قضايا وآراء

رطين في لغة الثقافة الحداثوية

أنها تكاد لا تفارق موضوعا مهما كان مجال بحثه ومستوى صياغته وأهميته أو تفاهته، وأصبحت تتقافز بين كلمات المواضيع حتى ولو كان ذلك الموضوع يتحدث عن فوائد أكل العنب أو فوائد غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وصارت هذه الزوابع المدوية تتشبث حتى بالمواضيع الدينية والعقائدية والسياسية والفنية، وتتواجد بين ثنايا القصائد الشعرية والقصص الهزلية والروايات المأساوية، ومن يدري لعلها تنال رضا مؤلفي القصائد الغنائية فتدخل قواميس الأغنية العربية، ولو أنها في هذه الحالة ستخرج رشيقة جميلة عذبة من بين شفاه نانسي عجرم أو هيفاء وهبي، وهذا ما لا يخشى معه على ذائقة المستمع وذوق المتلقي، ولكن الخشية كل الخشية والخوف كل الخوف تأتي من إمكانية خروجها صليات رشاش أوتوماتيكي من بين شفاه أحمد عدوية ومن هم على شاكلته في الغناء ممن يملكون أصواتا جهورية وحناجر رعدية تلقي الكلمات على مسامع الناس وكأنها قنابل يدوية.

والمشكلة لا تكمن في طريقة تناول وتداول هذه المصطلحات في الممنوعات والمباحات فقط    بل حتى في طريقة حرفية تطبيقها على ما يراد قوله حيث يؤتى بها في أحيان كثيرة للتدليل على أمر بعيد عن معناها وغريب عن مغزاها ، والأنكى من ذلك أن بعض الكتاب يعجزون عن لفظها بشكل صحيح عند قراءتهم لمواضيعهم أمام الملأ فتخرج من أفواههم وكأنها جلاميد صخر حطه القدر على رؤوس المستمعين الصابرين المحتسبين، الذين يخرجون من تلك  المحاضرات وكأنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن أسكرهم حتى الثمالة ذلك الطرق الوحشي على المسامع والألباب، والرطين بكلمات لا يعرفون لها أصلا أو معنى..

والأعجب منه أن لكل واحدة من هذه المفردات الأعجمية ما يقابله حرفيا باللغة العربية التي اعتادت آذاننا على سماعها وأصبحت تطرب لوقعها وتستأنس بجرسها ورقتها وروعتها وسلاستها، فلماذا يا ترى  يلجأون إلى مثل هذه المتون ويستقون ويشربون ويملأون منها البطون ولديهم الكثير مما يمكن لهم به أن يستأنسون؟

والذي أستغرب منه أكثر أن أغلب تلك المفردات التي يلوكونها هي مفردات مركبة تتكون من كلمتين أو أكثر لتعطي المعنى المطلوب، بينما تجد  في لغتنا العربية أن للإشارة معنى، وللحرف معنى، وللنقطة معنى، وحتى للصوت المبهم معنى، فأيهما الأفضل في مثل تلك الحال التمدد والتعرج والاستطالة أم الاكتفاء بالرمزية الساحرة الأخاذة؟ وأيهما أرحم أن نجعل الآذان تطرب لوقع الكلمات في داخلها أم نحول الكلمات إلى عواصف تزمجر وترعد وتبرق من بداية صيوان الآذان إلى نهاية أصغر عصب سمعي بما يصيب السامع بالغثيان؟ فإذا أدعى هؤلاء الباحثون عدم وجود فرق بين الاثنين فالظاهر أنه لا يوجد فرق أيضا بين زقزقة العصافير ونهيق الحمير!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1314 الخميس 11/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم