قضايا وآراء

مفاهيم .... مفاهيم

لدراسته أو مقالته يريد أن يشخص بي هذا الجهل أو في الأقل ليثبت لي وللآخرين من المتخلفين ثقافيا والبعيدين عن مفاجئات الثقافة الحداثوية أنه أكبر منا قدرة وأكثر معرفة بالثقافات الأخرى.

وكنت تبعا لذلك دائم البحث عن معاني بعض ما يرد في المواضيع التي أقرأها من مفردات أعجمية غريبة على مسمعي وعصية علي فكري وثقيلة على لساني.

وبعد جهد جهيد وتعب شديد وجدت أن هذه المفردات جملا قيلت في عصور حضارية بائدة أكل الدهر عليها وشرب، توصل لها الباحثون في التاريخ الحضاري البشري واستخدموها للتدليل على مدى تطور شعوب تلك الحضارات، ولما ذهب باحثونا ومثقفونا لقراءة تلك الدراسات وجدوا هذه المفردات التي شدتهم أيضا بغرابتها فاستعاروها واستخدموها للتدليل على متابعتهم واهتمامهم بالدراسات الغربية بما قد يعني أنهم مثقفون أكثر من غيرهم. ومن هؤلاء استعارها كتاب وباحثون آخرون وضمنوها بحوثهم ودراساتهم ليدللوا من خلالها على سعة إطلاعهم، فانتشرت انتشار النار بالهشيم وأصبحت معيارا تقييميا يدلل على مواكبة هذا البحث أو ذاك للثقافة العالمية المعاصرة.

نحن من جانبنا كثير ما تغنينا بقدرة لغتنا العربية على التناغم مع الجديد ومقدرتها على استيعاب  التجديد وتضميخه بضوع فلسفتها واحتوائه كليا ليبدو وكأنه من أصلها مما يدل على أنها لغة حية متطورة، ولكننا أهملنا مثل هذه الإشارة للغات الأقوام الأخرى وصادرنا منها هذه المقدرة ربما جهلا بها أو تعصبا للغتنا،  وألا في الواقع تجد ثمة مساحات غير محددة من هذه المقدرة موجودة في اغلب اللغات الحية ومن يدرس الإنكليزية مثلا بعناية سيجدها استعارت عشرات المفردات الأجنبية وضمنتها قاموسها وكذلك الحال بالنسبة لباقي اللغات ومنها الإيبيرية التي استعارت آلاف المفردات العربية وطوعتها لتتناسب مع طريقة نطقهم لكلماتهم وتعاملهم مع المفردة وفي اللغة الدارجة في أسبانيا هناك آلاف الأمثلة على ذلك.

ضمن هذا الفهم قامت لغاتهم باستعارة مفردات الحضارات السابقة واستخدم الناطقون بهذه اللغة تلك المفردات واستحدثوا لها اشتقاقات منها على سبيل المثال مصطلح (الديماغوجيا) وهو إغريقي الأصل متكون من كلمتين الأولى "قيادة" (agogos) والثانية "الشعب" (demos) والمقصود بها قدرة السيطرة على الوعي الجمعي والتلاعب بأفكار وأقوال وأفعال الناس عن طريق امتلاك قلة من السياسيين والخطباء مهارات خطابية تجعلهم يتفننون في تقديم الوعود الزائفة، والمراهنة على الخوف السابت في النفوس لتحقيق غايات وأهداف سياسية محددة كما هو ديدن بعض السياسيين العراقيين المعاصرين.

كذلك كلمة (باغون) اللاتينيه ومعناها الوثني أو عابد الصنم والطوطم والتي استخدمت في الثقافة الهلينية للإشارة إلى معنى "الأصلي" أي الذي لم يتبدل أو يتحضر للتدليل على من نسميهم نحن "الأعراب" تبعا للمصطلح القرآني أي الذين يعيشون خارج المدينة المنورة وحواليها، والذي أصبح يطلق على كل قوم يعيشون خارج المدن، وهم  كانوا يقصدون بها طبعا من يعيش خارج أثينا عاصمتهم. لأنهم كانوا يطلقون على سكان أثينا اسم (ثيوس)، التي تحولت إلى (ديوس) في الحقبة الرومانية و منها جاء المصطلح الإنكليزي (ديَتي) بمعنى إله، و(ديزيم) الذي يعني الأيمان بوجود خالق  و(ثيزيم) التي تعنى من يؤمن بالله و منها (ثيولوجي) وهو علم (الميتافيزيقيا) التي تعني : ما وراء الطبيعة، والتي هي أيضا من مصطلحات تلك العصور ويهتم هذا العلم كذلك بأحوال الآلهة، و(ثيولوجي) هو المصطلح الذي أدخل إلى فكر الديانة المسيحية بإسم (اللاهوت) أي "الإلهي" والذي هو عكس (الناسوت) الذي هو "البشري".

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1313 الاربعاء 10/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم