قضايا وآراء

لوحات مكتوبلي او ما تقوله الاشارات: قراءات في المنجز السردي اللافت للروائي مرتضى كزار (1)

ربما شدني هذا التناغم الموسيقي بين الاسم الثاني للروائي مرتضى كزار وبين الحروف الثلاث الاخيرة من اسم الفنان البصري الكبير محمد سعيد الصكار ..

 

مابين كار وكزار من تماثل صوتي جذبني فأخترت تلك المقولة الثاقبة، صدقا واستقراءا: البصرة سيدة الاوائل ..

 

افتتح بها اولى قراءاتي لرواية مرتضى كزار، الروائي الجديد باسمه، وبما ابدع في روايته ‘‘ مكنسة الجنة ‘‘ اسماها مكنسة الجنة، لكن قارئا ما يسميها الان ‘‘ لوحات مكتوبلي ‘‘ وقارىء اخر قد يختار اسما اخر، سانتا نورست مثلا او سانتا كورنه كما هو عنوان الكتاب الذي ستؤلفه الميجر الدانماركية مالينوسكي، او خطاطات مدين وربما فضل قراء غيرهم، حمام زكية، وداد وملايه، المعلمة حنا، وحتى كيغانوش، لم لا وان كانت حنا وكيفانوش من الاسماء الباهتة في الرواية، شخصيات ثانوية لم تنمو مع احداثها وتفاعلاتها ..

 

وقد يسميها احد القراء : رمزي او مكنزي، لكن القارئ الغارق في متعة  هذه الرواية يشيح بوجهه عن عنوان الغلاف (مكنسة الجنة) ويرسم في ذاكرته نصفي وجهين ..

ايهما نورست وايهما زكية؟

من المقدس منهما؟، ايهما سانتا كورنا؟

 

ام ان كلاهما هي،قديسة القرنة كما اسمتها الميجر الدانماركية مالينوسكي؟ ام انهما وجه واحد، انشطر هكذا كما تشقُّ زهرة شلير الفاقعة الحمراء جليد كردستان وتصرخ ..

 

الاسئلة تنثر دوال النص امامه ولايراها القارئ تنتهي، لكنه يراود الاجابات من مكتبته قبل اربعين عاما ولم يزل،

 

يراودها ويقرأ مرتضى كزار، يشده التماثل الصوتي مع كار الصكار ومهدي عيسى الصكر وكزار حنتوش وكاليري البصرة، يراودها ولايدري متى ينتهي!؟

 

بين (مرتضى كزار 2009 _ دار ازمنة عمان) وبين (مرتضى علي عايد _2005 _ دار الجنوب _ بغداد)

ثمة مكان، بادية، براري، بدو هجانة، ومغادرة لبغداد، بعد عن البصرة، ثمة الاف الاميال من الرمل والاف الاميال.... من الزمان، لكن الاقرب الى قلب القارئ، 2005، وللمكان قربى ايضا .

 

من مكنسة الجنة، انطلق الى مرتضى الحميداوي 2003، لقاء عمل جمع القارئ الاول بالمؤلف، شابا في العشرين، انتقد تصميما لغلاف مجلة وقدم في الوقت ذاته، تصميما بديلا، رأيت فيه، ابراهيم العراقي، الفتى بفاسه، يهدم ليبني . وهذا ما نساه العراقيون الان، مع ان فأس ابراهيم من ابتكاراتهم، انجازهم الحضاري الاسمى، ان تشطب لتكتب لا ان تشطب لاجل الشطب فقط .

ان تمحو لتحيي لا لتمحو حسب.

سيد اور الاول، ابراهيم العراقي، ومنذ فعلها، حين حطم الاصنام السومرية وبنى الكعبة،توالى الاوائل من بعده و كان الاول دائما من اور، وكانت البصرة سليلة اور سيدة الاوائل ..

 

هكذا باولويتهم وتأويلاتهم لون العراقيون قلوبهم بالبياض ولونوا الانسانية بخضرتهم، وكانت البصرة فرشاتهم واصباغهم ولوحتهم الابدع والاروع..

 

اما الان فقد نسي العراقيون المعالجات – البناء، واجادوا النقد والهدم،  اُبعدوا من الف عام عن السلطة، اغتربوا عنها رفضوها، تفننوا في احصاء اخطائها، ادلجهم هذا الرفض وجعلهم اساتذة في التشخيص والنقد - وافرغهم الا النوادر من فنون العلاج وتطبيقاته .

 

وكان مرتضى 2003 نادرا حين لم يكتفِ بالنقد وكان في العشرين حين التقى بي انا قارئه ..

ومذ ذاك - على الرغم من التباعد بيننا في البئية و الجغرافيا والزمان والفكر، على الرغم من كل التباعدات، يعشعش روح في قلب القارئ روح فريد يشده الى المؤلف، فلم يمت، كما اراد رولان بارت يوما (موت المؤلف) ..

 

مع قراءتي لمسودة روايته الاولى، صفر واحد او ( كمبيوتوبيا )، بفايروساتها وجدرانها النارية الالكترونية، بغاباتها البكر، مضامين السرد التي راودها، مع تلك الرواية الاولى الجديدة بشكلها وماتحته من اشكال ومحتوى، ادركت ان مساحة جيلنا القصصي، جيل البصرة اواخر القرن العشرين قد رسمت!، ثمة من يؤشر الان نهاياتها وعلاماتها الحدودية، بداياتها كانت مع الاصدار الاول من تموز 1991 ونهاياتها مع صفر واحد .استطيع ان اقول هذا بثقة.

 

هذا جيل جديد يتجاوزنا، وكان مرتضى اول من لفت انتباهي  بسرده، محتوى وشكلا .. هكذا يقول القارئ،

 

عام 2006 من دون تردد بشرت به، انا القارئ، بالروائي الجديد مرتضى، شدني بجدته وجذبني اشد وانا اقرأ روايته الثانية ( مكنسة الجنة )، كان العنوان باهتا، لم أره جيدا،لكن متنها، حركاتها وسكناتها، سردها ووصفها، كان متن الرواية وبناؤها هو(ثريا النص) واضاءاته الاسرة لا عنوانها .

 

يحق - إذن - لنا جميعا في اور - البصرة - ولــ محمد سعيد الصكار ان نقول معا (البصرة سيدة الاوائل)، ويحق للقارئ ان يقول ان جيل ما بعد سقوط الطاغية جيل سردي جديد، من اوائله مرتضى - علي عايد- كزار .

 

ان الانجازالذي حققه مرتضى في روايتيه (صفر واحد-مكنسة الجنة) يتمثل في تناوله لمضامين جديدة تندرج ضمن الاطارالروائي التأريخي اذ تناول التأريخ المحظورعربيا واسلاميا وحتى عالميا في روايته الاولى باشتغال- توثيقي- مقارب لما اشتغل عليه ادونيس في كتابع الشعري النثري الفذ(الكتاب) وباجتراح جديد فعلا على صعيد الابداع والشكل القصصي وريادة مناطق بكر في مجال السرد العراقي –وفي روايته الثانية – مكنسة الجنة- والتي يميل القارىء الى عنوان اخر لها،تناول مرتضى وبابداع يغبط عليه مستوى محظور ايضا من تاريخ البصرة تحديدا وطاف بزمان او ازمنة الرواية سواء المصرح عنه كاحداث اوائل القرن السابع عشر وعصرنا الممتد من اوائل القرن العشرين الى اوائل القرن الحالي.او المخفي المشار اليه في حادثة حصان الجندي الانكشاري في تشابيه عاشوراءوغيرها من امتدادات زمانية والى انطلاق الاساطيل الاوربية ووصولها شواطىء البصرة من القرن السادس عشر والى الان!

 

ولا تتمثل ابداعاته في روايته في هذه المجالات حسب انما ابدع وتألق ايضا في رسم متاهات للرواة والشخوص والمكان وترك مساحات واسعة تعج بالدوال او الدلالات تتيح للقارىء المؤمل- المرتجى ان يخلق الرواية من جديد  وهذا ستتناوله قراءاتنا اللاحقة.

 

  البصرة-2010 آذار-

[email protected]

 

جابر خليفة جابر

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1348 الخميس 18/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم