قضايا وآراء

الإعلام الجماهيري وما بعد العاطفة

والعلاقات الاجتماعية ثانيا، إذ لم يعد بإمكاننا إغفال الدور الحاسم الذي تلعبه وسائل الإعلام في ديناميات الفردية الما بعد حداثية .

ساد المعيار الخاص للسعادة والقيمة الذاتية للمتعة ونموذج الإشباع الفردي الحميمي في الثقافة الجماهيرية. وبفضل التلفاز والصحافة في البداية، اكتسبت السلوكيات المنبثقة عن حب الذات وإشباع الرغبات شرعية اجتماعية . لقد ساهمت وسائل الإعلام ـ عن طريق احتفائها باللذة الخاصة والمتعة الفردية الخالصة ـ دون شك في تدني القيم التقليدية والشفرات الاجتماعية والالتزام الإيديولوجي. ومارس الأفراد سلوك اللحظة الراهنة، والحياة لأجل إشباع الملذات، وبهذا المعنى أصبح الإعلام المساهم الاكبر في هيمنة ثقافة الفردية .

إلا أن هذه الفردية بالرغم من ذلك ظلت مفارقة، فثقافة ما بعد الحداثة هي ثقافة المتعة والاستقلالية الفردية، ولكننا نجد هؤلاء الأفراد مسمرين أمام شاشات التلفاز حتى عندما لا تحقق لهم البرامج المتعة والرضا . كما أنها ـ أي الفردية ـ سلبية على الأغلب، لأن الفرد هو مستهلك للصور والمشاهِد. فضلا عن أن الإعلام ـ وإنْ كان يساهم في الفردية الممتعة ـ إلا انه يساهم في الوقت ذاته في خلق مشاعر الخوف: الخوف من الكوارث والأمراض والإرهاب والعنف والاستغلال الجنسي، وعليه فان الفردية النرجسية لا تعبر عن نفسها في تقديس اللذة والإشباع الذاتي فحسب، وإنما في مجموع المخاوف . فالنرجسي هنا قلق وان كان مستمتعا بالحياة. والإعلام هو خالق المتعة والخوف على حد سواء. الإعلام الذي يعرفنا بالمخاطر الجديدة بل أنه يضخم المخاطر والأخطار في كثير من الأحيان. الأمر الذي يفترض تعبئة الرأي العام والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وتحفيز الأفراد على التفاعل والتظاهر والنضال والضغط على صانعي القرار لاتخاذ إجراءات توافق رأي الجموع، ولكن هذا لم يعد يحدث، او على الأقل ما حدث كما كان من المؤمل ان يكون، او كما كان يحدث في السابق، حين لم تكن وسائل الإعلام قد بلغت هذا القدر من السطوة والتطور والانتشار .

يخلق الغموض إحساسا بقدسية ما لا يمكن لمسه او الوصول إليه . لقد جعل الإعلام الجماهيري كل شيء في متناول كل فرد. لاشيء مقدس،أو غامض،أو يصعب الوصول إليه بعد اليوم ومع وفرة المعلومات والمعرفة يصبح الالتزام مستحيلا،لان هناك وجهات نظر متعددة ومتضاربة تعرض على الفرد في الوقت نفسه حتى يعتاد عليها فلا يعود للرأي او الرأي الآخر قيمة تتطلب التزاما. ويعتقد عالم الاجتماع الأمريكي الكرواتي الأصل ستيبان مستروفك (1) ان مجتمع ما بعد العاطفة هو نتيجة لانتهاك ذلك الغامض المقدس .

نحت مستروفك مصطلح ما بعد العاطفة (2) عام 1997 وحدده بأنه نوع من المتلازمة المترفة التي تحدث عند ما نمنح كل شيء. عندما يقذف إلينا كل حدث، ومنتج، أو عاطفة. ان حقبة ما بعد العاطفة هي تلك التي تجرد فيها التمثيلات الجمعية المشبعة بالمشاعر من سياقاتها الثقافية ليتم استغلالها في سياقات جديدة ومصطنعة، فنحصل بالضرورة على مشاعر مزيفة وباردة عادة ما تكون في شكل ('سخط متخثر و مدار بدقة ولطافة) يحل محل المشاعر الحقيقية في الوجدان الجمعي .

لقد انهار الوعي الجمعي الذي يتفوق على الفردية. وتبعا لدوركايم فان (( التمثيلات الجمعية هي نتيجة تعاون وتشارك هائل لا يمتد عبر الفضاء فحسب، وإنما عبر الزمن، ليصنع في النهاية هذه التمثيلات الجمعية، فيض من عقول مختلفة تشابكت واختلطت واتحدت في مشاعرها وأفكارها، أجيال طويلة تراكمت خبرتها ومعرفتها . تخلق القيم الجمعية هوية جمعية . شعب يُنشِّأ على مثل أسلافه، فيصبح الفرد جزءا من كل أعظم وأقوى )).

يتمثل الوعي الجمعي من خلال توظيف الرموز . وبتعبير دوركايم فان الرمز هو المكون المتكامل للعواطف التي تساعد على تماسك المجتمع . ترتبط المعاني بالرموز حتى تساعد الأفراد على استيعاب المُثل المعقدة لما هو جمعي. تساعدنا الرموز في فهم تلك المشاعر من خلال ارتباطها بواقع ملموس نتحسسه بشكل مكثف. ولكن الرموز لم تعد قادرة على التقاط المعنى الحقيقي لتحديد وعي جمعي . من الصعب أن يرتبط المعنى برمز لأن هناك كثيرا من المعاني المختلفة التي ارتبطت برمز واحد. هذا بالضبط ما أطلق عليه مستروفك ما بعد العاطفة التي تتميز بعدم وجود التزام.

ان الحرية في التعبير والليبرالية في مرحلة ما بعد الحداثة لا تتعلق بالمفهوم الأصيل للحرية التي دعت إليها التنويرية الحداثية . إنها مجرد جزء صغير من المفهوم الكلي. كانت حركة التنوير اكبر من مجرد الفردانية وحقوق الإنسان والعلم والعقلانية والظواهر التي منحت الحداثية جلالها وهيبتها . لقد بحثت التنويرية في الحروب الأهلية والدينية، والإعدامات الجماعية، والاستعمار والعبودية، وغيرها من الظواهر البغيضة. أما اليوم فقد تم تخريج كل المشاعر وإعادة توزيع نسخا جديدة من المشاعر على الجماهير. وبذلك فان العاطفة المتضمنة في مفهوم الفردية لم تعد أصيلة.

دنس الإعلام الجماهيري كل مقدس حين جعل كل شيء في متناول الجميع. انه يبث معلومات متواصلة ولكن تدفق المعلومات يصعق الفرد الذي يتلقى معلومات متضاربة وغير مفهومة. لا تبث وسائل الإعلام المعلومات والعواطف والأفكار فحسب، ولكنها تؤطرها وتشوه حقيقتها حين تخضها لرقيب خفي وتغلفها ـ ببراعة ـ بسحر زائف حتى لا يعود بإمكاننا التفريق بين الحقيقة والخيال . أما البث المباشر فلم يعد مباشرا بحال، لان المعلومات المباشرة لا يمكن التنبؤ بها، وتبعا لذلك فإنها قد تشكل خطرا على المجتمع الحديث، لذلك فانهم يوظفون زوايا مختلفة كفيلة بخلق سحر يمر بخفة ولطافة تستعصي ملاحظتها وتقصيها.

يبعد التلفاز المشاهدين عن الحدث، والذين يعيشون الحدث، الأمر الذي يُصَّعِبْ التفاعل الجمعي، ويصبح الفوران الجمعي أمرا مستبعدا حين يشعر الناس بالعزلة وعدم التواصل، فضلا عن أنه يبث جرعات عالية وغير عادية من مثيرات العواطف والمشاعر، ولكنها عواطف مترفة تقود إلى إعياء مُشفق، والى الأنوميا(3) بوصفها علة الرغبات اللانهائية التي لا يمكن إشباعها أبدا، والى قلق مشتت يلون كل ساعة يقظة . يعرض الإعلام مشكلات عديدة وجوانب مختلفة ومتضاربة لكل مشكلة، عندها يتخم الفرد بالمشاعر والعواطف لدرجة أنه لا يعود يشعر بأنه هناك شيء يمكن القيام به أو ينبغي القيام به. يترك الفرد ـ الذي أصبح في حالة ما بعد العاطفة ـ فريسة للقلق:انه يعرف ان هناك خطأ ولكنه لا يعرف ما هو. انه مثقل بالقضايا ويشعر بقلق دائم حيالها لكنه عاجز تماما عن الفعل، مما يسبب الخوف والاستياء.

لم نعد نمارس الطقوس الضرورية لخلق وتدعيم الوعي الجمعي والفوران الجمعي بصورة كافية لتحفيز الشعور في مجتمع ما بعد العاطفة . لا يمكننا ان نرى أي شيء بصورة مباشرة لأننا نراه دائما بوساطة نظرات تجعل الوصول الى حقيقة أي موضوع أمراً بعيد المنال . فقدت الطقوس كل مضمون وخلت من أي معنى . لقد أصبحت قصيرة وعملية: دقيقة حداد أو وضع أكاليل زهور أو ما شابه . أصبحت كل الأمور خاضعة للمنطق وفقدت قدرتها على تحريض المشاعر . بل إن المشاعر نفسها أصبحت تحت السيطرة حين أصبح من السهل التنبؤ بها . أصبح هناك مراحل عقلانية من الحزن والأسى ومقدار محدد من الأيام للتعامل مع مثل هذه الأزمات. لم نعد نتناول الحالات الفردية من الحزن والأسى . يقذفون في وجوهنا كما هائلا من الإحزان ولكنهم واثقون من أننا سنتتبع نمط مشاعر يناسب المجتمع . الطقوس لم تعد قادرة على خلق المشاعر اللازمة لزيادة قدسية المجتمع.

بعد كل كارثة او فاجعة او إبادة جماعية يبدأ الإعلام بإعادة تغليف وتوزيع العواطف على الجماهير القلقة العاجزة . إنها مشاعر مُنتجة و ليست حقيقية ؛ لأنها لا تصدر عن رغبة تلقائية. ويبدأ الإعلام ببث صور وكلمات منقاة بعناية فائقة كفيلة بإنتاج مشاعر مزيفة تنتج ردود أفعال محسوبة، لا تصل بحال الى الفوران الجمعي التلقائي الذي ينتج قوة جمعية . لا يسمح مجتمع ما بعد العاطفة بالتلقائية، لأنه لا يتمكن من السيطرة عليها او التنبؤ بها . لقد أخضعت العواطف للتنظيم: كل إعلان او حديث او خطاب مثقل بالأفكار وكل كلمة تقال بطريقة معينة لإحداث تأثير متوقع يسهل التنبؤ به والسيطرة عليه .

بدا مجتمع ما بعد العاطفة جليا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لم تمت المشاعر فحسب ولكن حقيقة هذه المشاعر قد قُضِي عليها بفضل الإعلام. زَيف الإعلام الوقائع وعرض وجهات نظر مختلفة بل ان لجانا قد شُكلت لتوضيح ما ينبغي توضيحه و بالطريقة التي يريدونها . وضع الإعلام معيارا جديدا للتعامل مع الموت الكارثي الجماعي: تشكيل لجنة تقصي حقائق، مراقبة الأوضاع وتحليل الحدث ببرودة صاعقة حتى يتسنى للوعي الجمعي كبح جماح ردود فعله العاطفية التلقائية .

لن يعرف احد الحقيقة على الإطلاق فالتحكم بالمشاعر وتنظيمها أصبح قادرا على تجنيبنا مرارة الخبرات الصادمة. هناك وجهات نظر عديدة:ربما تكون الحكومة هي التي قامت بذلك او القاعدة او طالبان او العراق لا احد يعلم ولكن المؤكد ان فيض المعلومات جعل الناس لا يكترثون .

كان صانعو القرار في الولايات المتحدة الأمريكية على ثقة تامة من تحول مجتمعهم الى ما بعد العاطفة لذا جاء القرار سريعا عنيفا وحاسما: غزو العراق وأفغانستان ومما يثير السخرية ان أيا من منفذي الاعتداء المزعومين لم يكن عراقيا او أفغانيا . لم يعد الناس يهتمون بالحقائق . أنهم مجرد مشاهدين وحتى عندما يهتمون فان اهتمامهم لا يصل الى حد الفعل . لا يمكن إنكار ان هناك مقاومة لهذا التلاعب بالعواطف ولكنها مقاومة تعتمد على الهجوم المفرط الواقعية (4)الذي يوظف وسائل الإعلام ورموزها نفسها. تحاول المقاومة المعارضة للحروب الأمريكية وللانتهاك الأمريكي لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها ان تلتقط عواطف المعارضة للحرب الأمريكية على فيتنام وبالتالي فإنها توظف الأسلوب ذاته التي تبرع فيه ما بعد العاطفة الموجهة التي تتضمن توظيف العواطف النوستالجية الميتة والتي غالبا ما تكون مستهلكة " عواطف بالإنابة " وبالتالي لا يعود بمقدورها ان تلتقط الحاضر. وبالرغم من محاولتها المستميتة استرداد زخم العواطف الماضية إلا أنها تفشل لان هذه العواطف قد فقدت بريقها بفضل عمليات إعادة الإنتاج والتدوير وتحولت الى واقعية مفرطة .

في بداية انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 ثارت الجماهير الفلسطينية لتدنيس الحرم القدسي الشريف، كان الفوران الجمعي تلقائيا وعفويا وصارخا وتجاوب العرب والمسلمون في فوران جمعي لا يقل حماسة وهيبة، وكانت مشاهد قتل الأطفال والشيوخ وهدم المنازل كفيلة بإخراج الجماهير الى الشوارع في تحد صارخ لكل السلطات والأنظمة . لم يكن مجتمع ما بعد العاطفة العربي قد تشكل بما يكفي لتمرير مخططات صانعي القرار والمصير.

ولكن وبعد ما يقارب عشر سنوات على تلك الانتفاضة هاجمت إسرائيل قطاع غزة المحاصر المنزوع السلاح حتى من السلاح الأبيض والحجارة، واستخدمت أشد آلات الحرب فتكا حتى بدت صواريخ لاو التي استخدمتها في الانتفاضة السابقة مجرد مزحة إذا ما قورنت بطائرات الاف 16 والفسفور الأبيض .

وكانت المفارقة !! لقد تشكل مجتمع ما بعد العاطفة العربي. شحذت الفضائيات العربية والغربية هممها وأدواتها، وتتابعت مشاهد الرعب في بث ـ بدا أنه حي ـ على مدار الأربع والعشرين ساعة ولمدة شهر تقريبا، وعرضت وسائل الإعلام ـ بدراية أو بغيرها ـ صورا دموية عن الضحايا والانفجارات وعمليات القصف المنظم وصور القتل وما يصاحبها من أفعال وردودها لدى الضحايا والجلادين واحتشد المحللون والمعارضون والمؤيدون وأصحاب الرأي والرأي الآخر على شاشات التلفزة العربية والغربية، وانتهكت الرموز وفقدت طقوس الموت والحداد بريقها، وعلى الرغم من فداحة الحدث وتتالي المشاهد المروعة، إلا أنها لم تحرك احداً بما يكفي لاتخاذ فعل ما . كان الفرد خائفا قلقا مرتبكا مثقلا بالمشاعر، غارقا في هواجسه مع شعور بالإعياء والعجز التام عن أي فعل وفي الوقت نفسه لم تكف فضائيات الطرب والمرح والمسابقات عن عرض البدائل التي تكرس وتعمق حالة اللامبالاة والإذعان والركون إلى حالة السلامة . طبقت وسائل الإعلام النظرية النفسية التي تقوم على مبدأ (الذعر النفسي الكامل) (5)، والتي تهتم ـ في جانب منهاـ بالجانب الانفعالي والعصبي عند الإنسان، واعتماد أسلوب (الإلهاء أو التهريبية L'éscapism و التحويل Transmutation)، وهو مبدأ نفسي هدفه تغيير اتجاهات الرأي العام ومحاولة إلهائه بمواضيع مختلفة وثانوية مما يؤدي إلى حصوله على رضا وهمي، فيصبح الهروب من الواقع عملية لا رجعة عنها. ويُغذى الهروب نفسه بصورة تلقائية فيتحرك الإنسان داخل حلقة مفرغة. تستهدف المعلومات الإعلامية (الجهاز العصبي) لإحداث الانهيارات العصبية داخل المتلقي، وتدمير العقل في محاولة شله عن القيام بواجباته الرئيسية كالتفكير المنظم، وزرع اليأس والخوف في حاضره ومستقبله، وزيادة القلق داخل الشخصية، وتحقيق مبدأ نفسي هو القبول بحالة اليأس كواقع يستحيل تغيره ودفعه نحو الانهيار الإدراكي من غير قتال أو مواجهة. لقد بلغت الثقة ببلادة الوعي الجمعي العربي وعجزه التام ان حددت إسرائيل ـ وان بطريقة غير رسمية ـ موعد هدم المسجد الأقصى ولم يفاجئها ان ردود الفعل العربية والإسلامية كانت هزيلة حتى بين الفلسطينيين أنفسهم .

 لا يعنينا الإعلام الغربي الذي ينفذ سياسات وأهداف ومصالح القائمين عليه ببراعة، ولكن يفرض السؤال المتكرر عن استقلالية أجندة وتوجهات وإدارة ووعي الفضائيات العربية نفسه، لاسيما أن القطب المهيمن على العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا يوعز بين الفينة والأخرى الى أتباعه والدائرين في فلكه من أنظمة وحكومات ومؤسسات بإغلاق او تحجيم فضائية او فضائيات في أوقات وظروف معينة. لتبقى الإجابة الواضحة ـ حتى الآن على اقل تقدير ـ أن الفضائيات التي تدَّعِي التحرر من قبضة الحكام قد وقعت تحت هيمنة الممولين والمستثمرين الذين تنفضح نواياهم وتوجهاتهم يوما بعد يوم، بل إن الإعلام العربي قد تحول إلى ملف تحت إشراف هيئات ومنظمات دولية مختلفة الخلفيات الاجتماعية والثقافية والسياسية بشكل علني أو متستر، اقتصادي أو سياسي أو ثقافي(6).

كان الغرب في الماضي يهتم بما يبثه هو، أما اليوم فإن الغرب يهتم بما يبثه الإعلام العربي أيضا. ليس فقط ما يبثه العرب وما يبثه هو وإنما آثار كل ذلك على المتلقي أي الجمهور (الغربي والعربي)، وهو مستوى جديد من التدويل لا يختلف عن التدويل الأمني أو الحدودي أو العسكري أو السياسي أو الغذائي.

الهوامش:

1.   ربما يوحي مصطلح " مجتمع ما بعد العاطفة Postemotional society" بتوصيف المجتمعات المعاصرة بأنها مجردة من العواطف ولكن الأمر مضلل الى حد ما . ان إضافة البادئة "post "الى كلمة ما تعني إما بعد بالنسبة للزمن او ضد . وتبعا لذلك فان جزءا كبيرا من نظرية ما بعد الحداثة لا يشير ببساطة الى المرحلة الزمنية التي تلت التنويرية العقلانية الحداثية وإنما الى نقد او معارضة النموذج العقلاني الحداثي. وعليه فان مصطلح "مجتمع ما بعد العاطفة "هو إدانة لمجتمع لا يفتقر الى العاطفة ولكنه متخم بالعواطف حد الإشباع، مجتمع يعاني من فيض العواطف ولكنها عواطف ميتة او عواطف يعاد تدويرها او أنها مشاعر زائفة يراد لها ان تحل محل المشاعر الحقيقية . يسهب مستروفك في كتبه ومقالاته في تحليل هذه العواطف غير الأصيلة وإنتاجها المتضخم ويقول باختصار أننا نعيش في عالم حيث الحقائق تتأكد بالعواطف ولكن هذه العواطف مصطنعة زائفة يجري تسويقها في السوق السياسي بهدف إحداث تأثير فوري سرعان ما يخمد ليحل محله اليأس والشلل التام والقلق الشرس.

2.   ينظر: Genocide After Emotion: The Post-Emotional Balkan War، Edited by StjepanG.Mestrovic.London:Routledge،1996

3.   الانوميا: فقدان المعيارية(الانوميا الاجتماعية)وتعرف عندما يشيع الانحراف في المجتمع وذلك في حالة غموض أهدافه وتخبط الأساليب المقبولة لتحقيقها حيث يختلط على الناس فهم السبل السليمة لتحقيق أهدافهم فيسعون لاتخاذ سبل انحرافية بعيدة عن المعايير الاجتماعية لتحقيقها. وقد تطرق دوركايم الى مفهوم " الانوميا" في كتابيه "تقسيم العمل"و"الانتحار" .

4.   الواقعية المفرطة hyperreality مصطلح الواقعية المفرطة الذي يميز ـ في فلسفة ودلالات ما بعد الحداثة ـ عدم قدرة الوعي على التميز بين الواقع والخيال لاسيما في ثقافات ما بعد الحداثة البالغة التطور من الناحية التقنية. وهي الوسائل التي تميز أسلوب تعريف الوعي لما هو حقيقي في عالم استطاعت فيه وسائط الإعلام تشكيل وتصفية الحدث او الخبرة الأصيلة التي يجري وصفها . أما منظري هذه الفلسفة فمنهم المُفكر الفرنسي جان بودريار وألبرت بورغمان و امبرتو ايكو.

5.   ينظر: العراق تحت قصف "الإعلام الطائفي" . د. ياس خضير البياتي . موقع العربية نت

6.   للمزيد حول مفهوم تدويل الإعلام العربي ينظر: تدويل الإعلام العربي: الوعاء ووعي الهوية، دار صفحات سوريا 2007، الدكتور جمال الزرن-معهد الصحافة وعلوم الإخبار

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1348 الخميس 18/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم