قضايا وآراء

ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية (3)

وعجز النساء غير المتعلمات عن إيجاد عمل يحفظ الكرامة، ويوفر الحاجات الأساسية لبني البشر، وتنامي مشكلة الفقر محليا وعالميا) وقد تكون الكاتبة المشاركة سمية عريشة محقة بإشارتها إلى أن (الظاهرة منتشرة فى بلدان الشرق الأوسط، بسبب عدم العدل والهوة الكبيرة فى نسب توزيع الدخل بين شرائح قليلة ثرية جدا ومعظم شعوب العالم الثالث وتحديدا الشرق الأوسط معدوموا الدخول أو المندرجون تحت خط الفقر) [لم أجري التصحيح اللغوي على النص] ولكنها لم تدعم موقفها هذا بل سارعت للتخلي عنه والسير مع الآخرين في طريق المحاباة لموقف المؤسسة فعزت أسباب البغاء إلى (التمييز ضد المرأة سواء كان فى الميراث او الحرمان منه او فى اقتسام الثروة بين الزوجين فى حال الطلاق، وفى ظل القوانين التى تحرم النساء من اطفالهن فى حال الزواج من رجل غير أبو الأطفال بعد الطلاق، وأيضا التمييز بين أجور الرجال وأجور النساء من الطبقات الدنيا وألعمالة البسيطة أو اليدوية لغير صالح النساء.... وأيضا فى حالات كثيرة تختلط فرص العمل للنساء بضرورة ممارسة الجنس مع أصحاب الأعمال والا فقدت عملها لأسباب يتم اختراعها، وأيضا فى ظل تنامي العرض للمغريات الأستهلاكية فيسيل لعاب الشباب والشابات لتلبية الرغبة فى مجاراة ذلك الأستهلاك مما يدفع بهن لسوق البغاء أيضا حالة الحرمان من الجنس فى المجتمعات العربية نتيجة العديد من الاسباب اهمها الفقر وخاصة لجموع الشباب والشابات برغم أنهم فى السن التى تكون الرغبة الجنسية لديهم فى قمتها، مما يمثل عبئا وضغطا على اعصابهم وعلى سلامة تفكيرهم، وانفعالهم وردود افعالهم، وقبل كل شيئ يؤثر الكبت الجنسي على سلامة التفكير لدى اى انسان، فما بال الشباب اللى فى عز صحته ورغبته) [[هنا أيضا لم أتدخل لتصحيح الأخطاء اللغوية]]

ولا أدري ما علاقة البغاء بالتمييز في الإرث أو في عدم إعطاء الأطفال للأم المطلقة التي تتزوج ثانية برجل غير والدهم. كما لا اعرف إذا ما كان العرف العلماني يبيح ممارسة البغاء للحفاظ على العمل أو لمجاراة الاستهلاك لتلبية الرغبة أو لتفريغ الكبت النفسي؟ فإذا كان الجواب نعم، فذلك يعني أيضا أن نفس القانون يبيح لهذه النماذج السرقة أو القتل أو الابتزاز أو النصب أو الرشوة أو تعاطي المخدرات لأن هذه الأعمال كلها تدخل مع البغاء في نطاق مخالفتها للقانونين الديني والأخلاقي وإذا كان قانون ما يبيح واحدا منها فالإباحة تمتد إلى باقيها بنفس رخصة الإباحة ونفس الترخيص. والظاهر أن هذا الرأي هو الذي دفعها للوقوع بوهم ازدواجية المعايير حيث قالت: (فالكل يعلم ان الانسان وخاصة الشباب لا يستطيع الحياة بدون حب او جنس 00وان هكذا خلقه الله، ولعل لذلك قيل ان الزواج نصف الدين 000وللاسف ذلك الاجرام المجتمعى فى حق الشباب يتم فى المجتمعات التى تصدع رؤس مواطنيها فى كل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وفى المواصلات عن الحلال والحرام 00 لكنهم ايدهم فى الميه الباردة لأن معظم اولو الامر عواجيز ورغبتهم الجنسية راحت عليها او اتحققت من زمان، واولادهم مفيش مشكلة مادية تمنع 00 يعنى كل هذا المنع والقهر منصب بالاساس على النساء والرجال الفقراء 00 يعنى ما يقرب من 85% من الشعوب العربية مفروض انهم لا يمارسون الجنس يا حول الله)

نستشف من هذه النصوص المقتبسة من المواضيع المشاركة في الملف أن كل كاتب يعزو ظاهرة البغاء التجاري إلى مؤثرات تختلف عن تلك التي يشير إليها غيره. أما ألأسباب الحقيقية فيكادون يغفلونها ربما عن قصد وتعمد وربما تبعا لخطهم الفكري، وربما أن البغاء في بلدانهم أو مناطقهم وبيئاتهم يتأثر بالعوامل التي يشيرون لها دون غيرها.لكن بالتأكيد لا يمكن أن نحصر أسباب انتشار الظاهرة بما أشار له المشاركون في الملف، وهناك حتما الكثير من الأسباب التي لم يشيروا إليها ومنها عملية تصنيع الجنس التي وصلت في الغرب إلى مراحل متقدمة وأصبحت تشكل أهم مصادر مداخيل بعض البلدان وهو ما أشار إليه بولان بقوله: (أن الدعارة أصبحت استراتيجية تنمية لدى بعض الدول) أما حقيقة هذا القول فتؤكدها المداخيل العالية التي تؤمنها الصناعات الجنسية للكثير من البلدان حيث أورد بولان إحصائية تقول: (: ففي سنة 1995 ُقدر أن مداخيل الدعارة في تايلاند تشكل ما بين 59% و60% من ميزانية الحكومة. و في سنة 1998 قدرت منظمة العمل الدولية أن الدعارة تشكل بين 2% و14 % من مجموع الأنشطة الاقتصادية بتايلاند و إندونيسيا و ماليزيا و الفلبين. وحسب دراسة قام بها بيشون وروبنسون تجلب الصناعة السياحية 4 مليار دولار سنويا في تايلاند.)

كما أن تطوير صناعة السياحة والتسلية يعد واحدا من أسباب تنامي حجم التجارة الجنسية في بلدان المغرب العربي ودول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وتنامي قدرات الشركات الغربية واستعدادها لدفع مبالغ مغرية دفع الكثير من الباحثات والباحثين عن الثراء السريع لولوج عالم تجارة الجنس دون أن يكونوا معوزين أو يشكون من ضائقة مالية يؤيد ذلك ما نقل عن معدل سن ولوج الفتيان والفتيات إلى عالم البغاء في الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يزيد عن (14) سنة، وهي فترة المراهقة المنفلتة التي خدعتها مظاهر الثراء وساعدها انشغال الأهل بأمور أخرى ليس من بينها رعاية أبنائهم، وحمتها القوانين التي تقود المجتمع تحت ستار الحرية الكاملة التي أسماها "الحوار" (ليس هناك من يحق له فرض الرقابة على حرية الإنسان وحقه في التصرف بجسده) هذا وقد أوردت قناة (بي بي سي) خبرا مفاده أن (ممارسة الجنس في سن مبكرة قد يضاعف من مخاطر الإصابة بسرطان الرحم، حسبما جاء في دراسة أجريت على 20 ألف امرأة لمعرفة العوامل التي تجعل من النساء الفقيرات الأكثر عرضة للإصابة بهذا الصنف من السرطان. وتبين للباحثين أن سبب ذلك قد يكون ممارسة الجنس في وقت أبكر بحوالي أربع سنوات مقارنة مع باقي النساء. ما اكتشفه المشاركون في هذه الدراسة هو أن انطلاق الحياة الجنسية للنساء الفقيرات في وقت مبكر يفسر في حالات كثيرة الأسباب الكامنة وراء الإصابة.)

ولا يمكن تصور الخطر الكامن وراء انتشار تجارة الجنس إلا بمعرفة عدد الأطفال من الجنسين الذين يزج بهم في هذه المهنة القذرة سنويا حيث قدرت منظمة اليونيسيف عدد الأطفال الذين يدخلون في صناعة التجارة الجنسية كل سنة بمليون طفل وتستغل صناعة دعارة الأطفال 400000 طفل في الهند و 75000 في الفلبين و800000 في تايلاند و 100000 في تايوان و200000 في النيبال ومن 100000 إلى300000 طفل في الولايات المتحدة الأمريكية(ترتفع الأرقام إلى 2، 4 مليون بإضافة مجموع صناعة الجنس)، و 500000 طفل في أمريكا اللاتينية. و يقدر عدد الأطفال البغايا في الصين بـ 200000 إلى 500000 طفل. وتتراوح التقديرات في البرازيل بين 500000 و 2 مليون و تقل أعمار 30% من العاهرات في كامبودج عن 17سنة و ترى بعض الدراسات أن طفلا بغيا يبيع خدماته الجنسية لـ 2000 شخص كل سنة. وكما أسلفت تمثل هذه الأرقام عدد الأطفال الذين يزج بهم سنويا أما عددهم الكلي التراكمي فيبلغ أضعاف هذه الأرقام

كما تركت العوامل النفسية أثرها الكبير على بعض شرائح المجتمع بما جعلها جاهزة للانخراط في هذا العمل حيث جاء في الإحصاءات أن 75 % إلى80 % من البغايا تعرضن لاستغلال جنسي في مرحلة طفولتهن وقد أثبتت دراسة حول عاهرات الشارع في إنجلترا أن 87 % من العاهرات كن ضحايا عنف خلال اثني عشر شهرا الأخيرة، و43 % منهن كن قد عانين من اعتداء جسدي خطير. وبينت دراسة أمريكية أن 78 % من المومسات كن ضحايا الاغتصاب من قوادين و زبائن بمعدل 49 مرة في السنة، وأن 49 % منهن كن ضحايا اختطاف وترحيل من دولة إلى أخرى و27% منهن تعرضن لتشويه جسدي.

 

علاج الظاهرة:

معنى هذا أن بحثهم عن علاج للظاهرة سيقتصر "على / وينبع من" تلك الأسباب المحددة التي أشاروا لها دون سواها، يؤكد ذلك طلبهم إيجاد السبل التي توقف أو تمنع البغاء الناتج عن الحاجة الاقتصادية أو المعيشية الماسة، أو بفعل العصابات الإجرامية التي تتاجر بجسد المرأة، أو بتفعيل رقابة الدول الشرقية على الظاهرة وتقنينها، أو بممارسة المرأة لحقوقها الكاملة والمتساوية ومنع التمييز عنها بما يساعدها على تجنب المزالق المحتملة في حياتها ولصالح بناء مستقبلها.

 وكم تمنيت أن أقرأ عن حلول شاملة لكن للآسف كانت أغلب آراء المشاركين قد تأثرت بهذا الحث، حيث جاء عن المشاركة صبيحة شبر قولها: (كيف يمكن معالجة هذه الآفة الخطرة، أو التخفيف من وخامة نتائجها على المرأة والمجتمع ؟ لابد أن تتضافر الجهود لانتشال فتياتنا الصغيرات من العمليات الإجرامية، وان تتعاون منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمدرسة والأسرة على كيفية تنشئة الفتيات تنشئة صحية يجب أن تربى الفتاة العربية تربية تحترم فيها الإنسان، وتغرس في نفسها قيم الكرامة، يجب ان نسعى إلى إصدار قوانين تنصف المرأة، وتنظر إليها ككائن إنساني، وهذا يستوجب تعليم الفتاة، وتأهيلها للقيام بالأعمال التي تدر عليها فائدة مادية ومعنوية، كما إن توفير الحرية للفتاة، لاختيار الزوج المناسب الذي يشبع الحاجات المتعددة للإنسان، العاطفية والجسدية والفكرية، والحاجة الى الأمان، والقدرة على التطليق، إن عجز الزواج من تحقيق نوع من الحياة مرغوب فيه)

أما المشارك عبد الله شمختي فيرى(الباحثين والمهتمين بالدراسات الاجتماعية يصيغون حلولا ومقترحات لمعالجة هذه الظاهرة ولكن اعتقد بان محاولة السيطرة على هذه الظاهرة وفى هذا العصر الذى اصبح العالم كقرية واحدة من الصعب جدا بل ومن غير الممكن معالجة هذه الظاهرة واصبحت ظاهرة ملازمة ومتلاصقة بهذا العصر) ويضيف قائلا:(نعم يمكن الحد من ظاهرة الاتجار بالجنس فى مناطقنا لو كانت الحكومات جادة فى هذا الجانب ويمكن وضع اليات محكمة وقوانين واجراءات صارمة لمن يمارسون هذه التجارة، اما ظاهرة البغاء وممارسة الجنس فلايمكن ردعها والقضاء عليها فى الامد القريب لوجود مبررات الدخول الى ذلك العالم بعد)

قد تكون دعوة المشاركة سمية عريشة مقبولة حيث طالبت بـ (تحويل 80% من أموال الزكاة لبناء شقق صغيرة وتأجيرها للمتزوجين حديثا وباثبات عقد القران000 وفى حال الطلاق يصبح المنزل لمن سيتولى رعاية الأطفال منهما) ودعوتها إلى(- تمكين الشاب والفتاة بعد الزواج مباشرة بمشروع مشترك عن طريق مؤسسات المجتمع المدنى الوسيطة ضمن القروض المتوسطة والصغيرة للعمل به معا كتشجيع للزواج للطرفين) ولكن هل أن القيام بهذه الأعمال وحدها ممكن أن يساهم في حل المشكلة؟ ألم يسعى الغرب إلى توفير السكن لأغلب مواطنيه عزابا ومتزوجين ذكورا وإناث؟ فلماذا هذا الحجم الكبير للبغاء عندهم إذا؟ ثم أن الكاتبة لم تكن مقتنعة بالأساس بما جاءت به ولذا اعتقدت وظنت أن الخروج على القيم السماوية قد يساهم في معالجة الظاهرة كما في قولها: (تغيير الثقافة السائدة التى تعتبر شرف الفتاة مجرد غشاء بكارة يدفعانها الى الهروب او الغش باصطناع غشاء بمساعدة الأطباء والتكنولوجيا المستوردة فذلك أمر مرفوض إن قبله العلماني لا يقبله الديني أو غيلا العلماني بل حتى الناس العاديين في المجتمعات الدينية ممن لا يأبهون للدين يعترضون على هثل هذا الطرح) بل أن الكاتبة في سبيل إيجاد حل للمشكلة دعت إلى تطبيق النموذج الغربي في المعاشرة قبل الزواج للتجريب والتعلم فإن نجحت التجربة يتم إكمال باقي إجراءات الزواج الرسمي وألا فعلى الفتى والفتاة البحث عن شركاء جدد للتجريب مرة ثانية وثالثة وعاشرة إلى أن يتم الاتفاق حيث قالت:(مما يجعل تلك العلاقات المتوفر فيها شرط القبول والأيجاب برغم أنها بدون عقد ورقى مكتوب تتوفر فيها مناخ الزواج خاصة بقبول المجتمع لأقامة المحبين فى بيت واحد قبل الزواج، مما يدعم تلك العلاقات ويعطيها فرصة النجاح أو التراجع فى حال اكتشاف تنافر الصفات بين الطرفين الرجل والمرأة 000مما يعطى الزواج الرسمى جدية كبيرة خاصة أن الطرف المتسبب فى الطلاق يخسر نصف ثروته لصالح الطرف المضار من ألانفال) ولا أدري فيما إذا كانت تهدف من وراء قولها هذا تبرئة الغرب من تجارة الجنس المزدهرة فيه الآن مع وجود المعاشرة التجريبية وكل أنواع المعاشرة الأخرى، أم ماذا!

المشارك حامد حمودي عباس من جانبه يدعي أن المجتمع الإنساني المريض هو الملام لأنه يقف بوجه معالجة الظاهرة ويساهم في تنميتها فيدعي:(جميع النساء اللواتي يمارسن البغاء طاهرات في صميم نفوسهن ويكرهن هذه المهنة الرخيصه، وجميعهن ينزعن الى أي باب للخلاص من هذه العبودية المقيته، غير أن المجتمع المريض أصلا لا يدعها تستعيد عافيتها وتتراجع عن مسارها الغير مريح.)

ويرى المشارك حسن عجمية أن علاج الظاهرة يتم عن طريق إلغاء مفهوم قوانين الجنس (ذكر / أنثى) "gender" من الحياة العامة ويقول (اعتبار الكائن الأنثوي كائن إنساني بإلغاء كل تعريف مرتبط بالجنس هو ما يؤدي إلى وصول التوافق والبناء المشترك لجميع العناصر المرتبطة بالحياة الإنسانية فالمهام والوظائف المؤهلة للقيادة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يجب أن تكون مشتركة ومتوازنة – رئيس دولة إلى جانب رئيسة للدولة –رئيس وزراء ورئيسة وزراء – قاضي وقاضية – مدير ومديرة..إلخ عندها يمكن أن نصل إلى الوحدة الإنسانية في المشاركة السياسية والاقتصادية وكل فعالية تندرج ضمن المهام الإنسانية) وهذا مخالف لأبسط مفاهيم التقسيم والتوظيف الجنسي والإمكانيات التركيبية والفسيولوجية التي تلائم جنسا ولا تلائم الجنس الآخر، ثم أن العالم الغربي ألغى منذ زمن بعيد أغلب الفوارق بين الجنسين ولكن ذلك كما هو معروف لم ينجح بإلغاء تجارة الجنس ولم يحد من انتشار البغاء بكل صوره بل حول الجنس إلى مشكلة كبيرة تهدد المجتمع بالانهيار الكلي، وهو ما سيحدث فعلا إذا لم تتم العودة إلى تطبيق العلاقات الإنسانية السوية في المجتمعات الغربية.

وهكذا نجد أن قانون النسبية يلعب لعبته بخصوص طرائق معالجة الظاهرة فكما هو معروف أن الأمم تتمايز في نظرتها للمعايير التي تحدد الصح والخطأ لكثير من السلوكيات والتصرفات وتبعا لذلك قد يبدو ما هو صحيح ومباح عندك خطأ وغير مباح عند الآخر وسنجد بالتالي منظومة متباينة من السبل التي يعتمدها كل مجتمع لمكافحة الظواهر الشاذة أو الخاطئة من وجهة نظره وليس من وجهة نظر الآخرين، وعليه قد لا تبدو الظاهرة حتى بمنظورها التجاري مشينة عند بعض الأمم، وتبدو عند غيرهم مشينة إذا كانت لأغراض تجارية ولكنها مباحة لأسباب أخرى، وتبدو عند طرف ثالث محرمة سواء كانت للتنفيس أو للتجارة ما دامت تمارس خارج قنواتها الفقهية والأخلاقية. هذه النسبية تعني أن علاج الظاهرة يعتمد على مدى تقييم المجتمع لها وفهمه لموجباتها.ومع ذلك لا يمكن حلها بالتجزئة والتقسيم أي أن يحاول كل باحث حل جانب معين منها يتعلق بالأسباب التي يعتقد أنها المفضية للتجارة الجنسية دون سواها، ومن الأمثلة على هذه الانتقائية آراء الكتاب المشاركين في ملف مؤسسة الحوار التي فيها الكثير من التماهي مع وجهة نظر المؤسسة، والتي تنبع عادة من رغبة جامحة للخروج على المألوف، والخروج على القيم الدينية والمثل المجتمعية الموروثة حسنها وقبيحها، وهي عادة تتطابق مع الأسباب التي عزا الكاتب المشارك ظاهرة البغاء إليها، فالكاتبة صبيحة شبر تقول: (ان الحرص على الفضيلة يجب ألا ينبع من الخوف والخشية من العقاب، إنما من إرادة قوية وتصميم فعال على عدم التفريط بالكرامة، فبداية البغاء قد تكون، في محاولة تحدي الأوامر الصارمة، التي تجد في الفتاة سبيلا الى المحافظة، على الشرف العائلي... وحين تجد الفتاة امتناع أسرتها عن تحقيق رغبتها، تندفع إلى عمل يحمل إلى تلك الأسرة ما تكرهها، فقد تهرب من واقعها ظنا منها ان هروبها سوف يأتي بالحل الناجع) لقد مارست الطبقة الغنية في المجتمع العربي المغربي هذه التجربة بحث من الفرانكفونية وتخلت عن تشددها في موضوع غشاء البكارة ولم تعد تحاسب بناتها عليه، لكن ماذا كانت النتيجة؟ وتجيبنا الإحصاءات المغربية نفسها عن النتيجة في قولها أن الأعم الأغلب من بنات هذه الطبقة يمارسن البغاء وتحول بعضهن لممارسته تجاريا!

أما الكاتب عبد الله مشختي فيرى أن: (اطلاق الحريات العامة والشخصية فى ظل النظام الجديد المسمى بالعهد الديمقراطى والتى كانت ولازالت ديمقراطية مريضة وغير سالمة لافتقار العراقيين الالمام بهذه العملية اولا ولرغبة القوى السياسية العراقية والتى فى اغلبها هى اما دينية او قومية فى فصلها على مقاساتهم ومزاجياتهم بعيدا عن الاطر الحقيقية للنظام الديمقراطى او الدستورى) كتاب آخرون من المشاركين بالملف لهم آراء مقاربة منهم سمية عريشة التي تقول: (تعرض فتيات ونساء للأغتصاب، مما يصيبهن بحالات نفسية ورفض من المجتمع بتحميلهن السبب سواء ملبسهن أو طريقة سيرهن أو كشف شعورههن مما يشكل ضغطا يدفع بهن لبيع انفسهن لأول رجل طالب زواج ويفشلن بعد ذلك أو بالأنخراط فى تجارة الجنس مقابل المال كأنتقام من المجتمع أو لليأس من أمكانية ان يقبلهن المجتمع وأن يوافق شاب على الزواج بها برغم تعرضها للأغتصاب) والكاتب محمد البدري يرى أن: (المراة في هذه المنظومة العرب / اسلامية ضحية مزدوجه. فهي من جهة قوة عمل يمكن استغلالها مثلما يستغل الرجال وايضا حاملة للمتعة التي ما اسهل تحويلها لسلعة.)

فهل يعني هذا أن المرأة الغريبة ليست ضحية مزدوجة؟ إن الرأسمالية حولت المرأة إلى أداة دعائية مسلوبة الكرامة، والسينما الغربية حولتها إلى مجرد كائن مثير للغرائز، ومواقع الأفلام الإباحية أو ما يعرف بأفلام الراشدين حولتها إلى فأر تجارب حقير يستجيب لكل ما يطلبه الذكر منه بكل ما يسحق الكرامة من امتهان وازدراء، وحتى المنظومة الاشتراكية التي استغلت قوة عمل المرأة فقد كان الاستغلال لصالح الطبقة المتنفذة والمجتمع ألذكوري أكثر منه فائدة للمرأة نفسها. ألم يحولها كل هذا الفعل الهمجي إلى كائن يساهم في بث الفوضى الجنسية في العالم بدوافع شتى؟ وهو ما عابه حسين عجمية بقوله: (فالحقيقة العلمية تؤكد أن الفوضى الجنسية وعدم الوعي التام والدقيق لهذه العلاقات، لا يمكن أن تخلق غير إنسان مسلوب العواطف والقيم الأخلاقية مما يجعل جميع الروابط القائمة على هذه العلاقات هامشيةٌ وبعيدة عن الوعي والمسؤولية، ويصل فيها الإنسان لدرجة الحرمان من جميع الإمكانيات القادرة لتحقيق غايات اكبر وأوسع، وتصبح علاقة الإنسان بالإنسان مبنية على مجموعة من القواعد المنحرفة ألتي تؤدي إلى توسيع دائرة الرعب الداخلي للإنسان، وتشكيل خطراً حقيقياً على بنائه الداخلي (النفسي والعقلي) وتفقده إمكانيات العطاء الحر والإنساني.) أليست هذه هي النتيجة الحتمية لما وصلت إليه المرأة في المجتمع الغربي والتي وصفها الكاتب حسين عجمية وصفا لطيفا في موضوعه المعنون (الجنس في واقع ما بعد الأديان) حيث قال: (وبدأت بالمقابل تنتشر مجموعة من الممارسات الانحلالية الناتجة عن التطور المغلوط للحضارة وعملية تأثيرها على واقع الإنسان المعاصر)

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1308 الجمعة 05/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم