدلائل أنجلت لللبيب، بعدما نقلت الأخبار بعيدها عن طرد الضابط البولوني عاثر الحظ من وظيفته. وقد كن البعثيون عرفانا لفرنسا، حيث عبرت فضيحة أمصال الدم الملوثة (الايدر)، التي صدرتها فرنسا للعراق، وكشفها أطباء عراقيون، والأمر جدير بالإثارة والمحاكمة والتعويض اليوم.

وبكت فرنسا العراق و"ظلم الأمريكان" و فقدت فرنسا اكبر مكمن للنفط و المال و أوسع سوق تجاري لها في الشرق ولاسيما بعد أن أنحسر سوقها في أفريقيا.كل ذلك دعى وزير خارجيتها "دومينيك فليبان" يصف المشهد العراقي، وكيف ضاعت الديمقراطية فيه، وكيف أنتهك الأمريكان حقوق الإنسان، و لم نسمع هكذا خطاب حينما كان البعث يقتل العراقيين . وحاولت فرنسا أن تتبنى رهط من العراقيين ممن يدعي "معارضة"، على يد عبدالجبار الكبيسي وفاضل الربيعي وعبدالأمير الركابي وعوني القلمجي قبل دخول الأمريكان الذي فشل فشلا ذريعا. وتذكروا قصة المخطوفين الفرنسيين والرهائن الواهية عام 2006 التي كانت عملية مخابراتية محضة فشلت وكشفت لعبة الأمريكان والفرنسيين.

يقول اللبنانيون ولاسيما المارونيين على فرنسا بأنها"الأم الحنون" التي لا تخذل أبنائها. و يوحي الأمر بأن فرنسا تحنوا على العراق، لكن الأمر أبعد من ذلك، فالفرنسيون معروفين بالخبث السياسي أكثر من كل الأوربيين بفعل التسيير اليهودي. فهم يعلنون حيادهم بالشأن العراقي لكنهم يتصلون بالسر مع القاعدة ثم داعش وفلول البعثيين، موسطين في ذلك السوريين وبعض العرب، وكانوا ينسقون العمل مع حارث الضاري الذي مات بالأردن بعدما كان يمرر من هناك الأسلحة إلى داعش المنطقة الغربية .وهنا نشير إلى أن الأسلحة تأتي من مصادر شتى رومانية وبلغارية وجيكية وحتى إيرانية، حتى أن مثنى حارث الضاري، قام بزيارة (سرية) لرومانيا، وأشترى من مصانع السلاح بدفع فرنسي.ومن المعروف أن معسكر داعش الذي أقيم في الأردن على تخوم الحدود العراقية السوريه كان يشرف عليه مدربون فرنسيون وإسرائيليون، وهذا ما أسرني أحد به عام 2010، أحد من كان يمونهم..وهذا أربعة اعوام قبل سقوط الموصل.

تذكروا أن فرنسا أختصت بترحيل المسيحيين العراقيين حصرا وقصرا، وقبولهم كلاجئين لديها وهذا بالتمام ماسعت له إسرائيل وصنيعتها الكنيسة الإنجيلية، التي حثت مسيحيي شمال العراق على الهجرة بالتآمر مع الأكراد كي يحل محلهم يهود، وهذا ما حدث في بعض مناطق شمال العراق.

يمكن أن يكون إنتخاب سركوزي اليهودي الهنغاري اليميني المعادي للعرب ثم هولاند وماكرون، ، قد ميل الكفة الأمريكية في فرنسا التي يسيرها اليهود مبطنا، ولإسرائيل سلطة فوق سلطتها المنتخبة والمسيرة بعناية وخبث، وهذا منذ الثورة الفرنسية 1789 وليس منذ تأسيس إسرائيل، لذا فالتعامل معها لابد أن يمر من خلال إرضاء تل أبيب، . و جاء الدعم الفرنسي المكشوف للأكراد وداعش في سوريا والعراق على حد سواء، بما يؤكد أن اللعبة واحدة، وأن فرنسا تبقى عدوة العراق ولايمكن إئتمانها كصديق أو حليف يوما.

 

د. علي ثويني

 

 

في المثقف اليوم