قضايا وآراء

المطربون بين رهان النقد والشهرة

الأساسية لطريقة تعليم واضحة ومبسطة بعد أن ينتقوا من لديه موهبة الغناء والعزف فيكون الخبير قد أسس فرقة ً ابتدأت منه وانتهت بالعازفين فيخرج منهم المغني والمنغِّم وقائد الفرقة (المايسترو) وكاتب الموسيقى الخطـّية (النوتا) .

 لكنها لن تنجح فنياً ولا اقصد عملياً إن لم يولد بينهم ناقد موسيقي متعلم على أصول علمية جاءت من طبيعة خاصة (موهبة فطرية) أو اكتساب دراسي ويقينا أن الاكتساب الدراسي هو ملخص حصيلة علمية من خبرة ملموسة مجربة، وقد شهد عصرنا الحالي تهاون ملحوظ في قضية النقد الفني لعدم التزام المختصين بقواعد النقد الأساسية في الموسيقى وقد غلبت الانطباعية في الاستماع لمادة الفن الموسيقي على نظرية التفكيك البنائي لأركان النقد الفني للمؤلفات الغنائية والموسيقية مما أدى إلى نفور عدد هائل من المطربين إلى القنوات التجارية التي توفر لهم بر الأمان لإبرازهم إلى الساحة الفنية لأنهم رؤوا أن الناقد يقيس على تذوقه وتأثره بالمادة الفنية عند مشاركاتهم في المهرجانات المحلية والدولية احياناً.

 فمن غير الممكن عملياً ألحكم على عملٍ فني خلال دقائق معدودات كما يحصل في برنامج(عراق ستار) أو برنامج (نجوم الخليج) ناهيك عن المجاملات والتجاذبات على أنواعها، نعم إن تذوق الناقد جاء من خبرة ممارسة طويلة والتذوقُ والتفاعلُ هو احد القياسات العلمية في النقد لكنه ليس كله. ولان الذات البشرية مختلفة الاطباع والسلوك والانفعال فالناقد بانطباعيته لا يمثل خط الاستواء الفني لو صح التعبير .

فالاهتمام بالنقد وترويجه هو من أهم مستلزمات نقاط تأسيس الدولة الحضارية فلغة السلام (الموسيقى) يجب أن تكون لها وقفة من حيث الاعتناء والالتزام بالنقد البنّاء الذي يعتمد على الأساسيات العلمية والتي بدورها سوف تنهض بالواقع الفني إلى السمو . فلو أتينا إلى أسس النقد الغنائي  كان علينا التعرف على هذا العمل ووصفهِ ومعرفة مكوناتهِ وأجزاءهِ قبل البدء في تحليلهِ ونقدهِ، فتكوين العمل الغنائي يرجع للأقسام التالية : الفكرة / الكلمات / التنغيم (اللحن ) / التوزيع / الصوت .

بعدها يتم تفكيك كل قسم من هذه الأقسام ابتداءاً بالفكرة :  فأي عمل في الوجود وفي أي مجال يبدأ بفكرة، فلم يكن الوصول للقمر إلا مجرد فكرة كما لم تكن قارئة الفنجان سوى مجرد فكره، فالفكرة هي أهم قسم في أي عمل فني فهي الأساس الذي سيقوم عليه فيما بعد إنشاء باقي أقسام هذا العمل الفني.

تعرف الفكرة في الأغنية بمسمى آخر هو الموضوع، وبمعرفة موضوع الاغنيه سيتحدد تصنيفها ومن التصنيف نستطيع أن نقارن باقي أقسام الاغنيه بالفكرة وأن نحدد إن كانت ملائمة لها أم لا وهذا يعد أهم شق في نقد الأغنية.

 

ثانيا : الكلمات:

تعد كلمات الاغنيه هي المبنى الفني الذي تقوم عليه الاغنيه، إذن فأول نقطه هي وجوب تجانس  الكلمات الموضوعة مع موضوع وفكرة الاغنيه بمعنى انه لا يمكن في الاغنيه حصول التناقض بين إيحاءات التأليف وإيحاءات الشعر أو الكلام المنظوم وأحيانا يكمن الخطأ في تفصيل هذا الجزء إذ يخدع الناقد بجملة موسيقية جديدة وجميلة لكن إيحاءاتها لا تتلاءم مع إيحاءات الكلام المنظوم كأن تكون الجملة الموسيقية منغـَّمة ًعلى كلام حزين وهي توحي للفرح.  إذن عندما ننقض الأغنية ونستعرض الكلمات علينا مبدئياً مراعاة توافقها مع الموضوع وتأكيدها له وشرحها لتفاصيله. ويراعى بعد ها  عدم تكرار المعنى بلفظ مختلف لأنه يعطي الأغنية نوعا من التكرار المُمِلّ بل ومحاولة خداع المستمع بذكر المعنى أكثر من مره بألفاظ مختلفة .نقطة أخرى يجب مراعاتها في التأليف الغنائي وهي مقاربة تنغيم الأغنية  لصوت المغني حيث أن هناك تصرفات نغمية  لا يمكن لأي مطرب غنائها حيث تعتمد على طبقات مرتفعه مما يحتاج إلى صوت ذو إمكانيات خاصة.

التنغيم المتميز(اللحن) هو الذي ينتقل من منحنى لآخر بشكل انسيابي يوحي بالتسلسل الصوتي فلا يمكن ملاحظتهُ، أي انه: يحافظ على وحدة تأليف الأغنية موسيقياً ففي بعض الأغاني نرى أن تلك النقلات تنقلنا إلى أغنية أخرى عن طريق صناعتها لا بانثيالها الحسي  وهذا يعد خلل بالوحدة والتماسك الموسيقى للاغينه.

إذن  فعند التعرض للمؤلفة الغنائية يجب أن نلاحظ توافق تأليفها مع الموضوع والكلمات، اختلاف الحالة الموسيقية في مسايرة الكلمات، الحفاظ على الوحدة الموسيقية عند الانتقالات المقامية  في الاغنيه وما تؤديه هذه الانتقالات، ونقطه أخرى لا يمكن قياسها بالكلمات وهي نقطة الحس الموسيقى والذي لا يخضع لأي مقاييس سوى مقياس واحد وهو إحساس المتلقي.

رابعا : التوزيع :

قد يغفل العديد من متابعي الحركة الموسيقية والغنائية عن أهمية التوزيع بالنسبة للموسيقى فيختصره بعضهم على انه مجرد ريمكسات أو تعامل بالتركات TRACKS، ولكن التوزيع الموسيقى ركن في غاية الأهمية للموسيقى حيث يعرف بأنه تحديد الآلات المستخدمة بما يتناسب وطبيعة المعنى الصوتي التي تؤديه هذه الآلة وتوزيعها مع جملة ٍ موسيقيه بالإضافة إلى عمل توافق MATCHING بين تلك الآلات وبعضها البعض، فالتوزيع الموسيقى هو الإطار الذي يعطي ألقطعة الموسيقية أو الأغنية شكلاً نابضاً بالحياة من خلال الآلات المستخدمة.

و عندما نتعرض لنقد التوزيع الموسيقى يجب مراعاة مجموعةٍ من النقاط مثل توافق الآلات المستخدمة في التوزيع مع حالة الاغنيه بمعنى أننا نلاحظ سطوة آلة الكمان على توزيع الأغاني الحزينة كما يستخدم بعض الموزعين آلة الناي لما لها من تأثير على الحالة الموسيقية كما أنها تعطي تأكيدا على حالة الحزن والانكسار وكما تستخدم الإيقاعات بشكل كبير في الأغاني الصاخبة لكي تعطي الإيحاء بالصخب، ومن النقاط التي تعطي التوزيع جمالاً وتميزاً هي نقطة استغلال التداخل بين الآلات لخدمة التأليف الموسيقى في المقدمة والغناء من جهة ولتكوين جمل الحوار الموسيقي بين الآلات من جهة أخرى وهذا يعطي للأغنية جمالاً وسحراً كما نلاحظ في مقطوعات رضوان نصري وياسر عبد الرحمن ورائد جورج  الموسيقية أو في أغاني المسلسلات التي يقومون بتنغيمها .

خامسا : الصوت :

الصوت هو النفحة التي تعطي الكلمات والموسيقى روحاً ، فلا توجد أغنية جميلة ومتميزة إلا  بصوت رائع ومتميز .

و نقد الصوت قد لا يكون بالمهمة السهلة كما يتصور الكثير، فعندما نستمع إلى احد أصدقائنا لكي نعطيه رأياً في صوتهِ هذه  مهمة تختلف تماماً عن نقد صوت لمطرب معروف في أغنية مشهورة، فعندما نحكم على هذا الصديق نحكم على خامة الصوت وجودته دون النظر إلى باقي أركان الصوت حيث أننا نراعي أن هذا الصديق غير دارس وغير متمرس، أما عندما نقوم بنقد كاظم الساهر أو لطفي بو شناق اوعمرو دياب أو إيهاب توفيق أو أياً كان فالأمر يختلف.

فعندما ننقد احد هؤلاء أو غيرهم علينا مراعاة ما يلي .

اولا : كما هو معروف فإننا نحكم على خامة الصوت وجودته وقوته وهذا أمر هين على أي ٍممن يتمتعون بأذن موسيقيه.

ثانيا : هل استطاع هذا المطرب أن يكمل حالة الأغنية ويوضحها وهل استطاع مؤدي هذا الكلام أن يصل بنا إلى الحالة التي أراد الكاتب والمنغـِّم أن يصلا بنا إليها أم انه قد فشل؟ ويسمى هذا الركن  بالإفهام  .

ثالثا : الأداء من أهم سمات المطرب، بمعنى انه يجب على المطرب المتميز أن يجعلنا نرى الاغنيه كأنها حالة تمثيلية قبل أن تصور فعليا، ونستشعر ذلك ونتعرف عليه من خلال ما يسمى بالحلية أو الاطاله والتقصير في الكلمة مثلا أو الضغط على احد الأحرف لتأكيد المعنى حسب ممتلكات حنجرتهِ للعُرَبِ الصوتية ِ كما شدت سيدة الغناء العربي في غناءها ولا يقاس المغني بالآخر على سعة امتلاكهِ للمساحة الصوتية بقدر ما ينظر إلى استخدام حنجرتهِ وإمكانياتها في الأسلوب المناسب فهناك من المطربين المشهورين مساحتهم الصوتية محدودة لا تتعدى السلم الواحد لكنهم أجادوا دقة الإفهام بصورة رائعة . 

 

تحسين عباس

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1360 الاربعاء 31/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم