قضايا وآراء

قاسم العبودي: شاعر يتخطى المعاناة

الاسماء ومن مختلف البقاع لانها تجاوزت مهنها الى تأكيد مواهبها عبر انجاز ثقافي بارز وفر لها الخلود، ليست اسماء الدكتور الطبيب ابراهيم ناجي صاحب الاطلال وعلى محمود طه المهندس، حتى الطبيب الملهم سومرست موم الذي عرفه العالم بانه من روائيي المقدمة في الادب الانكليزي بعيدةً عن الذهن .. وهذا ماجرى في ساحتنا العراقية أيضاً، ولعل أبرز هذه الأسماء التي عرفت بمواقعها وليس بانجازها الثقافي على صعيد الشارع العراقي القاضي قاسم العبودي .

فوجئت حقاً، وأنا اتصفح انجازه الثقافي، بأنني امام اديب مطبوع ذي قدرة وموهبة قد تترك بصماتها على الحياة الثقافية العراقية لأمد طويل وهذا كلام ليس فيه مبالغة او مجاملة على الأطلاق ويكفي ان نتفحص اختصاره للمفردة وقدرته على التركيب الايحائي في الجملة الشعرية لنتأكد من صدق ماذهبنا اليه .

يقول الشاعر الفرنسي رينيه شار : كلما حاولنا الغوص في البساطة تشكلت لدينا حالة التكوين لننطلق منها في بناء القصيدة التي تتحول الى شهادة على عصرنا بعد حين ..

ولو حاولنا استكناه المفردة الشعرية لدى قاسم العبودي لوجدنا ان رينيه شار يومئ الى الذي يكتب بالطريقة نفسها . ومن هنا نرى ان الساحة الثقافية العراقية لم تعد تخلو من مواهب من نوع موهبة العبودي في غوصه وبحثه عن ذلك الايحاء عبر مفردته الشعرية، فهل كان لزاماً عليه ان يتجه تلك الوجهة ؟ ام انه يرغب في اكتشاف مالم يعد مكتشف حتى الان ؟

 

سأستفرغ الزمان

           والمكان

           وأعدو

           لا ارى الجدران

           فالله غادرها

           وحل

           ترنيمةً على شفتيك

           وبين عينيك

           سؤال

في هذه اللحظة تتداعى اسقاطات زمن مضى، تختصر المسافة زمنياً بين ماهو كائن وبين ماسيكون، انه استفراغ لمأساة ليشيد بدل منها حالة جديدة ضمن مكان قائم في الذهن، لكن العدو السريع نحو المستقبل قد يتعدى اللحظة التي تتداعى فيها تلك الاسقاطات ليحل محلها ذلك السؤال الازلي الذي ارق البشرية وأشار اليه الشاعر على اعتباره عشقاً يمتد الى ماهو اتٍ . فهل استطاع قاسم العبدوي ان يرسم حقاً تلك اللحظة المتوهجة التي لم يجد لها ارضية غير معاناة الانسان .. انها بطولة فريدة من نوع ترسم خطاها عبر تكوين قد يتجلى باختصار المسافة التي تفصل ماضي الشاعر عن حاضره، الم تره يركز على الربط مابين المطلق ومحدودية الوجود الذي تمثله بالشفتين والعينين واللتين تمثلان دهشة السؤال ؟

أوضح الشاعر في جانب اخر من تلك المهمة التي اضطلع بها، قدرته عل  اختصار الالم ايضا فهو يقول في قصيدةٌ اخرى :

          كفى ألماً تغض الراح عني

         فكأس الصبر منكسر براحي

 

أنه يريد أن ينقلك هنا الى قلب المأساة التي يعانيها من تلكأ في اضفاء الشرعية على الحياة حتى بات كل شيء في نظره مجرد صبغة مؤقتة للمعاناة الانسانية، ويظهر ان قاسم العبودي يحاول ان يجتر ذكرى ألالم في ذهنه والتي قد تخرج عن اطار الفردية الى ماهو عام، فهو يؤطر تاريخ الألم العراقي بشكل دقيق، فهل أدرك بالضبط ماهية مايجري داخل النفس بإعتبار ذلك جزءً من تشكيل عالم خاص تدور المأساة داخله في حلقة مفرغة لايرتاب احدٌ في الوصول الى نتائج في يوم ما قد لاتتوفر فيها شروط الازمة الذاتية التي يعاني منها من يتمتع برهافة حس تستشرف المستقبل . أجد في قاسم العبودي مشروع شاعر، تتأصل فيه مأساة جيل كامل من أقرانه، ولعله يستطيع في يومِ ما أن يعلن تمرده على عالمه الخاص لينتقل بعد ذلك الى ماهو افضل في عالم تتصارع فيه الأفكار وتذوب فيه قيم السلوك الإنساني لتتحول الى مواقف أكثر اشراقاً من حاضر معاش .

 

                                                   هيفاء الحسيني

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1351 الاحد 21/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم