قضايا وآراء

الطريق إلى الله

فقط العظماء من البشر هم الذين أدركوا أن كل الطرق تؤدي إلى الله حتى تلك التي تبدو على قدر كبير من السذاجة والغرابة والتعقيد، الأديان نفسها رغم الإحساس بوجود التعارض بينها دلت كلها أن هناك أكثر من طريق صالحة للوصول بالناس إلى الله،وأن لكل واحد منهم نهجه الذي اختار أن يتخذه سبيلا للوصول بعد أن هدته شريعته إلى السبيل، ولكنها تركت آليات الوصول ونوعها للإنسان نفسه وأعلنت أن الوصول لا يتحقق إلا إذا صلحت نيات وآليات السائرين. ثم جاءت بأمثلة تهدف من ورائها إثبات  هذه الحقيقة عمليا.كما تجد في الحياة العامة للمجتمع الواحد الناس المتجهين إلى هدف ما يتخذون سبلا وطرقا خاصة بهم لتوصلهم إليه معتقدين بقناعتهم أنها الأفضل والأسلم، ولذا تجد فيهم من يتناول طعاما دسما لكي يقوى على السير والتحمل وفيهم من يصوم لكي يشعر بمتعة الوصول وفيهم بين هذا وذاك، ومن أحسن عملا وصدق مع نفسه ولم يغش أو يعتدي وقدر الله له أن يصل منهم إلى مقصده سوف يصل بالتأكيد سواء كان جائعا أم شبعانا، أما من غش وأعتدى ومن ليس مقدر له الوصول فلسوف يجد من المشاكل والمصائب والمسائل والمغريات والملهيات ما يحول بينه وبين الوصول. فلماذا نستغرب إذا ممن يجاهد لأن يختار طريقا توصله إلى الله هي غير الطريق التي نسير فيها نحن إذا كان خيار الطرق الموصلة لمقاصد أبسط في الحياة الدنيا متاحا  دون تعقيد؟

ثم من قال أن الطريق الذي تختاره أنت أكثر أمنا ومتعة وفائدة من طرق الآخرين وأنت لا تدري بعد ما ينتظرك وما سيعترضك فيه بل لا تدري  إذا ما كنت ستصل إلى هدفك من خلاله أم ستجده طريقا مغلقا لا منفذ فيه للعبور؟

كما أن ألله سبحانه الذي أعطانا قدرة التفكير وفتح لنا الطرق ونوعها وشكلها إنما أراد إرشادنا إلى حقيقة التنوع في الحياة ذلك لأن طباع البشر ليست على نسق واحد أو تكوين واحد أو سليقة واحدة.

ولو كانت الطريق إلى الله واحدة ما كنا جميعنا قد اتفقنا على عبادة إله واحد أو عبادة ما نظن أنه يوصلنا إلى الإله الواحد،صحيح أننا نسميه "الله" والمسيحيين يسمونه " الرب" واليهود يسمونه "ياهو" ولكن هل هم ثلاثة لكل منهم تكوينه وحكومته وطرقه المؤدية إليه أم هو إله واحد يحكم الأكوان كلها وكل  الطرق تؤدي إليه، ولكننا نحن من أستنبط الأسماء التي تدلنا عليه؟

إن اختلاف الطرق  أوحى لنا ولغيرنا بالاعتقاد أن الدين هو مصدر النزاع التاريخي بين البشر، في وقت نعرف فيه جميعنا ونؤمن أن الدين يمكن أن يكون كذلك من أقوى مصادرا السلام وحل النزاعات بل أن قدرته على صنع السلام وفض النزاع أكبر من قدرته على التسبب بهما، فالدين الذي تشعر النفس في رحابه بالراحة والمتعة والصفاء والعرفان والسمو والطهارة لا يمكن أن يكون سببا للشقاق والعداوة والنزاع. وهذا يعني أن الدين بريء من نزاعاتنا ونحن  من سخره ليكون وسيلة نتنازع بها ومن أجلها مع الآخرين، ولو فهم كل منا حقيقة دينه الذي يؤمن به لعم الأمن والأمان الأرض، ولما بقي مكان للنزاعات وسفك الدماء.

من هذا نعرف أننا جميعنا بحاجة ماسة لفهم ديننا بشكل أفضل، وبحاجة لإعادة التفكير في كثير من المبتنيات التي ننظر لها بقدسية باعتبار أنها دينية والتي كانت السبب في كل نزاعات البشر التاريخية وسنعرف حينها أنها أبعد ما تكون عن الدين، وأننا حينما نتمسك بها نخالف مشيئة الله لأن مشيئة الله توجب علينا أن نتسامح مع أنفسنا ومع أولئك الذين لا يتفقون معنا في الرأي أو في المعتقد وأننا لو بحثنا جديا سنجد الكثير من المشتركات بيننا وبينهم وهي المشتركات التي ستجمعنا في نهاية المطاف لنسير معا في طريق واحدة تلتقي عندها كل الطرق الأخرى وتقود لهدف واحد منه يتفرع طريقان أحدهما للعذاب والثاني للجنان.

 

 

 

 

في المثقف اليوم