تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا وآراء

رصد ذبابات الواقع بروح شعرية

تظل الانتقائية واضحة تماماً في اختياره لمواضيعه . والعلي بوصفه الأقدر على رصد ذبابات الواقع الغورية المتصيدة بالماء العكر تظل مواضيعه حساسة وفي غاية الأهمية والتي عجز عنها الكثيرون من أبناء جيله وهو ينزل الستار ويكون أكثر التحاماً بالناس رافعاً الحواجز ورافضا ً فكرة المغالطة وتزييف الواقع المعاش الذي تدهور واضحى  ليل الحرمان طاغياً . وانفتاح قصيدته على كل الرؤى والاحتمالات دليل قوي على أهمية الشعر وعلى أثره في الواقع .

القادم

من الايام

يحمل الكثير

من

السواد

فلا شيء

على مايرام !

 

الفرح الغائب / الخطاب الذي لم يكتمل / الوطن والحيوانات الضخمة/.كلها تواريخ معجونة في لحظات شاعر يحاول ان يتقن جليد ديترويت وأسطح بيوت ديربورن في لحظات تأمل عميق وفي سؤال الوجود. حتى مطاعم ميشغين والصوت الهادئ الرقيق المنعبث من داخلها كأنه ليس من هنا

 

.بغداد الضاحكة لم تغب عن باله الذي تسكنه عشقه حتى الثمالة .ربما عصرنا معتل الكبد ولكن شاعرنا مازال قلمه مثل الجمر لايرتضي أن يخبو في جدران المنافي وهي تنفض خربشاتها على وجوه مازالت تحن الى اوطانها .

في وطني

لاتتناوب

الفصول

فلا

الربيع

ولا الصيف

ولا الشتاء

فقط الخريف

الذي يتساقط

به العراقيون

الخوف اليومي وحزن الشاعر على أناس يتساقطون كل يوم بفعل الحروب وتنافرها العنيف مع اليقين المستقر والثابت .فصول سنوية ساقها الينا ليقول لذاته لمَ الخريف يلفنا في عباءته الميتافيزيقية ليدلل أن المناخ السوداوي الذي يتساقط به ابناء جلدته هو حفرة كبيرة رسمها لنا الاحتلال وهو يبرز الينا من الصور المجازية التي جاءت بغاية البساطة لتزيد من فكرة انهياراته وان المخاطر تدعم بموت العراقيين .

                                 فلقد

                               غادرتنا

                              ألأشجار ....واوراقها

                             منذ زمن بعيد

يرسم هذه العلاقة الشائكة بينه وبين عالمه الخارجي. وهل الصراع القائم بين رغبات واحلام لا أمل فيها سوى الموت ؟.تناغم الكلمات بمحتواها الايحائي. ويعلن ما يدور بخلده من الواقع العراقي ببساطة اللفظ/ عمق في الصور/ واكتشاف هذه العلاقة الجدلية بين الواقع المعاش وبين الخيال المسيطر على كواهلنا المضطربة بفعل توزع الأسوار على أركان بيوتنا .وهو يكون في التناص مع الرصافي عبر مأساته الدرامية " ان جفتنا بلادنا فهي حب

                                        ومن الحب يستلذ الجفاء "

إنه بروحه الانسانية التي حملها ومن روح أخيه " باقر " التي صعدت الى السماء وحلول الله فيه  أو حلوله في الله وغيبوبته التي لاتنتهي بأبنية اللغة الجمالية وهويستشعر في قصائده اهواله واهوال الاخرين المغيبين في البرية . وهو يشارك الفقراء مع موائدهم الغائبة بفعل التدهور الحاصل .ولأن الشعر يرفعه إلى الأوج باعتباره حامل قيمه وكونه مقتنص التفاصيل والمعلومات .

                                          لاشيء

                                         على مايرام

                                       الوطن

                                       يزداد جحوداً

                                       بحق أبناءه

                                      الفقراء

                                  ويزداد عطاء ً

                                   للمفسدين

 والشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه وعن فكره وتصوره للأشياء والأحداث والمشاهد بطريقة تصل القارئ وتثير في نفسه التساؤلات وتفتح الباب أمام التأمل والتأويل وتلك من المهام الأساسية في الوظيفة الإبداعية ويبقى الشعر روح اللغة التي تتجلى جمالياتها عبر أنساق القصيدة الشعرية المعبرة ، ولاشك أن مأزق القصيدة العربية الحديثة يستدعي وجود رؤى تجمع بين الأصالة والحداثة وتلك تعتمد  على ذات الشاعر التي لابد أن تكون منفتحة على آفاق جمالية ومعرفية 

تنطوي على إحساس يرصد مجمل تخرصات الواقع الملتهب الذي نعيشه ، من هنا يحاول شاعرنا صادق العلي الإنفتاح على مستويات جديدة في بناء القصيدة إبتداء ً من الفكرة ومرورا ً باللغة ليخلق عوالم الواقع الذي يريد التحدث عنه حتى ولو بطريقة فيها شيء من الإنفلات كما في قصيدة (لتعلموا من أنا)

 

قاسم ماضي – القاهرة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1321 الخميس 18/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم