قضايا وآراء

يوميات الجندي المرقم 195635 (2)

أكثر من وقود بشري لتلك المحارق الهستيرية التي تدعى الحرب .. لقد صادروا إنسانيتي منذ ارتديت بدلة الجندية، لأغدو مجرد قطعة شطرنج تحركها يد لاعب مجنون .. لاعب ينظر الى العالم من فوّهة مسدسه الشخصي، يرى الوطن كما لو أنه ضيعة ٌ من ضياع أسرته ـ رغم أن أسرته لم تكن تملك أكثر من بيت طينيّ في قرية العوجا ـ وأن كل مَنْ عليها هم عبيده، يتحتم عليهم الإنحناء له ... إنه عصر "الإقطاع السياسي" .. فهو أكثر خطورة على الإنسان من" الإقطاع الزراعي " لأنه يُخِلّ بكرامة الإنسان وليس بحجم رغيف خبزه .

  في أول محاضرة ألقاها علينا العريف " حلبوص" قال إن اسماءنا الحقيقية  المكتوبة في هوياتنا الشخصية، باتت غير صالحة للإستعمال خلال الخدمة العسكرية .. سألته :

ـ وماذا عن الأسماء غير الحقيقية في الهويات  المزورة؟

- امسحو بيها طيا .............؟؟

  وأردف مواصلا محاضرته :

كل واحد يحفظ رقمه زين ....ارقامكم الموجودة بدفاتر الخدمة العسكرية هي اسماؤكم ...مفهوم؟

- مفهوم .

   أصبح اسمي الان : ج. ح. خ المرقم 195635 فأية حاسة سادسة تلك التي يتحدث عنها البعض؟ من منكم سمع ان للحيوان حاسة سادسة؟ لقد صادروا حواسي الخمس أساسا، فكيف نبتت لي حاسة سادسة؟

  نعم  أنا الان حيوان ...العريف حلبوص نفسه قال عني أنني حيوان حين أجبته عن سؤاله :

-تعرف شنو معنى ج . ح . خ؟

-نعم أعرف ... الجيم يعني جندي ... الحاء يعني إحتياط ... والخاء يعني " خَرَهْ "... (قلت خره مع أني أعرف أن الخاء تعني خرّيج الجامعة )

-إنجب حيوان ابن الحيوان ..

-إحترم نفسك عريفي .... آني مو حيوان... انت الحيوان ... إنت تعرف آني منو؟ تعرف من هو  والدي؟ آني ابن حجّي عباس ... اذا انت ما تعرف الناس، روح إسأل ابوك  ـ ولو ابوك حيوان مثلك ...آآآني ابن حجي عباس تكول علي ّ حيوان؟ آخ لو يسمع حجي عباس ...(طبعا حلبوص لا يعرف أن الحاج عباس كان ـ قبل ثرائه النسبي مؤخرا ـ مجرد بقال يبيع البرتقال على أرصفة المدينة، وقد سبق لشرطي الأمن علي ناصرية أن صفعه أمامي حين كنت موقوفا في معاونية شرطة الحي الجمهوري بأمر من محافظ المثنى بسبب مقال نشرته في صحيفة طريق الشعب دعوت فيه الى غلق مدينة الملاهي والقمار التي أقامتها المحافظة في مركز الشباب، ويبدو ان حلبوص اعتقد أن والدي لا يقل مكانة عند الحكومة من مكانة خير الله طلفاح ـ خال مطيحان ووالد زوجته .. تحوّل لون وجه حلبوص من لون نحاس صديء الى لون يشبه صفار بيضة فاسدة ...) وواصلت صراخي : حلبوص آني حيوان؟ آخ لو تسمع عشيرتي .. ما لازم عشيرتي وحجي عباس ....آني مقاتل بجيش القادسية ... والله العظيم اذا أشتكي عليك عند السيد الرئيس القائد حفظه الله وطوّلْ عمره ويسمع انت قلت عن ابن حجي عباس حيوان، راح يعدمك ...إي نعم .. يعدمك ..  كل شيء يهون عند الرئيس القائد ما عدا إهانة المواطن  وخاصة المقاتل .. فكيف اذا الإهانة تتعلق بابن حجي عباس؟ ... لكن اطمئن .. ما راح اشتكي عليك ...إنت صاحب عائلة .. أخاف على أطفالك يصيرون يتامى ..أطفالك ما لهم ذنب  ...  والله  لو ما  أنك صاحب عائلة  كان الان اذهب للسيد الرئيس واشتكي عليك .... آني حيوان؟ آني؟ (ثم أضفت وأنا ألتفت الى بقية الجنود: الله يلعن الشيطان ...والله لو ما خطية، هسّه اروح للسيد الرئيس ... ـ لطيف ابو الكبة عقب قائلا: لا أبو شيماء إمسحها بوجهي .. إحسبها عليّ وبعد ما يعيدها ... حلبوص خوش آدمي وما قاصدها ... يا الله .. هاآآآآ أها .. آني أبوس راسك نيابة عن حلبوص شتريد بعد ...المسامح كريم ..

قلت للطيف ابو الكبة ـ وقد افتعلت الجد كاتما ضحكة مجنون :

   راح أسامحه لخاطرك... الف عين لأجل عين تكرم ... لكن ارجوك لا تخبر أي إنسان ... دير بالك ... اذا وصل الخبر لوالدي معناها تشتعل نار البسوس وداحس والغبراء من جديد ... واذا سمعت العشيرة ستعمل قادسية ثانية .. حقه ما يعرف عشيرة القعقاع والمثنى ابن حارثة الشيباني ...الرئيس القائد نفسه ما يخطب خطاب إلا ويذكر اسم  جد والدي القعقاع  ثم التفتُّ الى حلبوص موجها له الكلام بعصبية ولكن دون صرا  : الحكومة أطلقت على مدينة السماوة وأقضيتها ونواحيها إسم محافظة المثنى تكريما للمثنى ابن حارثة الشيباني جد أمي..

 

" حلبوص بان عليه الارتباك ... خِنَسْ ... صاموط لاموط ... في هذه اللحظة اكتشفت ان حلبوص ساذج وطيب القلب .... بل وغبي ... عزت الدوري لا يستطيع  يقابل السيد الرئيس إلآ بالتواسيل .... آني أكدر أقابله؟  هاي اشلون مشت عليك يا حلبوص؟ والله العظيم  يومين وآني ساكن مديرية التربية حتى أقابل المدير العام تاليها   باليوم الثالث سمحو لي اقابل معاون المدير ... آني  ابن حجّي  عباس البقال أكدر أقابل السيد الرئيس؟!!! وعليش يابه؟ على حلبوص  لأنْ  شتمني وقال عني  إنت حيوان !! لا  لا  .. آني طوّخِتها زايد .. هذي مو انسانية منك يا مظلوم ... شنو  يعني لأنْ حلبوص مسكين وفقير؟ ليش ما اعترضت على مدير الأمن بالسماوة لمّا سجنك يومين بالمرحاض؟ نسيت يا مظلوم؟ نسيت من طلعت بعد يومين حتى قميصك يعط ريحه خايسه؟ إذا بيك خير اتـناطح مع مدير الأمن  وليس مع هذا المسكين حلبوص ... حلبوص ايضا حيوان مثلك ...... أهيييييييييي يا ربي   ... صدك لو كالو : أبوي ما يكدر إلآ على أمي ... وين كانت كرامتك لمّا هفّك " محمد حمزة الزبيدي " براجدي على وجهك بمقر فرع المثنى  للحزب القائد؟ نسيت يا مظلوم؟ آني أذكّـرك : يوم اللي دَزْعليك للمقر لمّا كان أمين سر فرع المثنى  وطلب منك المشاركة بقصيدة لمناسبة عيد ميلاد الرئيس ، وكان جوابك : والله استاذ  ما اعرف اكتب غير شعر غزل ماجن وخمريات ... ها  تذكرت مظلوم؟ شنو  يا با  شنو؟ تكول  يا زبيدي يا بطيخ؟ آني أذكْرَك ْ زين ْ ...... تذكر لمّا   كنتم تشربون " قز القرط " بنادي المعلمين إنت و جبار عبد جاسم وعبد السادة حسين الحميدي وحمودي حذاف ويحيى جابر وفالح حسن كاندو .. وطلع الزبيدي بالتلفزيون يؤدي القسم أمام القائد كرئيس للوزراء، صحت بصوت مسموع :إيْ والنِعِمْ ... الرجل المناسب في المكان المناسب ... عنده ضربة راجدي تشبه رفسة البَـغـل ... !!! ها مظلوم هسّه تذكرت ْ؟ أذكرك بعد أكثر : تتذكر  لمّا  جاءك نقيب المعلمين " رحيم شاكر " وكاللك اذا ما تطلع من النادي الان أخابر عليك الأمن ؟ ها .. تتذكرْ؟ بس شفته راح للتلفون، صحت على البوي " ميخا " تعال إخذْ حسابك .. دفعت حساب الجاجيك واللبلبي ونص بطل زحلاوي مع العلم بعده " صرمهر " ما شارب منه ولا حسوة  ومن يومها ما وصلت نادي المعلمين إللي كان يسمح  بدخول " الكاولية " بأمر محمد حمزة الزبيدي نفسه ذيج الأيام؟   كافي عاد ... كافي ... كلمة حيوان بالجيش مثل الزلاطة ...ليش اللي  يقاتل بحرب همجية عدوانية مو حيوان؟ حيوان ونص ... مو بس انته حيوان ....حتى رئيس الأركان حيوان مثلك ... إيْ نعم حيوان مثلك، والفرق بينك وبينه نوع " العَلَفْ " ونوع " الاسصطبل " و" المعاش "... لا والله مو  بس  رئيس الاركان، حتى رئيس الوزراء ورئيس المجلس الوطني واعضاء مجلس قيادة الثورة حواوين مثلك ومثل حلبوص ... كلهم خرنكعية  وخردوات بجيبه ... واحدهم ما يفتح فمه إلا عند طبيب الاسنان ...لا تغرّك الكشخة ...كلهم فاشوشي ... يطلعون حيفهم بالمساكين مثلك ومثل حلبوص .... متعجب كالوله حيوان ... الله يساعد سمير الشيخلي .. عضو قيادة قطرية ووزير.. دخل القصر الجمهوري نسى ينزع المسدس بباب الاستعلامات، أكل طن جلاليق وراجديات وتفال من حرس الرئيس ... إحمدْ ربك يا مظلوم على هاي النعمة الفضيلة ...... متعجب كالوله حيوان ...  ! قندرة حلبوص تشرّف مطيحان وحكومته بما فيهم وزير الاوقاف و الشؤون الدينية  .. آني ما سامع وزير شؤون دينية  يشرب عرك ويسهر للصبح عند الكاولية .. يلعب ريسز وصرمباره  ..  إي والله العظيم صرمباره وهتلي .. إذا  تدوّرْ عليه  تلكاه العصر بشارع النهر لو  بشارع 14 رمضان  عيونه تزورك عالنسوان ... صابغ شعره أسود مثل الفحم ومطوّل زلوفه ..لابس قميص بنفسجي وجاكيت أخضر طوخ  حتى يصير حلو مثل " آلا ن ديلون "  ...  ما يدري لاعب بخلقته وصاير مثل راس الباذنجان ... كلهم شواذي  مابيهم  حلو وجميل الخلقة  بس  عبد الغني عبد الغفور اللي وجهه ينقط سخام  مثـل قفا قدر الهريسة ...استغفر الله .. لا اعتراض على خلقك ... ! العفو يا إلهي  سامحني ...  بيهم واحد  ينطلع بيه، لكن الطبيب مانعه من الابتسام  الى يوم القيامة  ... يمكن ما مبتسم حتى يوم عرسه   ... وجهه سجن وكفاه مستشفى  ....عيّنه مطيحان قائد عام للجيش الشعبي ... حلو لكن  بيه لوله ... هوّ طه الجزراوي .. أعتقد أصله قرد وعملو له عملية تجميل ...أهييييه يا ربي  ... يا هو الحلو عزت الدوري؟ أشو ما يصلح  لوظيفة شرطي تبليغات بالمحكمة الشرعية   .. ما أدري  شلون يحمل رتبة فريق اول ركن  .. حسبالك سلبوح ابو السِّـيان ... لابس قوات خاصة .... بنتي من شافت صورته بالتلفزيون سألتني : بابا  هو الجنّي  اشلون شكله؟ يعني مثل هذا؟ عووووووع  يخرّع ْ .. يلبس قوات خاصة ابو الذِِِِكن .. وجهه نصّه حَلِكْ .. كل عافيته بحلكه ... من يضحك شفايفه توصل لأذانه ... شلون حلك .. حسبالك بالوعة .. تضيع بيه تريلة مرسيدس بكامل حمولتها .. بالله هذا حلك لو ملجأ قطارات؟  لابس قوات خاصة السيبندي  ... استغفرك يا ربي  .. لا اعتراض على الخلقة ... إلك بيها  إرادة لمّا خلقته مثل الشاذي ....آ آ  تذكرت .. بيهم واحد حلو إسمه داود القيسي .. مطرب الحزب الرسمي ... يكولون مرّه من المرات كان يغني بنادي الصيد بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب ... وكانت الصالة مليانه بعوائل المسؤولين  من ضمنهم عائلة مطيحان نفسه ... زوجة مطيحان ما كانت شايفه داود القيسي من قبل ... ولمّا طلع على المسرح حتى يغني، أرسلت مرافقها الخاص للمشرفين على الحفل يخبرهم بأمر السيدة الاولى .... شنو هذا الأمر؟ أن يغني داود القيسي من خلف الستارة ... يعني صوت من غير صورة ... تخاف على أطفالها يخترعون  لو تصيبهم كآبة اذا  شافوه ... حقها ... والله العظيم حقها ... آني رجّال شايف كل الضيم ولعبان النفس ولمّا شفت داود القيسي بمقهى القناديل بالصالحية، غصّيتْ بالبيبسي وكولا وما كدرت أشربه .. الحمد لله ما شفته وآني بالمطعم اللي جنب المقهى .. المطعم اللي أكلت بيه باميا وتمّنْ قبل دخولي مقهى القناديل بربع ساعة ..

ألعن ابوكم  وأبو حزبكم يا هتلية ... يريدون مظلوم يقاتل نيابة عنهم  ... لا والله ما أقاتل ...يجي يوم وأفر من الجيش  ..... إي نعم ...لازم أفر .... شنو اللي حصلته منكم غير البسط والتعذيب والفصل؟ قدمت طلب على شقة من شقق البلدية للايجار، تالي يرجع لي الطلب عليه توقيع مدير البلدية : لم تحصل الموافقة ... ليش يا با؟ لأني ما منتمي للحزب القائد ... ثاني يوم ـ بعد شلعان الروح ـ قابلت امين سر فرع الحزب .. وعريضة الشقة بيدي ... سألني : ليش ما تنتمي للحزب وترتاح؟ جاوبته : استاذ انت بنفسك قبل اسبوعين وصفتني سرسري وسافل ومنحط ... كيف تطلب مني أنتمي لحزبكم؟ يعني حزبكم يقبل بانتماء السرسرية والسفلة والمنحطين؟ بعدني ما أكملت سؤالي، هفني براجدي، واشتغلت الطحلات والجلاليق .. ما أدري منين طلعولي ... ولوني ولية مخانيث أولاد الزنا .... آني أقاتل نيابة عنكم بالجبهة؟ لا والله ... لازم أفرّ من الجيش ... سفلة ... ينطوني إجازة ثلاث أيام حتى أزفّ لأهلي بشرى نيلي شرف المشاركة بالقادسية ... هوّ آني أعرف أذبح دجاجة حتى يريدوني أقتل بشر؟ والله العظيم فد يوم أمي توسّلت بيّ أذبح الدجاجة حتى تطبخها نذر للعباس أبو فاضل ـ سلام الله عليه ـ  ما استطعت ... رحتْ لمحمد القصاب حتى يذبحها ... سألني محمد القصاب : ليش ماتذبحها إنتَ؟ كلتله : آني مصاب بعقدة نفسية .. إذا أشوف دم وجهي يصير أصفر .. حتى من ذبحها القصاب توسّلتْ بيه يخلّيها بكيس حتى ما أشوف الدم ( أستغفر الله .. الحقيقة آني خفت على دشداشتي يصير بيها دم لأن الدجاجة بقت ترفس والدم يتطاير منها ) .. بعدين آني شاعر ... الشاعر يحب الكتب والبنات الحلوات والحدايق والتجوّل بالبساتين والموسيقى والسفر وليس القتل والقنابل والأسلاك الشائكة  ودروس حلبوص .. ياليت حلبوص حلو ... أشو من يشرح الدرس عن طريقة تفكيك البندقية يظل الزبّاد يتطافر من بين شفايفه ... يشبه معاون المحافظ لمّا خطب بالملعب حسبالك يبول من حلكه .. هتلية ... يريدوني أقاتل نيابة عنهم .. لازم أفرّ من الجيش ... إيْ والله وروح رجل خالتي لازم أفرّ من الجيش .. شنو يابا يقولون عني جبان؟ مو مشكلة ... على رأي المصري " جمال أبو المعاطي " : ليقولوا ألف مرة جبان، ولا مرة واحدة الله يرحمو ...

إللي يقهرني أكثر : جيشنا مو مختلط ... لو كان مثل جيش سويسرا أو جيش ألمانيا نصّه نسوان حلوات  كان تحمّلتْ العسكرية .. على الأقل أشوف وجه حسن .. ابتسامة حلوة .. أسمع حديث حلو ... أشتم ريحة حلوة ... الله وكيل ريحة إباطي أحلى من ريحة  حلبوص .. أما ريحة "معيوف" رئيس عرفاء الوحدة : يايابااااااا ... يمكن أكثر من ريحة الفطيسة مع العلم هو " رفيق عادي  " بالحزب .. لو عضو "فرع أو قيادة قطرية"  شلون  

                                                    **

 

 يتبع

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1305 الثلاثاء 02/02/2010)

 

في المثقف اليوم