قضايا وآراء

لوحات مكتوبلي أو ما تقولهُ الأشارات قراءات في المنجز السردي اللافت للروائي مرتضى كزار (4) رمزي مكتوبلي

ومن لم يفعل فقد خسر الكثير من المتعة القرائية، متعة النص .

الشخصية الاساس في الرواية (رمزي) تنتمي لعائلة مكتوبلي المتسربلة بالاسرار والمشبعة بالغموض والغيابات، تماما كما هو حال الرموز والمجازات المكثفة...

الاسم رمزي نجد سميّا له في الرواية الاولى للمؤلف (صفر واحد) في شخصية رمزية ام عقيل الذي سيستشهد ابنها في انتفاضة17/3/1999ضد الطاغية (صاحب الجداريات في رواية المؤلف الثانية، مكنسة الجنة) وستقام ل عقيل بعد 9/4/2003 جدارية تخليدا له-جدارية هناك وجداريات هنا- ثمة تواشج وتواصل بين الروايتين كما بينا في القراءة الثانية.

 لقب رمزي القدري مكتوبلي = مكتوبٌ عليَ هذا / مكتوب لي، بمعنى لم أكتبه أنا وانما فرض على حياتي وسيرتي من الخارج، فرضه الاعلى المتعالي، الكاتب او الراسم للرواية ولوحاتها. (بالتعبير الدارج كنا نسمي الرسالة البريدية مكتوب، اي كتب لي من قبل شخص اخر بعيد) .هذا اللقب –مكتوبلي- يعلن ابتداءا عن سر هذه العائلة، والتي يعتبر رمزي آخر افرادها، سرها او شبكة اسرارها في سيرتها وحياة اعضائها المسيرة قدريا وفقا للقب القدري المستسلم والمتواكل (مكتوبلي) وهذا اللقب التبريري يتضمن التنصل سلفا مما سيرتكبه ابناؤها من افعال، وفي ذات المسار يبث وبتكثيف عال حزما من الرسائل للقارىء المؤمل إستلامه لها متسقة مع تردداته وتردداتها، لهذا القارىء وحده لا للقارىء المار المتماهل قصير الرؤية والرؤى ..

وقد يعني هذا اللقب (مكتوبلي) ان أحدهم، أحدا ما ((لاننسى أن أحد =13)) كتب الرواية بدلا عني، عن الراوي وعن المؤلف وربما بدلا عن الجميع بما فيهم القارىء !....

أحد الغائب، المتستر، المجهول، أحد الماوراء، هو الذي كتب حكاية هذه العائلة وكتب عليها ان تكون هكذا بشقائها وانحرافات ابنائها ومصائرهم المأساوية ومع كل هذا الشقاء والشذوذ كتب عليها ان تكون سعيدة بمصيرها، وكتب علينا نحن قراء الرواية ان نتلقى رسائلها ونعاود انتاجها وصياغاتها وفقا لما يريد هذا الصانع المجهول

كان اسم الجد الاول لها هو- سعيد مكتوبلي- لكن الرواية لاتقدم اي تبرير للتسمية واللقب فاشتغلت سيمياء الاشارات و...استحضر القارىء وهو يقرأ لقب العائلة مكتوبلي، استحضر كتاب البرازيلي كويهلو وعنوانه (مكتوب) وهذا يربط الاشارات ب بمناطق النفوذ البرتغالي ثانية، البرازيل أو امريكا اللاتينية..والى المسارات البحرية للارمادا البرتغالي وسفنه المسلحة بالمدافع والصلبان والرجال، ومنهم، الرحالة والمؤرخ بيدرو تخسيرا المتستر بالكاثوليكية لأخفاء يهوديته – ربما خوفا من بطش محاكم التفتيش -- والذي نزل لايام في محلة السراجي في البصرة وربما كانت التقارير التي رفعها الى قادته سببا في افتتاح قنصليتهم هناك..

عام 1492باتت الاندلس بكاملها كاثوليكية، سقطت غرناطة وابحر كولمبس تجاه العالم الجديد، و بين عامي 1580-1640 خضعت البرتغال لملك اسبانيا، كان هذا زمان حصول حادثة حصان الانكشاري اثناء تشابيه يوم عاشوراء، وخلاله وصل بيدرو تخسيرا للبصرة ايضا.

السفن الحربية البرتغالية اتجهت بقراصنتها الى الهند والخليج، واتجهت ايضا – في نفس الوقت – مع سفن الاسبان عبر الاطلسي، حيث تخلّق ساحرا ادب امريكا اللاتينية فكان كويهلو وكتابه (مكتوب) وكانت قصة كورثازاو (خط الكف) .. نتذكر خط الطباشير الذي يرسمه وداد ويؤشر حدود الرواية ونتوقف فقد قادتنا الاشارات بعيدا و...

نرى الاندلس جامعة الفن والجغرافيا وصانعة التناص (بين امريكا اللاتينية وتاج الخليج، البصرة) حيث يصل هانز مكنزي الاسكتلندي، قادما عبر الطريق البحري ذاته من الجزيرة الانكليزية، وهنا في البصرة، في الداكير، سيظهر في اولى لوحات الرواية وتحته سعيد مكتوبلي وهو يناوله مفكا او شعرتين ناعمتين!

سمى سعيد ولده باسم مكنزي اعجابا بالاسكتلندي وتنورته القصيرة وسيكون لمكنزي العراقي هذا حفيد اسمه رمزي، عيناه خضراوان كعيني مكنزي، سيعمل مع قوات الاحتلال البريطاني مترجما وسيرحل اليها، الى اسكتلندا تحديدا كلاجىء سياسي..وربما سيرتدي هناك تنورة مماثلة.

هكذا باختصار اول العائلة وآخرها كما كتب لها !

 خطاطة العائلة ترتسم امامنا..

 

 (سعيد مكتوبلي يعمل مع مكنزي البريطاني الاسكتلندي في الداكير في البصرة)

· ولده مكنزي (العراقي) وابنته زكية

· جودت ورفعت ابنا مكنزي

· رمزي بن جودت

· اما نورست فهي حفيدة رفعت

· الزوجات الاربع لسعيد مكتوبلي و مكنزي العراقي وجودت ورفعت غائبات... (نتذكر بورخس وإخفاء الشىء افضل طرق الاشارة إليه) والد نورست و امها غابا ايضا!)

باشتغاله على هذه الخطاطة العائلية سرديا، يؤشر مرتضى كزار براعته في رسم المصائر المتشابكة وتفرده في انتاج نص ذي حيوية في توليد الاشارات وامتداداتها، يعلو بنا نحن القراء ويهبط كما يشاء، نطارد الراوي المجهول = أحد =13 الذي تنص الرواية وتصرح في ص 118 / المقطع 31 (لنتذكر دائما ان الرقم 31 هو مقلوب الرقم 13) .بأنه رمزي مكتوبلي لكن القارىء لايقربهذا التصريح من المؤلف، لايصدقه، ويظلّ منشدا لمعرفة الراوي، يشده الى ذلك سر من اسرار قوة السرد في هذي الرواية الممتعة.

ربما حاول رمزي او نورست (وهي جدته زكية او حفيدة عمه رفعت !) وقبله حاول المؤلف أدلجة الرواية وتوجيه احداثها، لكن ما هو واضح للقارىء ان هناك من يؤدلج هؤلاء معا ويسيرهم مع احداث الرواية كما لو كان هذا مكتوبا لهم او عليهم، مكتوبلي.

ثمة من يكتبهم/يكتبنا، جميعا، يعيد إنتاجهم بأصابع ماهرة وإن أفلتت منه – (كما يرى قارىء مشبع بالروائع الكلاسيكية للادب الروائي العالمي) -- شخصيات ثانوية عديدة، اثَّر وجود بعضها اوظهوره المفاجىء ثمّ الاختفاء دون نمو سردي، اثر ذلك على البناء الفني واربكه احيانا، لكن تماسك العمارة البنائية والفنية للرواية غيبت هذه الهنات وغطت عليها ومن الشخوص الثانوية او غير مكتملة النمو (بنات حميد طبانة/شعوان/نديمه /كيغانوش/فريد جنديل/رعد الاشقر/ ابووفاء البعثي البيطري!/تومان العبد/ ابو ثورة المصور/توأم رمزي الغرائبي المولود من بطن جودت ابي رمزي! (وهذه حادثة لافتة لكنها تركت بلا بداية وبلا نمو اونهاية) / اخرون واخريات..افلتوا من شبكة الرواي وماتوا كما ولدوا خدجا ناقصين.دون تطور وتناسق مع مجريات السرد خاصة توأم رمزي الغرائبي الموجود في الرواية كزائدة دودية ملتهبة كان ينبغي استئصالها ..بينما تستفز شخصية غويلي العبد واهمالها سرديا مع اهميتها في احداث الرواية، اهتمامات القارىء وتثير استغرابه.

 لكن قارئا آخر متحررا نسبيا يرى:ان ثراء الدوال وتوالد الاشارات تمثل مبررا فنيا لوجود حنا اليهودية او سلوان وحتى الصبية الاسكتلندية التي ستقود رمزي الاعمى في منفاه ..وهكذا البعثي ابو وفاء والذكراليتيم للقنصلية البرتغالية وما بثه من اشارات مكثفة ومثيرة لمتعة التلقي .، وكذا كيغانوش الارمنية وسلوان وجبارة الصابئيان وتومان ترسم كشفا او خارطة للتنوع السكاني للبصريين والذي قد يكون معرضا للانقراض او التناقص كما تريد الاشارات ان تبثه او تقوله بايماءاتها من دون إفصاح ..ويرى ان شخصية غويلي احد اهم مربعات الفراغ في هندسة الرواية، وعليه، اي القارىء املاءها.

تتضامن حكاية عائلة مكتوبلي واسرارها مع عائلة اساسية اخرى هي عائلة -العبيد- (والتسمية من القارىء) لنقل هكذا/عائلة حياوي قتيل الحرب مع ايران والمكتوب عليه ان يقتل مع انه الرافض للقتل، وزوجته ملايه الفرحة بانها جزء من رواية وامها وولديها وداد ومدين..الخطاطة العائلية هذي تختصرهم ..

· حياوي الاب

· ملاية زوجة حياوي وامها التي علمتها العد بالمقلوب

· وداو ومدين ولديهما

· القطط او البزازين

اما الخطاطة المكانية لعائلة حياوي فهي خطية حلولية يرسمها القارىء هكذا..

? مجهول ? بيت القنصلية البرتغالية ? حمام زكية ? ضريح الشيخ شوفان ? مجهول ?

وتتشابك مصائر العائلتين في هذا المكان ومنه تتحرك, منذ اقامة زكية بنت سعيد مكتوبلي للحمام محل بيت القنصلية البرتغالية في البصرة محلة السيمر، ومن ثم قتلها ل غويلي العبد المختبىء في الممر السري للحمام حيث كان يجدل اويحوك المكانس من الياف شجيرة اسمها شجيرة الجنة!

 اما لماذا اختبأ غالي او غويلي؟ فالاسئلة تتوالد لتربطه باعدام الرسامين وبمقتل زكية او نورست من بعد وبغياب وداد وهروب مدين ورمزي الى الدانمارك وبريطانيا بسبب تعاونهم مع قوات الاحتلال، غويلي ايضا كان متعاونا مع احتلال اسبق، نستطيع ان نقول ان الرواية سيرة للاحتلالات المتتالية للبصرة ابتداءا من الاحتلال العثماني مشارا اليه بالجندي الانكشاري، والاحتلال الفارسي تمثله مدرسة بهلوي التي كانت زكية مكتوبلي معلمة فيها ثم التواجد البرتغالي-القنصلية- فالانكليزي مع الحرب الاولى ممثلا بالمترجم غويلي العبد وعمل هانز مكنزي في الداكير، والى الاحتلال الاخير البريطاني الدانماركي اوائل القرن الحالي حيث هرب المترجمين مدين ورمزي الى الدانمارك واسكتلندا...

 جغرافية العائلة مستقرة لكن عناوينها ومصائرها متحركة تتغير تبعا لغير وظائف المكان من قنصلية الى حمام – ربما للتطهر من أدران البرتغاليين وجرائمهم في الخليج – وربما رأت زكية ان الماء والصابون غير كاف لازالة الادران فطهرت المكان بدم غويلي ليتحول حمامها ثم الى ضريح يزار وجدرانه ملأى بخصلات الشعر بشتى انواعها، تبعا لتعدد الاحتلالات وتتاليها و تأثيرها على احداث الرواية زمانا وامكنة.

وكل هذه التغيرات مرتبطة برمزي الشخصية المحورية في الرواية اذ يتشابك مصير رمزي مع مصائر سكان الرواية واماكنها وازمانها من القرن السابع عشر الى اوائل القرن الحادي والعشرين، فكونه اخر افراد عائلة مكتوبلي يجعلهم جميعا بما فيهم نورست ذات الشخصيتين او النصفين (الحار والبارد) ، يجعلهم مختزلين فيه، يتبادل معهم التاثر والتاثير فيرث عينين خضراوين من علاقة عائلته بمكنزي الاجنبي ويستغله عمه رفعت بعلاقة شاذة، فيما يقوم رمزي باعداد نورست وتدريبها لتكتب الرواية بدلاعنه .

 وعبر المكان (بيت القنصلية او ضريح شوفان بعد ذاك) تعشّق رمزي بعائلة حياوي، واشتبك مصيره بمصيرها، خاصة بولديها، وداد الذي سيمارس المثلية الجنسية معه امتدادا لما فعله معه عمه رفعت وهو طفل صغير، تاكيدا على الجو الناشز والشاذ الذي تفصح الرواية عنه او تلمح، ومدين حيث سيلتقيه في المنفى الاوربي للمترجمين العاملين مع قوات الاحتلال،

 وعبر هذه العائلة ستمتد تاثيرات شخصية رمزي الى كيغانوش وسلوان الصابئي وغويلي العبد، بل حتى الى رواية المؤلف الاولى صفر واحد من خلال تماثل الاسم – رمزية، رمزي—وما يعنيه هذا الاسم من ايحاء بالاشارة، كما ارتبط رمزي مكتوبلي بالرسامين المعدومين بواسطة وداد الذي زودهم بالاصباغ الغذائية فتسبب بتكاثر الذباب على جداريات الرئيس وبالتالي اعدامهم، وان رمزي ذاته قد يكون احدهم، اي الرسام الثالث عشر (العدد 13 مثير للتشاؤم عند المسيحين عادة (لماذا يتشاءم غيرهم !) كما ارتبط من جانب اخر مع عائلة حياوي وملاية وولديهما عن طريق عمته زكية صاحبة الحمام والتي ستدفن وقوفا قرب جثث رسامي جداريات الرئيس.

تشابكات رمزي كمحور لاحداث الرواية مع كل شخوصها الاخرى يمكن اعداده بخطاطة رابعة تشمل كل زمان الرواية وامتداداته، اذ نشرفي جريدة البصرة وصاحبها ابوه جودت، نشر خبر ولادته عام 1936في نفس العدد مع خبرين اخرين يشملان عموم مساحة الرواية واحداثها .

الاول: خبر حادثة حصان الجندي العثماني الانكشاري التي وقعت اثناء تشابه المسرح العاشورائي عام 1636 في وقت مقارب لزمن فتح القنصلية البرتغالية في البصرة وهذ مبتدأ زمن الرواية..

الثاني :خبر ضريح شوفان والكشف عن تاريخ المكان وتحولاته من بيت للقنصلية البرتغالية ومرورا بتحوله الى حمام بعد شرائه من قبل زكية بنت سعيد مكتوبلي والى ان اصبح ضريحا مشكوكا بقدسيته .

الاخبار الثلاثة تجمع وتلم كل الرواية في قبضة يد صغيرة لطفل اسمه رمزي ..

 هذه الخطاطات الاربع تحاك وتتشابك فيما بينها --كما حاك غويلي مكانس الجنة --على يد سارد ماهر اسمه مرتضى كزار لتكون ضمن خطاطة اوسع او خارطة أعم يرسمها القارىء وعينه على الاطلس الموجود في الرواية وفي مكتبة في العشار قلب البصرة ..

الخطاطات الاربع، لعائلة مكتوبلي وعائلة حياوي والمكان الجامع بينهما وخطاطة رمزي وارتباطاته، هذه الخطاطات تجتمع ضمن خطاطة او خارطة اوسع تبتدأ من شمال الجزيرة الانكليزية، اسكتلندا، وتنتهي فيها ايضا...

 (اسكوتلاندا? البصرة?اسكوتلاندا)

تبدا بحرا من اسكلتندا الى البصرة وشط العرب، ومن البصرة جوا الى غلاسكو عاصمة اسكتلندا وبحيرة خوخ نيس...

 

 كانت تحولات المكان الاول –قنصلية – حمام – ضريح –والذي ارتبط بعائلة مكتوبلي من لحظة شراء بيت القنصلية وانشاء حمام زكية محله، وربما من وقت اسبق، كانت تحولات قدرية ومكتوبة من قبل ارادة خفية لم تدرك ولم تر ظاهرة على سطح السرد الا من خلال آثارها التي قصها القارىء ورد جذورها بخيالاته الى حكاية جاسوس ارسله القائد البرتغالي (روي فيريرا او الفونسو السفاح او غيره) ليتقصى اوضاع البصرة واهلها قبل غزوها ..

احد ايام اقامته في البصرة اراد الجاسوس البرتغالي ولعله كان – بيدرو تخسيرا المؤرخ والرحالة المتستر بالكاثوليكية لاخفاء يهوديته – اراد شراء حاجة في الصباح من احد دكاكين، لكنه فوجىء بالحانوتي يعتذر منه مع وجود الحاجة عنده للبيع ويرجوه ان يشتريها من الدكان المجاور، ولما استفسر منه عن السبب مستغربا تصرفه، قال البصراوي ان صاحبه لم يبع شيئا هذه الصباح ويريده ان يستفتح ويفرح !

إنذهل البرتغالي، الجاسوس، وكتب قصة هؤلاء الناس المتحابين ضمن تقاريره المرسلة لقائده...حكاية الايثار عند البصريين وادمانهم صناعة الفرح ربما كانت سببا – غير منطقي طبعا – لاكتفاء البرتغاليين بفتح قنصليتهم في البصرة بدلا عن احتلالها واباحتها كما فعلوا بوحشية على امتداد ساحلي الخليج العربي، او خليج البصرة كأسم اقدم ذكرته خرائط الخليج!

وصل بيدرو تخسيرا اليهودي المتستر بالكاثوليكية إرتعابا من محاكم التفتيش، وصل البصرة اوائل القرن السابع عشر وربما شاهد تشابيه عاشوراء وحادثة الحصان الانكشاري، ربما اذهلته قساوة القتلة ومنظر الرضيع الذبيح وذكرته بمحاكم التفتيش وبشاعتها فاشتغل لمعرفة المزيد كي يضمّنها في تقاريره، لذا مر بالنجف (يسميها بيدرو مدينة علي) ومر بكربلاء (ويسميها مدينة الحسين) وهو في طريقه الى لشبونة، وربما زار القديسة فاتيما (فاطمة) في البرتغال بعد ان سمع اسمها يتردد كثيرا و بقدسية في مدينتي علي والحسين عليهما السلام .

هذه الاماكن ومرجعياتها التاريخية المفعمة بالمآسي القت بظلالها على شخصية رمزي وروايته/اقصد لوحاته او رواية نورست..بل سترتد رجوعا الى رواية صفر واحد لتمتزج باحداثها!

وداد سيذهب الى النجف ايضا كما ذهب بيدرو، وسيتقنع بزيه الجديد، ربما ليمحو او يخفي ماضيه وهو يرسم جداريات الرئيس وصوره، ليس وحده، كل شخصيات الرواية ستتخفى وتتقنع بشكل او بآخر، مدين سيختفي كاخيه، لكن في الدانمارك وربما سيعبر البحر الى كرينلاند، او يعبر شط العرب الى قرية كردلاند على ضفته الاخرى (كرينلاند محورة عراقيا) .

كل هذا تنشره الاشارات امام القارىء وتنشر قصة (الحفرة والبندول لادغار الن بو) وهي تعلن نهاية المحاكم الكاثوليكية وقضاتها البشعين على يد الجيوش النابليونية..

ان رحلة البرتغالي بيدرو اتخذت مسارا مماثلا لمسار الخطاطة الرئيسة (اسكتلندا—بصرة—اسكتلندا) اذ بدأت من الساحل البرتغالي على المحيط الاطلسي ذاته، فوصل البصرة ثم عاد برا الى الاندلس / اقصد البرتغال، هذا ما يقوله كتابه: تاريخ الخليج والبحر الاحمر..

 خط ناقلات النفط في رواية صفر واحد هو ذاته خط الأساطيل البرتغالية والهولندية والانكليزية وحتى الفرنسية من اوربا الى الخليج واهله (ربما مر بعضها عبر قناة السويس ثم مضيق مكة)، وهونفسه خط سفن شركة الهند الشرقية البريطانية التي اتت بهانز مكنزي الى البصرة اوائل القرن العشرين –نتذكر خط فايروس امية في صفر واحد—ونرى الاساطيل الامريكية والاوربية وهي تغزو العراق عبر نفس المسار، وتحمل معها الميجر الدانماركية مالينوسكي ومادس وبراسه...

 خط واحد،، لمسار فايروسي ثابت، باطوارمتغيرة عبر الزمان وتحولاته.

يستطيع رمزي او المؤلف ان يؤدلج الرواية وفقا لمتبنياته الفكرية، لكن ثمة من يكتبه، ويعيد انتاجه من دون ان يعلم، لقد تحكم رمزي ب نورست –جدته او ابنة اخيه!-لكن من الذي تحكم ب رمزي، القدر ربما؟ وربماٍ ما كتب له او عليه؟، وربما توأمه الغرائبي هو المتحكم؟ او حنا اليهودية الطويلة التي علمت ام وداد اوائل القراءة؟..هل ثمة رابط ما بين حنا وبيدرو تخسيرا اليهوديان؟

مثلت شخصية رمزي الاشكالية بؤرة اشعاع سردي تتشابك مع كل مساحة الرواية واحداثها لتؤشر قدرة مدهشة لهذا الحكاء الجديد مرتضى كزار والذي اراد ان يقول بوعيه شيئا ما – قصديا – لكن رمزي الشخص او الراوي الرئيس توسع في القول ورش إيماءاته ودواله على اللوحة/الرواية كلها، ليقشر الاصباغ التي حاول بها المؤلف ان يغطي جماليات منجزه السردي بحجاب من افكاره لم يثبت امام نظرات القراءة ونسائمها الا قصيرا..

لقد تمرد رمزي عليه- على المؤلف - واظهر لنا نحن قراءه الالوان الحقيقية للخطاطات، خطاطات الاماكن والعائليتن ومساره، مسار رمزي مكتوبلي وامتدادات هذا المسار وما يثيره في ذهن القارىء ومخيلته من اسئلة وتداعيات لنقول مع عزرا باوند:ان العمل الفني المثمر حقا هو ذلك الذي يحتاج تفسيره الى مائة عمل من جنس ادبي اخر.

وهكذا هو هذا العمل السردي لمرتضى كزار..

لندع رمزي مكتوبلي على ضفاف بحيرة لوخ نيس في اسكتلندا مع الصبية الاسكوتلانية ايضا، متبادلا الدور مع هانز مكنزي الاسكتلندي الذي كان على ضفاف شط العرب مع الصبية البصراوية زكية مكتوبلي والتي قتلت فيما بعد ودفنت واقفة لتشكل مع جثث الرسامين علامة صليب من نوع غريب فعلا..هل سترسم الصبية الاسكتلندية علامة الصليب ايضا !ربما،، يوما ما قال موزارت: انا لااعرف ماذا ساغني، غير ان الاغنية وحدها تنضج..

هذا تماما - كما يرى القارىء- ما حدث لمرتضى كزار وهو يؤلف روايته (مكنسة الجنة) فقد غرق متلذذا في متاهاتها واغرقنا معه بابداع وتفرد..

 

آذار 2010

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1361 الخميس 01/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم