قضايا وآراء

أياد الحسيني عملاق في زمن التقزم

أعاد لي ناشر كتبي أحد الكتب المعدة للطبع لأجري عليه التصحيحات المطلوبة وألقي عليه النظرة الأخيرة قبل إرساله إلى المطبعة ورجاني إنجازه خلال يومين فقط لأنه مسافر إلى بيروت لطبع مجموعة من الكتب وكتابي واحد منها، ولذا عقدت العزم على إنجازه وإعادته له في الموعد المحدد. ولكن وصلتني من أخي وصديقي الدكتور أياد رسالة مفاجئة يبشرني فيها بفوزه بجائزة قيمة فوجدتني أنسى كتابي وأنسى سفرة الناشر وتوصياته وإلحاحه بضرورة إنجاز المراجعة خلال ثمانية وأربعين ساعة لكي أتفرغ لكتابة هذا الموضوع عن الخبر الذي أدهشني.

 وطبعا لم تأت مبادرتي لكتابة هذا الموضوع من حالة اندهاش عشتها بسبب تفرد وندرة مثل  هذا الفوز، فالفوز معقودة ناصيته بيد العراقيين على مرور الأعصر رغم المحن  والإحن  والمصائب والفتن، وإنما للتأكيد بان العراقي طالما تحدى التيار ولم يتهيب ركوب المخاطر ومخر عباب الصعاب حتى وهو في أضعف حالاته سواء كان مقيما أو راحلا متنقلا، ولذلك نجح العراقي في تأسيس أول حضارة عرفتها البشرية وصمد وجاهد ليثبت وجوده ومكانته رغم حالات القهر والاستلاب والترويع والتجويع والمطاردة والمنافسة غير الشريفة التي تعرض لها

أما واقعا فإن اندهاشي الحقيقي يأتي من حالة التفريط التي طغت على سلوكياتنا منذ عهد طويل حيث أننا طالما فرطنا بجواهر كان من المفروض بل من الواجب أن نرصع بها تاج عراقنا، ربما لكثرة الجواهر البشرية عندنا، لكن أغلب الظن يأتي هذا التفريط بسبب دوافع وأسباب تافهة بعضها سياسي وبعضها طائفي وبعضها مصلحي وبعضها  بدافع الحسد، فتحولت هذه الجواهر التي لا تقدر بثمن لتتربع على تيجان في أماكن أخرى يعرف أهلها قيمة الجواهر ويقدرون العلم والعلماء ولذا أسسوا ما يجعل العلماء يشعرون بقيمة أنفسهم.

الدكتور أياد الحسيني واحد من الجواهر الفريدة  التي وجدت من يحاربها في العراق ويستلب حقوقها بعد الاحتلال الأمريكي حتى أنه ترك وظيفته الكبيرة التي انتخب لها من قبل طلاب الجامعات ديمقراطيا لأنه كما قال لي في إحدى رسائله: (خيرت بين غضب الوزير ورضا الله فاخترت رضا الله سبحانه)

الدكتور إياد حسين الحسيني حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التصميم الطباعي من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد. وقد حصل على العديد من الشهادات التقديرية من الجمعيات والنقابات الفنية العراقية والعربية وكذلك منظمة اليونسكو. له العديد من الكتب المنشورة مثل :التكوين الفني للخط العربي وفق أسس التصميم ، موسوعة فن التصميم ، الفن القطري، دراسة انثربولوجية مع مجموعة من المؤلفين، كما لديه العديد من البحوث والمقالات الفنية في المجلات العراقية والعربية والصحف العربية ومواقع الشبكة الدولية.

 خرج الدكتور أياد من العراق ليس لأنه بعثيا، ولا لأنه إرهابيا، ولا لكونه طائفيا ولكن لأنه لم يشأ أن يخالف نهجه العقيدي الذي يلزمه بالخلق الحسن والكلمة الطيبة .... ولكن لأنه رفض أن يحني رأسه ويطأطيء قامته من أجل مركز وظيفي أو منفعة دنيوية فانية وهو الذي تعود طأطأة الرأس للخالق وحده.

خرج من العراق وذهب ليس بعيدا بل إلى حضن أهلنا العرب في الخليج وتنقل بين أهلها إلى أن وصل إلى سلطنة عمان التي شغل فيها منصب عميد كلية التصميم. ولكنه خلال هذه المدة لم ينقطع عن العراق حيث كان يوظف الفرشاة والقلم لرسم زخارف قرآنية يهديها دعوات محبة للعراق، ويوظف القلم ليكتب في التصميم ويهدي كتاباته إلى العراق وأهل العراق، لأنه مسكون بعشق العراق وقد قال لي مرة: أتدري بماذا احلم حينما أكون في أرقى الأماكن وأكثرها ترفا؟ أحلم أني جالس في ظل النخلة الموجودة في حديقة بيتي!!

ولم ينقطع خلال غربته عن الكتابة والتأليف ومن نتاجا ته العلمية اللطيفة والرائعة كتاب بعنوان (فن التصميم في الفلسفة والنظرية والتطبيق) في ثلاثة أجزاء دخل به في مسابقة جائزة الشيخ زايد للكتاب متنافسا مع 696 كتابا آخر في مواضيع مختلفة وفاز ... نعم فاز العراقي الأصيل بالجائزة. فبادر من ساعته بالكتابة لكل الذين يحبهم ليخبرهم بهذا الفوز ليس تباهيا بل ليقول لهم أنه لا زال على نهجه الأول ولكي يدخل الفرحة على قلوب العراقيين التي أضناها الحزن، وليوهج شعلة تنير صبر العراقيين الذين أتعبتهم الظلمة.

وعن مبررات نجاح كتاب الدكتور إياد حسين الحسيني نقل موقع الجائزة عن الأستاذ راشد العريمي الأمين العام لجائزة الشيخ زايد قوله: " يربط الكتاب بين الفن وأدوات الحياة ويضيف صبغة جمالية على احتياجات الإنسان اليومية حيث يعالج قضايا التصميم على جميع المستويات الفكرية والفنية والتطبيقية وذلك من خلال تحليل العلاقة بين عمليات الإنتاج والتوظيف الجمالي في الصناعة بمختلف أشكالها ما يفضي إلى تعايش بين التحولات النفعية والتطور التقني والفني للمنتجات الحديثة مما يؤدي الى تأسيس الفلسفة النفعية للفنون الجميلة."

إن هذه الجائزة تم تخصيصها تقديرا لمكانة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تقديرا لدوره الرائد في التوحيد والتنمية وبناء الإنسان والبلدان، وهي جائزة مستقلة ومحايدة تمنح كل سنة للمبدعين من المفكرين والناشرين، ولأن العراق منبع الإبداع وملتقى المفكرين وأرض العلم فقد أبى الدكتور أياد الحسيني أن لا يذكر اسم العراق في هذا المحفل العلمي فبادر وتطوع، وكانت نتيجته فوزا أرى أنه سينزل كالصاعقة على رؤوس المتقوقعين المتحجرين.

وأنا لا أكتب هذا الموضوع لتهنئة الحسيني فقط وإنما لأقول له : إن هذه الجائزة تعني أنك لا زلت تسير على الطريق الصحيح وأن الذين وقفوا قبالتك وسدوا طريقك ليسو أكثر من أعداء للعراق قبل أن يكونوا أعداء لك ولأنفسهم

أنحني لك بكبرياء وأهنئك بإسم كل العراقيين

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1304 الاثنين 01/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم