قضايا وآراء

قراءات في المنجز السردي اللافت للروائي مرتضى كزار لوحات مكتوبلي أو ما تقولهُ الأشارات (3) مفكرة مادس

الرقم 13 في رواية مكنسة الجنة يشد القارىء اليه شاء ام أبى ويأخذه الى عوالم قصية قد لاتنتهي بحدود هذه القراءة، فقد دون مادس الدانماركي في مفكرته عدد الجثامين المستخرجة من المقبرة الجماعية التي دفن فيها رسامو جداريات الرئيس بعد إعدامهم بتهمة رسم الذباب على وجه الرئيس في تلك الجداريات والمكتشفة جوار بئر النفط المرقم 334 غرب القرنة حيث حدود مسؤولية الجيش الدانماركي ضمن قوات الاحتلال بعد عام 2003. ربما لم يكن مادس المخطىء في العد لانه سلم مفكرته الى مدين المترجم العراقي العامل مع قوات الاحتلال، وانما كان الخطأ بسبب تعود مدين عد الاشياء بالمقلوب بتأثير من أمه التي تعلمت العد بهذه الطريقة من امها او من المعلمة حنا في سوق التوراة في البصرة. . هنا تتحكم بنا الاشارة التي يبثها العدد13، يستحضر القارىء الحواري الثالث عشر للسيد المسيح يهوذا الاسخريوطي

 

أستاذ الرياضيات الهندي الذي - كان - لايلفظ او يكتب ذلك الرقم ابدا، كان يعلمنا ان نعد في مدرسة المللك فيصل الابتدائية

 

عشرة، احد عشر، اثنا عشر أي، اثنا عشر بي، اربعة عشر، خمسة عشر،  اخفى الرقم 13 أي اشار اليه بقوة كما يقول بورخس .

 

الرقم الاساس في رواية (مكنسة الجنة)، هو 13، الحواري الثالث عشر يهوذا، خائن السيد المسيح وصالبه، الرقم 13 - اذن - لن يدخل الجنة –جنة النص- وسيكنس منها .

 

من يكنسة، غويلي العبد وهو يصنع او يحيك المكاانس، ام زكية وهي تقتل غويلي العبد في الممر السري لحمامها، ام نورست وهي تكتبهما، ام رمزي وهو يروي ام راو اكبر؟، لنقل انه مرتضى كزار وربما انا القارىء، انا من سيكنس الجميع ؛ ليبقى منفردا بجنة القراءة ؟!

 

تقول الرواية( او الراوي أو من هو ادرى بحداث الرواية واسرارها !) في ص21 من رواية مكنسة الجنة ان"كل خرائط الارقام والحروف والابار لن تدل هذه الدمية السوداء على هويتي"

 

لكن هويتك، واضحة - كما تقول القراءة - تبدو واضحة حين تتردد بين خشبة قوس حرملة (رواية صفر واحد) وهي ترسم حرف سي الانكليزي المنحني يمينا،،  بين توتر ذاك القوس وبين الانحناءة الطرية  لجسد الرضيع الذبيح وهو يتلقى السهم - الخط المستقيم - المنطلق . .

 

على هذه الطريق، تجد الهوية، من انت،  رمزي ؟ ام غويلي العبد؟ ام نورست؟ ام الراوي المولود في عيد العمال المصادف 3 / 4 / 1982 !؟

 

يمكنك وانت تعرف من انت، ان تختار النقطة المناسبة لقلبك على هذا الخط الساخن المستقيم أو ان تركن لعقلك ! القارئ الان يرى الرقم 13، او يهوذا الاسخريوطي على نقطة الانطلاق - انطلاقة السهم ويراه قبلها .

 

الاعداد هي لغة الطبيعة - يقول فيثاغورس - وهي لغة هذه الرواية ايضا، خطاطة مدين في المقطع الخامس من الرواية ص 21، ترسم المقبرة، بخارطتها التي توزيع الجثامين، كما لو كانت مربعة (2 / 5 / 3 / 2) هكذا كان توزيع الرسامين على ارباع المقبرة، اما مفكرة مادس فقد اشارت الى (7 / 4 / 2 = 13) ثمة رجل زائد؟

 

هل كان جسدا زائد ام رقما فقط ؟ وما الفرق كلاهما كائن، هذه الزيادة حقيقة ام وهم؟

اشارات القراءة تقودنا الى الحواريين الاثنى عشر والى النقباء الاثني عشر والائمة الاثني عشر والى الحواري الثالث عشر يهوذا الاسخريوطي وتقودنا الى المقطع 13 من الرواية المكونة من 45 مقطعا والى المقطع 31 مقلوب 13 !

 

 

 

الراوي في ص 99، يتحول الى القراءة، يرمم الكتابة يملأ فراغاته بالخيال ويرسم مشاهد لاقتحام رجال الامن لبيوت الرسامين الاثني عشر، اثنا عشر رساما مع الذباب على وجوه الرئيس، رسمهم الراوي وارتعب خوفا .

 

(على بوابة مديرية الامن من البصرة خطت الاية الكريمة (الذين امنو ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك  لهم الامن وهم مهتدون ) 82 - النمل)

 

رجال الامن او اللامن، الخوف من ملاقاة مصير كمصير الرسامين ! خاف من يهوذا او من رجال الامن فارتعب. حتى ان الراوي الخائف اخطأ بعد اسطر قلائل في العد واضاف غائبا اخر، الرسام الثاني عشر مفقود الان لماذا اخطأ المؤلف :

 

يقول ( اجمعهم واحدا واحدا . .  الاخوين روضان وسعد وادي من غرب المدينة، ثائر رحيل من الفاو، نجم ورغدان وفوز من البصرة القديمة والخمسة الباقون من مؤخرة الخارطة او آخرها)

المجموع هنا = 11 وليس 12 او 13 . .

التعداد المموه لاسماء الرسامين يجعلهم 11 وليس 12 الا اذا اعتبرنا الاخوين روضان هما غير سعد وادي. . قراءة الاسماء تقبل الاحتمالين.

خطأ متعمد ام متاهة عد جديدة ؟

لكن الراوي يقول : التقطهم جيدا -ويؤكد - كما التقطهم رجال الامن، ولا أغلط من جمعهم كما لا يغلط زبانية التعذيب، لاننا جميعا نجيد الحساب ونحسب بالتعاقب ... واحد اثنان ثلاثة .. ص99

 

تأكيد الراوي على إجادته للحساب مع وجود الاحتمال  بالغلط / الغياب الجديد يفهمه القارئ كغياب خارج النص، وهو الغياب الاهم، ليس للرسام الثالث عشر وهو وداد كما سنعرف وانما للثاني عشر من هو هذا الرسام الثاني عشر؟ ربما زكية المقتولة والمدفونة عموديا قربهم؟ وربما الراوي نفسه او المؤلف او ابعد بمئات الاعوام من هذه الاحتمالات. . !

 

على الرغم من تاكيد الراوي على إجادته في الحساب يأتي الخطأ في العد و يكون المجموع 11 وليس 12 او 13 . .

 

لماذا هذا الخطأ العددي في المقطع 31 وليس في غيره (لاننسى انه مقلوب 13) هل جرى العد مقلوبا ايضا؟

يقول الراوي( رغم ان طفولتي التي تعلمت فيها الحساب مشوهة ومزورة ايضا مثل مدين لكني لا أعد هياكل الاوادم بالمقلوب) ص99

نبقى مع الرقم 13 وإشاراته ففي المقطع 13 من الرواية ص41 تقول ملاية لابنها (نحن يايمة أناس في رواية)، نلاحظ الفصحى والعامية معا، وفي نفس الصفحة يتضح الكثير ..

(تخيل - وداد - بأنه يعيش داخل كتاب بذلك الحجم، وتخيل نفسه داخل الكتاب، يقرأ كتابا، وشخص ما يتصفحهم جميعا)

هذا هو بناء الرواية كلها، يعلنه المقطع 13 من الرواية، كتاب طي كتاب، راوي طي راوي .

اختيار المقطع13 من الرواية للافصاح عن بنية الكتاب –الرواية، ذو دلالة موحية تؤكد ما ذهب اليه القارىء بأن العدد او الرقم 13 ودلالاته الميثولوجية هو المحور الاساس لرواية مكنسة

 

في الصفحة الاولى من الرواية نعرف ان حادثة حصان الجندي الانكشاري كانت عام 1636 قبل ان يشتري إفراسياب البصرة من العثمانيين بدراهم معدودة .

وكان هذا قبل 300 عام من ولادة الراوي / رمزي مكتوبلي في عام 1936 .

اشارة ما تشد الى العدد 13 المخبوء في التاريخين ازح 6 و 9 ستجد الرقم 13 فقط .

لكن إفراسياب - يقول القارئ، ويقول التاريخ - سيطر على البصرة قبل التاريخ بحوالي عقدين من السنوات واستنجد بالبرتغاليين لرد هجوم الفرس على البصرة .

فهل تعمد المؤلف تخطئة التأريخ ليظهر الرقم 13 ؟

ابدا - القارئ لا يرى هذا - فالاشارات لغة الماوراء، الحاضن الاجتماعي والكوني هو الذي يعمل ويرسل الاشارات والماوراء هو من تحكم بكتابة الرواية، اخطأ المؤلف ام لم يخطىء في التاريخ فهو ليس الا اداة بيد قوى خفية تنجز الابداع وتبث الترددات، ليرتسم العدد 13 واضحا في التاريخين (1636 - 1936).

القارئ يؤمن بسمو الاشارات، والا كيف يمكن له ان يفسر انهاءه لقراءاته لهذه الرواية الممتعة كان هذا اليوم 7 / 3 / 2010 بينما ورد في الصفحة الاولى من الرواية ان زمن كتابتها كان يوم 7 / 3 / 2007 والفارق ثلاث سنوات .

بل ان القارئ حين يجمع اعداد تاريخ القراءة 7 / 3 / 2010 يجدها = 13 اما حين يجمع اعداد تاريخ الكتابة (7 /3 / 2007) ستكون = 19

ولهذا العدد اشارة اخرى في الرواية .

 

للقارئ ان يتمسك باشاراته، وينجذب اليها، لما هو وحي وفن وجمال لا لما هو مزوق ومخطط بدقة،

ان ( الفن يحدث ) كما قيل ....

لنقرأ دالة اخرى / اشارة موحية،الشاعر الكوني الكبير محمود البريكان له قصيدة عنوانها الرقم 96 وهما العددان المزاحان من التاريخين ( 1636 - 1936 )

العددان 96 يرسمان رجل ومشنقة هكذا . . . . .

 

ربما لعبت كرات البليارد دورا في تعليم العد بالمقلوب، ام ملاية جدة وداد، كانت تعلم ابنتها ام وداد بكرات البليارد .

وربما سجل العدد 13 حضوره عندها وعند مدين ابنها الثاني بتأثير حنا المعلمة اليهودية في سوق التوراة .

هل احتلت زكية التي قتلت غويلي العبد وقتلها  وداد،  الرقم 13 في مقبرة رسامي الجداريات؟

لماذا قتلت زكية ؟ ولماذا قتل غويلي العبد؟

اشارات عجزت الرواية عن بثها بترددات دقيقة، ربما ستجد من يلتقطها  .

ثمة غائبان في الرواية، الثالث عشر، غيبته اوربا المسيحية وغاب في مفكرة مادس الدنماركي ..

والثاني عشر وقد غاب في العراق! وغاب في الرواية التي رسمها رمزي وكتبتها نورست او مرتضى وربما انا القارئ ...

بعض الفرق الباطنية المنطلقة من الغيبة المرتبطة بالرقم 12، شطحوا بعيدا مع الارقام فكان العدد 19 رمزهم المقدس شهرهم 19 يوما وعامهم 19 شهرا

19 = 361 يوما .. x 19

19 = واحد،  وفقا لحسابات الجمل وعلم الجفر ..

الواو=6 + الالف = 1 + الحاء = 8 + الدال 4 = 19 المجموع لكلمة واحد.

اما الرسام المجهول او زكية فرقمه 13 ..

القارئ المهتم والمنشد للاشارات يعيد قراءة الكلمة واحد ناقصة الحرف الواو = أحد

أي 19 – 6 = 13

إذن 13 = احد

أحد تعني احدهم، مجهول ما وقد تعني تأكيد المعرفة وتعزيزها ..

احد ايضا اول ايام الاسبوع اليهودي ..

لماذا استخدم العرب والمسلمون هذا الاسم ايضا؟

يتساءل القارئ ويتذكر فايروس امية من رواية (صفر واحد) الفايروس يتشكل دائما باطوار مختلفة ..

بنية الرواية كلها مؤسسة على الغياب المموه وهي مما ابدع مرتضى كزار في عرضه على كل مساحة الرواية من دون ان يلاحظ خلل او عدم تناسق، الامر الذي يؤكد تمكن الروائي من حرفته واجادته لرسم الاحداث بما يتسق تماما مع غرضيات الرواية- وايدولوجيتها المتخفية تحت الاشكال ..

لنتوقف إذن، رمزي مكتوبلي في انتظارنا وهو يقول لمدين من الدنمارك  ...  واعرف انني الثالث عشر الذي فلت من العلم ... وقبضت عليه الارقام في قصاصتك الغبية. (مكنسة الجنة ص126)

 

جابر خليفة جابر

Jabir-kh@yahoo. com

آذار-2010

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1353 الثلاثاء 23/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم