قضايا وآراء

الرفاعي ... شخصية ومشروع

وأرغمني الشاهد الواضح على  أن أكون منحازا !

ليس كل انحياز خيانة للموضوعية، بل في كثير من الاحيان  تكريس للموضوعية، واعلاء للحقيقة في مواجهة الزيف والابتذال، خاصة في هذا الزمن السيء، حيث تلوثّت الحقيقة  ببركة المال الحرام، وهوس القوة الغاشمة، فهل أكون قد جانبت الموضوعية وأنا أقول ـ مثلا ـ إن الرفاعي خدم الناس، وأي خدمة ؟  

الرفاعي شخصية ومشروع، وإنما أقول شخصية، لانه عصامي بالدرجة الا ولى، قاوم قسوة الزمن، وغدر القدر، فتحدى وناضل، فكان هو الرفاعي اليوم، صنو مشاريع، وخالق افكار، وصانع جيل، استاذ حوزي من الطراز الرفيع ، درَّس الاصول والفقه والمنطق لعشرات من طلبة العلوم الدينية، وليس ذلك هو محدّ  المحز فيما أريد قوله، بل لأن تلاميذه تحولوا إلى رواد فكر، وقادة رأي، واتخذوا منه محور عشق وحب وتجاذب روحي علمي، وبالتالي، يمتلك حضورا كبيرا في ضمير الكثير، وفي وجدان الكثير، حضور علم وفكر ونهج، وقبل هذا وذاك، حضور إنسان أُغرِم بحب الانسان، فالرفاعي إنسان قبل كل شي ء، وهل هذا الهيام بالمعنى الروحي للدين إلاّ  علامة فارقة على ذلك ؟

الرفاعي لم يسع لعلاقات بهدف ذات العلاقة، بل بهدف خلق فضاء معرفي واسع، يصب في خدمة العقل، والعاطفة، ومن ثم الانسان، بدليل أن هذه الشبكة العلائقية التي يمتلكها تحولت إلى نتاج فكري عالمي، فهو إذن كان يسعى إليهم من أجل  غيرهم وغيره، إنّه يؤمن بتسخير الطاقات من أجل تنمية طاقات، ومن أجل خلق طاقات أخرى، وعليه، لم تكن علاقته بالعلواني وعبد المهدي وطه عبد الرحمن والمسيري والمرزوقي وغيرهم من رواد الفكر والسياسة إلا ّ من أجل صنع فضاء ثقافي عالمي، خلاّق، فهي علائق من أجل علائق، وحب من أجل حب، وفكر من أجل فكر .

abduljabar_alrifaiالانجاز النوعي (قضايا اسلامية معاصرة) تخطت الزمن القاسي، واشرعت ابوابها للاقلام الحرة والافكار المضطهدة، والطاقات الكامنة، فكانت ثورة فكرية رائعة، عرَّفت شرق العالم الاسلامي بغربه، فهي مائدة جمع، وتفاعل، والمستقبل يتخلّق من خلال هذا الجمع والتفاعل، وبالفعل، لقد تحولت (قضايا اسلامية معاصرة) إلى دائرة معارف، ولا ننسى أنها المجلة ا لتي تكاد تكون الوحيدة التي اخترقت المسموح لتتخطاه الى الممنوع، وتمزّق التقليدي من أجل أن يتنفس الجديد، فهي علامة فارقة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر.

الرفاعي شخصية ثقافية متطورة، أو لنقل متجددة، فهو بالوقت الذي يتفنن بعرض المادة الدينية التقليدية يشمخ باسلوبه العصري، الحداثوي، وهذه نقطة قوة، بل دليل على أن الرجل استعداد متنوع التلقي والخلْق .

الرفاعي كما يبدو لي طُبِع على التسامح، والدليل على ذلك أن جوهر مشروعه هو التسامح الديني والايدلوجي، لم تأت هذه النزعة جزافا، بدليل أنه كتب بذلك، وعندما يرى في الدين قوة روحية إرشادية بالدرجة الاولى، ومشروع يتصل بالضمير والسلوة والوجد، إ نما  يدلل على أن التسامحية في فكره وتصوراته وعمله إ نما هي مشروع وليس رغبة عابرة .

نقرا ونكتب ونسمع ونحاضر عن التسامح، ولكن كثيرا ما يكون ذلك بلغة الامنية، ولغة جمالية اثيرية خيالية، أ ما الرفاعي فإن التسامح عنده عبارة عن مشروع بنيوي، بدليل سلسلته (منابع التسامح الديني) التي اصدرت أكثر من منتَج فكري، كان له أكبر الاثر في الوسط الثقافي العربي والاسلامي .

الاخلاص للاصدقاء !

سمة !

وأي سمة يتحلى بها الرجل ...

شخصيا مدين له بانه ساهم بتعريفي للقاريء العربي، فقد طبع لي أكثر من كتاب، وقد بذل جهودا جبارة في تصحيحها واخراجها، وقد تحمل بسببي كثيرا !

لقد طبع لنا نحن المقموعين، المحاربين، المنبوذين، وتحمل في سبيلنا الكثير من العنت والملامة، ولكنه أبى إلا أن يكون معنا نحن الفقراء !

 وسمة أخرى

وأي سمة !

اصدقاؤه المفكرون والبسطاء، وتلك من علامات الزهد بالرفعة المصطنعة، ومن علامات التمرد على الدنيا إذا أقبلت، تراه محور حلق من الصحفيين المتمرسين، والصحفيين الهواة، والصحفيين المبتدئين، يشجع، ويعرِّف، ويطبع، ويمدح، وكل ذلك باتزان العلماء والمفكرين والحريصين على نشر المعرفة، وبالتحليل الاخير، الحريصين على خلق مجتمع معرفي متطور .

لم يكن انتماءه الايدلوجي حاجزا عن التأخي مع كل الاتجاهات الا خرى، صديق الماركسي، والوجودي، والسني، والشيعي، والصوفي، ليس ذلك لأن شعوره إنساني، بل لأن ثقافته أيضا موسوعية،وصاحب الثقافة الموسوعية يكون صديق الجميع، ومحبوب الجميع .

قدم لعشرات الكتب، بما فيها كتب صدرت لمفكرين كبار، مثل العلواني والمسيري وغيرهما، واشرف  على الكثير من ا لرسائل الجامعية

وهو نسيج نفسه ...

عصامية في الشخصية، وعصامية في الفكر ...

وعصاميته هذه علمته درس التواضع ...

وهذه سمة أخرى ...

ولي معه جولة اخرى بإ ذن الله

والضمير من وراء القصد

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1305 الثلاثاء 02/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم